..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أزمة الخطاب الاسلامي

عباس شريفة

٧ ديسمبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6165

أزمة الخطاب الاسلامي
SLA98wiH_400x400.jpg

شـــــارك المادة

أنواع الخطابات الحزبيّـة التي تطفو على الساحة:
1- الخطاب المتشائم:
أصحابه ذو طابع سوداويّ ونظرتهم إلى الحياة متشائمة، يتطيَّرون بكل دعوة للإصلاح شرّاً ويتردد على ألسنتهم دائماً أنّـنا في آخر الزمان وأنّ أمراض الأمّـة وتخلّفها مستعصية على كل الحلول، وأنّ الفساد في كثرةٍ والخير في نُدرةٍ والكفر في إقبالٍ والإسلام في إدبارٍ، وأنّ على المسلم الاعتزال اتقاءً لشرور الناس حرصاً على دينه، وأنّ الإسلام سيعود غريباً كما بدأ، وأنّ الفتن أقبلت كقِطعِ الليل المظلم، وأنّ القابض على دينه كالقابض على الجمر، وأنّ عُرى الإسلام سوف تنقُص عروةً عروةً، فنحن بين يدي الساعة وما بقي إلا الدجال، فالموت تحفةٌ لكل مؤمن، وهؤلاء ينقصهم فقه في إنزال أحاديث الفتن على الواقع.
2- الخطاب الحالم المثالي:
يتكلم أصحابه عن أحلامٍ ورديّة، فتَفهم من محتوى حديثه أن الإسلام سينتصر من الغد، ودولة الإسلام قاب قوسين وخلافة الله تلوح من قريب، ونحن على أبواب القدس، هذا الخطاب يريد حصاداً بلا بذار ونتائج بلا مقدمات، يريد حضارة بلا مراحل وفقهٍ للسنن الكونية الجارية، يريد زبيباً بلا عناقيد يستعجل الفتح وهو لا يدري عن ألف بائه شيئاً فهو يبني على الرغبة والتمني لا الواقع والإمكانيّات، وهؤلاء ينقصهم فقه الواقع والإمكانات، حتى نجني الأهداف لا بدّ من سلك سبيلها دون تواكُلٍ وبطالة.
3- الخطاب التصادمي:
الأصل عندهم في الناس الكفرُ والعَداءُ والاتّـهام، وسوءُ الظن عندهم مقدم على حسن الظن، أخذوا فِقهَهُم من السجون فغالوا في أحكامهم وابْـتُـلوا بأربع أمراضٍ: التفسيق والتبديع والتكفير والتفجير، شاهرين سيفَ الجدل والمِراء، ويكفرون حتى من خالفهم بالفروع، فيهم شيء من فقه الظواهر وغلو الخوارج وجفوة الأعراب، مشكلتهم أنّ تصوُّرَهم بُنيَ على ردّةِ فعلٍ لما عانَوه من ظلم الحكام، فهم يحتاجون إلى فقه المآلات وفقه المرحلة.
4- الخطاب المائع:
وهو الذي فقد هويته وخصائصه وانتمائه وذاب في غيره، مسحور بكل جديدٍ ومعجب بكل وافدٍ ولو كان مخالفاً للقطعيّات في الدين، يتنازل ويُسايِر ويتميَّعُ تحت عناوين حوار الأديان وتقارب المذاهب، فَـتَحْتَ عنوان حوار الأديان تُحْرَفُ الأديان، وتحت عُنوان تقارب المذاهب يُـسَيَّـسُ الدين ويُجعَل منه تكاءة للسّاسة والبلاط، هؤلاء يعطون لكل وافدٍ وصف الإسلام ويُضْفون عليه مسحة الدين، فإذا انتشرت الاشتراكية قالوا: وهل الإسلام إلا دعوة للاشتراكية! وإن راجت الديمقراطية قالوا: وهل هي إلا الشورى! حتى أنَّ منهم من ادّعى أنّ الإسلام سبق دارون إلى نظريته!
هم يُحاولون أن يصطلحوا مع اللبرالية والحداثة والعلمانية فدخلوا في السياسة وأكلوا من حلوائها وسكتوا عن أهوائها، وجدت العلمانية فيهم مرتعاً خصباً لنفث سمومها وجعْلِ الدين مَطيَّـة لغاياتها، هؤلاء مبتلون بالسّذاجة وحسن الظنّ الزائد والانـهزام النفسيّ والشكّ في الإمكانات، واستسلامـاً للتيارات بحُـجَّـة التقارب والحوار أوّلَوا المحكمات ونسفوا الثوابت ولَـوَوا أعناق النصوص، فكان اجتهادهم مردوداً وفكرهم مَـمْجُوجاً.
5- الخطاب الاجتراري التقليدي:
الذي يَـجْترُّ ما سَلَفَ من المناهج والأفكار، دُعاته يُفكّرون بعقول الموتى أغلقوا باب الاجتهاد غيرةً أن يَـلِجَهُ من ليس أهلاً له، تعصّبوا لمذاهبهم ومشايخهم، يُعالِجون مشاكل العصر بفقهِ قرون الانحطاط الفقهيّ والتقليد المذهبيّ، يعيشون مع الماضي، ليس لهم روح عصرهم! مع أن الّسلف كانوا يجتهدون لعصرهم، الأمر الذي فتح الباب أمام الفُقهاء الوضعين: يجتهدوا، ويقطعوا أشواطاً بالفقه الدستوري وإلاداري والاقتصاديّ، شعارُهُم الدائم: ما ترك الأوّلون للآخرين من شيء! ونحن نقول بل كم ترك الأوّلون للآخرين، لذلك جاءت مؤلّفاتهم تجْترُّ الحواشي والمتون، ولما أرادوا أنْ يجتهدوا عادوا إلى الاستنجاء وآداب الخلاء، فكان اجتهادهم لا يعدو أن يكون نُقولاً وتجميعاً، وفي أحسن الأحوال ترجيحات لا يلتزمونها.
هؤلاء يحتاجون إلى فقه التجديد والاجتهاد.
6- الخطاب الاختصاري المجتزأ:
الذي يختصر الإسلام في جزء من أجزائه ويضخمه على حساب غيره ويُصوِّره على أنَّـه الإسلام بكُـلِّه، يريدون الإسلام عقيدةً بلا شريعة ودعوة بلا دولة وسلامـاً بلا حقوقٍ وتزكيةً بلا جهادٍ وحقاً بلا قوةٍ، فمنهم من ضخّم مسألة تزكية النفس وعَـمِيَ نظرُه عن غيرها، وهذا يأخذ الجهاد ويقول: هذا هو الإسلام، والثالث يعتبر الدعوة أُسَّهُ وأساسه وما دونها هباءً! والرابع يجعل من قيام الدولة الإسلاميّـة دَيْدَنَهُ وجُلَّ شُغلِه، والخامس يعتبر قمع البدعة نهاية غاية الدين. هؤلاء يحتاجون إلى ترسيخ مبدأ الفقه الشمولي للإسلام.
الخطاب الإفيوني التخديري:
وهو الخطاب المُغرِقُ في القضايا الغيبيّة بدون تمحيص للأسانيد، مبنيٌّ على ثلاثة مرتكزات:
أولاً: العقيدة الجبرية، يُصوِّرُ الإنسان مسلوبَ الإرادة وأنَّـه مُساقٌ إلى مصيره بخيوط القدرة.
ثانياً: يتحدث عن المُخلّص في آخر الزمن وخروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام وأنّ مشاكل الأمّـة لن تنْحلّ إلا بهذا المخلص، فكلّ جهد قبل ذلك عناءٌ وهباء.
ثالثاً: يرتكز هذا الخطاب على اعتقاد مَفادُه أنّ الكون مُسيّرٌ بدولة أولياء باطنية لهم حق التصرف في الكون، فهو كالذي يعالج بالمسكن بدلاً من استئصال العِلة، وهو خطاب تبرريّ لكل الأخطاء، يُبرر الاستبداد بحُـجَّـة طاعة وليّ الأمر، ويُبرر المعاصي بحُـجَّـة أنَّـها من قدر الله، ويُبرر البدع بحُـجَّـة البدعة الحسنة ويُبرّر ترك الجهاد بحُـجَّـة جهاد النفس، ويُبرر الخرافات على أنَّـها كرامـات لأصحابها، ويبرر رواية الأحاديث الضعيفة بحُـجَّـة العمل بها من فضائل الأعمال.
مصادرُ المعرفة لديه الإلهامـاتُ والمنامـاتُ والآثارُ الواهية، هذا النموذج يحتاج إلى فقهِ الواقع وضبط مصادر المعرفة.
8- الخطاب الرشيد:
لابُدّ من صياغة الخطاب الرشيد الجامع للأمّـة، لا بدّ من تبنّي خطاب إسلاميّ يرشد الصحوة الإسلاميّـة
ويكون لبِنة أساسية في المشروع الحضاريّ للأمّـة وليس عمله كعمل إطفاء الحرائق الذي يعالج العرض دون المرض يوصف الأمراض دون دواء وينشغل بالهدم دون البناء، إنَّـه الخطاب الوسطي الإيجابي الشموليّ، يدعو لإسلام التيسير لا التعسير والتبشير لا التنفير والرفق لا العنف والتعارف لا التناكر والتسامُحِ لا التعصب والجوهر لا الشكل والعمل لا الجدل والعطاء لا الادعاء والاجتهاد لا التقليد والتجديد لا الجمود والانضباط لا التّسيُّب والإعتدال بدون غلو ولا جفاء، ثابت في الأصول والمقاصد، مَرِنٌ في الفروع والوسائل متدرج في التغيير على حسب القدرة مرتبط بالسلف متصل بالعصر يُراعي فقه الأولويّـات وفقه المآلات وطبيعة المرحلة، ويعي السنن الكونية في بناء المجتمعات دون مُغالبةٍ ولا تقصير ولا انحراف ولا اصطدام، يعالج الكليات ولا يفرق في الجزئيات، متوقف بالعبادة يبتدع في المصالح والعادات.

 

 

نور سورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع