علي حسين باكير
تصدير المادة
المشاهدات : 4619
شـــــارك المادة
من البديهي القول: إنّ الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في سوريا لم تغادر البلاد حتى تعود إليها، لكن من الواضح أن بعض هذه الميليشيات كانت قد انسحبت العام الماضي من الساحة السورية لأنّها أعطت الأولوية للتطورات العراقية؛ حيث كانت تواجه حكومة المالكي خطر الانهيار، كما أن الهزيمة المدوّية لفيالق هذه الميليشيات بقيادة قاسم سليماني على الجبهة السورية الجنوبية جعلها تنكفئ وتتراجع، وقد انعكس هذا الوضع بشكل جلي لاحقا على أداء حزب الله أكبر هذه الميليشيات الشيعية على الإطلاق. أمّا اليوم، فإننا نشهد من جديد على ما يبدو تزايد أعداد هذه الميليشيات القادمة إلى سوريا؛ إذ نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى على سبيل المثال لا الحصر، تقريرا رصد من خلاله الحملات الدعائية والإعلامية التي تقوم بها كبرى الميليشيات الشيعية العراقية التابعة لإيران لتجنيد المقاتلين وإرسالهم إلى سوريا. ووفقا للتقرير، فإن كتائب الإمام علي الشهيرة بتصويرها لمقاطع فيديو تعذب فيها المعتقلين وتفصل رؤوسهم عن جسدهم وتقطّع أوصالهم وتشويهم بالنار أحياء، كانت قد كثّفت من حملاتها الإعلامية العلنية مؤخرا لتجنيد المزيد من المقاتلين لإرسالهم إلى سوريا، وكذلك الحال أيضا فيما يتعلق بحركة حزب الله النجباء.
أما فيما يتعلق بعمل الميليشيات الشيعية التابعة لإيران داخل سوريا، فقد لاحظ التقرير تزايد نشاط لواء أبوالفضل العباس خلال الشهرين الماضيين وكذلك نشاط لواء أسد الله الغالب. المثير للانتباه أن توقيت إعادة حشد وتعبئة الميليشيات الشيعية للعمل بشكل أكثر فعالية داخل سوريا أو لإرسال المزيد من المقاتلين إليها قد بدأت منذ نهاية شهر يوليو الماضي وتكثّف في نهاية شهر أغسطس. هذا يعني أنّ هذه الميليشيات عادت للعمل بزخم جديد بعد الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو الماضي، وهو أمر ينسف كل الادعاءات التي كانت تقول إن الاتفاق سيؤمن الاستقرار وسيجعل من إيران دولة أكثر عقلانية وانفتاحا في سياساتها الخارجية وأنّه سيغيّر حساباتها في الملف السوري. إذ كما أصبح معلوما، فإن الاتفاق أزال الكثير من القيود التي كانت مفروضة على إيران، وهو يتيح لها الوصول إلى عشرات المليارات من الدولارات. من الواضح أن جزءا من هذه الأموال يتم تخصيصه الآن لإعادة تشغيل وتفعيل ميليشياتها الإقليمية. أما التوقيت الزمني الثاني، أي أغسطس، فإنه يتقاطع مع زيارة قاسم سليماني إلى موسكو. ويبدو جليا اليوم أن أحد أهداف الزيارة تنسيق الخطوات والتعاون الثنائي في الملف السوري. ففي الوقت الذي تقوم به الطائرات الروسية بالقصف جوا، تقوم إيران بتعزيز تواجدها على الأرض في سوريا سواء عبر ميليشياتها أو عبر قوات الحرس الثوري، وقد أكّدت العديد من التقارير خلال الأيام القليلة الماضية صحّة هذا التوجّه، مشيرة إلى أن طهران أرسلت المئات من جنودها للمشاركة في العمليات التي تقوم بها القوات الروسية. لعل أحد أهم مؤشرات هذا التنسيق المتزايد بين القوات الروسية والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية هو إنشاء غرفة عمليات تضم كلا من روسيا وإيران والعراق وسوريا. من الصعب بل المستحيل عمليا أن يتم كل ذلك من دون معرفة وموافقة ضمنية من قِبَل الولايات المتّحدة. إدارة أوباما كانت تعلم جيدا أن الاتفاق النووي سيطلق يدي إيران في المنطقة وأن مليارات الدولارات التي ستتدفق إليها ستعيد تنشيط سلسلة ميليشياتها الإقليمية وستندفع من جديد في العراق وسوريا. التدخل الروسي الذي يتم اليوم في سوريا مبرمج زمنيا في حقيقة الأمر على توقيت الولايات المتّحدة. إدارة أوباما حثّت روسيا خلال الأشهر القليلة الماضية على لعب دور أكبر في سوريا ودفعتها دفعا بهذا الاتجاه. ربما كان الخلاف على حجم هذا الدور وحدوده، فروسيا على ما يبدو تريد أن تقوم به لكن وفق أجندتها وليس كما هو مرسوم لها أميركياً بالضرورة. كما أن موسكو لا تريد أن تلتزم بأن يرتبط هذا الدور بمصالحها في سوريا فقط وإنما تريد تجاوز ذلك وربطه بالعديد من الملفات الإقليمية والدولية. خلال قيامها بهذا الدور، تعلم روسيا تماما أنها لا تكرر تجربة أفغانستان؛ إذ إن جنودها لا يخوضون حربا بريّة في سوريا، فهذا الدور متروك بالأساس لمثلث عصابات الأسد والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية، وهو دورٌ تقوم به إيران في المنطقة بمباركة بل وتسهيل أميركي أيضا. أما العمليات الجويّة، فموسكو لا تخشاها على اعتبار أن الإدارة الأميركية ملتزمة بعدم تزويد الثوار السوريين بأي نوع من أنواع الدفاع الجوي والأسلحة المضادة للطائرات كما هو حال معارضتها العلنية أيضاً لقيام منطقة حظر جوي. لا يمكن لمثل هذه الترتيبات السياسية والعسكرية المتعددة الأطراف، المعقدّة لوجستياً والمتداخلة استراتيجياً أن تتم دون تنسيق مسبق بين كل هذه الأطراف، وكل كلام عكس ذلك هو هراء لا صحة له. على العموم لن نضطر إلى الانتظار طويلا على ما يبدو ليتم تأكيد ذلك على شكل مساومات سياسية هدفها الأول والأخير القضاء على الثورة السورية.
العرب القطرية
مهنا الحبيل
حيان جابر
وفيق السامرائي
خالد عمر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة