..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الإعلام الثوري

سلوى الوفائي

٢٢ سبتمبر ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7630

الإعلام الثوري
image سري للغاية.jpg

شـــــارك المادة

في زمن فقد صوابه، وأصيب بلوثة الهذيان، وتقطعت به السبل بين حدّ السيف وحدّ الجوع وتفاقمت مشاكله حتى لم تعد تتسع لها كلّ الكلمات، يصبح التعبير عن الحالة الإنسانية بل والعسكرية أمراً يشبه المخاض، لكن نصف الكلمات تولد ولادة قيصرية،
والنصف الثاني يموت على سرير الولادة. فكلّ الإعلاميين الناشطين في قلب الحدث، يرصدون الواقع وقد ساروا على الجمر حيناً وعلى الطرقات المعبّدة بأشلاء الضحايا حيناً آخر.

 

 

يكتبون دون مظلة تقيهم الصواريخ الهابطة وليس لديهم شهادة تأمين ضد الاعتقال أو التعذيب أو الموت قنصاً، فإذا وصلت كلماتهم وصورهم وفيديوهاتهم إلينا فلأنّ عمرهم طويل ولأنّ سهام القدر أخطأتهم.
نعم فالإعلام الثوري في هذه الظروف يصبح مصادفة تاريخية إذْ ليس ثمة قانون يجعل ولادة العمل الإعلامي عملية طبيعية مثل هطول الأمطار ودوران الكواكب وشروق الشمس وتغريد البلابل.
ولأنّ الإعلام الثوري هام جداً ولأنّه صوت الحق الذي لم يعد أحد يودّ سماعه يصبح لزاماً على الإعلاميين أن يتقنوا فن النقل وكيفيته وأفضل الأوقات له، فحتى الصلاة لها أوقاتها المحببة وأوقاتها المكروهة وأوقاتها التي لا تقبل فيها حاضرة.
وقد وقع الإعلام الثوري بأخطاء دفع ثمنها الأبرياء لابدّ من تلافيها.
أول ما نقف عليه في الإعلام السوري الثوري استمرار نقل صور القتلى والجرحى والمصابين والمنكوبين واستمرار مناشدة العالم الإنساني والعربي والإسلامي وكأنّ هناك من يسمع الصوت، ألم ندرك جميعاً أنّ الثورة السورية أسقطت أوراق التوت عن زيف هذا العالم المتحضر، وغرقه بالوحل وعقم لائحات حقوق الإتسان التي يتغنّى بها والتي تحركها وتديرها الماسونية العالمية؟
ألم ندرك أنّ الإنسان في تصنيفاتهم لا يشمل العرب عامة والسوريين خاصة؟
ألم ندرك أن رصاصة تصيب هرّة قادرة أن تحرك العالم المتعفن وتؤلّب الرأي العام العالمي وتحفّز كلّ حماة الرفق بالحيوان في حين أنّ برميل TNT وزنه نصف طن يسقط على رؤوس الآمنين في بيوتهم لا يحرّك شعرة في مفرق أوباما ونتنياهو وكلّ قادة العالم السياسي مجتمعين؟
صحيح أنّ نقل الحالة الإنسانية وتوثيق الجرائم التي يرتكبها النظام الأسدي أمر ضروري للتاريخ وللمحاكمة لكن لم يعد له قيمة تذكر في قنوات الإعلام العام بل إنّ قنوات البثّ التلفزيوني تتحفظ عن نقل الصورة الدامية حرصاً على مشاعر المشاهدين ولا تعبأ بمشاعر المذبوحين على محراب الحرية والكرامة.
وحين نرى أنّ الطريقة الإعلامية المتبعة فقدت قدرتها على التأثير وأنّ معطيات الواقع تغيرت وأنّ الثورة تمرّ بمنعطفات جديدة يصبح لزاماً علينا أن نغيّر الأسلوب ونميل مع الأحداث حيث تميل، ولم نلمس اختلافاً واضحاً بين إعلام الثورة في المرحلة السلمية وإعلامها بعد عسكرة الثورة وظلّ أسلوب المناشدة هو الأسلوب السائد والأسطوانة المكرورة الممجوجة.
لعل المنعطف الوحيد الذي لمسناه في الإعلام بعد عسكرة الثورة هو نقل تحركات الجيش الحرّ والعمليات العسكرية التي ينفّذها من تحرير بعض المدن والبلدات والأحياء والحواجز وبعض المداهمات والتصفيات والكمائن وعمليات أسر الشبيحة وتسجيل اعترافاتهم ثمّ إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح معتقلين من الثوار أو إعدامهم ميدانياً. وقد قلنا آلاف المرات أنّ تصوير مواقع الجيش الحرّ ومواقع العمليات التي ينفذها كانت سبباً مباشراً لمداهمة عناصر الجيش الأسدي وقصف المنطقة وتدميرها بالكامل فكنّا بذلك نقدم خدمة على طبق من ذهب للنظام القاتل ونعطيه السلاح الذي يقتلنا به.
ولأنّ معظم الإعلاميين من المدنيين الذين لم يسبق لهم التدريب الإعلامي ولم يكتسبوا خبرة عسكرة الإعلام، ولأنهم مدفوعين بالحماس والبراءة والإخلاص والبساطة فقد كانوا من حيث لا يعلمون سبباً في ردود أفعال النظام الأسدي وقصفه المناطق الآمنة، علماً أنّ جيش الأسد العسكري والإعلامي فاق جيش الثورة بالقدرة على التخطيط والتنفيذ واتسم بالحكمة والسرّية البالغة فهو يخفي حتى عدد قتلاه وأسماءهم عن أهلهم وإلى الآن لا توجد إحصائية دقيقة لعدد قتلى الجيش الأسدي وشبيحته وعدد عناصره والقوى الفاعلة بها.
يضاف إلى ذلك حملات التضليل الإعلامي وحرب الشائعات والحرب النفسية التي كانت وما تزال أسلحة أتقن النظام الأسدي استخدامها ولعب بها بمهارة ووقع الإعلاميون فريسة لها وساعدوا النظام المجرم على ترويجها وليس آخرها انتشار خبر انشقاق فاروق الشرع وقصف درعا واللجاة والحراك تحت غطاء البحث عنه وإلقاء القبض عليه ثمّ يظهر في أحضان الأسد بعد أن استهلك الخبر صفحات وصفحات والكثير من جهد الإعلاميين وووقتهم بلا طائل.
و ثمة خطأ آخر وقع الإعلام الثوري به هو الاستعراض، وكثرت صفحات الجيش الحرّ وكتائبه وسراياه وألويته وقادته العسكريين وكثر بثّ أخبار عمليات الأسر للشبيحة وتصفيتهم بطريقة قد تشفي صدور المظلومين لكنها بالوقت ذاته تعكس ردود أفعال متباينة وتضع الثوار والجيش الحرّ في خانة النقد وتضعه في ميزان مقارنة مع أفعال التشبيح اللاإنسانية التي يمارسها كتائب الأسد فيسأل سائل ما الفرق بين الثائر لأجل الحقّ والمدافع عن باطل؟ مما حدا بالإعلام العالمي إلى المساواة بين القاتل والمقتول، بين الضحية والجلاد، فأصبح يوجه رسائل إلى جميع الأطراف مناشداً القاتل والضحية بوقف القتل والعدوان ويساوي بينهما في الجريمة. وقياساً على ذلك فقد ارتكب الإعلام الثوري خطأ أكبر في تصوير الأسرى وهم يدلون باعترافاتهم بطريقة تشبه طريقة النظام الخبيث في استجواب الضحية وللمشاهد الخارجي لا فرق بين الطرفين في الأسلوب.
آن الأوان كي نعيد حساباتنا، وندرس خططنا ونحدد أهدافنا وننفذها بصمت تام وسريّة، آن الأوان لعسكرة الإعلام وتأهيل الإعلاميين ومنعهم من نشر أيّ خبر يسيء للثورة والثوار.
لنؤجل بثّ الحقائق ليس فقط رأفة بالآمنين وحماية للبلد ومنعاً للمزيد من الدمار، بل لأنّ العالم الذي نكتب له لا يريد سماع هذه الحقائق أيضا، ولا يريد أن يشعل شمعة واحدة في ليل الثورة بل يضرب يدّ كلّ من يحاول إشعالها ويصادر منه الشمع والكبريت.
لا يمكننا أن نلعب بكرة الحرية طالما أنّ حكّام الساحة يكرهون ضربات الجزاء الترجيحية ويكرهون الحرية ذاتها.
هذه هي قصة الإعلام الثوري في أرض المعجزات، فإذا وصل صوتنا فهي ضربة حظّ وإذا لم يصل فاعلموا أنّ هناك من وضع كاتم صوت وكاسحة إعلام على الشريط الحدودي السوري. التوثيق ضروري لكن للتاريخ وللسوريين فقط واكتبوا على صوركم وفيديوهاتكم وأخبار الجيش الحرّ : سرّي للغاية.

تعليقات الزوار

..

أبو منيب - السعودية

٢٤ سبتمبر ٢٠١٢ م

بغض النظر عن موافقتي أو عدمها بما جاء في هذا المقال، إلا أنني وددت لو لم تجمل الكاتبة اسم نتنياهو في هذا المقام، فإنه لا ضمير له، وإن تحركت شعرة في مرفقه فلا نريدها أصلا

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع