..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الاستنزاف هو الخيار الأخير في سوريا

علي حسين باكير

٣٠ ديسمبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5217

 الاستنزاف هو الخيار الأخير في سوريا
باكير 0+++0.jpg

شـــــارك المادة

لنتوقف لحظة ولنعد قراءة المشهد السوري اليوم. داخليا عدد القتلى والجرحى من المدنيين السوريين يزداد على وقع القتل المستمر والوحشي لأبناء الأغلبيّة السوريّة، والتهجير الطائفي، والتغييرات الديمغرافية الخطيرة التي تجري في ظل تشريد أكثر من 11 مليون سوري بين لاجئ ونازح، وتدمير الغالبية العظمى من البنية التحتيّة السورية ناهيك عن انهيار القطاعات كافة وبنية الدولة بعد استنزاف مواردها وتوظيف أجهزتها في عملية التصفية التي يقوم بها النظام ضد الشعب.
جزء من الأقليات الطائفيّة والقوميّة الموجودة في سوريا تواصل عمليات التطهير التي تقوم بها بحق الأغلبية في الشقّين، فنظام الأسد لا يزال يحصل على الدعم المباشر الروسي والإيراني لمواصلة قتل أبناء الشعب السوري من أجل معادلة عبثية غير قابلة للتحقق إلا بفناء هذه الأغلبية كليّاً، وجزء من المكون الكردي ممن يحمل أجندة انفصالية يتلقى المزيد من الدعم الغربي والشرقي (بدءًا من الولايات المتحدة ومرورا بأوروبا وإيران وليس انتهاءً بروسيا) بما في ذلك نظام الأسد نفسه، ويواصل تقدّمه باتجاه ابتلاع المزيد من الأراضي السورية على وقع التطهير الجيو-قومي، بذريعة محاربة «داعش» وتحت غطاء ما يسمى «قوات سوريا الديمقراطية».

روسيا استقدمت المزيد من العدد والعتاد لتواجد أكثر ديمومة في سوريا كما يبدو، كما أنّ اعتمادها على الجانب الإيراني في تغطية العمل العسكري بدا أكبر بكثير مما كان البعض يتصوره، ناهيك عن انهيار الأساطير التي تحدثت حينها عن أن دور موسكو هو سحب الملف السوري من طهران أو إخراجها من المعادلة.

الإيراني رمى بكل أوراقه السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية، وهو منخرط من رأسه وحتى أخمص قدميه عسكريا في دعم الأسد عبر الجيش والحرس الثوري والباسيج والميليشيات الشيعية الطائفية من كل حدب وصوب، من مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا الوسطى.
أمّا الجانب الأميركي الذي هو أصل العلة وصلب المشكلة فهو منخرط بقوة حالياً في عملية تصفية الثورة السورية سياسياً، بعد أن استنفد كل ذرائعه وحججه في تبرير موقفه المتخاذل، بل المعرقل لنجاح الثورة السورية منذ اليوم الأول، وتؤدي الجهود السياسية التي يقوم بها اليوم إلى تأمين الغطاء الشرعي لعملية التصفية العسكرية التي تقودها كل من روسيا وإيران من جهة وعملية تقسيم (دي فاكتو) لسوريا عبر دعم الجزء المذكور من المكون الكردي.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تجاهل إدارة أوباما التام لمطالب ومصالح حلفائها في المنقطة، وعلى رأسهم تركيا والسعودية منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة وحتى اليوم، وأضفناها إلى الحقيقة أعلاه، فهذا يعني أن الموقف الأميركي بعيدا عن التصريحات الكلامية هو عملياً في صف روسيا وإيران، وأن كان هناك تباين في بعض التفصيلات التي لا تخل بالأجندة العامة.
ولا يقف تحليل هذا الموقف عند حدود سكوت إدارة أوباما لدرجة الخرس عن دور إيران والميليشيات الشيعية في سوريا، ولا عند حد عدم التعليق على قيام موسكو باغتيال قادة المعارضة السورية، وعدم فعل أي شيء إزاء حقيقة قيام روسيا باستهداف المعارضة السورية المعتدلة على مساحة سوريا بحجّة استهداف «داعش» أيضا، بل يتعدّاه إلى إدراك حلفاء أميركا المفترضين في المنطقة لهذه الحقائق عبر النقاشات التي تجري في مجالسهم الخاصة على أعلى مستوى.
ينبغي الاعتراف أيضا بأن الجهد الدبلوماسي السعودي والتركي والقطري في دعم الثورة السورية كان قد بلغ أوجه مؤخرا، وأنّ «المناورات السياسية» التي اتبعتها هذه الدول في الأشهر القليلة الماضية -في ظل المعطيات المذكورة أعلاه ورغم القدوم المتأخر- كانت على درجة عالية من الذكاء والحنكة، وأن هذا الأمر ربما كان أحد أسباب تعويل موسكو مجددا على العمل العسكري (اغتيال زهران علوش) في محاولة لفرض، ما تم رفضه سياسيا من قبل هذه الدول بالقوة العسكرية.
إذا ما استمرت هذه المعطيات بالتدحرج على شكلها الحالي، وتم تقويض العمل السياسي الذي يحفظ الحد الأدنى من مطالب الشعب السوري ومتطلباته المشروعة، فسيكون أمام هذا الواقع في خطوطه العريضة خياران لا ثالث لهما. إمّا الدخول في تسويات غير مرضي عنها ومحاولة التعديل لاحقا ربما من خلال الآلية نفسها من الداخل، وهو أمر صعب ويحتاج إلى سنين طويلة ربما وإلى أعلى درجة من الوحدة السياسية والعسكرية بين المعارضين، وإمّا الذهاب في حرب استنزاف حتى النهاية.
إذا كان هناك عامل قوّة واحد فقط للأكثريّة على الإطلاق فهو خيار حرب الاستنزاف. الأقليات لا تستطيع الصمود أمام حروب استنزاف حتى لو كانت مدججة حتى أسنانها بالأسلحة، ومدعومة من العالم بأسره، ففي نهاية المطاف لا يمكن لها الصمود إلى ما لا نهاية، كذلك الأمر بالنسبة إلى أي محتل أو معتد في أرض ذات أغلبيّة رافضة، هذه حقائق مثبتة في التاريخ سياسيا وعسكريا. كل ما سنكون بحاجة إليه حينها هو إعادة تعريف الخطوط الحمراء التركية والسعودية، وتفعيل المواجهة غير المباشرة لهذه البلدان مع موسكو وطهران والإعداد لضربات نوعية ضد أهداف استراتيجية لهما في سوريا، والإبقاء على الحد الأدنى من الدعم العسكري للثورة السورية قائما.

 

 

العرب القطرية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع