أمير سعيد
تصدير المادة
المشاهدات : 3018
شـــــارك المادة
تشعر الولايات المتحدة كما لو كان العالم كله قد أصبح ملك يديها؛ فلم تعد بحاجة لأن "تتوسط" في صراعات ليست طرفاً فيها، وإنما "تتفاوض" مع أطرافها! "مضطرون للتفاوض مع بشار الأسد"، هذا مضمون ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أما النص؛ فإنه حين سئل استيضاحاً لفكرة التفاوض التي تحدث عنها لقناة سي بي إس على هامش مؤتمر شرم الشيخ، مع السفاح بشار الأسد، قال: "حسناً، يجب أن نفاوض في النهاية".
وسائل الإعلام العالمية، وحكومتا بريطانيا وفرنسا، وكل "عاقل"، فسروا التصريح بأنه يعني أن الولايات المتحدة ستفاوض السفاح بشار الأسد، وتعترف بذلك بـ"شرعيته" كرئيس ذي حصانة لسوريا..
إلا واشنطن ذاتها التي عادت لتكذب معتبرة أن كيري لم يقصد التفاوض مع بشار نفسه. المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست كان واضحاً؛ فقال إن "ممثلين عن نظام الأسد، وليس بشار الأسد نفسه، يجب أن يجلسوا إلى الطاولة ويتفاوضوا مع المعارضة السورية"!
فسر الماء بعد الجهد بالماء! ما الفارق بين السفاح ومعاونيه؟! الفرق الوحيد هو في صالح السفاح، وهو أنه يجعله أكثر "ترفعاً وتكبراً" عن الجلوس مع "المعارضة" على طاولة واحدة؛ فهو أعلى من ذلك وأرفع في التقدير الأمريكي!
الولايات المتحدة كدولة احتلالية بنت قوائمها على مجازر الهنود الحمر، لا ترى فيما يصنعه بشار بأساً، لذا فإنها عازمة على التأكيد على "شرعيته" التي اغتصبها هو وأبوه وعائلته وطائفته من السوريين، وتطلق بين الفينة والأخرى تصريحاً خجولاً لجس النبض، تمهيداً لقبولها لهذا الجزار داخل "الأسرة الدولية"، تلك الأسرة التي تمجد القوة، وتعترف بالشرعية لكل مجرم قادر على ارتكاب مجازر بحق المسلمين المستضعفين.
دق كيري طبول المجازر؛ ولاقى أذناً مجرمة، ألقت سمعها للتصريح المساند لسياسة القتل والدمار ونفذت على الفور أمراً أمريكياً بمعاودة استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين العزل؛ فكانت مجزرة سرمين التي اختنق على إثرها العشرات، واستشهد الأطفال الأبرياء بعد قصف ببراميل الكلور المتفجرة، وهو سلاح مطمئن جداً للمجرم كيري، إذ لا يمكنه أن يتجاوز الحدود السورية ليهدد أمن "إسرائيل"؛ فهو بالكاد سلاح بدائي لا يصيب إلا الزهرات الصغيرات.
التراجع الأمريكي اللفظي، والاعتراضات الأوروبية، ليس لهما من نتاج إلا مزيداً من حقن التخدير تدس في أجسادنا؛ فكيري لم يجافِ الحقيقة حين أعرب عن "اضطراره" لـ"التفاوض" نيابة عنا نحن المسلمين، أو "هم" السوريين؛ فاضطراره مقبول حتى من الأوروبيين، فكيف لأحد أن يطمع في أن تتخلى فرنسا "الاستعمارية" عن نبتتها الطائفية التي زرعتها في شامنا السني العزيز قبل قرن من الزمان، وكيف لأحد أن يتخيل بريطانيا دون تحكيم الأقليات الطائفية في رقاب المسلمين، فلا خلاف إذن بين واشنطن الحديثة، والعاصمتين الاستعماريتين التقليديتين، فلا أحد قال أبداً إن بشار ليس رئيساً لسوريا، ولا أحد منع "ممثليه" من التحدث باسم سوريا في أروقة الأمم المتحدة.. فكيف يكون السفاح كيري قد أخطأ؟!
إن عملية تعويم نظام بشار لا تتم الآن؛ فليس ثمة لحظة واحدة نظر الغرب، لاسيما الولايات المتحدة له إلا عن كونه "نظاماً شرعياً" ارتكب "أخطاء" في حق شعبه، حتى إن محققي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يستعدون الآن لتقديم 5 قوائم سرية لـ"مجرمي الحرب" في سوريا إلى الحكومة السورية.. أجل "الحكومة السورية"، لتقديمهم لـ"العدالة"! حيث لم يثبت أبداً أن بشار وأركان حكمه ارتكبوا حتى اليوم "جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية"، ومن لا يصدق فليسأل هؤلاء المحققين! الجزار كيري لم يشطح كثيراً في تصريحه؛ فقد سبقه سفاح آخر، هو المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي قال بعد زيارته لبشار قبل شهر وبضعة أيام إن زميله السفاح بشار "جزء من الحل في سوريا"، واقتناع الرجل وفقاً لمعلومات متطابقة أن فرنسا لم تعد تشترط تنحي بشار قبل بدء ما دعوه بالمرحلة الانتقالية، وتصريح جون برينان رئيس الاستخبارات الأمريكية بأن " واشنطن لا تريد انهيار النظام السوري".
الجميع مهد لمجزرة سرمين، وغيرها، وكل هؤلاء المتلطخة أيديهم بالدم السوري الحرام، سحب ما أرغد به وأزبد من تهديدات حد القصف، مثل أوباما، لقوات وميليشيات بشار إن هي أعادت استخدام الأسلحة الكيماوية بحق المدنيين في سوريا، لكنهم اليوم "يباركون الجريمة".
يتذرع الغرب هذه الأيام بأن داعش قد ألجأتهم لمد أيديهم للنظامين الإيراني والسوري، وحتى ميليشيا "حزب الله"، والعديد من فرق الموت العراقية مما تنضوي تحت مسمى "الحشد الشعبي" الفضفاض في العراق.. تصمت عن جرائمها، وعن أكبر عملية حشد ميليشيوي دولي، تستقطب مرتزقة طائفيين من باكستان حتى لبنان، ثم يتكئ من بعد هذا على "تعويذة داعش" لإضفاء الشرعية على سفاح مبير يقتل أكثر مما يتكلم في سوريا.. وعلى الغزو الإيراني لكثير من بلدان المنطقة. الجزار كيري لم يبعد النجعة؛ فنظرته الدراكولية لدمائنا لا تشبه نظراتنا الإنسانية؛ فهو "سليل" دولة تلذذت في نشأتها بسلخ فراء الهنود الحمر وحرقهم أحياء؛ فلما "تمدنت" دمرت اليابانيين وشوهتهم بالسلاح النووي في مدنهم، وحرقت الفيتناميين في أحراشهم، ثم لما "تحضرت" فرضت "ديمقراطيتها" بالفوسفور الأحمر بالفلوجة ومطار بغداد.. فكيف نعجب أن يطلق صافرتي البدء والإعجاب بسرمين وغير سرمين؟!
المسلم
العصر
حلب نيوز
نبيل العتوم
سميرة المسالمة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة