عامر الهوشان
تصدير المادة
المشاهدات : 4129
شـــــارك المادة
منذ أن أسس النبي -صلى الله عليه وسلم- دولة الإسلام في المدينة المنورة, على قيم الحرية والعدالة والمساواة والمحبة والإخاء والتعايش مع أهل الكتاب, وتابع مسيرة تلك الدولة - على نفس الأسس والمبادئ والقيم - الخلفاء الراشدون من بعده, وهذا النموذج الفريد لتلك الدولة حاضر في ذهن كل مسلم, يرجو تحقيقه على أرض الواقع إن اختلفت الأدوات والوسائل مع تطور الزمان والمكان, ما دامت المبادئ والقيم والمقاصد والغايات واحدة.
ولم تتوقف محاولات المسلمين إستعادة ذلك النموذج الفريد للدولة الإسلامية منذ نهاية عهد الخلفاء الراشدين وحتى وقتنا الحاضر , بغض النظر عن اقتراب البعض من ذلك النموذج أو الابتعاد عنه, فالكل مجمع على المرجعية والقدوة التي تمثلها الدولة الإسلامية في تلك الفترة, نظرا لتأييد الوحي في إنشائها في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-, وعدم انحرافها عن منهج النبوة في عهد الخلفاء الراشدين. ولم تخل محاولة من محاولات استعادة ذلك النموذج الفريد للدولة الإسلامية من معارضة أعداء الإسلام في الداخل والخارج, بدءا بالمتسترين بالإسلام من اليهود والمجوس وغيرهم في الداخل, وبالدولة الفارسية والرومانية المعادية للدولة الإسلامية في الخارج, وانتهاء بالعلمانية والليبرالية التي تسللت إلى الدول العربية والإسلامية إثر الاحتلال الغربي لمعظم بلاده, والذي لم يخرج من تلك البلاد إلا بعد أن سلم زمام الحكم فيها لخلفائه من بعده بأفكارهم وعدائهم للإسلام والمسلمين. ورغم استمرار عهد حكم أتباع الغرب عقودا من الزمان, واضطهادهم الشديد طوال تلك الفترة للناس عامة وللتيار الإسلامي خاصة, ومحاولة تغييب الحركات الإسلامية عن أي دور سياسي أو حتى اجتماعي أو اقتصادي, إلا أن تلك البلاد كانت على موعد مع موجة ثورية عارمة, أطاحت بحكم المستبدين فيما بات يعرف ويسمى (الربيع العربي). واستبشر التيار الإسلامي بهذا الربيع, من خلال عودتهم إلى المنافسة السياسية على الحكم من جديد بعد حرمان طويل, وحققوا نجاحا ملحوظا في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية التي أجريت في تلك البلاد, ليصطدموا جراء ذلك من جديد ببعض الأحزاب العلمانية والليبرالية والثورة المضادة, وليعود الصراع من جديد بين الراغبين بإعادة الدولة الإسلامية – بغض النظر عن مدى قربها أو بعدها عن النموذج النبوي الراشدي الفريد – وبين الأحزاب العلمانية والليبرالية وغيرها من الفرق والمذاهب المعادية لفكرة عودة الدولة الإسلامية.
ونظرا للواقع العربي والإسلامي الذي يشهد استقطابا شديدا بين الإسلاميين والعلمانيين, خاصة بعد ظهور موجة شديدة من الثورة المضادة في أكثر من بلد من بلاد الربيع العربي, دعا مؤتمر حركات الإسلام السياسي في العالم العربي الإسلاميين لامتلاك مقومات إدارة الدول، وطالبهم بتحويل شعار "الإسلام هو الحل" إلى نماذج سياسية واقتصادية وإدارية وتنموية شاملة. وخلص المؤتمر، الذي انعقد في عمان منذ يومين بتنظيم من مركز دراسات الشرق الأوسط ومشاركة سياسيين وباحثين ومفكرين من 13 دولة عربية، إلى أن المنطقة العربية تمر بمرحلة تحول ديمقراطي تاريخية طويلة تشهد تدافعا قويا بين قوى التغيير والإصلاح من جهة وقوى الثورة المضادة من جهة أخرى. وجاء في البيان الختامي للمؤتمر أن قوى الثورة المضادة أظهرت عدم قدرتها على تحقيق الاستقرار والسيطرة على الأوضاع في المدى المتوسط والبعيد، وأن ذلك يؤكد أن استكمال التحول الديمقراطي هو النتيجة الطبيعية لمرحلة التدافع حتى لو تعثر المسار في بداياته، وأن المستقبل القادم سيكتمل لصالح الإرادة الشعبية وإحداث التغيير والإصلاح المنشود وبمشاركة فاعلة من كل قوى المجتمع ومن بينها حركات الإسلام السياسي.
ومن أبرز وصايا ودعوات المؤتمر ما يلي: 1- ضرورة دعم توجه الحركات الإسلامية نحو الانفتاح على المجتمع بمختلف مكوناته الثقافية والسياسية، وزيادة المشاركة السياسية في الحكومات والمجالس النيابية في إطار شراكة وطنية واسعة، مع تحمل العناء في سبيل تحقق ذلك. 2- دعوة حركات الإسلام السياسي لتقديم رؤى سياسية وفكرية تؤكد مبادئها ومواقفها وبرامجها في المشاركة السياسية والتزامها بالسلمية والوسطية. 3- دعوة حركات الإسلام السياسي للنظر في العلاقة بين مختلف وظائفها بما يضمن التمييز المؤسسي بين الوظيفة الدعوية والوظيفة السياسية الحزبية لضمان فاعلية سياسية أكبر وتأثير دعوي أوسع. 4- التأكيد على إمكانية التعايش بين مشروع الحركات الإسلامية الحضاري والمشاريع العالمية الأخرى، بشرط أن يقوم هذا التعايش على أساس الحوار والاحترام المتبادل ورعاية المصالح المشتركة وتجنب نظرية صراع الحضارات. 5- أهمية بلورة رؤية حركات الإسلام السياسي في التعامل مع المشاريع الفاعلة في المنطقة سواء الدولية منها والإقليمية المتمثلة بالمشاريع الإيرانية والتركية والإسرائيلية، بما يحقق مصالح للمشروع العربي الإسلامي وقدرته على بناء أوطانه وتنميتها وإنهاء الاحتلال لفلسطين. 6- قيام حركات الإسلام السياسي بتقديم التطمينات اللازمة للأطراف الداخلية والخارجية على حد سواء، ودعوتها إلى تقديم نموذج في إدارة الاختلاف بين القوى السياسية الحاكمة والمعارضة في الدولة سواء كانوا في الحكم أو المعارضة. 7- دعوة هذه الحركات إلى العمل على بناء الجماعة الوطنية التي تواجه التحديات الداخلية والخارجية بشكل مشترك والتي تضم كل القوى بغض النظر عن خلافاتها، و دعوة القوى السياسية الأخرى إلى التعاون مع الحركات الإسلامية عند وصولها إلى البرلمانات أو قيادة الدولة لما فيه المصلحة العامة للدولة والمجتمع، واللجوء إلى التنافس السياسي بقواعده وضوابطه الأخلاقية المعروفة. 8- دعوة الدول العربية إلى نبذ الحل الأمني في التعامل مع حركات الإسلام السياسي والاعتراف بوجودها والسعي لإدماجها في العملية السياسية في الدولة. 9- ضرورة رفض أساليب العنف والتكفير والإرهاب ونشر الطائفية كسبيل للتغيير والإصلاح في الوطن العربي، والتأكيد على أن العمل السياسي بكل أشكاله هو السبيل الأمثل لتحقيق نقلة نوعية في النظام السياسي العربي نحو الحرية والعدالة والتنمية والاستقلال. 10- دعوة الحركات الإسلامية التي تشارك في السلطة التنفيذية والحكم إلى أن تُبقي موقفها الإستراتيجي إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي والقائم على دعم مقاومة الشعب الفلسطيني وكفاحه حتى تحرير فلسطين وعدم الانجرار وراء إغراءات العلاقة مع الغرب على حساب ذلك، باعتبار أن "المشروع الصهيوني يُعدّ التحدي الأكبر لنجاح مشروعها الإسلامي العربي". ورغم تنفيذ وقيام التيار الإسلامي بكثير من هذه البنود على أرض الواقع , ورغم عدم إبداء الطرف الآخر – الثورة المضادة - أي نية للتعاون مع هذا التيار بعد وصوله للحكم , بل عمل على عرقلة أي جهد يقوم به لإظهاره بمظهر الفاشل, مما يدل على أن أصحاب الثورة المضادة لا ينظرون إلى القضية بكونها منافسة سياسية, بقدر ما يعتبرونه صراعا إيديولوجيا ووجوديا. و مع كل ذلك, فإنه يمكن الأخذ بهذه التوصيات التي خلص إليها المؤتمر على مبدأ (الكَلِمَةُ الحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) قال الترمذي: حديث غريب وضعفه الألباني. المسلم
مجاهد مأمون ديرانية
حمزة عماد الدين موسى
أحمد عبد المحسن العساف
محمد حسن عدلان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة