رحاب أسعد بيوض التميمي
تصدير المادة
المشاهدات : 7393
شـــــارك المادة
لقد تحول رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان إلى ظاهرة سياسية أصبحت محل جدل وأخذ ورد ودفاع وهجوم في العالم أجمع وكان اكتساح حزبه للانتخابات البلدية الأخيرة رغم حملة التشكيك به والهجوم الشخصي العنيف عليه وتسخير إمكانيات دولية إقليمية ودولية من أجل إسقاطه، ورغم ذلك كانت النتيجة فوز ساحق لحزبه.
مما أدى الى ردة فعل عنيفة من قبل معارضيه وأعدائه بعد أن بشروا بسقوطه القادم المدوي, مما جعلهم يُشعلون حربا شعواء ضده واتهامه بجميع التهم،حتى وصفه العلمانيون العرب والأتراك أشد الناس عداوة له بأنه يريد إعادة الخلافة العثمانية وبأنه يعتبر نفسه أحد سلاطين بني عثمان وصار يُسمى حزبه بالعثمانيين الجدد. وهناك أيضا بعض التيارات الإسلامية تشن عليه حربا لاهوادة فيها وهي بذلك تلتقي مع العلمانيين في محاربتهم للظاهرة الأردوغانية. فمن هذا المدخل للموضوع أريد أن أناقش هذه الظاهرة بهدوء وليس من باب الأنحياز أو التحيز وإنما من باب الإنصاف والوصول إلى الحقيقة, فقد أكون مخطئة أو قد أكون مصيبة فإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإن أصبت فمن الله. فمن خلال قراءتي لهذه الظاهرة الاستثنائية والملفتة للنظر وما أنجزته على أرض الواقع والتغير الكبير الذي حصل في تركيا في عهده على جميع الصعد، أرى أن أردوغان زعيم صاحب رؤيا ثاقبة على جميع المستويات (رؤيا دينية، وسياسية، واقتصادية، واجتماعية، وفكرية وثقافية، وجغرافية، وتاريخية) وبأنه يتمتع بذكاء خارق وحضور على مستوى قيادي عالي جدا ودهاء وقدرة على المناورة السياسية وقدرة حاسمة وحازمة في اتخاذ القرار, وبأنه قد لجأ إلى استخدام أساليب في التعامل مع الواقع التركي المعادي للإسلام بأن الحرب خدعة والضرورات تبيح المحظورات كما هو في الفقه الإسلامي, من أجل خوض حرب داخلية شرسة لكي يستعيد تركيا من يد العلمانيين الأتاتوركيين يهود الدونمة الذين هدموا الدولة العثمانية المتغولين على جميع مؤسسات الحكم خصوصا الجيش والقضاء.... فمن هذا المنطلق أتفهم جيداً أن يغتاظ كل الكفر بأطيافه والعلمانيين بمختلف توجهاتهم والحكام بجميع مسمياتهم من فوز حزب طيب رجب أردوغان في انتخابات البلدية في تركيا, إنه يسلك طريقاً تروق لهم ولأن حساباته مختلفة عن حساباتهم، وحدوده يتسرب منها ما يقض مضاجعهم ولا يخفى على أحد أنه أصبح مصدر قلق لهم بسبب إحراجه لهم في نصرة القضايا التي يقفون مكتوفي الأيدي تجاهها ولو بالحد الأدنى حسب استطاعته رغم العزلة التي يعيشها لاختلاف منهجه عنهم. لكن ما لا أتفهمه أن لا يروق هذا النجاح لبعض من يؤمنون بالله واليوم الآخر. بل أن يذهب البعض لإدانته بقياسه على سفلة الحكام. وكأنه ليس هناك إلا طريقة واحدة للتعامل مع أنصار الشيطان مهما كلف الثمن، ومهما كانت التحديات،فالإسلام لا يمنع الحاكم بالبحث عن الأولوية التي ينطلق منها وفق فهم الواقع الذي يفرض عليه من خداع للخصم لتمرير ما يريد. فالحرب خدعة كما هو مباح في ديننا. فمثلا كيف يمكن أن أنقلب على أردوغان لأنه لم يطبق الحدود فور تسلمه السلطة وهناك تحديات كثيرة تواجهه وتواجه حكمه، عدا عن المتربصين من الداخل والخارج الذين ينتظرون لائحة تلوح في الأفق لإسقاط حزبه، وإبقاء تركيا دولة علمانية منسلخة عن دينها، فالأولوية دعته لترسيخ دعائم حكمه أولاً وقبل كل شيء لاستعادة مكانة تركيا الرائدة بأهميتها كونها كانت عاصمة الخلافة الإسلامية التي احتضنت الإسلام لأكثر من خمسة عقود وكان لها فضل عظيم على الأمة الإسلامية قبل أن يضيعها الأتاتوركيون؟؟ وإلا لو لم يجعل في برنامجه أولويات لانتهى أمره وكان سبباً في ضياع فرصة لانتزاع تركيا من يد غلاة العلمانيين الأتاتوركيين من يهود الدونمة (فأهل مكة أدرى بشعابها) وهولم يستلم أرض طيبة خالية من الصخور والمطبات حتى يطالب بوصول القمة في تطبيق أحكام الله. أنا مع المنادة بتطبيق حكم الله إلى النخاع حتى لو حكمنا عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله)) حديث صحيح رواه البخاري لكن ليس من حق أحد أن ينكر على من يتولى أمر المسلمين أن يكون مناوراً ومخادعاً للعدو والخصم المتربص به, خاصة ونحن في زمن تحكمه الآلة، والأجهزة الإلكترونية والأمور المترتبة عليها من تجسس، ومراقبة وإحاطة قد تجعل من يتولى المسؤولية بحاجة شديدة إلى الحذر والحنكة لخداع من ينتظرون سقوطه. إن مسيرة حكم أردوغان تشهد أن الرجل صاحب رؤيا عمودها الفقري تقوم على تخليص تركيا من الأتاتوركية والعودة بها نحو الإسلام وإنهاء عدائها له, بدليل أنه استطاع بتصرفاته تطهير أهم مؤسسات الدولة من قادة الجيش اليهود الدونميين أشد الناس عداوة للإسلام والذين كانوا يشكلون الخطر الحقيقي على الإسلام في تركيا، وبذلك نجح ولو بشكل غير رسمي من إخراج تركيا من كونها الحليف الأول لما يسمى بإسرائيل إلى المشاكس الأول لها والوحيد الذي يعترض على فُجورها. وخاصة أن تركيا قبل أن يستلمها أردوغان كانت على شفا حفرة نتيجة حكم اليهود غير المباشر من خلال العسكر الذي سيطر عليه يهود الدونمة حتى أوشكت أن تخلع من دينها كما خلعت أسبانيا من الإسلام،لولا أن قدر الله لها أن تعود لحاضرة الأمة بعد أن ساق الله لها هذا الرجل، فتصرف بحكمة وطول نظر وبدهاء وذكاء وتمهل حتى استطاع سحب البساط رويداً رويداً من تحت أرجل الأتاتوركيين، واستطاع إعادتها إلى حاضرة الإسلام. فهل من العدل أن أُنكرعليه إنجازاته أو أغض النظر عن التحديات التي كانت تقف عقبة أمام حكمه وأنقلب عليه لأنه لم يعتبر أن إسقاط صورة أتاتورك مثلاً وتماثيله من الأماكن العامة أولوية؟؟ أنا أعتبر تصرفه ذلك حكمة بالغة منه بأنه مرر ما يريد من دون أن ينظر إلى توافه الأمور التي كانت ستكلفه حكمه لو التفت إليها خاصة أن أتاتورك كان يُعتبر المُلهم والمُخلص لفئة كبيرة من الشعب التركي. وواضح أنه إذا ما أستمر في نهجه هذا فإنه سيصل إلى اللحظة التي سيهدم بها كل أصنام أتاتورك وينزع جميع أفكاره ورجاله من تركيا, بل سيُحاكم أتاتورك في قبره على جريمته التاريخية التي ارتكبها عندما وجه الطعنة النجلاء في قلب المسلمين عندما هدم خلافتهم. والأصل حتى لو كانت الرؤية غير واضحة لتقييم حكمه، ثم ثبت مع مرور الوقت أن إنجازاته لامست أرض الواقع تغييراً وإصلاحاً, فمن العدل إنصافه والوقوف بجانبه. إن من الإنصاف أن نذكر أعمال طيب رجب أردوغان خلال فترة رئاسته لإسناده ودعمه ونُصرة له على العلمانيين، وكل أطياف الكفر, وخاصة أن تركيا بحكم موقعها في أوروبا ومع التطور التكنولوجي وفتح حدودها أمام الأوروبيين دون تأشيرة وسعي أردوغان لضم تركيا إلى الإتحاد الأوروبي قد تكون البوابة التي ستدخل بها أوروبا الإسلام سلمياً. فأهميتها كدولة مسلمة سبقت العالم العربي المسلم بكل المجالات وتقع في مصاف الدول الأوروبية في التنافس التجاري والصناعي وفي كل مجالات الحياة, وهذا قد يكون مشجعاً أكبر للأوروبيين في الإقبال على الإسلام على اعتبارها تصلح أن تكون قدوة وصورة مشرقة عن الإسلام أكثر من دول العالم الإسلامي التي خذلت الإسلام بتواطئ حكامها مع الأعداء وجعلتنا في مصاف الأمم المتأخرة بل في آخر الصفوف. ثم إن جئنا نستعرض جزء من إنجازات الرجل نجد أنها لا تتناقض مع مصلحة المسلمين وليس فيها عداء للإسلام. هل من المصلحة التعامل السريع والجاد مع كل القضايا والمستجدات دون الاعتبار لأي حسابات أخرى ودون النظر إلى الواقع؟؟ فكما أننا تكلمنا بإنصاف عن سياسة مرسي وأن التهاون والضعف تجاه من يحاربون الله ورسوله من الفاسدين والمفسدين ومن ظهر حقدهم ولؤمهم للعيان على دين الله هو السبب الرئيسي في ضياع فرصة التمكين لشرع الله في مصر، فليس من الإنصاف أن ننكر على أردوغان توفيق الله له في اختيار الطريق الأسلم في الحكم تتلاءم والوضع المتردي الذي استلمه والذي يعتبر أشد تعقيداً من الوضع المصري. إرث ينزف حقداً على الإسلام وموروث أتاتوركي حاقد مسيطر على كل أركان الدولة بدءاً من الجيش مروراً بالقضاء انتهاءً بكل أركان الدولة، عدا عن موقعها في أوروبا التي تعادي الإسلام. والفرق بين الرجلين واضح أن مرسي تصرف بحسن نية وبمداهنة ومهادنة وبضعف شديد وبدون رؤيا مع من كانت سوء نيتهم ظاهرة للعيان وحقدهم يتطاير شرراً على الإسلام ثم يخرج ليناً في خطابه هيناً معهم وكأنه سوبر مان والقاعدة الشرعية تقول (حُسن النية لا يبرر سوء العمل) أما أردوغان فكان متيقظاً هو وكل رجالاته من حزب العدالة والتنمية لكل أعدائه وأعداء الدين ولم يغفل عنهم لحظة, وكلما مكروا له رد كيدهم عليهم أمام شعبه وخرج بلهجة شديدة يتوعدهم, عدا عن أنه حينما شعر بتمرد القضاء وتآمره طهره فوراً. كما أن أردوغان كان أكثر شيء ساهم في إنجاح سياسته أنه تعامل مع الأرضية التي استلمها والتي تعج بالشياطين بهدوء وحنكة ومسايرة وخدعة, حتى استطاع أن يحقق جزء من المهم واحتفظ لنفسه بنوايا خفية من باب الحيطة والحذر ظهرت آثارها على الأرض فيما بعد. فالدعوى إلى المطالبة بحكم الله واجب شرعي. فهل ما فعله أردوغان بالإنقلاب على الجيش بتطهيره شيئاً فشيئاً من يهود الدونمة بدعوى أنه لم يعلنها إسلامية فوراً يتعارض مع الإسلام؟؟ وكيف اعترض على أردوغان الذي لم يقبل بالعبودية واختار طريق الحرية متحدياً السيادة العالمية رغم مسايرتها بدعوى أنه ما زال معطلاً للحدود؟؟ كيف أغض النظر عن كل إنجازاته تجاه دينه وشعبه بعد أن رفع الأذان وملأ المساجد بالمصلين وأعاد للحجاب مكانه وفتح دور تحفيظ وتعليم القرآن بأنه لم يعلنها إسلامية؟؟ وهل من العدل أن لا أعتبر لقراره في إعادة تعليم العربية من جديد في المدارس التركية أهمية وهي لغة القرآن, وإعادة تعليم اللغة العثمانية التي كانت تكتب بالأحرف العربية ليُعيد صلة الشعب التركي المسلم بتاريخه الإسلامي والتي كتب فيها تاريخ الدولة العثمانية المجيد والذي ألغاها أتاتورك ليفصل الشعب التركي المسلم عن تاريخه الإسلامي المجيد، وسيرة سلاطينه العظام الفاتحين في خطوة تحمل كل التحدي لمن يعارضونه، ثم فتحه الأجواء التركية بدون تأشيرة لتشجيع الناس على الإطلاع على مهد الخلافة العثمانية لتكون شاهداً على عظمة الإسلام أمام العالم، وردا على اتهامهم للإسلام بالإرهاب؟؟ ألا يغفر للرجل أنه نشل الاقتصاد التركي من الانهيار بسبب الديون التي أوشكت أن تجعلها في مصاف الدول الفقيرة، فأصبح هناك فائض في ميزانية الدولة، ومن ثم أثر ذلك على ارتفاع مستوى الفرد المعيشي والدولة الوحيدة التي أصبحت ليست مدينة للبنك الدولي تركيا... كيف أنسى مواقفه في الحد الأدنى ووفق ما يملك من تصرف تجاه نصرة القضية الفلسطينية رغم القيود التي حاول العلمانيين لفه بها حينما كسر الحصار عن غزة بإرسال الباخرة متحدياً فُجر العالم واليهود؟؟ ألا يُحسب له أن كل فُجار العالم ضده وأن أعداءه نفسهم أعداء الأمة في مصر وفي سوريا وفي العراق وفي إيران. فندعو الله أن ينصر الإسلام بأردوغان ليصل إلى اللحظة التاريخية الفارقة للحكم بما أنزل الله وأن يتهيأ الواقع في تركيا لهذا الأمر, فالرجل ما زال هناك تحديات وصعوبات تواجهه داخلية وخارجية من الإنصاف أن ندعو له بتجاوزها لعل الله يقدر على يديه خيراً كثيراً للأمة. ومن الأمور التي توضح قناعاته الداخلية أنه في إحدى محاضراته عندما كان رئيسا لبلدية استنبول قال مخاطبا طلاب الجامعة (إن العلمانية في تركيا سوف تنتهي فلا يمكن أن يكون الإنسان مسلما وعلمانيا في نفس الوقت) هذه الكلمات توضح نوايا الرجل وهي موجودة على يو تيوب, فخطواته ومنهجه في الحكم واضح بأنه يسير في هذا الإتجاه والله أعلم، حتى ولو أعلنها في بعض الأحيان علمانية من باب التقية. ولو أن الحكام العرب مشوا عل نهج أردوغان وكان ولاؤهم لله ورسوله وأنجزوا جزءً من إنجازاته لما جاز الخروج عليهم. والله لو لم يخرج من حكمه بشيء سوى استرجاع تركيا من أنياب العلمانيين الأتاتوركيين لكفته, وكما قال رسول الله -صل الله عليه وسلم- ((اللهم انصر الإسلام بأحد العمرين)) فأصابت الدعوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي هدم الله على يديه عروش وجيوش القياصرة والأكاسرة وبلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها. نقول اللهم انصر الإسلام بأردوغان وفي النهاية ستكون خلافة على منهاج النبوة كما وعد رسول الله صل الله عليه وسلم هذا مانؤمن به.
أحمد موفق زيدان
غازي دحمان
أحمد أبازيد
شؤون خليجية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة