طريف يوسف آغا
تصدير المادة
المشاهدات : 3395
شـــــارك المادة
أيها (أحمر) وأيها أقل (حمارا)
لم يعد سراً اليوم أن مسرحية (الحرب الأهلية) في لبنان قد تم إخراجها في منتصف سبعينيات القرن الماضي لتحقق عدة أهداف، أهمها تبرير دخول جيش النظام السوري والبقاء فيه ليكون (لبنان لآل الأسد لولد الولد). فكان ذلك مشابهاً لمسرحية مايسمى (الحركة التصحيحية) التي بررت ضم سورية قبل لبنان لأملاك نفس العائلة، وكان الأسد الأب قد أهدى الجولان لإسرائيل في حرب حزيران 1967 عربوناً لتسهيل استيلائه على السلطة، ثم عقد مع هنري كيسينجر، وزير الخارجية الأمريكية في إدارة نيكسون وفورد، ماعرف فيما بعد بصفقة (لبنان مقابل الجولان).
وقد سمح للأسد الأب حينها (بدخول لبنان) مقابل (مهمة محددة)، لم تعد سراً أيضاً، وهي بالتأكيد ليس لوقف الاقتتال، بل لتدجين المقاومة الفلسطينية التابعة لياسر عرفات ووضعها تحت الوصاية السورية، أو إخراجها من لبنان. وقد شهد له العالم كله بتنفيذه الشق الثاني من المهمة بعد أن رفض عرفات الموافقة على الشق الأول، ورأينا جنود الاحتلال الإسرائيلي يعبرون عن امتنانهم له برفع صوره على دبابتهم إبان اجتياحهم للبنان عام 1982. وكما كان للأسد الأب مهمة محددة مقابل السماح له بالدخول إلى لبنان، فقد وضع له (شرط محدد) إذا أراد (البقاء فيه)، وهو أن يحافظ على أمن حدود إسرائيل اللبنانية كما سبق ووعد بالحفاظ على أمن حدود الجولان المحتل. وبما أن اسم (حافظ) يحمل معنى هذا الشرط، فقد وافق عليه أيضاً، وشهد له العالم كيف نعمت إسرائيل بجولاننا طوال فترة حكمه، بل وضمته نهائياً لدولتها وأقامت عليه العديد من المشاريع السياحية والاستثمارية. وهو شيء لايفعله محتل إلا إذا كان واثقاً ولديه ضمانات إقليمية ودولية أن من يدعي بأنه عدوه لن يطالبه بالأرض أو يحاول استرجاعها في يوم من الأيام. أما في لبنان، فكان إخراج المسرحية مختلفاً عن الجولان، إذ كان من المفيد (ومن أجل سمعة المحل كما يقولون) أن تضاف بعض الأحداث المثيرة للعملية لاعطائها سمات (المقاومة والممانعة). فبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 لمساعدة النظام السوري في مهمة تصفية المقاومة الفلسطينية، عاد الإسرائيليون وانسحبوا بعد تنفيذ المهمة، ولكن ليحتفظوا بشريط حدودي عازل في الجنوب، وضعوا لحراسته عميلهم أنطوان لحد وميليشياته المرتزقة. وقد تبين بعد ذلك أن إسرائيل، وبقيامها بذلك، إنما ساعدت بشكل مباشر أو غير مباشر، على ظهور وصعود (حزب الله) الذي تعهد بتحرير الجنوب ومنع أي فصيل آخر من مشاركته بالمهمة، ولكنه سرعان ما أصبح بعد ذلك حليف النظام السوري الأول في لبنان وصادر القرار السياسي لهذا البلد الذي أنهكته الصراعات الطائفية. كما رفض إلقاء سلاحه حتى بعد خروج إنسحاب إسرائيل متحججاً (بمسرحية) مزارع شبعا التي ادعى أنها لبنانية وأن إسرائيل لم تنسحب منها، في حين أنها سورية، ولكن أيده النظام السوري بادعائه ليحميه من خصومه الذين طالبوه بالتخلي عن سلاحه. ولكن، وبالاضافة للمهمة والشرط اللذين وضعا للأسد الأب مقابل دخوله وبقائه في لبنان، فقد كانت هناك أيضاً خطوط حمراء إسرائيلية وإقليمية ودولية غير مسموح له بتجاوزها. أذكر من الإسرائيلية على سبيل المثال منعه من إدخال صواريخ سام المضادة للطيران إلى مناطق معينة فوق الأراضي اللبنانية، وإبقاء وحدات جيشه على مسافة كافية من الحدود الإسرائيلية، فالديكتاتور، وكونه في النهاية ليس بأكثر من قرصان، لايمكن لأحد أن يثق بكلامه أو مواثيقه مئة بالمئة. وكانت هناك أيضاً كما ذكرت خطوط حمراء إقليمية ودولية غير مسموح له بتجاوزها كبعض الشخصيات السياسية بعينها والمحسوبة على دول لها نفوذها في لبنان، أذكر من هذه الشخصيات الزعيم الدرزي كمال جنبلاط والزعيم السني رفيق الحريري والرئيس الماروني أمين الجميل والمفتي حسن خالد والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وغيرهم. وقد حاول الأسد الأب جهده جلب هذه الشخصيات إلى صفه وجعلها أبواق له وتدور في فلكه، فنجح مع البعض وفشل مع الآخر. وفي الحالة الثانية، كان يحاول إخراجها من قائمة (الخطوط الحمراء) بعقد صفقات جانبية مع الجهات التي لونتها له بالأحمر مقابل تغيير اللون. فإذا نجح بذلك، قام بإزاحتها من طريقه بتصفيتها بدم بارد لجعلها عبرة لغيرها. وإذا فشل، فكان لايمل من مواصلة إتصالاته مع تلك الجهات، إما ليبتزها أو لتقديم عروض مثل (أعطيكم كذا مقابل رأس فلان) أو (أعطيكم رأس فلان مقابل رأس فلان). وكان لايقدم على تصفية خصومه المصنفين خطوطاً حمراء، إلا بعد أن يكون قد تلقى الضوء الأخضر من اللاعبين الكبار الذين يقفون وراءهم. وكانت بوصلته دائماً عدم تهديد (أمن إسرائيل) الذي كان ومازال (أحمر) تلك الخطوط التي لايمكن تخطيها تحت أي ظرف أو صفقة. وكما أن مراعاة الأسد الأب لقواعد لعبة (الخطوط الحمراء) مكنته من البقاء في لبنان لربع قرن وحتى آخر يوم في حياته، فإن وصول الأسد الابن إلى الحكم وجهله أو عدم مراعاته لهذه القواعد، جعله يخرج من لبنان بعد خمس سنوات من حكمه. ويبدو أن الخطأ الذي ارتكبه وأدى إلى خروجه من لبنان هو تقديره بأن المحافظة على الخط الأحمر المتعلق بأمن إسرائيل يعطيه الحق بتجاوز بقية الخطوط من دون أخذ الضوء الأخضر من الجهات المعنية. فالكل يعرف أن الرئيس رفيق الحريري كان خطاً أحمر سعودياً بالدرجة الأولى وفرنسياً بالدرجة الثانية، أو العكس، وقد وافقت معهما أمريكا على جعله كذلك. ولكن وفي (لحظة طيش)، ظن الأسد الابن، وكونه الابن المدلل لإسرائيل والمجتمع الدولي، أن بإمكانه التخلص من كابوسه المتمثل برفيق الحريري والذي ما تعب من مطالبته بالخروج من لبنان في كل مناسبة، فقام بتفجيره، كما فعل مع غيره، ورمى بالتهمة على (الإرهاب) كما فعل مع غيره أيضاً، ولكنه لم ينتبه أن هذا الخط بالذات كان (أحمر) مما قدر، وأن التأثيرين السعودي والفرنسي إقليمياً ودولياً كانا أقوى مما ظن، وحتى محاولة إسرائيل أن (تتشفع) له لم تفلح، حيث كانت من الدول القليلة ممن عارض خروجه من لبنان. المختصر المفيد هنا أن عمى الألوان أصاب النظام السوري في تعامله مع الخط الأحمر الخاص بالرئيس رفيق الحريري، وبعد أن اقتنع هذا النظام أن (لبنان لآل الأسد لولد الولد)، فما حصل في النهاية هو أن (لبنان بالكاد بقي لبعض أيام الولد)، وما تبين أن الخط الخاص بأمن إسرائيل لم يكن وحده (أحمر) من في المنطقة.
عبد المنعم زين الدين
عبد الله الطنطاوي
أحمد النعيمي
نبيل شبيب
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة