شاكر النابلسي
تصدير المادة
المشاهدات : 7000
شـــــارك المادة
لم تكن هناك عوامل خارجية إقليمية أو دولية حاسمة لاشتعال الثورة الشعبية السورية. كذلك كان حال الثورة في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها. فهذه الأنظمة السياسية كانت تحمل عوامل سقوطها في رحمها، ولكن يبدو أن فترة الحمل قد امتدت نتيجة لعوامل داخلية خاصة بكل بلد من هذه البلدان، ولكن ميلاد الثورة كان حتمياً وإن جاء متأخراً في كثير من هذه البلدان. مع ملاحظة أن عوامل السقوط في كل بلد من هذه البلدان مختلفة، وربما تزيد أو تنقص عن البلد الآخر.
فما هي عوامل سقوط النظام السوري الأخرى، التي تضاف إلى ما ذكرناه في مقالينا السابقين: "لهذا تسقط الدكتاتوريات القروسطية"، و"لهذا سيسقط النظام السوري".. هنا في "الوطن"؟ هناك عدة عوامل أخرى منها: أن حافظ الأسد، كان قد شجع ودعم فكرة "عبادة القائد" كما جرى في تونس في عهد الحبيب بورقيبة، وفي مصر في عهد عبد الناصر، وفي العراق في عهد صدام حسين، وكما جرى ويجري في كوريا الشمالية، وقبلها في روسيا في عهد ستالين، وفي ألمانيا في عهد هتلر، وكذلك في إيطاليا في عهد موسوليني... إلخ، وكان الشعب السوري متضايقاً ومتبرماً من ذلك، ولكنه كان خائفاً من إعلان ضيقه وتبرمه نتيجة للحكم العسكري والأمني الصارم والدكتاتوري في عهد حافظ الأسد. وعندما حاول بشار الأسد بعد عام 2000 تخفيف هذا الاحتقان، لم يُجدِ ذلك نفعاً. وزاد هذا الاحتقان أكثر فأكثر، عندما تمَّ تمجيد شخصية القائد الابن (بشار الأسد) في بلد نادى بمبادئ الديمقراطية والحرية منذ عام 1945. شعر الشعب السوري بالغبن والضغينة وبالتالي بالغضب، عندما لم تعد دمشق "قلب العروبة النابض"، أيام صعود حزب البعث القومي، وسؤدده في الحكم. فقد أنهت الحرب على العراق عام 2003، كون دمشق "قلب العروبة النابض"، وهي "الركيزة التاريخية الثانية لحزب البعث"، كما يقول المستشرق الألماني كارستين ويلاند في كتابه "سورية: الاقتراع أم الرصاص؟" (ص 219). فلم يعد النظام الأسدي في سورية بتلك الأهمية والقوة، التي كان عليها في الثمانينات، بحيث إنه قام بمجزرة حماة 1982، وقتل فيها أكثر من عشرين ألفاً، دون أن ينبس العالم ببنت شفة، ودون أن تقوم منظمات حقوق الإنسان القليلة والضعيفة في ذلك الوقت. فقد تأسس "مجلس حقوق الإنسان" كهيئة حكومية متعددة الأطراف تبعاً لاعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 60/251 في 2006. بالاحتجاج والإدانة الواسعة والقاسية كما تفعل الآن. ودون أن ينال نظام الحكم السوري من العالم أية إدانة أو عقاب نتيجة لوقوف الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت إلى جانب سورية "الاشتراكية" في صراعها الدامي مع "الإخوان المسلمين"، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الوطنية في خطاب حزب البعث أكثر من خطاب العروبة، كما كان عليه الحال قبل 1982. كان حكم حافظ الأسد عاملاً في اختفاء الدور الإيديولوجي لحزب البعث في سورية (القيادة القطرية) كما كان عليه الحال في العراق وعهد صدام حسين الذي كان يقول لرفاقه في حزب البعث "قدمي أكبر من حذاء البعث"، والذي طمس دور حزب البعث العراقي (القيادة القومية) الإيديولوجي. ولكن الدور السياسي لحزب البعث في سورية والعراق كان قائماً وقوياً. وكذلك فعل عبد الناصر في مصر. فكانت الناصرية السياسية أقوى بكثير من الاشتراكية التي دعا إليها عبد الناصر. وكان الحكم البوليسي لحزب البعث في سورية عاملاً مهماً في تكريس دكتاتورية حفاظ الأسد وبشار الأسد من بعده. كذلك كان الحال في العراق، في عهد صدام حسين. وأصبحت القبضة الأمنية على أنفاس السوريين السياسية في ظل حكم الحزب الواحد أقوى مما مضى، مما أشعل الغضب في صفوف الشعب السوري أكثر فأكثر، وأدى إلى الانفجار الشعبي الثوري في عام 2011، والذي ما زال يشتد ويقوى يوماً بعد يوم وحتى الآن. ويمكن أن يكون حكم الحزب الواحد سبباً رئيسياً في انهيار النظام كله، كما حدث في عام 1989 في الاتحاد السوفيتي، وفي ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشستية، ومصر الناصرية، من قبل، ثم أخيراً في العراق في 2003. لقد أغضبت الوعود الكاذبة في عام 2000 وما بعد هذا التاريخ المعارضة السورية وغالبية الشعب السوري، وكانت مصدراً لنقد النظام السياسي القائم، واعتقاد الكثيرين من المعارضة والمولاة أن النظام عاجز عن القيام بأية إصلاحات سياسية، وأن النظام فقد القدرة على القيام بذلك، ولو كان النظام قادراً على القيام بذلك لفعل خلال المدة الطويلة التي حكم بها منذ 1970، لذا، فإن وعود التخفيف من قانون الطوارئ، وتحرير السجناء السياسيين، وإجراء انتخابات محلية عادلة ونزيهة، واعتماد تحرر سياسي أكبر يتيح للأحزاب السياسية الأخرى المشاركة في الحكم، والتحالف مع الشعب، وإحياء حرية وكرامة المواطن، وإتاحة المجال أمام "ربيع دمشق" للانتشار الواسع.. كل هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح، ولم يتم تنفيذ أي منها، في الماضي، لذا، فقد جاءت وعود 2012 في الأمس بخصوص تقليص سيطرة حزب البعث، وإلغاء قانون الطوارئ ووضع دستور جديد وإجراء انتخابات الرئاسة في نهاية هذا الشهر (فبراير 2012) غير ذات مصداقية، ولم يأخذها الشعب السوري الثائر والغاضب على محمل الجد، كما رفضتها المعارضة السورية، واعتبرتها شبكة صيد وقتل لها في المستقبل القريب. وقالت: إن "المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين". ففي المرة الأولى، وبعد عام 2000 لُدغت المعارضة، واليوم لن تسمح المعارضة بأن تُلدغ مرة أخرى. وكانت مثل هذه الوعود في الماضي والحاضر سبباً رئيسياً في اشتداد ساعد الثورة ضد نظام الحكم القائم الآن. ومن جملة العوامل الكامنة داخل الرحم السوري، والتي تهدده بالسقوط والزوال المؤكد. نادت سورية في عام 2000-2001 بـ "حركة المجتمع المدني". وهي حركة كانت تسعى إلى إقامة مجتمع يقوم على نشاط المؤسسات الدستورية السياسية، وعلى نشاط مؤسسات الحوار الديمقراطي الذي يتيح للجميع حق إبداء الرأي والرأي الآخر، بكل حرية وشجاعة، ولكن نظام الحكم لم يُتح الفرصة لقيام "المجتمع المدني" الذي حُرم من النشاط في كثير من البلدان العربية. وقد أضاع كثير من الأنظمة العربية فرصة ثمينة للتصالح مع المعارضة، والبقاء في الحكم بسلام ووئام مع المعارضة. ولكن أنظمة الحكم كانت ترفض التفاهم مع المعارضة والتعاون معها، مما أوغل صدر المعارضة على أنظمة الحكومة، وعجل في انهيار بعض الأنظمة العربية.
المصدر: العربية نت، نقلاً عن "الوطن" السعودية.
عبدالرحمن عبّارة
أحمد أبو مطر
طلال عبد الله الشواف
جهاد صقر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة