أبو محمد الصادق
تصدير المادة
المشاهدات : 5746
شـــــارك المادة
أثبت الجهاد الشامي أنَّ أهم عقبات وصول الجماعات الإسلامية إلى هدفها في التمكين هي الأزمة الفكرية السلوكية التي يعانون منها... فقد بدأت الثورة الشامية شعبية سلمية بامتياز، حرص النظام النصيري على عسكرتها وإلباسها لباس التكفير والإرهاب؛ كي يستميل التأييد الدولي في صفها، فظهرت جماعات شعبية تحبُّ الدين وتسعى لرفع الظلم، وجماعات إسلامية المنطلق والهدف.
وبعد ذلك امتنَّ الله على هذه الجماعات بمساحات واسعة محررة من النظام النصيري وليس فيها قوات أجنبية (غربية أو شرقية)، ونجحت الجماعات الإسلامية في كسب الحاضنة الشعبية، وظهرت مدافعةً عن قضايا الشعوب، وتحررها من ظلم الحكَّام واستبدادهم ولامست الآلام والآمال، حتى ارتفع المستوى البياني للمشروع الإسلامي ارتفاعاً باهراً، وللأسف ما لبث أن بدأ صراع الجماعات الإسلامية بين بعضهم البعض، وسرعان ما ظهرت أبعاده المنهجية السلطوية والتي مردها إلى شهوة أو شبهة أو كليهما.
وبدأ المستوى البياني للمشروع الإسلامي بالهبوط، ورافق ذلك انتعاش للنظام النصيري على المستوى الداخلي والدولي.
- فما هي الأسباب؟. ومن يتحمَّل مسؤولية ذلك؟. - هل كان النظام النصيري هو السبب في ابتعاد الجماعات الإسلامية عن هدفها في التمكين المنشود؟!!!. - أم هل كانت أمريكا وروسيا ونهر الميسيسبي وجبال الهمالايا هي السبب؟!!!. - ألم تكن الساحة الشامية خالية للجماعات الإسلامية المجاهدة، تسرح وتمرح وتفعل فيها ما تشاء؟!!!. فلنتأمل جيداً... - ألم يبدأ الصراع بين الجماعات الإسلامية أنفسها، وكان خلافهم واقتتالهم هو السبب والعائق أمام تقدمهم نحو هدفهم؟!!!... - فما هو سبب اختلافهم واقتتالهم وكلُّهم يسعى لنفس الهدف (وأشير إلى أنني لا أريد استعراض الأسباب الجزئية للخلاف وإنما أحاول وضع اليد على أصل الداء) .
إنَّ المتأمِّل في الجهاد الشامي يدرك تماماً أنَّ أهم الأسباب التي تحول دون وصول الجماعات الإسلامية إلى هدفها هي الأزمة الفكرية السلوكية التي تعاني منها، والمتمثلة في بعدهم عن فهم الدين فهماً شمولياً صحيحاً وفق هدي النبَّوة، والخلل في طريقة تطبيقهم وممارستهم وسلوكهم الديني...
أزمة في فهم الدين وتطبيقه... سرعان ما تتحول إلى صراع منهجي سلطوي.
يتحمل مسؤوليتها كلُّ من ساهم في إشعالها وتأجيجها بالسيف أو بالقلم... يتحمل مسؤوليتها كلُّ من تصدر للعلم ولم يُجهد النفس في علاجها، ولم يتجرَّد لميراث النبوَّة بياناً وتربيةً... يتحمَّل مسؤوليتها كلُّ من انتصر لنفسه وحرص على سلطانه من القادة والأمراء..... يتحمل مسؤوليتها كلُّ منظرٍ لم ينظر تنظيراً أفقياً يقدِّم فيه مصلحة الإسلام وأهله ...
والله سبحانه وتعالى يقول : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } . [ الصافات:24 ]
في قاموس الصراعات الفتاكة تُعتبر الصرعات المنهجية أخطرها، ويحرص أعداء الدين على استغلالها وتأجيجها إذ إنها تحقق أهدافهم دون أيَّة تكلفة أو فاتورة يدفعونها.
وفي التاريخ عبرة... فهذه تجربة الجزائر خير شاهد... فتأمَّل كيف تحوَّلت الصراعات المنهجية إلى معول هدم للمشروع الإسلامي.
فحري بالمصلحين أن يضعوا أيديهم على مكمن الداء ، لابسين ثوب الإنصاف ، بعيدين عن ردود الأفعال التي توقع صاحبها عادة في الإفراط أو التفريط ، واضعين نصب أعينهم مصلحة الإسلام وأهله .
وحيال هذه الأزمة تزداد المسؤولية على الدعاة والعلماء الربانيين الراسخين، في الاهتمام بتجلية الأزمة، ومعالجة أسبابها ومسبباتها، وإتقان التعامل معها، وتجنيب الأجيال ويلاتها وتصحيح المسار، وتنقية المنطلق،وتحمُّل أقلِّ الخسائر للوصول إلى الهدف .. براءةً للذمَّة ، وتأدية للأمانة ، ونصحاً للأمَّة.
وعند التأمل في مظاهر الأزمة نذكر من تجلياتها:
- التعامل مع المسائل الشرعية بالانفعالات النفسية. - التعامل مع المسلمين بالشبهة والظن، ومخالفة المأمور به في تقديم حسن الظن. - عقد الولاء والبراء على المسائل الاجتهادية المعتبرة، التي نصَّ عليها أئمة السلف وتضييق ما وسعهم من خلاف بل وإعمال السيف في بعض صورها. - الخلط بين فقه الرخصة والعزيمة في مرحلة التغيير، دون مراعاة أحوال الناس وفقه الواقع . - تصدر صغار طلبة العلم للفتيا في نوازل لو عُرضت على عمرَ لجمع لها أهل بدر، وتهميش العلماء العاملين لمجرد أدنى مخالفة . - وقوع مصطلح " السياسة الشرعية " و " فقه المرحلة " بين مطرقة الإفراط وسندان التفريط. - الخلل في ميزان المصالح والمفاسد، وفقه الأولويات، والنظر في المقاصد التي هي بحد ذاتها مدرسة من مدارس أصول الفقه الإسلامي. - مرض القلب وحبّ الرئاسة والظهور الذي ما سلم منه أحد إلا ما رحم ربي . - مصادرة الحق وإلغاء الآخر والاعتداد بالنفس والحزبية العفنة المقيتة .
عندما يدرك المصلحون أنَّ الموازنة تكون عادة في تقليل السيئات والسلبيات ما أمكن، وتكثير الحسنات والإيجابيات ما أمكن، وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : إنَّه ليس من العقل أن يعلم الخير من الشر فقط ، بل يجب أن يعلم خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أنَّ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات. وأمام هذا الفقه العظيم ينبغي على المصلحين أثناء علاج الأزمة الاستفادة من النقاط الآتية: - تقريب القريب، ونقله إلى رتبة المعالج... - وتقريب البعيد المستجيب؛ لتحصينه من الوقوع في المرض ... - ونصح القريب العنيد خشية الوقوع في الدرك ... - وحصار البعيد العنيد فهو أصل الداء والمرض ...
• وختاماً: أُنسنا وسلوتنا فيما آلت إليه أحوالنا حديثُ نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله عزَّ وجل تكفَّل لي بالشام وأهله ) .
فالله نسأل أن نكون ممن تكفَّل الله بهم وأن يعافينا من الأمراض والأدواء ، وأن يجعلنا صالحين مصلحين فإنَّه ولي ذلك والقادر عليه .
عبد الكريم بكار
موسى الغنامي
أحمد بن فارس السلوم
ﻣﺤﻤﺪ المختار ﺍﻟﺸﻨﻘﻴﻄﻲ
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة