ميشال أبو بنجم
تصدير المادة
المشاهدات : 3176
شـــــارك المادة
يروي مصدر رفيع في المعارضة السورية، أن وفداً من الائتلاف الوطني زار واشنطن مؤخراً واجتمع بكبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية. ومن بين المسؤولين الذين التقاهم سوزان رايس مستشارة الرئيس أوباما للأمن القومي. وبحسب ما قاله المصدر، فإنه طرح عليها سؤالين:
الأول، لماذا تعارض واشنطن إقامة منطقة آمنة على الحدود السورية ـ التركية تكون بمثابة ملاذ للسوريين اللاجئين ومظلة حماية للمعارضة المعتدلة التي تقول واشنطن إنها تريد تقويتها ومساعدتها؟
والثاني، ما الذي يمنع الإدارة الأميركية من "التلويح" بأنها يمكن أن تستهدف الطائرات التي تستهدف المنطقة المشار إليها بالصواريخ والبراميل المتفجرة أو أن تشير إلى أنها "تفكر" بأمر كهذا؟ يقول المصدر المعارض إنه إزاء هذين الطلبين المحددين اللذين قدما إلى رايس، شعر بأنه "يتحدث إلى حائط"، وأن المسؤولة الأميركية الأقرب للرئيس أوباما أجابت بلغة جافة أن بلادها "لا تنوي إقامة مناطق آمنة ولا تنوي تهديد النظام". يتعين فهم هذه الواقعة على ضوء تصريحات مدير وكالة المخابرات الأميركية جون برينان وتصريحات وزير الخارجية جون كيري، اللذين تحدثا في الأيام الأخيرة بصراحة متناهية.
وما كان يقال سراً وداخل الغرف المغلقة، أفصحا به بشكل لا يقبل التأويل أو البحث عن الأسباب التخفيفية.
وواضح أن ما قاله برينان أخطر بكثير مما جاء به كيري، لأن الأول كشف أن بلاده لا تريد إسقاط النظام السوري وترجمته العملية أنها مع بقاء الأسد في السلطة لمنع "داعش" و"النصرة" وأخواتهما من السيطرة على دمشق. وحجة برينان قديمة ــ جديدة؛ إذ كل من شارك في مفاوضات أو لقاءات مع المسؤولين الأميركيين يعرف أن هؤلاء كانوا يطرحون دوماً السؤال المحرج: ماذا بعد سقوط الأسد أو ما يسمى بالإنجليزية إشكالية « The Day After » كما كانت واشنطن تلجأ في موضوع تسليح المعارضة الى استخدام حجة وقوع الأسلحة الغربية والأميركية على وجه الخصوص في "الأيدي الخطأ" حتى قبل ظهور "داعش" واستقواء "النصرة". على ضوء تصريحات برينان، يمكن استيعاب ما يقوله كيري الذي يبدو أنه "تحصيل حاصل".
ذلك أنه إذا كانت الضرورة تقضي ببقاء الأسد لمحاربة "داعش" و"النصرة" ومنعهما من الزحف على عاصمة الأمويين والإطلالة على شرق البحر الأبيض المتوسط، لذا يتعين "في نهاية المطاف التحاور" مع الأسد من أجل تلافي هذا الكابوس من جهة، والعمل من أجل الحل السلمي. وسبق للمبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا أن أعلن أن "الأسد جزء من الحل" بينما الغرب كان يقول ويكرر إنه "جزء من المشكلة". كتب الكثير عن مسؤولية إيران وروسيا في تدعيم نظام الأسد وتمكينه من البقاء، وعن مسؤولية الغربيين في تشتت المعارضة وسيطرة "داعش" و"النصرة" على أجزاء كبرى من سوريا على حساب المعارضة المعتدلة التي تراجعت مواقعها سياسياً وعسكرياً وضعف حضورها في الأوساط الشعبية وعلى الصعيد العالمي.
ووصل وهنها إلى درجة أن دولاً غربية عديدة لم تعد تتردد في إرسال مبعوثيها إلى دمشق لاستكشاف إمكانية معاودة التواصل مع النظام أمنياً وسياسياً بالحجة نفسها وهي محاربة الإرهاب. لكن للغرب مسؤولية أخرى ربما تكون أكثر فداحة وتفسر الى حد كبير ما وصل إليه المشهد السوري في الوقت الحاضر. كان الغرب أمام حلين أو موقفين إزاء ما حدث ويحدث في سوريا: إما أن يلتزم بما قاله من أن الأسد "فاقد للشرعية" وعليه أن يرحل، وبالتالي كان يتوجب عليه أن يدعم المعارضة والجيش السوري الحر بالسلاح والعتاد اللازمين، وذلك قبل أن تفرض "النصرة" و"داعش" نفسيهما، من أجل تمكينه من الإطاحة بالنظام السوري. أما الحل الثاني الذي كان متاحاً أمام الغرب فهو أن يفهّم المعارضة أن التخلص من النظام ليس على جدول أعماله، وبالتالي عليها أن تتكيف مع هذا المعطى الأساسي.
وكانت التتمة المنطقية التي كان من المفترض بالغرب أن يسعى للترويج لها، هي السعي لدى المعارضة والنظام إلى البحث عن "تسوية ما" بالاتفاق والتفاهم مع إيران وروسيا، بحيث تتحقق بعض مطالب المعارضة وتحقن دماء عشرات الآلاف من السوريين الأبرياء ويمنع تهجير الملايين وتدمير بنية سوريا وإرجاعها عشرت السنوات الى الوراء. ما جرى أن الغرب "أوهم" المعارضة بأنه يدعمها. لذا أكثر من الاجتماعات في إطار مجموعة الدعم في صيغتيها الموسعة والضيقة، ورفع سقف التهديد والوعيد وإدانة جرائم النظام وضرورة عدم تمكينه من الإفلات من العقاب.
لكنه في الواقع لم يعطها سوى القليل، ما يعني أنه خدعها مرتين:
الأولى، عندما دفعها لأن تلتزم بمواقف جذرية وأن ترفع سقف مطالبها مستندة بذلك إلى وعود الدعم {العربية} والغربية.
والمرة الثانية عندما خذلها وتذرع بألف حجة وحجة ليمنع عنها الدعم الحيوي الذي كانت تحتاج إليه.
وفي كل ذلك، تبدو مسؤولية واشنطن واضحة وضوح الشمس لأن حساباتها جعلت من المسألة السورية "تفصيلاً" في سياق أوسع بكثير يشمل المصالح الإسرائيلية والملف النووي الإيراني والعلاقة المعقدة مع روسيا وتعقيدات الربيع العربي، وحرص واشنطن على عدم الانسياق إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.
ويتعين إضافة أن الرئيس أوباما، وفق أكثر من مصدر، "غير مهتم" كثيراً بالملف السوري. هذه الأسباب لا تكفي للإحاطة بكل العوامل التي جعلت الحرب في سوريا الأكثر دموية التي عرفها الشرق الأوسط في تاريخه الحديث.
لكنها تبين مسؤولية الغرب في القضاء على أحلام الكثيرين من الذين اعتقدوا وآمنوا أن الغرب يستلهم في سياساته مبادئ الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وغيرها من العبارات الجميلة التي لم تصمد أمام البراغماتية السياسية والمصالح العليا.
الشرق الأوسط
وائل عبد الرحيم
سعيد الحاج
ميشيل كيلو
أحمد محمد نعمان مرشد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة