..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

راية العقاب.. هل هي حقاً راية النبي عليه الصلاة والسلام أم أنها بدعه؟!

‏فايز الصلاح

١٣ أكتوبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 63432

راية العقاب.. هل هي حقاً راية النبي عليه الصلاة والسلام أم أنها بدعه؟!
hqdefault.jpg

شـــــارك المادة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
لقد طلع علينا حزب التحرير في"ولاية سوريا"!!! بمنشور بعنوان "راية العُقَاب،راية النبي صلى الله عليه وسلم"!! يقرر فيه أن راية النبي صلى الله عليه وسلم التي يجب رفعها والدفاع عنها والاستماتة في القتال من أجلها هي راية سوداء مكتوب عليها بالأبيض لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أو راية بيضاء مكتوب عليها بالسواد نفس الكلمة، واسم هذه الراية هو" العقاب" وهي راية الأمة على مدى ألف عام!! ومن ابتغى غيرها فهو يقاتل تحت راية جاهلية عُمِّيَّةٍ!!.

وفي هذا الكلام من الجهل المركب بالشرع وبالتاريخ، والبعد عن حقيقة السياسة الشرعية مما هو متأصل في منهج الحزب.
وإليك بيان ذلك بالخبر اليقين:
أولاً: اتخاذ الرايات والألوية في الحروب والغزوات سنة نبوية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد الرايات بنفسه، قال الحافظ في "فتح الباري" 6/ 127بعد أن ذكر جملة من الأحاديث:"وفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَاب اتِّخَاذ الألوية فِي الحروب" .
وينبغي أن يعلم أن هذه الألوية والرايات لم تكن تعقد إلا في الحروب، ولم تكن شعاراً لدولة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين من بعده، وإنما اتخذت شعاراً للدول فيما بعد.
ثانياً: أما تسمية راية النبي صلى الله عليه وسلم "بالْعُقَاب" - وهو الطير الجارح المعروف- فقد ذكره العلماء في كتب التاريخ والسير ولكن ليس فيه إسناد يصح.
قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء :"رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِسَنَد ضَعِيف: كَانَت راية رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَاء تسمى الْعقَاب".
وخاصة أن المؤرخين كصاحب "العقد الفريد" وغيره ذكر أن هذا الاسم كانت تطلقه العرب على راياتها وذكروا أن راية قريش كانت تسمى العقاب.
قال محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" 20/ 395:" ويؤخذ من كلام علماء التاريخ والعاديات أن طائر العُقاب شعار قديم للعرب، وقد عبر بعضهم عنه بالصقر، وإنما الصقر في اللغة: اسم لكل ما يصيد من جوارح الطير، فالظاهر أن قريشًا سمت راية الحرب الكبرى بالعُقاب من ذلك، وأما كون رايته - صلى الله عليه وسلم - تسمى العُقاب فلم يثبت في حديث صحيح، ويحتمل أن يكون سبب هذا القول أن بعضهم أطلق هذا اللفظ على رايته الكبرى بمعناه اللغوي العام، الذي هو العلم الضخم، ففهم آخرون من الإطلاق أن العقاب اسم عَلَم لها "انتهى.
ثالثاً: أما ألوان رايات النبي صلى الله عليه وسلم وألويته فقد ورد فيها اللون الأبيض والأصفر والأسود وأقوى الألوان إسناداً وصحة هو اللون الأسود وباقي الألوان فيها ضعف.
وقد استحب بعض العلماء اللون الأبيض في الألوية والأسود في الرايات، ولكن ليس من باب الاستحباب الشرعي بل الاستحباب العملي الذي يحقق المصلحة، فالألوان لاتراد لذاتها وإنما هي وسيلة من الوسائل المباحة التي تحقق المقصود.
قال محمد بن الحسن في السير الكبير (1/ 71):" وينبغى أن تكون ألوية المسلمين بيضاً والرايات سوداً، على هذا جاءت الأخبار... وإنما استحب في الرايات السوداء لأنه علم لأصحاب القتال، وكل قوم يقاتلون عند رايتهم، وإذا تفرقوا في حال القتال يتمكنون من الرجوع إلى رايتهم، والسواد في ضوء النهار أبين وأشهر من غيره خصوصاً في الغبار.فلهذا استحب ذلك. فأما من حيث الشرع فلا بأس بأن تجعل الرايات بيضاً أو صفراً أو حمراً...".
فلم يقل محمد بن الحسن رحمه الله صاحب أبي حنيفة رحمه الله :أن هذه هي راية الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا ينبغي استبدالها!! بل جعلها من العادات لا من العبادات.
والعلماء جعلوا الرايات من باب الاستحباب وليس من باب الوجوب كما يقوله حزب التحرير أنه يجب على الجميع رفع هذه الراية ولايرفعها إلا كريم ولا يهينها إلا لئيم عدو لله ولرسوله وللمؤمنين!!!
رابعاً: وأما الكتابة في راية النبي صلى الله عليه وسلم كلمة التوحيد، فهذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كذب على التاريخ، ثم كذب على الناس، ثم على العقيدة عندما تجعل هذه الراية المكذوبة عقيدة يفاصل عليها ولاءً وبراءً، وهذا هو شأن أهل البدع يكذبون على الشرع ثم هم يكفرون أو يبدعون ويضللون من يخالفهم.
فالحديث الوارد في الكتابة هو باطل ومكذوب، قال الحافظ ابن حجر في"فتح الباري" 6/ 127:" ولأبي الشيخ من حديث ابن عباس كان مكتوباً على رايته لا إله الا الله محمد رسول الله وسنده واهٍ".
وقد جاء الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما وفي سنده : زكريا بن يحيى المصرى، أبويحيى الوقار،
قال ابن عدي: يضع الحديث.
خامساً: ثم تقول نشرة حزب التحرير عن هذه الراية المكذوبة: إن الصحابة قد بذلوا الغالي والنفيس في سبيل هذه الراية!!! وللأسف حزب التحرير يخلط بين الراية والغاية، فالراية هي قطعة قماش ترفع وليس هي علامة مصححة للمنهج حتى لو كتب فيها كلمة التوحيد وآيات قرآنية وأحاديث نبوية، فهؤلاء الدواعش يرفعونها ولم تكن يوماً علامة على صحة منهجهم بل هم خوارج غارقون في الضلالة،ولو قرؤوا القرآن وقالوا من كلام خير البرية ورفعوا شعار التوحيد.
وإنما المهم هو الغاية والهدف من القتال حتى تكون كلمة الله هي العليا،ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-: قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الرَّجُلِ: يُقاتِلُ شَجاعَة، ويُقاتِلُ حَمِيَّة، ويقاتِلُ رياء: أيُّ ذلك في سَبيلِ الله؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من قَاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العُلْيا» .
وحزب التحرير أورد هذا الحديث من أجل قطعة القماش،والحديث يتكلم عن الغاية والهدف وليس عن قطعة القماش ؛فتأمل!!
فليست العبرة بالراية بلونها أو شكلها أو ما كتب فيها وإنما بمقصدها وغايتها وبمنهج من يحملها، فإن كانت رفعت لحق فهي راية حق،وإن رفعت لباطل فهي راية باطل، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة الرايات التي ترفع من أجل الباطل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ" أخرجه مسلم.
وعَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ" أخرجه مسلم .
قال ابن الأثير :" العمية : بتشديدتين : الجهالة والضلالة، وهي فعيلة من العمى.فقتلة : بكسر القاف : حالة القتيل، أي فقتله قتل جاهلي.عصبية : العصبية : المحاماة والمدافعة عن الإنسان الذي يلزمك أمره، أو تلتزمه لغرض".
فالراية العمية هي الراية غير المعروفة لدى أصحابها،أو القتال للهوى، أوالراية التي لا تلتزم بما عليه جمهور المسلمين في نفس البلد ونحو ذلك، ومن ثم يحرم القتال تحت هذه الراية.
فينبغي أن تكون الراية ميزانها الكتاب والسنة ميزان السنة والجماعة وليس العصبية والأهواء.
وليس كما يقول حزب التحرير في نشرته أن الرايات التي ترفع هي رايات عمية جاهلية.
سادساً: أما قولهم عن هذه الراية المكذوبة:" وهي الراية التي لم يعرف المسلمون غيرها لأكثر من ألف عام"!!!.
فهذا كذب له قرون!!وقد علمت مخالفة هذا للأدلة الشرعية الصحيحة،وليس في ذلك إسناد يصح، ثم إن هذا الكلام يخالف التاريخ وواقع الدول التي جاءت بعد دولة الخلافة الراشدة.
فلم يكن المسلمون في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخذون لوناً معيناً كشعار لهم ولم يكن فيه كتابة، فضلاً أن يصبح علماً خاصاً للدولة الإسلامية في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وعهد الخلفاء الراشدين.
ثم جاء الأمويون، وكان الغالب على راياتهم اللون الأبيض، وبعضهم يذكر أن شعارهم كان الخضرة،وعلى كل حال لم تكن رايتهم سوداء مكتوب فيها كلمة التوحيد كما ظنه من لا علم عنده في التاريخ ولا في الشرع.
ثم انقلب العباسيون على الأمويين، واختاروا اللون الأسود شعاراً لهم في راياتهم ولباسهم، ولكن اختلف في سبب اختيارهم السواد، قال الماوردي الشافعي في كتابه "الحاوي الكبير" 2/ 440 :" وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ السَّوَادَ بَنُو الْعَبَّاسِ فِي خِلَافَتِهِمْ شِعَارًا لَهُمْ، وَلِأَنَّ الرَّايَةَ الَّتِي عُقِدَتْ لِلْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَتْ سَوْدَاءَ" انتهى.
وكان الخليفة العباسي المأمون قد استبدل السواد بالخضرة، بعد عودته إلى مدينة السلام قادماً إليها من مدينة خراسان، ولم يستمر العمل به طويلاً، إذ سرعان ما عاد المأمون إلى السواد.
ثم جاء الفاطميون الرافضة (297 -567 هـ /909 -1171)، ولما كانت العداوة متأصلة في نفوسهم تجاه العباسيين الذين كان شعارهم السواد، اتخذ الفاطميون لوناً مخالفاً لهم وهو الأبيض فأصبح شعاراً لهم. وبالإضافة إلى الخلافة الفاطمية، فقد كانت أعلام القرامطة بيضاء، هذا فضلاً عن ملابس خلفاء الفاطميين وخطبائهم.
ثم جاءت الدولة الأيوبية التي قضت على الدولة الفاطمية الباطنية وقد اتخذ الأيوبيون شعار الصفرة في راياتهم، وكان في وسطه صورة طير النسر علامة القوة والثقة في النصر.
ثم توسع الأمر في ذلك حتى أصبحت الأعلام الدولية فأصبح لكل دولة علمها الخاص الذي ترفعه على أبنيتها الحكومية وسفارتها في الدول الأخرى، وضمن الدولة الواحدة تجد الأعلام الخاصة بالمؤسسات كالمؤسسة العسكرية وغيرها .
وختاماً:

إن هذه النشرة كذب على الشرع والواقع، فيجب على حزب التحرير أن يتوبوا إلى الله من نشر الكذب والضلال، وأن يتعلموا العلم من مظانه ويجثوا بركبهم عند العلماء،واثنان لا يتعلمان مستح ومتكبر.
ولا يليق بكم أن لا تعرفوا كذلك مراتب العلماء وكتبهم فتقولون في آخر النشرة عن الحديث : رواه ابن ماجه ومسلم!!! فإن طالب العلم المبتدئ يعرف أن صحيح مسلم مقدم على سنن ابن ماجه في الرتبة!!!
والحمد لله رب العالمين.

 

 

مشاركات نور سورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع