..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

طهران ودمشق هل تبتزّان التحالف الدولي أم تلعبان اللعبة؟

عبد الوهاب بدرخان

١١ سبتمبر ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3143

طهران ودمشق هل تبتزّان التحالف الدولي أم تلعبان اللعبة؟
الوهاب بدر خان 00.jpg

شـــــارك المادة

إذا كان القضاء على الإرهاب سيعتمد على تنسيق مع النظامين الإيراني والسوري، ومع ميليشيا «حزب الله» (اللبناني/ الإيراني)، ومع حكومة عراقية تعوّل على جيش تلاعب الإيرانيون بعقيدته القتالية ورفدوه بميليشيات شيعية، فهذا يقترح في المقابل ضرورة التنسيق مع الإرهابيين أنفسهم، مع «القاعدة» و «داعش»، لأنّ النواة الصلبة لمقاتليهم كان ضباطها وأفرادها في سجون تلك الأنظمة وخرجوا أو تخرّجوا، هربوا أو هُرِّبوا، ليشكّلوا التنظيم الأكثر تطرّفاً ووحشية.
 

 

طبعاً، لا أحد يعتقد بإمكان حصول تنسيق مع هؤلاء، إلا أنّ وجود الأنظمة الثلاثة في مؤازرة أي «تحالف» دولي - إقليمي «ضد الإرهاب» يرسم الكثير من علامات الشك والاستفهام فوق الهدف المتوخّى من أي حرب يشنّها هذا التحالف.

فظاهرها المعلن والمعبّر عنه بـ «إنهاء داعش» يمنح تغطية لأجندات كثيرة غير معلنة تتعلّق بمستقبل دول الاقليم، تحديداً بمستقبل سورية والعراق على نحو أوليّ.

كان الاعتماد على قوات «البيشمركة» الكردية إجراءً طبيعياً فرضته ضرورتان، تعويض انكفاء الجيش الحكومي ووقف التوسع «الداعشي»، لكن برّرته أيضاً الحاجة الى قوة عسكرية منظّمة غير مصابة بالهوس المذهبي المؤدلج الذي يحرّك الطرفين الآخرين، السنّي والشيعي، أي إلى قوة يمكن التفاهم معها على التزامات محدّدة لا تتطلّب موافقة «المرشد» أو «الخليفة».

في أي حال لم يكن هذا الإجراء بلا مقابل، إذ إنّ سقوط المحافظات السنّية غطّى على «استعادة» كركوك من جانب الكرد، وهي خطوة يرى كثيرون أنها أعطت مؤشراً باكراً إلى ترتيبات ما بعد الحرب على «داعش»، فكركوك كانت من المناطق «المتنازع عليها» وما إن فقدت الحكومة المركزية السيطرة عليها حتى استغنت عن «حقّها» فيها.

في المقابل، أيضاً، وعلى سبيل تبادل الخدمات، كان على القيادة الكردية أن تنفتح لتعاون عسكري عرضه الإيرانيون، وما لبث أن ظهر في معركة آمرلي.

بديهي أن الحصار «الداعشي» لهذه البلدة الشيعية قطعها عن العالم وأدّى إلى تجويعها، ما أوجب التحرك لإنقاذها وتجنيبها مجزرة محققة، وكان من الطبيعي أن يتشارك «الجيش العراقي» و «البيشمركة» في فك الحصار عنها، أما أن تكون ميليشيات ما يسمّى «الحشد الشعبي» إلى جانبهما، بل أن تكون هناك أيضاً قوة إيرانية على رأسها الجنرال قاسم سليماني وأن يظهر راقصاً محتفلاً بـ «النصر»، فقد عنى ذلك أنّ طهران و«بغدادها» لم تتعلما شيئاً مما حصل في العراق بل تصرّان على ترسيخ نتائج أخطائهما سواء في وقائعها أو في رمزياتها.

لكن الأهم أن هذه المعركة قدّمت عينةً مما قد يكون، أو بالأحرى مما تراه إيران وتريده من الحرب المقبلة. فهي مطمئنة إلى أن الولايات المتحدة (والدول الحليفة المفتَرَضة) كررت وتكرر أنها معنية فقط بسماء المعركة وبتوفير الأسلحة والدعم اللوجستي والاستخباري من دون المشاركة في الجانب القتالي. لكن المسار الفعلي لهذه الحرب يتوقف على التحرك البرّي الذي لا يزال حلقةً غامضة إنْ لم تكن مفقودة.

فمصير «داعش» يتقرر على أرض المعركة وليس في أجوائها، وإيران هي القوة الوحيدة الموجودة على الأرض، سياسياً من خلال «حزب الدعوة» أي في داخل عقل حيدر العبّادي، وعسكرياً من وراء الجيش العراقي وفي غرفة عملياته وأجهزته الاستخبارية ومن خلال الميليشيات الشيعية التي تضيف إلى هذا الجيش بُعد «حرب العصابات» الذي يفتقده.

بل إن إيران موجودة على الأرض في المقلب الآخر من الحرب، في سورية، حيث تقود قوات نظام بشار الأسد وتخطط لتحركاته وتشرف على أجهزته وعملياته وعلى تدريب ميليشياته.

وقد بنت إيران وجودها هذا في البلدين من دون أن ترسل أعداداً كبيرة من عسكرييها إليهما وإنما بالتجييش المذهبي.

لكن التطوّرات أظهرت لطهران أن كل ما وفّرته من وسائل قوة للنظامين التابعين لها لم يرسِ واقعاً سياسياً قابلاً للاستمرار ومؤهلاً لإنتاج الاستقرار.

فالتجربة الكارثية لنوري المالكي حكمت مسبقاً على حكومة العبادي باتّباع نهج مختلف تماماً، ليس فقط في السعي الجدّي إلى «مصالحة وطنية» بل خصوصاً لأن هذا المصالحة تشكّل أحد أهمّ شروط نجاح «الحرب على داعش».

لا يختلف الأمر كثيراً في سورية حيث استطاع الإيرانيون وأتباعهم إنقاذ النظام، ليكتشفوا أنهم أنقذوا عملياً جثة حيّة لكن عليلة ونازفة، وأنهم بالتالي غير قادرين على تسويقه لا عند السوريين الذين وقفوا بين النظام والثورة ولا عند المعارضين «المعتدلين» ولا حتى عند الانتهازيين من أشباه المعارضين، بل بات تسويقه يصعب داخل طائفته التي أملت في أن تكون إعادة انتخابه تمهيداً لمبادرة داخلية لإعادة شيء من الوئام والتسالم بين فئات الشعب.

وكما اخترق «داعش» المشروع الإيراني في العراق وفرض إعادة نظر في تركيبة الحكومة وعملها، من دون أن يكون هذا هدفه، فإن التنظيم الذي أمضى ما يقارب العامين في خدمة النظام السوري تحوّل في غضون أسابيع قليلة إلى أداة تهديد وتدمير لـ «انتصارات» هذا النظام وحليفه الإيراني، لكنهما يأملان الآن في أن تساعدهما «الحرب على داعش» في الحفاظ على الأمر الواقع الذي فرضاه، بل في تحسين أوضاعهما وتطوير سيطرتهما على كامل المناطق السورية، وصولاً إلى هدفهما الأساسي وهو القضاء على أي حراك شعبي سوري، إضافة إلى إدامة الوضع الشاذ في لبنان حيث صارت الدولة وجيشهما رهينةً في قبضة إيران و«حزب الله».

قد يحقق «التحالف الدولي» لطهران ودمشق أمنيتهما هذه، لأنه للتعامل مع الواقع على الأرض، تحديداً مع واقع ساهمت الولايات المتحدة مباشرةً في صنعه إذ خذلت الشعب السوري ولم تؤيد يوماً إسقاط نظام لا تزال تقول إنه فقد شرعيته وتعتبره والغاً في جرائم وجرائم ضد الإنسانية.

فالفارق مع العراق، على هشاشته، يفيد بأنّ هناك دولة وجيشاً يمكن الضغط عليهما لترشيد أدائهما صوناً لمصلحة الجميع، ثم إنّ قوى عشائرية أو ميليشوية في المحافظات السنّية لديها مصلحة في التخلّص من «داعش» إذا توافر البديل المقترح لنوري المالكي وسياساته.

أما في سورية فلا أثر لعملية سياسية، والمعارضة تحارب النظام و «داعش» في آن، فإذا كان الأول هو «البديل» المُفتَرض من الثاني، فإن المعارضة ستُدفع دفعاً وبفظاظة إلى نوع آخر من التطرف الأعمى، بما فيها أيضاً «المعارضة المعتدلة» التي لا يمنعها اعتدالها من مقاتلة النظام ورفض الهيمنة الإيرانية.

لا شك في أن «التحالف» سيعتمد على هذه المعارضة في محاربة «داعش» في المناطق التي انتزعها منها أصلاً، أما كيف سيُواءَم ذلك مع التعاون مع النظام، فهذا يتطلّب انضباطاً لن يتوافر إلا بتفاهمات (دولية – إقليمية) تحدّد قواعد الاشتباك.

ذاك أنّ أي انحياز أو تمييز ضد منطقة، وأي «تمكين» لنظامي دمشق أو بغداد ضد مناوئيهما، سيعني المجازفة بـ «القضية» التي تُخاض الحرب لأجلها، بل سيؤدي إلى جنون في التطرف على طريقة «ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا/ فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا»!

في كل الأحوال، لا بد لإيران من أن تلعب لعبة الحرب المقبلة بحدٍّ أدنى من «القذارة»، إذا كانت تعني فعلاً ما تقوله بأنها مستعدة للمساهمة في محاربة الإرهاب كأولوية دولية.

وهي تعلم أنّ تنظيم «داعش»، مثل «القاعدة» قبله، غير مبني على مشروع مستقبلي ولا يعوّل عليه المستفيدون منه، ومنهم إيران، بأكثر من وظيفته التخريبية الحالية، لكنه مضى بعيداً وعميقاً في تقويض الدول ومؤسساتها وفي تمزيق المجتمعات، ناهيك بترويع الأقليات.

ولعلّ أخطر ما يهدّد هذه الحرب وأهدافها أن تعمد إيران الى لعب «أوراقها» لابتزاز «التحالف» إذا شعرت بأن الحرب لن تحمي مشاريع النفوذ والهيمنة التي تديرها.

 

 

الحياة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع