عبد الوهاب بدرخان
تصدير المادة
المشاهدات : 3396
شـــــارك المادة
لا يزال التدخل العسكري الروسي، في أسبوعه الثالث، يؤكد أولويته المعلنة رسمياً وهي محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، أما أولويته الفعلية فهي مساعدة نظام بشار الأسد على الحسم العسكري للصراع مع المعارضة السياسية وفصائلها المقاتلة. وفيما حافظ الطيران الروسي على وتيرة خمسة في المئة أو أقل في استهداف مواقع «داعش»، لم يشر أي بيان حكومي في موسكو إلى هذه الحقيقة.
فكل سوري ضد النظام هو «إرهابي» بالنسبة إلى الأسد، هذا ما تبنته إيران باكراً جداً، وهذا ما تتبناه روسيا حالياً. لم تعترف أي من الدولتين المتدخلتين، في أي وقت، سوى بـ «فئات» من الشعب السوري، وتجاهلتا كلياً أبسط القواعد السياسية في النظر إلى حقائق الأزمة، وتعامتا عن مأساة التهجير والنزوح، ناهيك عن أبسط الحقوق الإنسانية. وفي ذلك دلالات عىد تشابه بين نظام دمشق ونظاميهما. لم يفعل الإيرانيون ثم الروس أكثر من استغلال الثغرات الكثيرة التي خلفتها مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» في استراتيجية دعمها للمعارضة. ومع ظهور «داعش» وانتشاره وتمدده تشكّل «التحالف الدولي» لمحاربته، وبدوره ترك هذا التحالف مزيداً من الثغرات في خططه، فوفّر لموسكو وطهران إمكان بناء استراتيجية مضادة، وبالتالي تشكيل تحالف جديد لا يهدف إلى رفد التحالف الآخر (الأميركي) في «محاربة الإرهاب» بل إلى إقصائه. وبذلك تكون روسيا استعانت بكل الخطط التي وضعها الإيرانيون لمواجهة أميركا ولتحقيق نفوذهم الإقليمي فانبرت لتطبيقها لمصلحتها، وتكون إيران رضخت لحقيقة أنها لن تستطيع الحفاظ بالنفوذ الذي أحرزته من دون اعتراف من جانب دولة كبرى مثل روسيا أو تقاسم معها. في الحالين، أي في رسم استراتيجيتَي دعم المعارضة و «الحرب على داعش»، أو في إدارتهما، كانت الولايات المتحدة في موقع القيادة، وكذلك في استدراجهما إلى الإخفاق.
لم يكن مستغرباً أن يجد المعارضون السوريون صعوبات في تنظيم أنفسهم سياسياً، ثم عسكرياً في وقت لاحق، بالنظر إلى عقود من انعدام الحريات والعمل المدني ومن القمع الأمني المستدام، وكذلك بسبب الصعوبات التي تراكمت بعد اندلاع الثورة ومواجهتها من جانب النظام بالعنف والبطش. وإذ يُلام المعارضون على فشلهم في إيجاد أطر تمثيلية موحدة لجهودهم، إلا أنه يجب الاعتراف بأنهم فعلوا ما استطاعوه وانزلقوا في اصطفافات ما عادت تمكّنهم من رؤية نقاط ضعفهم. لكن الواضح منذ البداية أنهم كانوا بحاجة إلى كل أنواع المساعدة، وهنا أيضاً فعل الداعمون ما يستطيعون في ظل المحظورات الأميركية وأحياناً كثيرة رغم تلك المحظورات. وبالإضافة إلى الانقسامات غير المبررة التي شابت فصائل المعارضة فإن هذه استزادت انقسامات أخرى ناجمة عن تضارب مصالح الدول الداعمة وانحيازاتها.
فعلى سبيل المثال، كان الأميركيون يتقاربون أو ينصحون بالتقارب مع إسلاميين في كل مكان إلا أنهم سعوا إلى تهميش الإسلاميين في سوريا.
وإذ أدت قسوة الصراع إلى زيادة منسوب التوجه الإسلامي في صفوف الفصائل المقاتلة، فقد ضاعفت واشنطن تحفظاتها حيال التسليح النوعي كما تشددت في منع إسقاط النظام عسكرياً. ولم يكن هذا الشرط الأخير بعيداً عن المحددات التي وضعتها إسرائيل للتعامل مع الأزمة السورية. لم يكن هذا التعامل ليعني سوى أن واشنطن لم تكن يوماً متحمسة للمعارضة ولا حتى معنية بالاعتماد عليها، بما فيها تلك التي تصنفها «معتدلة»، ولعل التدهور المريع لخطة التدريب أفضل تعبير عن تخبط الخيارات الأميركية. وبعدما انسحب هذا النهج على جهود «محاربة داعش» التي أعطيت أولوية على قضية الشعب السوري، فقد شعر الروس والإيرانيون كما لو أن أميركا توجه إليهم دعوة صريحة للتدخل وتغيير المعادلات الميدانية والعسكرية، حتى لو أدى ذلك إلى تضرر صورتها وهيبتها. غير أن الأضرار لا تتعلق فقط بالصورة بل بتوازنات المنطقة، وبدول بنت سياساتها الدفاعية منذ عقود على أساس تحالف أو صداقة مع أميركا، لكن أميركا لا تتوقف عن إعطاء إشارات إلى أنها في سبيل التخلي عن المنطقة. لعل تركيا هي المثال الأكثر وضوحاً للخذلان الأميركي، فقد اندفعت إلى الضغط على النظام في بداية الأزمة كي يجنح إلى مسلك سياسي في التعامل مع الاحتجاجات، وكانت تستند خصوصاً إلى الحزم الذي أبدته واشنطن في دعوة الأسد إلى إعلان إصلاحات جذرية و «قيادة تنفيذها»، ثم إلى الحسم الذي جعل باراك أوباما يدعو الأسد إلى «التنحي». وعندما قدمت خططاً مبكرة للتعامل مع الأزمة لم تجد الحزم والحسم أنفسهما على الأجندة الأميركية. وبمعزل عن الانتقادات التي توجه إلى نهج الرئيس التركي فإن أنقرة عانت طوال الأعوام الخمسة من تردد أوباما وإدارته، وحتى في الآونة الأخيرة لم تستجب واشنطن لمشروع إقامة «منطقة آمنة» في شمال سوريا. ومع التدخل الروسي بات هذا المشروع مستبعداً تماماً. كثيرة هي التساؤلات التي يطرحها حالياً حلفاء أميركا وأصدقاؤها بشأن المرحلة التالية. فالسائد أن واشنطن تتجنب المواجهة وتعتقد أن روسيا تورطت، والمؤكد أن الأوروبيين يشاركونها هذا الرأي لكنهم لا يرون في التفرج على التورط الروسي خياراً يمكن اعتماده لاحتواء الأضرار المتوقعة. فمن جهة تصاعدت المخاوف من أن التدخل الروسي، قياساً على توجهاته الراهنة، سيفسد أي «حل سياسي» في سوريا، والأخطر أنه قد يدفع بالأمر الواقع إلى تقسيم فعلي للجغرافية السورية وبالتالي إلى إشعال مزيد من الحرائق الإقليمية. ومن جهة أخرى أصبح ثابتاً أن الدور الروسي-الإيراني سيطيل الحرب ويؤجج الاحتقانات الدينية والمذهبية وما يترتب عليها من تداعيات على المنطقة بمجملها.
العرب القطرية
غسان شربل
سليم نصار
مصطفى طه باشا
طارق الحميد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة