مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3062
شـــــارك المادة
لن نستطيع أن نفهم حوادث سوريا والعراق إلا إذا أدركنا أن في كل منهما معركتين لا علاقةَ لأي منهما بالأخرى، معركتين مختلفتين يخوضهما فريقان مختلفان. فأما معركتا سوريا فهما معركةٌ ضد النظام يخوضها الثوار بهدف تحرير سوريا من الاحتلال الأسدي الطائفي، ومعركة ضد الثوار تخوضها داعش بهدف الاستيلاء على المناطق المحررة وإنشاء كيانها المشبوه فيها.
أما العراق فإن فيه معركة سهلة هي أقرب إلى التمثيلية أو الترتيبات والتفاهمات المسبَقة وتهدف إلى تسليم داعش مساحات واسعة من أرض العراق، ومعركة حقيقية شرسة تخوضها قوات العشائر المسلحة بالاشتراك مع الفصائل الإسلامية المستقلة بهدف تحرير مناطق السنّة في ديالي وبغداد.
* * *
يبدو أن الولايات المتحدة ترعى المشروع الذي تنفذه داعش على الأراضي العراقية، وهذه الرعاية تفسر اللغز وتجيب عن السؤال الجوهري: لماذا سلّم نظام المالكي لداعش مساحات واسعة في وسط البلاد بلا قتال؟ ولكن ماذا عن سوريا؟ تذكرون أن إحدى مقدّمات المقالة الأولى في هذه السلسلة (كلمة السر هي داعش) كانت تنص على أن "داعش سوريا وداعش العراق كيان واحد له قيادة واحدة ورؤية واحدة وسياسة واحدة وأهداف واحدة". ومن ثَمّ فإننا لا نملك إلا أن نطبق الفهمَ السابق نفسه على سوريا ونقول: "إن الولايات المتحدة ترعى المشروع الذي تنفذه داعش على الأراضي السورية". إن تطبيق القاعدة نفسها في البلدين سوف يقدم إجابة معقولة عن السؤال الذي يسأله السوريون منذ بعض الوقت: لماذا سكت النظام السوري عن تمدد داعش في مساحات واسعة من سوريا، بل وتدخّل في مرات كثيرة لمساعدتها ضد الفصائل المجاهدة؟ إن التفسير الظاهر الذي كنا نلجأ إليه عادة هو تقاطع المصالح واتحاد العدو، حيث يمثل المجاهدون خطراً حقيقياً على مشروع داعش كما يمثلون خطراً حقيقياً على نظام الأسد. ولكن ماذا لو كان الجواب مختلفاً؟ ماذا لو كان هو نفسه السبب الذي دفع المالكي إلى إتمام عملية "التسليم النظيف" لداعش بلا قتال؟ جواب هذا السؤال يطرح احتمالاً مخيفاً: إن الولايات المتحدة التي بدا -ممّا استعرضناه في المقالتين السابقتين- أنها ترعى المشروع الداعشي في العراق ترعاه في سوريا أيضاً، وكما اضطُرّ المالكي إلى الرضوخ للإملاء الأميركي ضمن تفاهمات معينة ستعيد توزيع المساحات والنفوذ في العراق فكذلك رضخ الأسد للإملاء الأميركي ضمن تفاهمات معينة ستعيد توزيع المساحات والنفوذ في سوريا.
إذا كانت النظرية السابقة صحيحة فإنها لا بد أن ترتبط بلحظة حاسمة في عمر الأزمة السورية، حيث كان من الواضح أن الإدارة الأميركية تسعى بقوة إلى إخراج الأسد من المعادلة وإحلال بديل آخر محله، بديل يأتي من داخل النظام أو من داخل الطائفة (أرجو مراجعة مقالة "الضربة الأميركية: ما الهدف ومن المستهدف؟"). ثم تغير المزاج الأميركي فجأة وتغيرت مفردات خطابه السياسي، فتوقف الحديث عن "مصير الأسد" وتحول عنوان المعركة إلى مانشيت جديد: "الأسلحة الكيماوية". هذا الانقلاب المفاجئ في الأمزجة والعناوين حصل في أواخر آب (أغسطس) 2013. خلال الأسابيع التالية ظهرت معالم الصفقة الجديدة التي لم ألاحظ الرابطَ بين أجزائها أبداً، ولا يبدو أن أحداً استطاع ملاحظته أيضاً: بدأ النظام بإجراءات جادة لتسليم مخزونه الكيماوي، وبدأت داعش بالانتشار في المناطق المحررة، ولمدة أربعة أشهر استمر تسليم السلاح الكيماوي واستمر الاجتياح الداعشي للرقة والحسكة ودير الزور وحلب وإدلب! كان النظام يراقب تقدم داعش الحثيث من بعيد، ولم يُضطر إلى التدخل إلاّ في مرات قليلة، عندما تعثر تقدم داعش في بعض المناطق بسبب مقاومة المجاهدين فساعدها بقصف كتائب المجاهدين بالمدفعية والطيران. إنني أكاد أجزم بأن كل ما رأيناه بعد الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية كان نتيجةً لصفقة سرّية عقدها نظام الأسد مع الإدارة الأميركية: بقاؤه في السلطة حاكماً لقسم من سوريا مقابل الرضا بسيطرة داعش على القسم الآخر وفصله في كيان سياسي جديد. وإنني أجازف أيضاً بالاستنتاج: لقد كاد هذا المخطط يبلغ ذروته أواخر عام 2013 لولا الوقفة المشرّفة للفصائل التي كوّنت على عَجَل تحالف "جيش المجاهدين" الجديد الذي وقفَ تمددَ داعش واستنفر بقية الفصائل لقتالها، فقاتلَتها وأجْلَتها عن أكثر المناطق التي كانت تسيطر عليها في إدلب وحلب ودير الزور. ولولا أن الأميركيين سارعوا إلى مساعدة داعش -فمنعوا السلاح والذخيرة عن المجاهدين- لنجح المجاهدون في تعقّب داعش إلى الرقة والقضاء عليها هناك. هذا التدخل لصالح داعش قامت به الولايات المتحدة مرة أخرى مع بداية التمدد الداعشي الجديد في أول نيسان (أبريل) الماضي، وهذه المرة كان الإجراء الأميركي حاسماً جداً وفعّالاً جداً. ا يعرف أكثر قراء هذه المقالة ما حصل في الواقع، ولكن الإخوة المجاهدين في الفصائل المختلفة يعرفون، ولو سألتموهم لأخبروكم بما حصل. لقد تدخل الأميركيون بصورة سافرة، وبعدما كانوا "يشرفون" على دخول السلاح الذي يصل من مصادر مختلفة، تركية وقطرية وسعودية، تحولوا من الإشراف إلى السيطرة الكاملة، فأوقفوا كل القنوات وسيطروا بشكل مباشر على دخول السلاح من الجنوب (الأردن) ومن الشمال (تركيا) عبر "غرف" السلاح الأميركية، وترافق ذلك مع إغلاق محكم للحدود ومنع صارم لدخول أي شيء من الذخيرة أو السلاح، ولا حتى طلقة واحدة. وهكذا تُرك المجاهدون بلا ذخيرة ليقاوموا عدواً تتدفق عليه من الشرق، من العراق، الدبابات والمدرعات والصواريخ والمدافع وكميات يصعب حصرها وعَدّها من الذخائر.
إلى أين سيمضي المشروع الداعشي؟ ما هي حدوده المرسومة؟ التمدد الأول توقف عندما بدأت معركة الأتارب في آخر كانون الأول (ديسمبر) 2013، وأحب أن أذكّر الإخوة القرّاء بأن شرارة معركة الأتارب كانت هجوم داعش على آخر المعابر الحدودية من جهة الغرب، باب الهوى. اليوم تزحف داعش بمحاذاة الحدود السورية التركية وتوشك أن تستولي على معبر باب السلامة القريب من إعزاز، وإذا ما سقط المعبر (لا سمح الله) فأخشى أنها ستتقدم إلى المعبر الأخير كما صنعت أولَ مرة. أرجو أن تعودوا إلى مقالة "داعش تضرب من جديد" التي نشرتُها بتاريخ 26/4/2014، وفيها: "لكن داعش لا تستسلم بسهولة، فإن الذين "صنعوها" لن يتراجعوا عن هدفهم الذي صنعوها من أجله، لذلك لم يكن انسحاب داعش من تلك المناطق كلها هزيمة لها، بل كان يمثل التطبيق الحقيقي لمصطلح مشهور كثيراً ما أُسيء استخدامه في حربنا الثورية: "الانسحاب التكتيكي". وهنا ارتكب المجاهدون أكبر أخطائهم الإستراتيجية في المعركة، فقد توقفوا عن مطاردة العصابة بعد انكفائها إلى الرقة وتركوها لتعيد تنظيم قواها وتعويض خسائرها، فما لبثت أن صارت جاهزة للهجوم من جديد. وتشير البدايات المقلقة للمعركة الجديدة إلى أن داعش ستحاول إعادة خطة الغزو الأولى التي طبّقتها في العام الماضي، فتبدأ بمحافظتَي الدير والحسكة، ثم تتوجه إلى غزو حلب انطلاقاً من الشمال الشرقي باتجاه الغرب". إن داعش تقتفي في تمددها الجديد آثارَ تمددها الأول، وهذا يشير إلى احتمال مرعب: إن الدولة الداعشية التي ترعاها الولايات المتحدة ستسيطر على كامل الحدود السورية التركية. هذا يعني أن الثورة سوف تختنق حتماً لأن تركيا هي الرئة التي تتنفس منها، فهل هذا معقول؟ نعم، إنه معقول جداً، فإذا كانت الصفقة الأميركية-الأسدية تقتضي إعادة توزيع المساحات والنفوذ (كما جرى في الصفقة العراقية المماثلة) فإن من الضروري القضاء على الثورة السورية بالكامل، وتسليم جزء من سوريا لداعش (دولة البعث الجديدة) وتسليم ما بقي منها للنظام.
ماذا ينبغي أن نفعل؟ وماذا نستطيع أن نفعل؟ ينبغي أن نفعل الكثير، ونستطيع أن نفعل الكثير إن شاء الله إذا صَدَقت النياتُ وأُحسن التنظيم والتخطيط والتنفيذ. إننا بحاجة إلى خطة عاجلة، خطة طوارئ من نوع خطط إطفاء الحرائق، يجب تنفيذها على وجه السرعة مهما تكن الصعوبات، وبعد ذلك تأتي خطوات التصحيح وإعادة البناء. تقوم خطة الطوارئ على دفع قوات كبيرة بقيادة موحّدة إلى الشمال لتطهير الشريط الحدودي من داعش وحمايته من السقوط، من جرابلس إلى باب الهوى، لأن سقوط هذا الشريط هو بداية نهاية الثورة لا قدّر الله. وبعد ذلك يتوجب تمديد مناطق السيطرة إلى الطرف الشرقي من الفرات، باتجاه عين العرب وتل أبيض، لإجلاء داعش نهائياً عن الحدود السورية التركية. بعد هذه الخطوة العاجلة (العاجلة جداً، حيث يُعَدّ الوقت الذي نملكه لتنفيذها بالأيام لا بالأسابيع والشهور)، بعدها ينبغي على الثورة أن تنتقل بسرعة إلى إعادة البناء وتصحيح المسار، وهذه بعض الأفكار الأساسية التي تحضرني (وأرجو أن يقوم قادة الثورة ومفكروها بعصف ذهني لتقديم تصورات أوضح وأشمل): أولاً: عسكرياً: 1- تحالُف القوى العسكرية على الأرض (ولا ضرورة لتوحيدها لأنه هدف بعيد المنال) وإنشاء غرفة عمليات كبرى تغطّي جبهات الحرب كلها في جميع أنحاء سوريا وتكون بمثابة "هيئة أركان الحرب العليا"، وأتمنى أن يستفيد الإخوة المجاهدون في الفصائل من خبرات الضباط المنشقين الذين تخرجوا في كلية الأركان لأن إدارة الحرب فن مختلف عن إدارة معارك صغيرة في جبهات محدودة. 2- تطهير المناطق المحرَّرة والمحاصَرة من خلايا داعش الصغيرة التي تنتشر فيها، وتشمل هذه الخطة الغوطتين الشرقية والغربية (وقد بدأ مجاهدو الشرقية بتطبيقها، وفّقهم ونصرهم الله) وحوران وريف حماة وريفَي حمص الشرقي والشمالي. ولن تكتمل العملية إلا بقتل رؤوس الدواعش وسحب السلاح من عامّتهم ومنعهم من أي نشاط قتالي أو إعلامي ولو بالقوة والقتال. 3- شنّ حملة مركّزة على خزّان داعش البشري في البادية الممتدة بين حمص ودير الزور، فهو مصدر الخطر الكبير والدائم على الشرق السوري (ولا سيما على محافظة دير الزور التي أخشى أن نفشل في استرجاعها نهائياً) وعلى ريف دمشق الشرقي والقلمون، ولن تنكسر شوكة داعش إلا باجتثاثها من البادية. ثانياً: سياسياً وإدارياً: 1- القيام بإجراء سياسي حاسم لا يحتمل التأخير، وهو إطلاق رصاصة الرحمة على الائتلاف الوطني الذي صار أداة لخيانة الثورة وبيعها على طاولات المفاوضات، والذي تحوّل أكثرُ أعضائه (ولا أقول كلهم) إلى كائنات طفيلية تتصارع على المكاسب والمناصب فيما تضيع سوريا كلها من أيدينا إلى الأبد لا سمح الله. 2- سينشأ عن ذلك "فراغ سياسي" يتوجب على الثورة أن تملأه بلا تأخير بكيان ثوري سياسي جديد نظيف يمثّل الثورة تمثيلاً حقيقياً، ويستطيع محاورةَ القُوى الخارجية بقوة واحترافية وبشرف وكرامة ورؤية واضحة لا تضيّع ثورتنا وتضحياتنا كما يوشك أن يصنع الائتلاف. 3- الخطوة الأخيرة الكبيرة التي ستنقذ سوريا بإذن الله هي "إعادة إنتاج الثورة" في نسخة جديدة تتدارك أخطاء الثورة الأولى التي أوشكت على التلاشي، سواء في ذلك الأخطاء العسكرية والسياسية والإدارية، على أن تكون "ثورة تكنوقراط"، بمعنى احترام الاختصاص وعدم خلط العمل المسلح بالإدارة المدنية، وإنشاء أجهزة اختصاصية احترافية للإدارة المدنية والقضاء والسياسة والإعلام يقوم عليها مختصون من أهلها لا هواةٌ متطفّلون من أهل التغلّب والجاه والسلطان، ولنا عودة مفصلة إلى هذا الموضوع المهم إن شاء الله.
الوصايا الأخيرة هي لإخواننا المجاهدين في العراق: لا جدال في أن الحالة التي يعيش فيها المسلمون السنّة في العراق هي أسوأ حالة يمكن أن يتخيّلها الإنسان، وهذا يعني أن أي حل -مهما يكن سيئاً- سيكون أقل سوءاً من الواقع المرير، ولو كان البديل هو داعش أو البعث أو حتى الاحتلال الأجنبي. هذا كله مفهوم، وهو يبرّر قبولهم بالإقليم السنّي وسعيهم إليه بعدما عارضوه في البداية، ولا يُلامون في الحالتين، ولكن تبقى مسألتان في غاية الأهمية والخطورة يجب أن ينتبهوا إليهما: 1- إن داعش عدو مجرَّب معروف، وقد بطشت سابقاً بالمجاهدين في العراق وقتلت خيارهم وكسرت شوكتهم وأعانت عليهم عدوهم وأخرجتهم من المعركة حتى تستأثر وحدها بالميدان، ثم حاولت أن تصنع ذلك كله في سوريا لولا أن وقف لها مجاهدو سوريا بالمرصاد فأعاقوا خطتها وأنقذوا أنفسهم من الفناء. وأخشى أنها ستكرر الخطة نفسها في العراق من جديد لا قدّر الله. 2- إذا كانت النظرية التي قدمَتها المقالات السابقة في هذه السلسلة صحيحةً فإن السنّة في وسط العراق، في صلاح الدين ونينوى والأنبار، وعددهم قريب من ستة ملايين، سينتقلون إلى واقع أقل بؤساً وسوءاً إن شاء الله، ولكن ماذا عن السنّة الذين يقيمون في ديالي وبغداد وحزامها الكبير (التاجي والطارمية والمحمودية واليوسفية وأبو غريب) وعددهم قريب من خمسة ملايين؟ لأي مصير سيُترَكون؟ النتيجة في ضوء المسألتين السابقتين: حيث إن ديدن داعش هو الغدر والخيانة فلا بد أنها ستغدر عمّا قريب بالعشائر والفصائل الإسلامية المستقلة، فكيف سينجو المجاهدون من غدرها، لا سيما إذا اجتمع عليهم معها نظام المالكي بقواته الأرضية والولايات المتحدة بالدرونات (الطيارات بلا طيار)؟ إن على مجاهدي العراق المخلصين الكرام أن يستعدوا لذلك كله منذ اليوم، وأن يجمعوا قواهم كلها في قيادة واحدة ويُنشئوا غرفة عمليات عليا، فلا يكرروا خطأهم القديم حينما قاتلوا قوات الغزو متفرقين ولا يكرروا خطأ مجاهدي سوريا الذين أضاعوا بتفرّقهم ألفَ فرصة وطوّلوا الطريق. وعليهم أن يضعوا خطة شاملة تنقذ المسلمين السنّة جميعاً من الاحتلال والاضطهاد، لا أن يفرحوا بإخراج نصفهم إلى دولة جديدة (مهما تكن طبيعتها) ويتركوا النصف الآخر لمصير مظلم مجهول. أما كيف يكون ذلك فأمر لا أعرفه ولن أتطفل عليهم بالتفكير فيه وهم أهل السابقة والخبرة وأصحاب الميدان.
الخلاصة: يبدو أن داعش ليست سوى أداة يحركها ويستغلها البعثيون الذين سيطروا على قيادتها واتفقوا مع الأميركيين على صناعة دولة بعثية جديدة مع إعادة تقسيم سوريا والعراق. هذه اللعبة الخطيرة تشترك فيها ثلاثة أطراف: طرف قوي مسيطر يضع قواعدها ويدير فصولها، وطرف ذكي مستفيد يتحرك ضمن تلك القواعد لتحقيق هدفه والعودة إلى الحكم، وطرف غبي هو جسم داعش المكون من جهاديين مغفلين بلا عقول يقتصر دورهم على تنفيذ المخطط السابق بغباء منقطع النظير، وهم وَقودٌ سيحترق عاجلاً ثم ينكشف الغطاء عن الكيان الجديد الذي صنعته الولايات المتحدة لتحقيق مشروعها الاستعماري الجديد. إن سياق الحوادث العراقية ينسجم تماماً مع هذه الفرضية، حيث يبدو أن القوة الرئيسية التي بدأت بالمعركة (البعث-داعش) قد احترمت تفاهماتها مع أميركا وحلفائها ولم تقترب من المناطق المحرَّمة عليها (بغداد وديالي وسامراء والجنوب) في حين أن القوى المستقلة تبذل جهوداً خارقة يائسة لتحقيق مكاسب فيها، وهي قوى لا تخضع لأي تفاهمات مسبقة وتشكّل خطراً على النفوذ الإيراني وعلى نظام المالكي، لذلك فإنها تتعرض لمقاومة شرسة حقيقية من طرف قوات المالكي والمليشيات الشيعية العراقية والإيرانية، التي انسحبت من سوريا لتخوض المعركة مع تلك الفصائل في تلك الجبهات حصراً وليس مع داعش في المحافظات الثلاث التي سلّمها المالكي بلا قتال.
لقد أرادوا قتل ثورتنا من أول يوم قامت فيه، وإنهم اليوم جادّون في تحقيق ما عجزوا عنه في أربعين شهراً خلت، وإلاّ تولَدْ ثورتُنا ولادة جديدة على أسس صحيحة فإنها سائرة إلى فشل كبير أو أنها صائرة إلى موت محتوم لا قدّر الله. إن الثورتين -في سوريا والعراق- تمرّان بظروف عصيبة، ولا نجاةَ لثورة العراق إلا بالتخطيط والتنظيم ودرء شر داعش القريب، ولا نجاةَ لثورة الشام إلا بولادة جديدة على أسس صحيحة تتلافى عيوب المرحلة السابقة. إن الثورات ليست أمراً سهلاً يمكن البدء به كل يوم، وعندما يفشل شعب من الشعوب في ثورته فقد يعجز عن البدء بثورة أخرى قبل نصف قرن من الزمان. هذه الحقيقة الخطيرة يجب أن تعيَها الثورتان، السورية والعراقية، وأن تعقدا العزم على أن لا تُهزَما مهما كان الثمن؛ ينبغي أن نقوّم الأخطاء ونجدد العزائم ونستمرّ بالثورة وصولاً إلى النصر مهما تكن التقدمات ومهما تكن التضحيات.
الزلزال السوري
محمد سلمان القضاة
عبد الرحمن الراشد
طريف يوسف آغا
عبد المنعم سعيد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة