أبو جليبيب الرهاوي
تصدير المادة
المشاهدات : 4326
شـــــارك المادة
في ذاكرتي من أيام المرحلة الابتدائية قصة من أمتع وأفيد ما قرأت، وهي قصة المثل القائل: كيْفَ أُعَاوِدُكَ وَهَذَا أَثَرُ فَأَسِكَ. وأصلُ هذا المثل على ما حَكَتْه العرب على لسان الحية أن أخوين كانا في إبل لهما فأجْدَبَتْ بلادهما، وكان بالقرب منهما وادٍ خَصيبٌ وفيه حية تَحْمِيه من كل أحد. فَقَال أحدهما للآخر: يا فلان، لو أنى أتيتُ هذا الوادي المُكْلِئ فرَعَيْتُ فيه إبلي وأصلحتها.
فَقَال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أن أحداً لا يهبط ذلك الوادي إلا أهلكته. قَال: فوالله لأفعَلَنَّ، فهبط الوادي ورعى به إبله زماناً، ثم إن الحية أرادته لتخرجه من أرضها، فطلب الحية ليقتلها، فَقَالت الحية له: فهل لك في الصلح فأدعَكَ بهذا الوادي تكون فيه وأعْطِيك كل يوم ديناراً ما بقيت؟ قال: أو فاعلة أنت؟ قَالت: نعم. قَال: إني أفعل. فحلف لها وأعطاها المواثيقَ لا يضرها، وجعلت تُعْطِيه كلَّ يوم ديناراً، فكثر مالُه حتى صار من أحسن الناس حالا، ثم إنه طمع في المال الذي في جحرها وأراد أن يأخذه دفعة واحدة، فعَمِدَ إلى فأسٍ فأخذها ثم قَعَدَ لها فمرَّت به فتبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجُحْرَ، ووقعت الفأس بالجبل فوقَ جُحْرها فأثرت فيه، فلما رأت ما فَعَلَ قطعت عنه الدينار، فخاف الرجل شَرَّها وندم. فَقَال لها: هل لك في أن نَتَوَاثقَ ونَعُودَ إلى ما كنا عليه؟ فَقَالت: كيف أعاودك وهذا أثَرُ فأسِك؟ أثر الفأس الغادرة ليست حالة فريدة في الدول الممحوقة بل ظاهرة عامة، فمنذ الثورة التونسية، التي فجرت الثورات الشعبية السلمية في الوطن العربي، وكانت أوائل بشارات التحرر فيما سمي بعدها: الربيع العربي، ومرورا بالثورة المصرية والتي كرست ثقافة التظاهر السلمي الحضاري لدى المسلمين ضد الحاكم الجائر الظالم والباغي، مما استدعى سائر الشعوب الأخرى لدراسة هذه الظاهرة والإفادة منها، بل والسير على خطاها، وانتقالا إلى الحالة الليبية وتجلياتها المختلفة عن سابقتيها بالتحول إلى المواجهة المسلحة مع صاحب الفأس الغادرة (مرارا وتكرارا إلى حد لم نعد نتبين أيهما الأصل: الحجر أم الأثر، كما هو حال أسلافه)، مرغمين لإخراجه من الأرض التي رعى فيها إبله، حتى أتى على خيراتها وثنى بأصحاب الأرض يفنيهم لتبقى إبله ومضارب خيامه، والعجيب المريب ذلك التنادي من قبل أحلاف الأمس أعداء اليوم لإخراجه وهو من الصاغرين. ولا أدري تلك المسارعة والاستجابة الفائقة عسكريا وسياسيا، محبة في الليبيين (ولا على بياض أسنانهم وسواد عيونهم)، كما يقال في بلاد الشام، ولما أخذ الطرفان في محاولة التوصل إلى ما يحقن دماء الليبيين ويخلصهم من جوره استعانوا بالحيزبون ذي الوجهين ليصدر قرارا دوليا بالقبض على الأفاك الأثيم لا تخليصا لليبيين من شره وإنما وراء الأكمة ما وراءها. ثم انعطافا إلى حالة اليمن الذي لم يعد سعيدا بما يعاني أحفاد سيف بن ذي يزن، ولكن ليس على يد الغزاة هذه المرة، فلا هم بالفرس ولا بالأحباش، كما تختزن الذاكرة الحضارية لأصل العرب ومنشأ حضارتهم وموطن فخارهم، بل من بني جلدتهم، كما هو أيضا في موروثها (الملك الحميري صاحب جوع كلبك يتبعك، أو الآخر لخنيعة ذو شناتر صاحب ذو نواس). إلا أن أهل الإيمان والحكمة كما وصفهم نبينا عليه الصلاة والسلام لا يزالون على أصل ذلك الإيمان والحكمة حتى وقع للظالم ما وقع لأسلافه في غابر التاريخ، فجاءت إصابته من قرابته (كما وقع من أخي الملك الحميري صاحب يوشك كلبك أن يعضك)، ومن داخل قصر حكمه وبين جنده (كما وقع من ذي نواس: استرطبان ذو نواس استرطبان لا باس). وصولا إلى الحالة السورية وعجائبها التي لا تنتهي، ولا يعرف أيها أعجب: الشوط الأول منها عام 1982م على يد حافظ الأسد وشقيقه رفعت، أم الشوط الثاني عام 11م على يد بشار حافظ الأسد وشقيقه ماهر. طبعا مع ملاحظة عدم حذف تجليات الوقت الضائع بين الشوطين والوقت بدل الضائع بعدهما، حيث الصمت المطبق والرهيب من سائر العرب والمسلمين والأمم قاطبة عن جرائم وفظاعات صاحب الفأس الغادرة في هذه الحالة وفتكه بالنفس والعرض والمال والقيم والأخلاق والحضارة {هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا} مريم. ولم يكتف برعي إبله وإبل عائلته بل وإبل طائفته حتى وصل الحال به لرعي إبل وسوائم الطوائف الأخرى من أماكن شتى وأصقاع مختلفة، وما إبل الولي الفقيه عنكم ببعيد، وملأ جراره وجرارهم من دنانير الشعب المسحوق، بعد أن سبقه أبوه إلى ملأ جراره من بيع الأرض التي يقتات من رعي إبله فيها لليهود الغاصبين ولا أدري من فوضه في بيع ما لا يملك لمن لا يستحق. بل إنه زاد على من سبقه بانتهاك أعراض نساء وأبناء أهل الأرض وقتل أطفالهم ورجالهم حتى تجرأ على الذات الإلهية آمراً عباد الله بعبادته من دون الله والسجود له والتسبيح بحمده. وأعجب ما في الأمر أن لا أحد منهم يتعظ بما جرى لسابقيه ولا يعي ما وقع لأسلافه، فتراه يكرر ما قالوه وينسج على منوالهم، يظل أحدهم سادرا في غيه، متجاوزا في ظلمه، فإذا طولب بالإصلاح أجلب عليهم بخيله ورجله، وأعمل فيهم قتلا واعتقالا، حنقا منهم أن خرجوا عن سطوته وبطشه، وعله أن يرهبهم فيخنعوا ويذلوا، فإن أبوا أخذ يراوغ ويتهرب ويكذب ويكرر الكذب ليملأ ما بين الخافقين كذبا وحتى يبلغ كذبه عنان السماء، وهو في ذلك يصدق كذب نفسه بل ويزدرده كالكلب يعود في قيئه. فإن ازدادوا تمسكا بآدميتهم، خدع وختل وأخذ يسير مسيرات يحشد لها الناس رغبا ورهبا يتكثر بها على شعبه المظلوم لعلها أن تنطلي خدعته على الآخرين الصامتين على ظلمه فينصروه على الشعب المسكين، حتى إذا أدركه طوفان الثورة وعلم أن لامناص قال: فهمتكم ولم أكن أنوي البقاء على أنفاسكم أبد الآبدين ولم أرد توريث نجلي ولا نجله ولا نجل نجله إلى آخر سلالة الأنجال النجباء، وإن أردتم تقاسمت السلطة معكم!!{تلك إذا قسمة ضيزى} النجم، ونتشارك المغانم من قوت الشعب {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء} النساء. وإذ لم يقبل المكلومون إغراءه لهم، طالب بإعطائه فرصة أخيرة بالنزول إلى رأي الشارع عبر صناديق الاقتراع لتكون هي الحكم والفيصل {أفنجعل المسلمين كالمجرمين * مالكم كيف تحكمون} القلم. فلما حصحص الحق وزهق الباطل قال: هاكم حزمة الإصلاحات {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} البقرة. وأبدأها بالحوار الوطني الشامل لكل المقهورين والمظلومين والمعذبين والمهمشين و ... و ... و ... {سلهم أيهم بذلك زعيم} القلم. ولكن هيهات هيهات فلم يعد يصدقه حتى الجمادات ..... {ءالئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} يونس. فإن اليد التي حملت الفأس الغادرة لا شرعية للسلام عليها ولا التصالح معها ولا الاطمئنان إليها ولا سبيل للإصلاح في ظلها. ولا أدري عندما يطلب هذا الزعيم أو ذاك طلبه المختنق بعبرته بعد فوات الأوان، أيظن أن الشعب سيصدقه ويبتلع الطعم ويقع في الفخ وكيف يعاودونه وهذه آثار فوؤسه؟! {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها}، محمد. على الشعوب المقهورة أن تحسن الخروج مما هي فيه من الذل والخنوع وتسلط أئمة الجور وتكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب، كما أحسنت الدخول إلى هذه الثورات السلمية الحضارية المباركة، بكل سبب خفي وأسلوب لطيف. ولأمر ما جدع قُصيِّر أنفه!!! ولقي الظلمة من وقوف جيوشهم إلى جانب المقهورين في ثوراتهم عجبا، فهاهي الجيوش الجرارة، التي أنفق الظلمة قوت شعوبهم على تسليحها وتدريبها لا على دفع العدو الباغي وإنما على قتل أبناء جلدتهم وسحق أهليهم وحماية الظالم لا غير، تعود إلى قواعدها سالمة، ولا عجب فقد رأى فرعون في المنام أن هلاكه وزوال ملكه على يد طفل من بني إسرائيل فأمر بقتل أطفالهم وسبي نسائهم، ولسان القدر يقول: لا نربيه إلا في حجرك ... وإذ ذاك سيتكفل الظلمة بالإطاحة بأنفسهم كما قالت الزباء ملكة تدمر: بيديَ لا بيدي عمرو، ولسان الثورات يقول: (ليس كل جمعة ؟!!!!! تسلم الجرة).
عبد الرحمن الشامي
عبد المنعم زين الدين
برهان غليون
حسن قاطرجي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة