جمال سلطان
تصدير المادة
المشاهدات : 3333
شـــــارك المادة
المشهد الأكثر تداولا وإثارة أمس عبر مواقع الأخبار والوكالات الدولية وصفحات التواصل الاجتماعي، هو مشهد الإهانة المذلة التي تلقاها رئيس النظام السوري بشار الأسد في مطار "حميميم" في اللاذقية على ساحل البحر المتوسط، والمشهد وما سبقه يمثل كتلة من الهوان الذي لحق برئيس تكبّر على شعبه، ورفض أن يستجيب لنداءات الحرية والكرامة والعدالة، ورفض أن يقبل بتداول سلمي للسلطة، فحرك دباباته لقمع شعبه، فكان أن فتح أبواب الجحيم، وحوّل سوريا إلى غابة يسكنها كل ضباع الأرض من كل جنس وملة وقومية، دولا ومليشيات وجيوشا وعصابات. بوتين عندما قرر زيارة سوريا لم يذهب بطائرته إلى دمشق العاصمة، وقد كان قادرا على ذلك، بل قرر أن ينزل في قاعدة جيشه على ساحل المتوسط، ثم استدعى بشار الأسد من دمشق لكي يكون في استقباله تحت الطائرة هناك، ولبشار قصره الرئاسي في اللاذقية إلا أن بوتين لم يذهب، واكتفى بمقابلته في القاعدة العسكرية، وعندما هبطت الطائرة لم يتقدم بشار الأسد بحكم أنه الرئيس المفترض للدولة التي تقع هذه الأرض في سيادتها، وإنما تقدم لبوتين ضابط كبير في الجيش الروسي وأعطاه التحية وتحدث معه، ثم بعد ذلك سلم على بشار الذي ارتمى في حضنه من جديد، كما يأوي الطفل إلى صدر أمه، وبعدها صافح بوتين قادة جيشه هناك، ثم سار معهم عدة خطوات وبشار الأسد يسير في الطابور الثاني، خلف بوتين والقادة العسكرين، وهو مشهد مهين للغاية لرئيس دولة مفترض، ثم بعد ذلك انطلق بوتين بخطى مسرعة إلى منصة لكي يحيي علم بلاده ويلقي كلمة فأسرع بشار الأسد لكي يلحق به ويسير معه، فإذا بأحد الضباط الروس يمسكه من ذراعه ويجره للخلف ويمنعه من الاقتراب من بوتين فاستجاب له بشار بإذعان واضح وابتسامة تعبر عن ارتباكه ووقف في مكانه، وهي اللقطة التي توقف عندها الملايين أمس غير مصدقين لها من فرط الإذلال فيها. هذا المشهد كله يوضح للجميع المآل الذي انتهى إليه بشار الأسد، مجرد خادم ذليل تافه يتلاعب به الروس، يخدمهم ويحتقرونه، رغم أنه يعطيهم كل شيء ويسلم لهم بكل شيء ومنحهم قواعد في سوريا لمدة مائة عام مقبلة، باع نفسه للروس، لكنه تكبر على أن يستجيب لنداءات شعبه من أجل الحرية أو حتى الحوار السلمي حول المطالب التي كان المتظاهرون في الربيع العربي السوري ينادون بها أسوة بأشقائهم في مصر وتونس واليمن وليبيا، وصدقت فيه الكلمة التي تنسب إلى الزعيم النازي هتلر عندما سألوه عن أحقر الناس الذين قابلهم في حياته.. أجاب: أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم! وهكذا هم الطغاة، أذلاء صغار أمام الأجنبي أشداء قساة على شعوبهم، يقدمون أسوأ التنازلات للقوى الأجنبية من أجل تثبيت ملكهم أو تعزيز بقائهم على كراسيهم، ولكنهم لا يقدمون أي تنازل مهما كان صغيرا لشعوبهم ويستأسدون عليهم، لذلك يبقى دائما مثل هؤلاء الديكتاتوريين التافهين أكبر خطر على أمن أوطانهم القومي، فضعفهم في الداخل وفقدانهم للشرعية الحقيقية المستمدة من شعوبهم يجعلهم خاضعين للابتزاز الخارجي، ومستعدين لتقديم أي شيء وبيع أي شيء من أجل حمايتهم من السقوط أمام شعوبهم، لأنهم يعرفون مصيرهم إذا سقطوا من كراسيهم، فتراث القمع والسحق والدم والإذلال والمعتقلات والسجون الذي خاضوا فيه أكثر مرارة من أن ينساه أحد. لا يمكن لطاغية مجرم مثل بشار الأسد، ارتكب كل هذه الجرائم في حق شعبه، وقتل نصف مليون تقريبا، نصفهم من الأطفال والنساء، وهدم عشرات المدن على رؤوس سكانها، وهجر حوالي ثمانية ملايين سوري خارج بلاده، فضلا عن الآلاف الذين قتلهم تعذيبا في السجون وشاهد العالم ملفاتهم بالصور الموثقة، وباع سوريا ورهنها للروس والإيرانيين، لا يمكن أن يكون له مستقبل في حكم سوريا، وهذه بديهية سياسية ليست بحاجة إلى تأكيد أمريكي ولا نفي روسي، ولكن المشهد الذي جرى أمس كشف عن أن الروس بدأوا العمل الآن وفق تصور واضح أن بشار ليس في صورة مشهد سوريا الجديدة، وأن بقاءه هو مجرد ستار أو "خيال مآته" مؤقت لحين ترتيب الأوضاع في دمشق والتوصل إلى تسوية شاملة للأزمة التي طالت فصولها وتعقدت مساراتها الوطنية والإقليمية والدولية.
محمد الأمين
أحمد الفراج
مركز الجزيرة للدراسات
خورشيد دلي
المصادر: المصريون
المصريون
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة