عباس شريفة
تصدير المادة
المشاهدات : 5310
شـــــارك المادة
التمكين لغةً:
تفعيل من المكان، وهو في الأصل إقرار الشيء وتثبيته في مكان، ثم اسْتُـعِـيْر للدلالة على التملك والقدرة والسيطرة والتحكم.
أول قضية في فقه التمكين أن نعلم أن التمكين لا يكون أبداً بالسنن الخارقة وإنما يكون بالسنن الجارية (فَلَن تَجِد لِسنتِ اللّه تبدِيلًا) قد يحصل التمكين لفرد بالسنن الخارقة ولكن لا يجوز حصول التمكين للجماعة الا بالسنن الجارية الشرعية منها والكونية.
إن فقه التمكين هو فقه حركي وليس فقه ساكن على الأوراق لذلك كانت ممارساته والإحاطة بخيوطه من الصعوبة بمكان فقه المنهج الرباني في الغالب يسيراً على الفهم ولكن العسير على الغالب هو فقه الحركة به بين النظرية والتطبيق.
ضل الكثير وتاهوا بين فقه النصوص وفقه الواقع مزلة إقدام ومضلة أفهام، التيار الإسلامي يمارس صراعاً جزئياً مع عدو يمارس علينا حرباً شاملة، فما يكسبه بالسياسة يخسره في الجهاد وما يكسبه في الجهاد يخسره في السياسة يسد ثغرة ويفتح ثغور أحادية في التفكير، يتبعه أحادية الاستراتيجية، يتبعه أحادية الممارسة..
لا بد من إدراك مراحل الإسقاط من حالة التمكين إلى وهدة الاستضعاف: ليكون البناء عملية معاكسة للخطة الاستعمارية الهدامة - تشويه الفكرة بالدخن والدخل والتشويه للمنهج الرباني - فك ارتباط الأمة بهويتها وسلخها عن عقيدتها، عندها فلا معنى لوجودها المادي وقد ذابت في ثقافة الآخر وفقدت هويتها ومنهجها ودينها بالتغريب والثقافة الغربية - ثم يأتي الغزو الخارجي الذي يقوم به اليوم وكلاء عن الاستعمال يُكمل السقوط المادي لذلك كانت نقطة بداية التمكين تبدأ بتمكين دين الله في القلب إيماناً وفي العقول فهماً، ونهايته تكون عند (حتى يظهره على الدين كله )، حتى: جر وغاية، وبينهما مراحل تبتلى فيها الجماعة بكل أنواع البلاء ثم يمكن لها ولكن هذا منوط بعدم سقوطها في الشهوة أو الشبهة أثناء خوض مرحلة الابتلاء والتمحيص (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )
فقد حرم الله عز وجل التمكين على بني إسرائيل بعد أن نجاهم من فرعون بسبب سقوطهم في الشهوات والشبهات.
موانع التمكين لبني اسرائيل بعد نجاتهم من فرعون:
- اتباع كل ناعق، كما اتبعوا السامري في عبادة العجل..
- الحنين إلى الماضي برغم ظلامه
- الجدل واللجاج المستمرة، كما جادلوا في قضية البقرة
- التقاعُسُ والخَوَرُ والجُبْنُ وترك الجهاد (إذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ها هُنا قاعدون)
وسائل التمكين طريقين: الدعوة والجهاد ، ولكن المشكلة في اختزال المفاهيم الشاملة ليصبح الجهاد هو القتال مجرد عن الإعداد ثم تسطيح قضية الإعداد ويكتفي بالسلاح التافه الذي يجر الهزيمة فقط كما أن هناك طرف اخر يجعل من الجهاد هو جهاد النفس فقط والدعوة دعاية حزبية مغلفة بدعوة إلى الإسلام ولكن بالمقاييس الحزبية للجماعة بعد إنجاز الجانب المادي من المشروع الإسلامي سنكتشف أنّه بني على أُسُسٍ هَـشّـةٍ من الوَهَنِ الأخْلاقي والإيماني والمعرفي، مما ينذر بالسقوط في استرتيجية الصراع الوجودي والعودة الى نقطة الصفر.
والمشكلة أن هذا الوهن الأخلاقي تسرى إلى الصفوف الأولى من رواد التيار الإسلامي في سبيل تحقيق الغايات فعندما تقوم الجماعات الإسلامية بتحقيق مصالحها بعيداً عن هدي المبادئ فإن الثمن الذين يدفعونه هو انحطاط أخلاقهم ثم التوحش الداخلي والـتآكل الذاتي فتصبح كثير من الأمنيات تتخذ من أجل مراقبة صفوف الجماعة نفسها المجتمعات التي تنحل أخلاقياً تتحوّل لمجتمعات سلبية تفقد المبادرة وتتهيّـأ لتَـقَـبُّـلِ الاستبداد لِـتُـقادَ بالقهر، وإلا فالبديل هو الفوضى عند فَـقْـدِ العقيدة والأخلاق والإرادة تكون الحرية حرية انحلال، فكانت التنمية الأخلاقية والسلوكية صمام أمان المجتمعات المتحررة من نير الاستبداد لكيلا ترسف بأغلال الانحطاط الخلاقي وعبودية الشهوات..
فما فائدة حُرِّيَّة الإردة لقوم لا إرادة لهم إلا إرادة الشهوات! التيار الاسلامي يتوهم أنَّـه يخوض صراع مشاريع، لذلك يسعى لتصفية خصومه من أبناء التيار الاسلامي ممن يُعيقُ مشروعه الحزبي، ولكنه لا يدري أنّه مُسيَّر في مسار الصراع الوجودي يحتاج فيه لكل الطاقات الكامنة عند الجماعات الأخرى لمواجهة تحدي الفناء المحدق بالجميع لذلك علينا أن ندرك أن القوة تتضاعف لأمة ما عندما تستطيع الموالفة بين الثنائيات المتناقضة على وجه تتفجر منهما الطاقة بدلا من الاصطدام هذا إذا استطعنا أن نحول اختلافاتنا إلى عامل إثراء وتنافس بدلا من أن يكون عامل صراع، ولكن التيار الإسلامي مغرق في المزايدات المزايدات بين التيارات الإسلامية يشبه حال من يرفع طوابق البناء على شفا جرف هارٍ، كلما ارتفع بالبناء سيكون السقوط محتماً ومفجعاً.
تحقيق الشوكة هو من أهم أذرع التمكين والتي تتحقق عندما نوجد حالة من البراء والولاء الجامع للأمّة، الولاء المعصب للأمة والبراء المحصن من الدواخل، وإذا اقتصر على الحزب كانت الفتنة والصراع البيني.
فكثيراً ما يشتكي عضو من أعضاء الأمة ولا يتداعى له الجسد بالسهر والحمى، فالمشكلة - إما أن العضو منفصل عن جسده - وإما أن يكون الجسد فاقد الإحساس بأخطر قضية في فقه التمكين والتي على أساسها تحدد الجماعةُ المرحلةَ التي تعمل بها (هل هي استضعاف ام تمكين) وتحدد على أساسها واجبات هذه المرحلة ففي زمن القوة والمَكَـنة تحمل الأمة على العزائم ويكون الخيار بين الصالح والأصلح، وفي زمن الضعف تُحمل الأمة على الرّخصة ويكون الخيار بين الفاسد والأفسد لذلك كان لإيجاد المحددات والمقاييس العلمية ومراكز الابحاث الاستراتيجية التي تدرس نقاط القوة والضعف لدينا ومقارنته بالعدو المصارع لتكون النتيجة حقيقة علمية من أهم المسائل في فقه التمكين.
يجب تحويل فقه التمكين إلى معادلة قابلة للقياس حتى لا تبقى قضيةً عائمةً يترتّـب عليها قرار الجهاد وإعلان الخلافة والدولة بشهوة أو نزوة لمجموعة فإن بقيت صناعة القرار الجهادي والسياسي في يد المشيخات ذات النظرة الأحادية ولم تكن صناعة مراكز أبحاث استراتيجية سيغرقنا بالارتجالية!
فبقاء مسألة الإفتاء في فقه التمكين بإلهامات السياسي وانطباعات المفتي بعيداً عن التفكير والتخطيط والقرار الاستراتيجي سيجر علينا تخبطات قاتلة.
فقرار تحديد المرحلة ليس قراراً مشيخياً وليس قراراً سياسياً وليس قراراً عسكرياً وليس إقتصاديا بل قد تجتمع معطيات كل هذه الجوانب في صياغته قياس المَكَـنَةِ على دولة المدينة من حيث العدد والعدة والمساحة ووسائل الصراع لتبرير الإدعاء أننا ممكنون جهل مكعب .
مشكلتنا في فقه التمكين الفهم الاجتزائي والمناهج الجزئية والعمل الجزئي من فهم أنّ الإسلام سياسة فحسب ضاع بين الأوراق ومن فهم أن الإسلام قتال فحسب ضاع بين الكهوف، ومن فهم أنّ الإسلام أرض فحسب ضاع بين الخرائط، ومن فهمه تراثاً فحسب غرق في التاريخ، ومن فهم الإسلام تزكيةً فحسب سقط في جَلد الذات ومن فهم الإسلام عدلاً محضاً أسقط منه الإحسان ومن فهمه فكراً تاهَ بين تناقضات المناهج. .
التمكين دائر بين الوعد والشرط، فالايمان والعمل الصالح كلاهما شرط لازم غير كاف، ولكن تبقى مشكلة تسطيح واختزال مفهوم الإيمان والعمل الصالح..
اختزال معنى الإيمان في التصديق القلبي، واختزال معنى العمل الصالح في الشعائر وبتر العبادات الاجتماعية وترك القيام بالفروض الكفائية فلا يكفي القيام بالفرائض العينية، لأ ن التمكين مداره دائماً على القيام بالفروض الكفائية من الاختصاصات الدنيوية حتى تُساس الدنيا بالدين وتجعلنا في استغناء عن أعدائنا فنحن لا نزال في وسائل الصراع عالة على الغرب وخصوصاً وسائل التواصل التي تكشف الكثير من أوراقنا!
لن نحقق شيء من التمكين ونحن نستورد وسائل الصراع من العدو الذي نصارعه، ولن نرفع راية التوحيد إلا بعلوم الدنيا وحراسة الدين بها.
غالب المواجهات التي نخوضها لننصر مبادئنا بوسائل غير ذاتية المصدر يتحكم فيها الخصم بشكل مباشر أو غير مباشرويدير من خلالها مسارات الصراع وتنتهي بالهزيمة وتعجب من أقوام لا يقدر على كشف وجهه واسمه ومخبئه ويستجدي سلاحه وهاتفه وسيارته وساعته من الغرب ثم يدعي لنفسه أنه من الممكنين في الأرض ويريد يعلن خلافته من السرداب فالأصل في معادلة التمكين أن تقيس ما تمتلك من أدوات صراع ونقاط القوة وعمق تحالفتك مع المحيط المصارع للمشروع ثم تخرج بنتيجة (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم)
التمكين يكون للدين الذي ارتضاه الله تعالى، لا بدع زيادة فيه ولا نقصان، لا تحريف ولاغلو.
فالمسار الرباني شرط للتمكين لذلك بدأ صلاح الدين بتصفية المنهج من بدع الروافض وقام بالإحياء السني ليكون جهاد الأمة على بصيرة ونقاء ولا تغترن بأحزاب تدعي لنفسها صفاء المنهج فيكفهم إدعاء أنها مناهج حزبية والعبرة بنتائجها الكارثية التي جرّت الويلات على الأمة.
من صفات المنهج الذي ارتضاه ربنا كمالٌ لا ينافيه الاجتزاء، اتباع لا ينافيه الابتداع، واقعي لا ينافيه الخيال.
مراحل التمكين:
1- مرحلة الاستضعاف
2-مرحلة شوكة الحماية
3- مرحلة شوكة النكاية
4- التمكين الكامل، هذه المراحل هي المراحل المتدرجة في القوة والمكنة ورفض الوصول إلى التمكين.
بالتدريج يودي إلى السقوط المؤبد في الضعف كمن جاء ليحمل الناس على الدين جملة واحدة فيتركوه جملة واحدة فمن مجهضات التمكين الاستعجالُ بقطف الثمر قبل حسن الإنبات، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
فالنّصر الاستراتيجي هو سلسلة انتصارات صغيرة، وفي مجالات عديدة ولايمكن أن يقع شيء في مجال النّصر والهزيمة بصورة طفرةً مفاجئة تباغت المنتصر أو المهزوم وهذا بسبب عدم الاعتبار من التجارب التاريخية فعدم التدبر والاعتبار من التاريخ والتجارب السالفة يجعل هذه التجارب وسيلة للدمار بيدجاهل يقلدمنها الأخطاء أو يرفض منها الصواب أحيانا.
في فقه التمكين تحتاج أن تعود خطوات إلى الوراء لكي تستطيع الاستئناف إلى الأمام، كما عاد موسى عليه السلام لطلب العلم بعد النبوة وكما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية بدون أن يعتمر ورجع بمعاهدة صلح فكانت خطوة إلى الخلاف ليكون الاستئناف أكثر فاعلية في الدعوة والجهاد فقد تضاعف عدد المسلمين عشر مرات من الحديبية الى الفتح.
عدم الاقتناع بهذه الخطوة الخلفية أحيانا قد تودي بالجماعة إلا الانتحار تحت ضغط الحماس.
في الخاتمة: إن التفكير البنائي الصحيح هو أسلوب غير مباشر في نقد الأبنية الفكرية الخاطئة ولكن لصعوبته نميل دائماً للنقد المجرد عن البديل التمكين يحتاج إلى الاحتضان الشعبي للفكرة والمشروع الجماعات الإسلامية.
لن تقدر على فرض معايرها الاجتماعية إلا بما تقدمه للأفراد من نفع وحماية وأمان (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)
يجب تفعيل التفكير السبببي والتعليلي والنقدي الذي لا يصل إلى الجلد فهو أقرب إلى التمكين من التفكير الظاهري لأنه يعطي القابلية على التصحيح والتجديد والإبداع والاكتشاف (رب أرني كيف تحيي الموتى) (وهزي إليك بجذع النخلة) (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين)
المسلمون مغيبون عن الواقع إما بالإغراق في مشاكل التاريخ البعيد أو في أحاديث الفتن في آخر الزمان لذلك يضعف تعاطيهم مع الواقع.
عدم التدبر والاعتبار من التاريخ والتجارب السالفة يجعل هذه التجارب وسيلة للدمار بيد جاهل يقلد منها الأخطاء و يرفض منها الصواب.
والله ولي التوفيق.
رابطة خطباء الشام
مجاهد مأمون ديرانية
محمد العبدة
غازي التوبة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير