وليد أبي مرشد
تصدير المادة
المشاهدات : 3001
شـــــارك المادة
في عالم الطب ظاهرة تعرف بـ«ألم التعاطف» (Sympathy Pain) تستعمل في وصف آلام تظهر أعراضها على شخص ما لمجرد مجاورته أو تعايشه مع شخص آخر يعاني منها جسديا. ورغم أن هذه الظاهرة لا تزال، طبيا، موضع جدل، فقد تكون، سياسيا، صحيحة بالنسبة لدولة مثل لبنان تحولت في الآونة الأخيرة إلى الدولة المصابة بكل علل وأمراض دول الجوار.
ما كان يصح في وصف الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر يصح اليوم في وصف الدولة اللبنانية: «رجل الشرق الأوسط المريض». وقد لا يكون من المبالغة في شيء اختصار سيرة لبنان الحديث بسجل طبي يعدد حالات انتقاله من علة مستوردة إلى علة أخرى - مستوردة أيضا. إذا كان ثمة مصداقية لاعتقاد البعض بما يسمونه «المعجزة اللبنانية» فقد تكمن هذه «المعجزة» في قيامه معافى -ولو إلى حين- من كل العلل التي ألمت بكيانه الضعيف.. حتى الآن على الأقل.
اليوم، علل لبنان السياسية تكاد تقضي على علة وجوده على خريطة الشرق الأوسط. من هنا التخوف من أن تتحول علته اليوم إلى علة «انتهائية» (Terminal) ما لم يبادر الغيورون على استمراره تجربة اجتماعية استثنائية في منطقته إلى معالجتها لا بالمسكنات فحسب، بل بالمضادات الحيوية الضرورية.. تداركا لاحتمال إخضاعه إلى عملية جراحية قد تستتبع بتر بعض أطرافه ومناطقه لإبقائه على قيد الحياة. المؤسف في حالة لبنان الراهنة أن اللبنانيين الغيورين على كيانه باتوا قلة قليلة مغلوبة على أمرها، بل قطعا نادرا في سوقه الداخلية، الأمر الذي يستدعي تدخلا خارجيا ملحا لإعادة تأكيد هوية لبنان التعددية في منطقة تعيش حاليا أزمة هوية صارخة.
أما لماذا التدخل الخارجي؟
فلأن تاريخ لبنان الحديث لم يذكر يوما أن أزماته الداخلية الحادة سويت بمبادرات داخلية فحسب: - أزمة عام 1958 انتهت بتدخل خارجي أميركي – مصري تم بموجبه إقناع الرئيس الراحل كميل شمعون بالعدول عن فكرة تجديد ولايته الرئاسية، وإقناع البرلمان اللبناني بانتخاب قائد الجيش (الماروني المعتدل)، فؤاد شهاب، خلفا له في سدة الرئاسة. - حرب لبنان الأهلية، التي استمرت من عام 1975 حتى عام 1989، لم تضع أوزارها إلا بمبادرة سعودية كرست، في اتفاق الطائف، «نهائية» الكيان اللبناني في إطار معادلة طائفية جديدة. - الخلاف اللبناني الداخلي حول تشكيلة حكومته عام 2008، سوي بعد ثمانية عشر شهرا من تفاقمه، بضمانة عربية وضيافة قطرية في ما عرف باتفاق الدوحة، وهو اتفاق لم ينفذ منه سوى بندين: انتخاب المرشح التوافقي ميشال سليمان رئيسا للبلاد، وتشكيل حكومة «وحدة وطنية».. وبقي بند حظر اللجوء إلى السلاح في ما يطرأ من خلافات داخلية حبرا على ورق. آنذاك، رحب اللبنانيون بانتهاء أزمتهم الحكومية دون أن يتساءلوا عن جدوى وطن تحتاج فيه عملية سياسية بسيطة، مثل تشكيل الحكومة، إلى تدخل خارجي ومؤتمر قطري وضمانات عربية. في لبنان، وربما لبنان وحده، التاريخ يعيد نفسه.. ليس بسبب رتابة التاريخ بقدر ما هو استهانة اللبنانيين ببلدهم إلى حد تغليب ولاءاتهم المذهبية وارتباطاتهم الإقليمية على ولائهم البديهي للوطن. ولأن التاريخ يكرر نفسه في لبنان، بات مبررا التوجه إلى الخارج للمساعدة على احتواء أوضاعه السياسية قبل أن تتفاقم إلى الأسوأ. وبما أن الحلول العربية أثبتت أنها غير كافية، بمفردها، لإنقاذ لبنان من أزماته الداخلية، ولأن تعقيدات المرحلة توحي بأن مصير منطقة الشرق الأوسط بأكملها يتحول باطراد إلى رهينة التوافق الأميركي – الروسي الذي قد يعيد صياغة خريطة «سايكس بيكو» الفاشلة.. تبدو المطالبة بـ«جنيف-3»، عربية ودولية مشتركة، المدخل المتاح حاليا لتقرير ما إذا كان الكيان اللبناني التعددي المستقل لم يفقد مبرر وجوده على خريطة الشرق الأوسط. الشرق الأوسط
غسان المفلح
مجاهد مأمون ديرانية
الحياة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة