مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3255
شـــــارك المادة
تنتشر هذه الآية العظيمة في مواقع وصفحات الثورة كلما أصيب عدونا بما نُصاب به من خسائر وآلام، ومن ثَمّ فقد انتشرت انتشاراً واسعاً مع تشديد الحصار والقصف على بلدتَي الفوعة وكفريا والبدء باقتحامهما قبل أيام، ممّا أثار هلعاً وغضباً في حاضنة النظام الطائفية (الشيعية العلوية) وتسبب في خروج القوم بمظاهرات صاخبة قطعت طريق مطار دمشق الدولي.
ينتعش أحرار سوريا الذين عانوا من ظلم النظام واستبداد النظام كلما انتكس النظام وأصيب وزاد الضغط على حاضنته الشعبية، وعندئذ تطير هذه الآية في الصفحات لترفع الهِمَم وتذكّر الناسين والغافلين بأن العدو يُصاب ويَألَمُ كما نألَمُ ونُصاب. ولكن الأيام دول والحرب جولات، فإذا أصاب ثورتَنا عارضٌ من الضعف والتراجع بعد حين (ولا بد أن يكون) ارتدّ الناس إلى اليأس والإحباط ونَسُوا الآية التي كانوا بها يستشهدون. فأحببت أن أذكّرهم بمعنى يغيب عن كثيرين.
* * *
إن هذه الآية ليست موسمية يا أيها المؤمنون، فهي ليست لليوم الذي نصيب فيه عدونا فحسب، وإنما هي أيضاً لليوم الذي يَثقل علينا فيه المُصاب.
عندما نقرأ هذه الآية نفهم منها حقيقةً موجزة واضحة، هي أنّ طرفَي أيّ صراع يتشاركون في الألم. هذا هو الجزء المعروف بَداهةً من المسألة، وهو عام في أهل الحق وأهل الباطل، فماذا يفيدنا أن نشترك مع عدوّنا في هذه الصفة؟ إنما يهمّنا الاستثناء الخاص الذي يأتي لاحقاً، الجزء الأهم الذي يكمّل المعنى ويخصّ المؤمنين بمزيّة ليست في عدوهم: {وتَرْجون من الله ما لا يَرْجون}.
هذا المعنى صاغته الآية بأسلوب التقرير، ففهمنا أن العاقبة هي الفَيْصل والفارق بين الطرفين. فما الذي أراده الله منّا بهذا التقرير الحاسم؟ أن نعرف تلك المعلومة فحسب؟
لا يا أيها المؤمنون، فإنّ القرآن يُتلى للعمل به لا لاكتساب المعلومات وزيادة المعارف؛ عن عبد الله بن مسعود: "إنّا صَعُب علينا حفظ ألفاظ القرآن وسَهُل علينا العمل به، وإنّ مَن بعدَنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به". اللهم ارزقنا تدبّرَ القرآن والعمل به يا رب العالمين.
إن القرآن يصنع حياة الجماعة المؤمنة ويغيّر مصيرَها، ومن ثَمّ فإن ما يَرِد فيه من إخبار بصيغة التقرير إنما يُراد به الدفع باتجاه العمل الذي يغيّر المصير. فما فائدة معرفة معنى الآية السابقة إذن؟ وإلى أي شيء تدفع المؤمنين؟ الجواب في صدر الآية الذي سبق ذلك التقرير الحاسم، في مطلعها: {ولا تَهِنوا في ابتغاء القوم}.
أرأيتم لو أن تاجراً استخدم رجلين لنقل صناديق البضاعة، ثم همس في أذن أحدهما فقال: سوف تتعبان التعب نفسه، لكني سأمنحك ألف ليرة عن كل صندوق تنقله ولن أمنح الآخَر شيئاً. فما نتيجة هذا الوعد؟ سوف يشتعل الرجل الموعود بالحماسة ويستميت في نقل العدد الأكبر من الصناديق غيرَ عابئ بما يصيبه من تعب وعناء. هذه هي فائدة المعلومة التي سمعها من صاحب الصناديق، ولو لم تدفعه إلى العمل لكانت لَغواً لا نفع فيه، ولله المثل الأعلى.
إذن فإن ما تقوله تلك الآية العظيمة هو: إنكم -يا أهل الحق- تستوون مع عدوكم في الألم ولكنكم تتمايزون في العاقبة، فإذا فقهتم هذا المعنى ووثقتم بوعد الله فلن تَهِنوا في ابتغاء القوم وطلبهم وقتالهم ودفع شرّهم، ولسوف تستخفّون بالتضحيات وتتلبّسون بلباس الصبر وتمضون في الطريق إلى غايته غيرَ عابئين بالجراح والآلام، لأنّ ما عند الله أعظم من ذلك كله، وهو خيرٌ وأبقى.
يا أحرار سوريا: أمَا وقد قرأتم هذه الآية وفهمتموها فلا يستخفنّم نصرٌ ولا تُؤيِسْكم هزيمة. لا تقفوا ولا تستلموا مهما ثَقُلَ الحِمل وزاد الألم. امضوا إلى آخر الطريق، اثبُتوا على ثورتكم التي قمتم بها لاسترجاع الكرامة المسفوحة والحرية المسلوبة والحق المنهوب، والله ناصركم -بأمره تعالى- ولو بعد حين.
الزلزال السوري
مهدي الحموي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة