..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الاحتساب أصالة ومعاصرة

ناصر العمر

٧ أغسطس ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6577

الاحتساب أصالة ومعاصرة
العمر00.jpg

شـــــارك المادة

قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، وهذه الخيرية في الأمة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا تزال عليها طائفة منها، لا يضرها من خالفها أو خذلها إلى أن تقوم الساعة. وإذا استحضرنا ذلك علمنا أن دين الله تعالى مؤيد محفوظ، سوف يقيض له في كل وقت رجال، ولكن الشأن في دخولنا معهم وانتظامنا في زمرتهم، جعلني الله وإياك منهم.

وبهذا الصدد أذكّر بثلاث مسائل نحتاجها لنمتثل ما أمر الله به في هذا الباب مراعين لعصرنا متمسكين بأصلنا:

المسألة الأولى: باب الحسبة، مبناه على تقليل المفاسد وتكثير المصالح.

المسألة الثانية: ثوابت ومتغيرات في باب الحسبة.

المسألة الثالثة: آفاق معاصرة للتغير.

ثم خاتمة تشتمل على تنبيه مهم.

المسألة الأولى: باب الحسبة مبناه على تقليل المفاسد وتكثير المصالح:

إن «من مارس الشريعة وفهم مقاصد الكتاب والسنة علم أن جميع ما أمر به لجلب مصلحة أو مصالح أو لدرء مفسدة أو مفاسد أو للأمرين، وأن جميع ما نهي عنه إنما نهي عنه لدفع مفسدة أو مفاسد أو جلب مصلحة أو مصالح أو للأمرين»[1]، «فأوامر الشرع تتبع المصالح الخالصة أو الراجحة، ونواهيه تتبع المفاسد الخالصة أو الراجحة»[2]، و«الواجب تحصيل المصالح وتكميلها وتبطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع»[3]، وباب الحسبة ينضبط كغيره بهذه القواعد، فالمنكر فساد وإزالة المنكر واجبة فإن لم تمكن وأمكن تخفيفه فكذلك، والواجبات يؤتى منها المقدور عليه ولا مؤاخذة بغير المقدور عليه. فعلى المسلم أن يزيل المنكر إن قدر عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره»[4]، وقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ 78 كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79]، والأدلة على هذا المعنى متظاهرة. وإن لم يستطع إزالة المنكر لكن أمكنه التخفيف منه فذلك واجب عليه.

فمن أصول الشريعة تقليل المفاسد إن لم تمكن إزالتها، قال ابن القيم رحمه الله: «إنكار المنكرات أربع درجات؛

الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.

الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.

الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.

الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.

فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة»[5]، ومن أدلته قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»[6]، وبالجملة فواجبات الشريعة يجب الإتيان بما أمكن منها، وما لم يكن في الوسع فإن الله تجاوز عن من لم يأت به، والأدلة على هذا المعنى كثيرة، وفهمه مهم في واقعنا المعاصر، فإن كثيرًا من المنكرات التي شاعت لا يتأتى إنكارها إلا بالعمل على تقليلها شيئًا فشيئًا، وآفة كثير من الصالحين استعجال زوالها، ومن استعجل شيئًا قبل أوانه حرمه، إما أن يعتسف التعامل مع المجتمع فينبذه، أو ييأس فيترك العمل، أو يطبِّع المنكر، وكل ذلك خلل.

المسألة الثانية: ثوابت ومتغيرات في باب الحسبة:

إذا تقرر أن المطلوب إزاء كل منكر هو إزالته أو تقليله، وإزاء كل معروف تحصيله أو تكثيره، أمكن أن يقال إنّ لذلك شقين:

الأول: معرفة ما هو معروف وما هو ومنكر، وهذا في الجملة منضبط، فالمعروف: «اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله والتقرّب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع»[7]، والمنكر بضده، أو قل: «المعروف اسم جامع لكل ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، والمنكر اسم جامع لكل ما كرهه الله ونهى عنه»[8]، لكن يبقى مجال للاجتهاد في تحقيق مناط الأمر أو النهي في الحوادث والنوازل، وهذا ليس بالجديد، فالناس مذ كانوا تحدث لهم أقضية وأحوال مختلفة قد يتحقق مناط الأمر أو النهي فيها فيؤمر أو ينهى، وقد لا يتحقق فتترك.

فالقتال مثلًا مذ كان قد تتوفر شروطه وتتحقق به المصلحة فيشرع ويكون جهادًا من أجَلِّ وسائل تغيير المنكر، وقد لا يتحقق مناطه في واقعة فلا يشرع ويكون الإقدام عليه من جملة المنكر وعلى الأقل من الخطأ المغتفر.

أما الشق الثاني: وهو التغيير أو التقليل، كما جاء في الحديث: «فليغيره»، فهذا التغيير له ثلاث طرق منصوصة باقية وهي اليد واللسان والقلب، أما القلب فهو الدرجة الأخيرة التي لا بد منها، فأدنى واجب تجاه المنكر إنكاره بالقلب، ولهذا كان شأنه واحدًا لا يختلف أبدًا، فمن عجز عن إزالة المنكر حقيقة بأن لم تكن له بإزالته قدرة أو حكمًا لكون إزالته له تترتب عليها مفاسد أكبر، لزمه الإنكار بالقلب وذلك يقتضي كراهته للمنكر، وبغضه له، وإرادته لتغييره إرادة جازمة لا يتخلف عنها العمل متى وُجدت القدرة.

وأما اللسان واليد فلهما تصرفات كثيرة غير منحصرة، تختلف في كل زمان ومكان وحال بحسب ذلك، قد يكون للإنكار بهما في عصر صور وآلات، وفي عصر آخر صور وآلات أخرى؛ في وقت من الأوقات كان الإنكار باللسان مقتصرًا على المشافهة، أو الخطابة، وفي معناهما الرسالة أو الكتابة، وكانت لذلك آلات محدودة ووسائل طواها الزمن، أما اليوم فتلك الوسائل لا تحصى؛ فالكلمة تقال في مكان مغلق وتسمع من وراء الحجب القريبة والبعيدة، وتحفظ وتنقل بوسائل حاسوبية وإلكترونية كثيرة.

وكذا يقال في الإنكار باليد، وما تستعمله من الآلات.

وإذا كان مقصود الاحتساب هو التغيير، بالإزالة أو التخفيف، فالمنكر كالنجاسة، كما أن النجاسة عين خبيثة يطهر محلها بأي مزيل طاهر أزالها عنه، فكذلك المنكر خَبَثٌ يُشرع تغييره بأي وسيلة مباحة، فالمقصود إزالته أو تخفيفه عند العجز عن إزالته.

وفي واقعنا المعاصر اختلف شأن المنكرات وتطورت وسائلها وتعاظم شرها، وتنوعت ما بين منكرات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وغيرها ولا يتأتى تغيير كثير منها إلا باستعمال وسائل عصرية بحسب الإمكان، ومن ذلك ما تأذن فيها النظم والقوانين والتشريعات، ومن سمات التغيير الواجب في هذا العصر ضرورة اجتماع أنواع وسائل التغيير، فلا بد من قلب ولسان ويد، على النطاق الشخصي أو على النطاق المؤسسي، فالواحد من الناس يستعمل في إنكاره يده ولسانه، والمؤسسات يتعين أن تكون كذلك، بحيث تكون المؤسسة مشتملة على عاملين ينكرون المنكر بقلوبهم، لينعكس أثر ذلك في احتساب الكاتب أو القائل أو العامل، الذين قد تتضافر جهودهم جميعًا من أجل إيقاف قانون منكر أو تشريع جائر أو ظلامة نازلة، ويأتي مزيد بيان لهذا المعنى في المسألة الأخيرة وهي المسألة الثالثة.

المسألة الثالثة: آفاق معاصرة للتغيير:

لعل اجترار تجارب تاريخية في ظل تغير الأوضاع مع عدم مواكبة الأحداث قد يجعلنا نتكلم خارج إطار واقعنا، وهذا لا يخدم قضايانا المعاصرة، فكما أن هذا الزمان تناسبه آلات لإقامة الجهاد، فكذلك الحسبة هي جهاد ولا بد لها من طرائق عمل وآلات تناسب العصر وتعمل على أصعدة كثيرة.

ومن أهم ما يجب أن تعنى به الحسبة المعاصرة في هذا الوقت ثلاثة أمور، هي:

أولًا: الاستفادة من الوسائل المعاصرة وتفعيلها في الحسبة:

وكما استفاد المحتسبون قبل عقود قليلة أدركناها من وسائل كانت حديثة في وقتها من جنس البرقيات والفاكسات فعلينا اليوم أن نستفيد من والوسائل التي استجدت في واقعنا الذي يشهد ثورة لا يُدرى أين تقف في وسائل الاتصالات ونقل المعلومات. وهذه الوسائل كما يستفيد منها المفسدون في ترويج منكراتهم الأخلاقية والفكرية والسياسية - بل استفادوا منها في ترويج المنكرات التقليدية كالخمور والمخدرات ونحوها من المفسدات - يجب على الناس أن يستفيدوا منها في الاحتساب على تلك المنكرات وغيرها، ولا شك أن ثمت استفادة حاصلة لكنها قليلة تقليدية، والممكن أكبر من ذلك، ولو عقدت ورشات عمل لمختصين في التقنية والحسبة لخرجوا برؤى كثيرة قابلة للتنفيذ كمشاريع حسبة تستفيد من التقنية.

والاستفادة من هذه الوسائل مطلوبة على مستوى المؤسسات وكذلك الشخصيات المعنية بالحسبة، ولو تخصص بعضهم في هذا الجانب فهو خير، والأهم أن تستفيد كل المؤسسات مما يتيسر لها من تلك الوسائل، وأن تعمل جميعها على تنمية الشأن الاحتسابي في نفوس الناس من خلال تلك الوسائل، فعامة الناس فيهم خير، وهم أكثر ملابسة لوسائل العصر وخبرة بها ومعرفة بمساربها، فإذا نُمِّيت فيهم العناية بالحسبة عبر تلك الوسائل، فسوف يسد كثير منهم كثيرًا من الشر فيها. ولو لم يكن من ذلك إلا التفاعل مع الجهود الرسمية الداخلة في حيز الحسبة بمعناه الواسع، لو لم يكن إلا ذلك لحصل خير كثير، كالتعاون مع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في التبليغ عن مواقع مخالفة لحجبها، وإخال أن كثيرًا من الدول الإسلامية وغير الإسلامية لها هيئات معنية بهذا، ومن ذلك تجربة وزارة التجارة والصناعة في التبليغ عن المخالفات التجارية من غش ونحوه، وغيرها من تجارب الأجهزة الرسمية التي يمكن الاستفادة منها في الاحتساب، وعلى مؤسسات الحسبة وشخصياتها الاعتبارية والمعنية أن تكون لهم جهود تفيد من الوسائل الحديثة تتجاوز محدودية الموجود من نحو ما أشرت إليه.

ثانيًا: العناية بالاحتساب النظامي:

تميز هذا العصر بكثرة النظم والقوانين الإدارية أو التشريعية الحاكمة، وهذه القوانين إن أُقرت رعتها الدول وغدت ملزمة للناس، ولا يخفى عمل كثير من المفسدين على تمرير مشاريعهم في الدول الإسلامية بقوة الأنظمة على مستوياتها المختلفة، بدءًا من الاتفاقيات الدولية في قضايا الحقوق والمرأة والطفل والتجارة والثقافة وغيرها، وانتهاء بالتنظيمات الإدارية على نطاق البلديات والمحليات واللجان الشعبية ونحوها، ولذلك فلا بد للمحتسبين من عناية بهذا الشأن بل لا بد من تخصص بعضهم فيه، ففي كثير من البلدان والأحوال قد لا يملك المحتسب سبيلًا للتغيير إلا من خلال القانون إما طعنًا فيه، أو استعمالًا له[9].

وقد رأينا أثر ما يمكن أن يسمى احتسابًا على عرقلة مشروعات خطيرة كإعاقة إدراج بعض قضايا المرأة والحقوق في اتفاقية الألفية التي ترعاها الأمم المتحدة في الشهر الماضي، فمع جهود الجمعيات والمؤسسات والدول الخبيثة الحثيثة لتمرير فجورها من خلال خطة الألفية وفق الله بأسباب هيأها ومنها جهود بعض المحتسبين في معارضة ذلك التوجه غير الأخلاقي، فنتج عن ذلك بفضل الله عرقلة مشروع كان يراد له أن يمرر لتكون الدول ملزمة به، تتولى تنفيذه وزاراتها المختلفة ولكن الله سلم!

كما رأينا جهودًا مباركة في دول أخرى من نحو تجريم سب الصحابة كما حصل في السودان قريبًا، وقد سبقتها ماليزيا إلى تجريم التشيع، فنحو هذه القوانين لها أثرها الظاهر في الحسبة، وما خرجت إلا بعد التفات بعض الفضلاء إليها وعملهم على إقرارها، وأحسب أن هذا من خير جهود الاحتساب في واقعهم.

ورأينا كذلك في بلداننا كثيرًا من قضايا الحسبة العامة التي رفعت ضد شخصيات وكان لها أثرها، والجهد في هذا الصدد يجب أن يضاعف، على صعيد استباق وضع الأنظمة والتراتيب الإدارية وإدراج المواد القانونية، وعلى صعيد الاحتساب من خلال الأنظمة الموجودة.

ثالثًا: التوجه نحو الاحتساب المؤسسي:

من سمات هذا العصر شيوع العمل المؤسسي البسيط أو المشترك على مستويات الشركات المختلفة، وذلك في التجارات والصناعات وغيرها. وقد استفاد مروجو المنكرات ودعاة الرذيلة من العمل المؤسسي كثيرًا، ولا يخفى وجود مؤسسات محلية ودولية وإقليمية بل عالمية تروج لأفكار منحرفة وممارسات خبيثة، منها المتخصصة الإعلامية، أو القانونية، أو الفكرية، أو الرياضية، وهلم جرًّا.

ومن الواجب كذلك أن تتنوع مؤسسات الحسبة ما بين قانونية، وفكرية، وإعلامية، وأن تكون لها شراكات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في أغراض يحسن أن تتضافر الجهود عليها.

نعم توجد مؤسسات إسلامية كثيرة تعمل في مجالات مختلفة لكن ما أنادي به هو أن تنشأ مؤسسات مختصة بشؤون الحسبة متخصصة في الشؤون المؤثرة في واقع الدول كل دولة بحسب أولوياتها وقضاياها، مع ضرورة التفات كثير من المؤسسات الإسلامية الثقافية أو الإعلامية أو التعليمية القائمة إلى فريضة الاحتساب، بحيث يكون لها في إطار عملها ما تدفعه عن الأمة من منكرات.

ختامًا: تنبيه مهم!

قبل أن أختم ثمت تنبيه أراه مهمًا يتعلق بجاذبية المنكرات العصرية للدعاة! فكثيرًا ما يظهر في الساحة منكر أو قضايا يستغلها أهل الخبث لنفث سمومهم، كعمل المرأة، وقضايا الحقوق بصورة عامة، فيتصدر لها كثيرون غير مؤهلين وإن كان لهم حضور في الساحة، وكانت لهم درجات وشهادات، فينتج عن هذا التصدر - الذي قد يكون بحسن نية وقد يكون لأجل التصدر أو مواكبة الموضة - صرف جهود وإنشاء أعمال ومشاريع ومؤسسات بأموال إسلامية، لا أقول لا تقدم شيئًا بل تركب الموجة كما يُقال، وتخدم التوجه العالمي التحرري في كثير من الأحيان، بل فوق ذلك تكسر الحاجز النفسي في نفوس من يثق بهم من الصالحين والصالحات، والنتيجة تطبيع المنكر! فتتمخض تلك المشاريع والمشاركات عن قنطرة أسهمت في تعزيز مخالفات شرعية، ويحسب أصحابها أنهم يخففون ويغفلون عن حقيقة الواقع الذي يزداد فيه المنكر، وإنما تكسر برامجهم هيبته في النفوس!

ومن أهم أسباب هذه الظاهرة:

- ما تشهده الساحة من اعتداد بالرأي لدى الصغير فضلاً عن الكبير.

- الإعراض عن المتخصصين والعلماء الراسخين فلا صدور عن رأيهم ولا مشاورة لهم.

- حب الظهور والتصدر، والافتتان بالجديد حتى يقال مُواكب أو مواكبة! مع شهوات خفية أخرى تجد الداعية ضعفت عنده قضايا الاحتساب والعمل الصالح وأصبح الظهور في كل قضية والمشاركة في كل موضوع متداول غرضًا اجتماعيًّا يعزز من المكانة.

ففي قضايا الإصلاح السياسي مثلًا نجد بعضهم محتسبًا وله مشاريع لكنها لا تختلف كثيرًا عن مشاريع الديمقراطيين العلمانيين أو الليبراليين!

وفي قضايا المرأة نجد متصدرات ومتصدرين خرج بهم الاحتساب في هذا الباب إلى تطبيع ضرورة عمل المرأة - على سبيل المثال - في المجتمع وخروجها من المنزل بل تجد تزهيدًا منهم للنساء في البيوت! ينعتون غير الموظفة - كغيرهم - بغير العاملة أو الفاعلة أو العاطلة.

وفي قضايا الترفيه، نجد برامج تبناها قوم لا تختلف عن برامج أهل اللهو تجد فيها رقص الفتيات مع الغناء باللغات المختلفة والمؤثرات الصوتية التي يصعب فرزها عن آلات اللهو.

وقل مثل ذلك في قضايا الإعلام تجد مسلسلات وبرامج حوارية تطبع المنكر عند الصالحين أكثر من كونها تقدم بديلًا لمن حقهم أن ينكر عليهم أو تتوجه لهم الدعوة.

فهذه وأمثالها في الحقيقة احتسابات خاطئة تحتاج إلى من يحتسب عليها، لا تقلل المنكر الموجود في الساحة لكنها تطبعه، فعلينا مراجعة النفس وإصلاح القصد واستشارة النصحة العلماء وكذلك الخبراء.

هذا، والله أسأل أن يصلح أعمالنا، وأن يدفع عن المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا دعاة هداة مصلحين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يبارك في الجهود. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

------------------------------

[1] الفوائد في اختصار المقاصد، للعز بن عبدالسلام ص53، بتحقيق إياد الطباع، طبعة دار الفكر، الأولى، 1416هـ، بيروت.

[2] الفروق مع إدار الشروق 2/226، للقرافي، بتحقيق خليل منصور، طبعة دار الكتب العلمية، الأولى، 1418هـ، بيروت.

[3] السياسة الشرعية لابن تيمية ص43، طبعة دار المعرفة الأولى.

[4] رواه مسلم في صحيحه (49).

[5] إعلام الموقعين 3/4، وانظر مجموع فتاوى ابن تيمية 28/129-131.

[6] رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337)، واللفظ للبخاري.

[7] لسان العرب 9/240.

[8] انظر: جامع المسائل لابن تيمية 3/381، بتحقيق عزير شمس، وكذلك اقتضاء الصراط المستقيم 1/19.

[9] استثمار هذه القوانين لا يلزم منه الرضا بها وإقرارها. انظر مقالي في مجلة البيان «إشكالية التلازم بين الرضا بالديمقراطية والتعامل معها» (عدد 302).
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي البيان وإنما تعبر عن رأي أصحابها



مجلة البيان العدد  337

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع