زياد الشامي
تصدير المادة
المشاهدات : 6260
شـــــارك المادة
لا شك أن ما حدث بالأمس في باريس من هجمات متزامنة على المدنيين الفرنسيين في أكثر من ستة أمكنة عمل مرفوض ومدان في كافة الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، ولا شك أن وقوع أكثر من 160 قتيلا وأكثر من 200 مصاب –حسب آخر الإحصائيات- هم في الحقيقة ضحايا هذا الاعتداء، إلا أن من يدقق النظر في مآلات هذه الهجمات وتداعياتها المستقبلية، لا يشك لحظة واحدة أن الضحايا الحقيقيين لأمثال هذه الهجمات هم المسلمون من أهل السنة، ليس في أوروبا وأمريكا فحسب، بل وفي داخل الدول العربية والإسلامية، وخصوصا تلك التي تشهد مخاضا عسيرا للتخلص من الدكتاتورية والوحشية إلى الحرية والحياة، وأن الأكثر استفادة من أمثال هذه الهجمات هم المجرمون والمتطرفون والإرهابيون الحقيقيون في العالم.
لم تكن هذه الهجمات –وإن كانت هي الأشد والأعنف- هي الأولى من نوعها في فرنسا، فقد سبقتها هجمات شارلي ايبدو في بداية هذا العام، والتي خلفت 12 ضحية منهم أربعة رساميين كاريكاتوريين من مجلة شارلي ايبدو الساخرة.
وإذا كانت تلك الحادثة قد حامت حول ملابساتها وكيفية حدوثها الكثير من الأسئلة، كما وجهت الكثير من الانتقادات وعبارات السخرية من عثور الشرطة الفرنسية حينها على وثائق منفذي الهجوم الأخوين "كواشي" في السيارة التي تنقلا بها إلى مقر الحادث -حسب الرواية الرسمية الفرنسية– حتى قال "جان ماري لوبان" الرئيس الشرفي لــ"الجبهة الوطنية الفرنسية" حينها: "وكأنهم يريدون أن يقولوا لنا: إن الإرهابيين أحمقان، وأنهما تركا دليل إدانتهما في السيارة التي كانا يقلانها" مضيفا: "أن العملية تحمل بصمات المخابرات، متهما السلطات الفرنسية بأنها سمحت للحادث أن يقع"....... فماذا يمكن القول الآن في هجمات في ست مواقع بارزة من باريس العاصمة هي: ملعب فرنسا الدولي، وشارع شارون، وشارع فولتير، وشارع ألبير، وشارع لافونتين أوروا، فضلا عن مسرح باتاكلان؟!!
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الآثار التي خلفها هجوم شارلي إيبدو على المسلمين عموما في القارة العجوز، وعلى مسلمي فرنسا بوجه الخصوص، حيث ازدادت الحملة العنصرية البغيضة ضد مسلمي أوروبا المتنامية أصلا منذ سنوات، وكثرت أنباء الاعتداء على مساجد المسلمين في كل من السويد وألمانيا وفرنسا وغيرها، وتوالت الأخبار عن تعرض الكثير من المسلمين للتهديد عبر مختلف وسائل الاتصال... فإنه من نافلة القول أن هجمات باريس ستكون أكثر تأثيرا سلبيا على المسلمين هناك، لكونها أشد من سابقتها عنفا ودموية كما وكيفا.
من هنا يمكن القول بأن أول المستفيدين من هجمات باريس هم:
اليمين المتطرف العنصري في القارة العجوز، الذي يقود منذ فترة حملة شعواء ضد الوجود الإسلامي المتنامي في أوروبا، ويشن هجمات ممنهجة ضد اللاجئين المسلمين الجدد إلى مختلف الدول الغربية.
وتكمن استفادة هؤلاء من أمثال هجمات باريس باتخاذها ذريعة لزيادة اعتداءاتهم ضد المسلمين هناك، وبجعلها مسوغا لتبرير إرهابهم ورفضهم لوجود المسلمين بينهم، والتي لن تقابل من الحكومات الغربية بحزم أو ردع بالتأكيد، بل ستكتفي بعبارات دبلوماسية من أمثال "لا ينبغي الخلط بين الإرهاب والإسلام" وما شابه ذلك من عبارات لا تنسجم مع الواقع الذي ينسب كل الأعمال الإرهابية إلى المسلمين دون غيرهم.
أما عن المستفيد الثاني من هجمات باريس فهم الإرهابيون الحقيقيون في العالم، من الصهاينة والصليبيين والنصيريين والرافضة والبوذيين وغيرهم، الذين يجدون في مثل هذه الأحداث خير غطاء لإرهابهم الممنهج، وأفضل وسيلة لتبرير جرائمهم الوحشية بحق الأبرياء والمستضعفين.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تزامن هذه الهجمات مع بعض اللقاءات السياسية المهمة، كاجتماع "فيينا" اليوم بخصوص الأزمة السورية... فإن الاستفادة من هذه الهجمات من قبل أعداء الإنسانية تبدو أكثر وضوحا ومنطقية.
نعم... إن أي متابع لما يجري من أروقة اجتماعات "فيينا" مؤخرا، والخلاف المحتدم بين داعمي بقاء طاغية الشام على سدة الحكم في سورية -أو على الأقل مشاركة نظامه في مستقبل هذا البلد السياسي- بذريعة واهية مضحكة هي "محاربة الإرهاب"... وبين رافضي بقاء الطاغية أو مشاركة نظامه في أي دور في مستقبل سورية، لكونه مصدر "الإرهاب" الحقيقي في المنطقة، والسبب الرئيس في ظهور "داعش" وأمثالها... يدرك أن أمثال هجمات باريس في هذا التوقيت بالذات، لا بد أن تجيره كل من روسيا وإيران -ومن ورائها أمريكا والغرب- لصالح بقاء الطاغية بذريعة أن محاربة "الإرهاب" الآن أولى من إسقاط نظام الطاغية!!
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضا اجتماع لجنة خاصة بالأزمة السورية لتحديد الجماعات "الإرهابية" من "المعتدلة" من الفصائل التي تقاتل ضد طاغية الشام... فإن العقل والمنطق والقرائن ترجح استفادة داعمي الطاغية من هذه الهجمات، من خلال محاولة توسيع دائرة "الإرهاب" لتشمل معظم الفصائل التي تقاتل هولاكو العصر.
وبغض النظر عن صانع "الإرهاب" ومنبعه... فإن طريقة الغرب في تعامله مع هذه الظاهرة لم تتغير أبدا، فهو يتغاضى عن إرهابه الممنهج ضد المدنيين الأبرياء في مختلف الدول العربية والإسلامية التي احتلها أو تدخل عسكريا فيها –وما أكثرها-، كما يتغاضى عن "إرهاب" أزلامه وعملائه وحلفائه في المنطقة من أمثال نيرون الشام ورافضة إيران واليهود الصهاينة، ولا يصف ممارسات هؤلاء الوحشية ضد المسلمين من أهل السنة "إرهابا"، حتى ولو استخدم هؤلاء جميع الأسلحة المحرمة دوليا كالسلاح الكيماوي، وحتى لو وصل عدد ضحاياهم إلى حوالي نصف مليون مدني... بينما يسارع إلى وصف أمثال هجمات باريس وتفجير الضاحية الجنوبية ببيروت "بالإرهاب"، وينسبها فورا للمسلمين من أهل السنة، و يسارع إلى محاربتهم بعد ذلك بكل الوسائل الممكنة.
المسلم
غازي التوبة
طارق الحميد
سعد محيو
ابتسام تريسي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة