وائل مرزا
تصدير المادة
المشاهدات : 3594
شـــــارك المادة
منذ أكثر من شهرين طرحت السعودية فكرة عقد مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض يكون ساحةً لجمع ما أمكن من صفوفها، وصياغة رؤية سياسية تقدمها المعارضة فيما يخص تطورات الثورة السورية الميدانية والسياسية، والأهم من هذا، بلورة تصور المعارضة للفترات القادمة شاملاً مرحلة إسقاط الأسد ونظامه والمرحلة الانتقالية ومابعد ذلك.. تأجلَ المؤتمر المذكور، وليس له الآن تاريخٌ محدد. ولئن كثرت الأقوال والتفسيرات بهذا الخصوص إلا أنها بعيدةٌ عن حقيقة الأمر. فالسبب المُحدد يتمثل في أن السعودية لن تنظم المؤتمر إلا بعد توفير مقومات نجاحه، وهذه عمليةٌ متعددة المسارات. فمن ناحية، ارتأت القيادة السعودية أن تُعطي المؤتمر المذكور زخماً أكبر على المستوى السياسي الإقليمي والدولي. من هنا، انتقل الحديث الرسمي المُعلن عنه إلى وقت انعقاد القمة الخليجية التي سبقت اللقاء مع الإدارة الأمريكية. ففي كلمة افتتاح القمة المذكورة، أوضح الملك سلمان بن عبد العزيز بشكلٍ صريحٍ ومباشر أنه لامكان لبشار الأسد حتى في المرحلة الانتقالية. وفي ختام القمة، جاء الإعلان عن عقد المؤتمر على شكل قرارٍ رسمي من قرارات القمة الخليجية. وكان الهدف من لقاء الرياض المُنتظر مُحدداً بوضوح في صيغة البيان الذي ذكر أنه يتمثل في "رسم ملامح مرحلة مابعد الأسد". ثم زادَ الأمرَ تأكيداً وزير الخارجية القطري خالد العطية حين صرح، بعد ذلك، بأن الهدف من المؤتمر هو "وضع خطة لإدارة المرحلة الانتقالية لما بعد نظام الرئيس بشار الأسد". كان الهدف من الإخراج يتمثل أولاً في إرسال رسالةٍ واضحة حول طبيعة القرار المتعلق برحيل الأسد، وبأن هذا القرار باتَ أحد (ثوابت) الرؤية الاستراتيجية السعودية، والخليجية، للمرحلة القادمة. (ثابت)، بمعنى أنه في جوهره غير قابلٍ للتفاوض. وهذه رسالةٌ لجميع الأطراف ذات العلاقة الإقليمية والدولية لتأخذ علماً بها، فإذا ماكان ثمة حراك سياسي ومفاوضات، فكلها حول الآليات والتوازنات الأخرى المتعلقة بالشأن السوري بعيداً عن المساس بالثابت المذكور. ثم إن الهدف الآخر لإخراج قرار مؤتمر المعارضة في القمة تمثل في التأكيد على كونه لايتعلقُ بالسعودية وحدها، رغم قيادتها للعملية، وإنما في وجود الزخم الخليجي وراءها كحاملٍ إقليمي، وبشكلٍ يُلغي التشويش الذي ساد في المرحلة السابقة حول تفاوت مواقف الأطراف الخليجية من المسألة. إلى هذا، جاء حضور الرئيس الفرنسي للقمة الخليجية، بمداولاتها وقراراتها ليُضيف رمزيةً سياسيةً مقصودة. فإذا أضفنا التنسيق المستمر القائم مع تركيا على مختلف المستويات فيما يتعلق بالملف السوري، ندرك خلفيات الترتيبات الدقيقة التي تقوم بها السعودية في هذا المجال. يجب التوضيح هنا، وبقوة، أن المملكة لاتريد لهذا اللقاء أن يكون (مؤتمراً آخر) للمعارضة السورية، وهذه قاعدةٌ يجب أن تكون واضحةً للجميع.. وإنما يجب أن يكون (المؤتمر)، بأل التعريف. بمعنى أنه سيكون الفعالية السياسية الكبرى التي يجب أن يتم فيها وضع تصور شامل، ليس فقط لكل عناصر المرحلة الانتقالية بعد (ترحيل) الأسد، دستورياً وسياسياً وإدارياً وأمنياً واجتماعياً. بل إن المهمة تتطلب أكثر من ذلك، وفي صُلبها وضعُ العناصر والشروط والقواعد والآليات للرؤية التي ستنقل سوريا وأهلها من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة الاستقرار.. وهذا يتضمن أخذ وضع الجغرافيا السياسية لسوريا بعين الاعتبار.. بمعنى رسم موازنات دقيقة تستجيب لخصوصية ذلك الوضع، إنْ لجهة التعامل مع القوى الدولية والإقليمية الداعمة لبشار، أو الخائفة من رحيله.. أو لجهة الترتيبات الداخلية المتعلقة بشرائح الشعب السوري ومكوناته.. وبما أن الضغط الميداني على نظام الأسد، وحلفائه، وتقليص مساحات سيطرتهم على البلاد تُعتبر شرطاً رئيساً في تحقيق السيناريو المطلوب، فقد سارت الترتيبات المتعلقة بهذا الشرط بما هو مرسومٌ لها إلى درجةٍ كبيرة خلال الشهرين الماضيين. يبقى في النهاية مسارٌ حساس يتعلق بتحضيرات المعارضة السياسية السورية للقاء. وهذه لاتزال (الخاصرة الطرية) للمشروع كما يُتداول في الأوساط المعنية.. إذ لاتزال (السلبيات) المعروفة للمعارضة بشكلٍ عام تملأ الأسماع والأبصار بين فينةٍ وأخرى. وفي حين أن مؤتمر الرياض سيكون مفصلاً هاماً من مفاصل الحاضر والمستقبل في سوريا، ومع أن تحضير أوراقه بشكلٍ شامل ومُفصَّل يتطلب جهوداً كثيرة، ورغم أن السعوديين يريدون أن يقوم السوريون بهذه المهمة لأنهم أصحاب القضية، رغم كل هذا، ثمة زهدٌ غريبٌ بالموضوع، ويبدو هؤلاء مشغولين عنه بقضايا جانبية باتت معروفةً ومكرورة. معروفٌ مثلاً أن طلباً قُدم لأطراف المعارضة لتقديم (رؤية) يمكن أن تكون نواة ورقة العمل لمؤتمر الرياض. لكن مفاجأةً كانت في انتظار أصحاب العلاقة. فبدلاً من عملٍ مؤسسي محترف لإنجاز المطلوب، كانت النتيجة أوراقاً فردية، وبشكلٍ ظهر منه قصورُها الشديد عما هو مطلوب من جانب، وافتقاد القدرة على التعاون والتنسيق، حتى فيمن يُفترض فيهم الانتماء إلى نفس الجهات والهياكل، من جانبٍ آخر! مايجب أن يعرفه الجميع في هذا المقام أن مثل هذه الممارسات كانت وستبقى مدعاةً لتأخير انعقاد المؤتمر، ولكل مايمكن أن ينتج عنه من قرارات تصب في مصلحة السوريين وتجعل مسار ثورتهم في الاتجاه الصحيح. ولتجاوز هذا المأزق يبدو الوقت مناسباً لجهدٍ مؤسسي مبتكر، بسيناريوهات مختلفة قيد الدراسة والتداول، يساعد أطراف المعارضة على تقديم رؤية (سوريةٍ) واحدة وموحَدة. عودعلى بدء: مؤتمر المعارضة السورية في الرياض مَفصلٌ رئيسٌ في تاريخ سوريا وثورتها ودولتها القادمة. لكنه لن يُعقدَ إلا بتهيئة أسباب نجاحه. وفي حين أن السعوديين وغيرهم يعملون على ذلك، بمنهجٍ جديد، ورؤيةٍ مختلفة.. يبدو بعض السوريين، حتى الآن، العائق الحقيقي في وجه ذلك.
الشرق
سعد محيو
علي حسين باكير
محمد حسن القدو
محمد بسام يوسف
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة