أحمد عبد العال
تصدير المادة
المشاهدات : 7524
شـــــارك المادة
إن التشكيك والتخوين والتشدد لا يخدم مصلحة الأمة ، ولا يبني كياناً ، ولا يقيم مجتمعاً ، علاوة على مخالفته الصريحة لأحكام الدين وقيمه العليا . إن شعبنا السوري ومنذ ما يقرب من سنتين وهو يواجه آلة قتل لا ترحم ، في حرب من طرف واحد ، دمرت البشر والحجر ، ودفع فيها الناس أغلى ما يملكون ؛ أرواحهم ، أبناءهم ، أموالهم ، مصالحهم .. بيد عصابة حاكمة عقدت العزم على تدمير كل شيء في سبيل بقائها في الحكم واستمرارها في سياسة الفساد ، وقمع الناس وانتهاك الحرمات .
إن الشعب السوري بدأ ثورته سلمية ، ولكن النظام قابل الثورة السلمية بأسلوب القتل والتنكيل والبطش حتى تشكلت لدى الناس قناعة ؛ أنه لابد من الدفاع عن النفس أمام الهجمة البربرية المتوحشة لهذا النظام القاتل . فلجأ إلى استخدام السلاح الذي توفر لديه على قلته ونوعيته التي لا تذكر أمام ترسانة سلاح مدمرة ؛ دبابات ، طائرات ، راجمات صواريخ ، براميل TNTشديدة الانفجار ، إلى سائر أدوات القتل التدمير . لقد وقف العالم من ثورة الشعب السوري موقف المتفرج ، وهو يعطي النظام المهلة بعد المهلة ، والمبعوث بعد المبعوث ، وهو غير جاد في تخليص الشعب المنكوب من براثن هذا النظام المتوحش . لقد شعر كل سوري حر كريم سواء داخل سوريا أو خارجها أنه معني بأن يفعل شيئاً للتخفيف من معاناة هذا الشعب المظلوم المكلوم من قبل النظام القاتل والمجتمع الدولي المتفرج . لقد بدأ الحراك السياسي بتشكيل المجلس الوطني ، ومن ثم الائتلاف الوطني للمعارضة من أجل الخروج بحل يخفف من هذه المعاناة ، مع ما ينوء بها من دماء وسجون وتشرد وجوع وتدمير للممتلكات وانتهاك للأعراض ... الخ . هذا الحراك السياسي لا يغفل تضحيات الشباب المجاهد الذي حقق انتصارات باهرة ـ رغم قلة الإمكانيات ـ على النظام القاتل المستبد . لكن في النهاية لا بد من البحث عن حل في نهاية النفق المظلم ، يرى فيه بوارق أمل بانفراج وصبح جديد . هذا هو واقع الحال الذي تعيشه الأزمة السورية بكل ملابساتها مع تجاهل المجتمع الدولي في التعاطي الجاد معها . إن عقلية المؤامرة وأسلوب التخوين والتشكيك عند بعض الشباب لا يحل المشكلة بل يعقدها ويزيدها تأزماً . ولا ينكر عاقل أن مؤامرة كبرى تدار في الخفاء على هذا الشعب المظلوم ، مؤامرة لها مبرراتها وأسبابها التي لا تخفى ، والحمدلله فإن الخير في قيادات هذه المؤسسات السياسية الثورية ، ومن ورائهم السياسيون و الوطنيون و العلماء ونعتقد أنهم على قدر المسؤولية الوطنية و على معرفة بأبعاد مخططات العدو و أساليبه . فماذا نحن فاعلون ؟ أرى يمكن أن نحقق كل مانريد في هذه الظروف الصعبة التي تمر بنا . ولا شك أن إقامة دولة إسلامية في سوريا مطلب كل مسلم غيور على دين الله ، ولكن ونحن على هذا الحال من الضعف والقمع وهيمنة القوى الكبرى المعادية يتطلب منا ان نعيد النظر في ترتيب الأولويات ، وكما يقال " لا يمكن أن تصنع عملاً كاملاً في وسط ناقص " . فإذا أمكن أن نحقق 70 أو 80% مما نطمح إليه نكون قد أنجزنا شيئاً مناسباً وفق أوضاعنا وظروفنا ، والله تعالى يقول : " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :" ما نهيتكم عنه فانتهوا ، وما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " . إن الإصرار على إقامة دولة إسلامية على أرض سوريا الحبيبة هو مطلب شرعي وغاية نتطلع إليها ، ولكن حين تتاح أسبابها الطبيعية ، وتتوفر ظروفها . إن الانتقال من نظام مستبد ديكتاتوري شمولي قمعي استمر ما يقرب من خمسين سنة ، عمل فيه النظام على تجهيل الناس بدينهم ، فابعدهم عن قيمهم وعقيدتهم وأصولهم ، إلى نظام الحكم الاسلامي المنشود ، أرى أن هذا غير ممكن في هذه الظروف . بل نحن بحاجة إلى أجواء من الحرية التي تتيح لنا إعادة الناس إلى عقيدتهم الربانية وتعاليم دينهم الحنيف ، وقيمهم الإسلامية الفاضلة . وهي ما تسمى بـ " الديمقراطية " وأرى أنها مرحلة ضرورية بين النظام المستبد المتسلط ، والحكم بما أنزل الله، ففي أجواء الحرية يتعلم الناس حقيقة دينهم بما يبذله الدعاة والعلماء و المصلحون من جهد مبارك في هذه الشأن ، فإذا حصل ذلك فإن إقامة حكم الله يكون باختيار الناس وإرادتهم من خلال صناديق الاقتراع وليس بفرضه على الناس فرضاً . إن استخدام السلاح كوسيلة لفرض الهدف الأسمى ؛ وهو إقامة دولة إسلامية في سوريا ، وما يرافق ذلك من شطط أو تشدد سوف يكرر التجربة الأفغانية والعراقية والصومالية .. ألخ . وإذا كان النجاح أو الفشل يقاس بالنتائج ، فلنسأل ؛ ما هي النجاحات التي حققتها تلك التجارب القريبة ؟ كما إن عدم ترتيب الأولويات ، واستعجال المراحل يقود إلى الأسوأ دائماً ، فإزالة المنكرات مثلاً لها وقتها ، أو ربما ما نراه منكراً وهو ليس كذلك . ماذا أفاد حركة طالبان الأفغانية من تحطيم تمثال بوذا ، وماذا سيفيد بعض أصحاب الأصوات التي تعلو بمصر اليوم من بعض الشباب المسلم المتحمس حين يدعون إلى إزالة الأهرامات و أبي الهول . بل إن البدء بتحطيم المشاهد التي على قبور الصالحين ( كما يحدث في بعض أنحاء سوريا ) ، في مثل هذه الظروف ليس من الأولويات ، بل الأولوية تكون بالدعوة إلى الحق وإقناع الناس بالحكمة والموعظة الحسنة لاسيما في مثل هذه المسائل الشائكة ، وهذا يقتضي إعادة النظر في ترتيب سلم الأولويات. لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة بعد البعثة ثلاث عشرة عاماً ، وهو يطوف بالبيت وحوله الأصنام حتى كان فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة . ودخل القائد محمد بن القاسم الثقفي بلاد السند وفتح أفغانستان عام ( 90 هـ ) وكان صنم ( بوذا ) الشهير موجوداً قبل الإسلام بآلاف السنين ، ولم يروَ أنهم سعوا في تدميره . وكذلك عندما دخل الفاتحون مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام ( 21 هـ ) . كانت الأهرامات قائمة وأبو الهول على ماهو عليه اليوم ، ولم يرونها منكراً يجب إزالتها ، إلى غير ذلك من آثار الحضارات القديمة البائدة في البلدان التي طالها الفتح الإسلامي عبر العصور . لذلك نرفض التشدد والتطرف ، كما نرفض اتهام الناس في نياتهم ومقاصدهم بمجرد الظن والهوى ، ودون دليل. أخيراً أقول :
نحن بحاجة إلى قليل من التعقل والحكمة وبعد النظر والواقعية في معالجة الأمور بعيداً عن التوتر والتشكيك والتخوين والتشدد . والله تعالى يقول : " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً " .ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه " . ونسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل .
المصدر. رابطة العلماء السوريين
ياسر الزعاترة
أبو طلحة الحولي
عامر البوسلامة
صالح عبد الله السليمان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة