..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الله أكبر

علي الكيلاني

١٧ مايو ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 10991

الله أكبر
34.jpeg

شـــــارك المادة

محاضرة بعنوان: الله أكبر

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أحمده - سبحانه - وأثني عليه الخير كله، وأشهد ألا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد.
فذكر الله أيها الإخوة أعظم ما تنشرح به الصدور وتطيب، ذكر الله - جل وعلا - شفاء الصدور ونور البصائر وسكون الفؤاد، قال الله - تعالى -: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(1).

 

إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ *** ونترك الذكر أحياناً فننتكس

إن المحفوظ عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ذكر الله - تعالى - شيء يفوق الحصر، فهو أعظم الذاكرين لربه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه- كان ذاكراً لله - جل وعلا - مذ أن قال الله له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}. ذاكراً لله - جل وعلا - في قيامه وقعوده في ذهابه ومجيئه في سفره وإقامته فهو الذي بلغ الغاية في ذكر الله - تعالى - في الأولين والآخرين.
إن المحفوظ عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذكره شيء كثير إلا أن كلمة من هذا المحفوظ تلفت الأنظار وتجذب الأسماع لكثرة ترددها وتكرارها ولوجازة لفظها وعظم معناها إنها كلمة الله أكبر، الله أكبر، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله. روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((على الفطرة)).
شهادة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الكلمة كلمة الفطرة.

الله أكبر ملء السمع رددها * * * في مسمع البيد ذاك الذر والحجر

الله أكبر كلمة خير من الدنيا وما فيها، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "قول العبد: الله أكبر خير من الدنيا وما فيها".
الله أكبر كلمة جامعة لمعاني العبودية دالة على أصول عبادة الله - تعالى – وفروعها.
الله أكبر أصدق كلام وأعذبه وأحلاه.
الله أكبر أبلغ لفظ يدل على تعظيم الله - تعالى - وتمجيده وتقديسه.
الله أكبر كلمة جمعت الخير ففيها الشهادة لله - تعالى - بأنه أكبر من كل شيء، وأنه - سبحانه - أجل من كل شيء، وأنه - تعالى - أعظم من كل شيء. روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه من حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له حينما دعاه إلى الإسلام: ((يا عدي ما يفرك؟ -أي: ما الذي جعلك تهرب وتفر؟ يا عدي ما يفرك - أيفرك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم من إله إلا الله؟ يا عدي ما يفرك؟ أيفرك أن يقال: الله أكبر؟ فهل من شيء أكبر من الله))؟.
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث يبين لنا على ماذا تقوم دعوته، إنها تقوم على إفراد الله - تعالى - بالعبادة وتعظيمه - جل وعلا -، فالله - سبحانه وتعالى - أكبر من كل شيء ذاتاً، هو - سبحانه - وبحمده أكبر من كل شيء قدراً، هو - جل وعلا - أكبر من كل شيء معنىً وعزة وجلالاً.

رأيت الله أكبر كل شيء ***  محاولة وأكثرهم جنودا

الله أكبر أيها الإخوة عظمة لا تسعها عبارة، الله أكبر كلمة تبين شيئاً من عظمة ربنا الجليل الذي لا يحيط به وصف الواصفين، الله أكبر {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
الله أكبر هو العظيم الممجد - سبحانه - وبحمده ذل له كل شيء فكل شيء خاضع له وهو فقير لديه، عزيز لا يغلب حكيم في أقواله وشرعه، الله أكبر: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}.
الله أكبر: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَْمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}.
الله أكبر: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الأََمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}.
أيها الإخوة:
الله أكبر: {يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}.
الله أكبر: {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
الله أكبر: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
الله أكبر: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
الله أكبر: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
الله أكبر تبارك - جل وعلا -: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
تبارك الله - سبحانه - وبحمده له ملك السماوات والأرض كما قال - جل وعلا -: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
الله أكبر: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ}.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
أيها الإخوة الكرام:
الله أكبر كلمة جاء الأمر بها في أول بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأول إرساله، فإن الله - جل وعلا - قال لنبيه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}.
الله أكبر كلمة أمر الله بها أهل الإيمان في آية وصفها أهل العلم بأنها آية العز، فقال - جل وعلا -: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً}، أي عظمه - جل وعلا - تعظيماً، وصفه بأنه - سبحانه - وبحمده أعظم من كل شيء.
الله أكبر كلمة يدعى بها أهل الإسلام إلى أعظم أعمالهم وهي الصلاة، وإنها تلك الكلمة التي يرددها المؤمنون في مآذنهم وتدوي بها بلدان المسلمين.
الله أكبر ما أحلى النداء بها *** كأنه الري في الأرواح يحييها
الله أكبر كلمة يفتتح بها العبد لقاءه بربه يكررها في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده وفي سائر تنقلاته ليحضر في قلبه عظمة من هو واقف بين يديه، فإذا قالها المؤمن وهو حاضر الفؤاد في صلاته امتلأ قلبه هيبة من الله - تعالى - وإجلالاً لمولاه وذلاًّ له - سبحانه – وبحمده، فإذا امتلأ قلب العبد بذلك فلا تسأل عن صلاته إنه في مناجاة عظيمة في لقاء برب الأرض والسماء ينزل به حوائجه يدعوه كشف الضر ويسأله خير الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة الكرام:
إن العبد إذا تدبر هذه الكلمة في وقوفه بين يديه كان لقوله لهذه الكلمة أثر بالغ، حتى إن من السلف من كان إذا قال في صلاته: الله أكبر، انخلعت القلوب هيبة من تكبيره لعظم ما قام في قلبه من تعظيم الله - تعالى -.

فمن قام للتكبير لاقته رحمة *** وكان كعبد باب مولاه يقرع
وصار لرب العرش حين صلاته  *** نجيّاً فطوبى للذي كان يخشع

أي فيا حظه ويا سعادته وانشراحه لو كان ممن يخشع لله - تعالى - في صلاته وفي تكبيره.
الله أكبر -أيها الإخوة- كلمة كان الصحابة يعرفون بها انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بالتكبير".
الله أكبر هذه العبادة يدعى إليها بالتكبير وتفتتح بالتكبير، ثم إن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف انقضاء صلاته إلا بالتكبير كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما -. وهذا يدل أيها الإخوة على أن ذكر الله - تعالى - أكبر من كل شيء، فهو أفضل الطاعات، لأن المقصود بالطاعات كلها إقامة ذكر الله - تعالى -، فهو سر الطاعات وروحها، وقد قال الله - تعالى - في هذه الصلاة العظيمة التي يقبل فيها العباد على ربهم قال الله - تعالى -: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.
الله أكبر كلمة أمر الله بها أهل الإسلام شكراً على إنعامه على توفيقه إلى الهداية وعلى إنعامه بأن دل القلوب على معرفته، قال - تعالى -: {ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}. فأعظم ما تقابل به نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم تكبير الله وإجلاله وتعظيمه، وقد قال الله - تعالى - في غير ما آية: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}، أي لتعظموه كما هداكم لدينه وشرعه وما يحب ويرضى من الأعمال - سبحانه - وبحمده.
أيها الإخوة الكرام:
الله أكبر كلمة ترتعد لها قلوب أعداء الله - عز وجل - وعلى رأسهم زعيمهم وكبيرهم إبليس الشيطان أعاذنا الله منه، هذه الكلمة لما لها من النفاذ في نفوس هؤلاء ما لا يطيقون معه بقاء، إنها تحرقهم إنها تزلزلهم إنها تأتي على مقاتلهم كلمة تخنس بها نفوس هؤلاء يخنس الشيطان وجنده يخنس الشيطان وأولياؤه. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الشيطان إذا سمع النداء للصلاة أدبر وله ضراط حتى لا يسمع صوته -أي: حتى لا يسمع صوت المؤذن-، فإذا سكت -أي: المؤذن- رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس)). هكذا أثر هذه الكلمة في الشيطان، إنها كلمة تزلزل كيان أعداء الله - تعالى -وعلى رأسهم كبيرهم ووليهم الشيطان الرجيم أعاذنا الله منه.
الله أكبر كلمة تقمع الشيطان وفعله، ولهذا كان تكبير الله - عز وجل - له أثر عظيم في إطفاء الحريق كما جاء في ذلك الأثر، وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه مما قبله جماعة من أهل العلم وقد عرف ذلك بالتجربة كما قال ذلك ابن القيم - رحمه الله -، فإن التكبير له أثره في إخماد النار، وذلك أن الله - جل وعلا - أكبر من كل كبير، والشيطان مادته من النار، فهو يحب الفساد ويسعى في الأرض نشراً لهذا الفساد، والتكبير يقمعه، ولذلك ذكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا رأيتم الحريق فكبروا، فإن التكبير يطفئه)).
الله أكبر كلمة تنخلع لها قلوب الجبابرة..

الخطب جلجل والعدو تمادى *** والله أكبر ترهب الأوغادا

الله أكبر كلمة -أيها الإخوة- إذا صدق فيها العبد كان له في سمع من وقع سمعه على هذه الكلمة أثر عظيم ومضاء كبير.
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يسأل أصحابه: ((سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر))؟ قالوا: "نعم يا رسول الله". قال: ((لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها -سلاحهم ذكر الله - تعالى - توحيده وتكبيره يسقط جانب هذه المدينة التي سأل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم--، ثم يقولون الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولون الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون)).
هكذا يكون الذكر الصادر من قلب صادق مؤثراً به خذلان الأعداء والظهور عليهم ولو لم يكن سيف ولا سنان، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذا الحديث: ((لا تقوم الساعة حتى يغزوها -أي: هذه المدينة- سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر كرروا، ذلك ثلاثاً فكان لهم الفتح)). وقد حدثنا بعض من اشتغل بقتال الصرب لما كانوا يقاتلون إخواننا في البوسنة أنهم إذا أتوا على المكان الذي فيه أعداء الله - تعالى - من المقاتلين الذين يقاتلون المسلمين فحصل من بعض أهل الإيمان ومن بعض المجاهدين تكبير كان ذلك مؤثراً أثراً بالغاً في نفوس العدو حتى إنه يبلغ في بعض الأحيان من الأثر والنفاذ في نفوس هؤلاء أن يتركوا سلاحهم وعتادهم ويفروا ناجين بأنفسهم وما ذاك إلا لأن الله - تعالى - نصير أهل الإيمان.

الله أكبر فالإله نصيرنا *** الله أكبر من صدى الطغيان

أيها الإخوة الكرام:
الله أكبر يقولها العبد المؤمن فيستولي على قلبه كبرياء من له الكبرياء في السماوات والأرض، الله أكبر يقولها العبد المؤمن فيعظم في قلبه قدر ربه - جل وعلا -، يعظم في قلبه قدر إلهه الذي يعبده فلا يكون في قلبه أحد أكبر من الله - تعالى -. إن العبد إذا قال هذه الكلمة امتلأ بها قلبه إن كان صادقاً في قوله فخرج من قلبه كل كبر وكل غرور وكل رياء وكل ارتفاع وكل تعظيم لغير الله - تعالى -.

نداء في القلوب له صداه * * * يجلجل كالعواصف يوم رعد

أيها الإخوة الكرام:
الله أكبر كلمة يعلو بها المؤمن على كل علي من الخلق، ولذلك شرع الله - تعالى - تكبيره في كثير من المواطن من الأماكن والأزمان والأحوال والرجال التي يمتلئ فيها قلب الإنسان بتعظيم غير الله - تعالى - فجاء التكبير عند علو الأماكن العالية، جاء التكبير عند رؤية أمر يفرح به ويسر فيكون التكبير خافضاً لعظم كل عظيم غير الله - تعالى -، فإن الله - سبحانه وتعالى - أكبر من كل شيء - جل وعلا -، وهو أعظم من كل شيء - سبحانه - وبحمده.
الله أكبر كلمة عنت لصاحبها الوجوه - سبحانه وبحمده-، قال الله - تعالى - فيما رواه النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد - رضي الله عنهما - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله - تعالى -: العظمة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته)).
أيها الإخوة الكرام:
إن العظمة حق الله - تعالى -، إن الكبرياء له - جل وعلا -، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))؛ لأن الكبر ينافي حال العبد، فإن حال العبد أن يكون ذليلاً صاغراً لله - تعالى -، فإذا دب إلى قلبه شيء من الكبر فقد نازع الله - تعالى - شيئاً من صفاته التي اختص بها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه: ((العظمة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته)).
أيها الإخوة الكرام:
الله أكبر ذلت لعظمته - سبحانه وبحمده- السماوات والأرض ومن فيهن، الله أكبر خضعت لعظمته الجبابرة وذل لعزه - سبحانه وبحمده - كل عزيز، ألم تسمع قول الله - تعالى -: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}.
ألم تسمع قول الله - تعالى -: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}.

ملكاً على عرش السماء مهيمناً *** تعنو لعزته الوجوه وتسجد

سبحانه وبحمده.. روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، هذا الحديث الذي كررناه عليكم لما فيه من عظيم بيان حق الله بالتعظيم: ((العظمة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته)).
الله أكبر كلمة تورث العبد تعظيم ربه ومولاه، وذلك من أعظم القربات وأجل ما يتقرب به العبد إلى الله - تعالى - أن يعظمه، فإن تعظيم الله - تعالى - قوام التوحيد كما قال ابن القيم - رحمه الله -:

وعبادة الرحمن غاية حبه *** مع ذل عابده هما قطبان
فمن لم يحقق التعظيم في قلبه *** لم يقم له توحيد ولا إيمان

أيها الإخوة الكرام:
الله أكبر كلمة تقدح في قلب العبد ضياء يحصل به تعظيم رب العالمين، كيف لا وليس شيء أعظم من الله - تعالى -، قال - سبحانه وبحمده-: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
أيها الإخوة الكرام:
إن السماوات تكاد تتشقق وتتفطر من عظمة الله - تعالى - فكيف تذهل القلوب عن عظمة الرب - جل وعلا -؟! الله أكبر كيف تذهل القلوب عن عظمة رب، قال - جل وعلا -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
إن الله - سبحانه وبحمده- أخبر في هذه الآية عن قوم -وهو حال أكثر الناس - قصروا في تعظيمه فقال - سبحانه وتعالى -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، أي لم يعظموه حق تعظيمه لم يعظموه التعظيم الواجب له - سبحانه وبحمده-!! فماذا كان من هذا القصور في التعظيم؟ كان أنواع من الضلال وأنواع من الشرك، وقد دل الله - سبحانه وتعالى - على عظيم قدره بقوله - جل وعلا -: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "جاء حبر من اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إن الله يضع السماء على أصبع والأرض على أصبع والجبال على أصبع والشجر والأنهار على أصبع وسائر الخلق على أصبع ثم يقول بيده: أنا الملك. فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه، ثم قرأ قول الله - تعالى -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}".

والله أكبر عرشه وسع السما *** والأرض والكرسي ذا الأركان
وكذلك الكرسي قد وسع الطباق *** السبع والأرضين بالبرهان

الله أكبر ولا إله إلا هو الحميد المجيد، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. وجاء فيهما من حديث أبي هريرة أيضاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يطوي الله - عز وجل - السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله))، وفي بعض الروايات: ((بيده الأخرى- ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)).
فالكل مفتقر إليه لذاته *** في أسر قبضته ذليل عانِ
سبحانه وبحمده.
أيها الإخوة:
الله أكبر كلمة عظيمة كيف تذهل القلوب عن معناها من تعظيم الله - تعالى - وقد قال الله - تعالى - لعباده: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً}، ما الذي يجعلكم لا تعظمونه - سبحانه وبحمده - حق تعظيمه؟ مالكم تعاملون ربكم معاملة من لا يخشاه ولا يخافه ولا يرهبه ولا يعظمه؟ قال ابن عباس في تفسير قوله - تعالى -: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً}: "ما لكم لا تعرفون لله حق عظمته"؟

والله أكبر من يخاف جلاله *** أملاكه من فوقهم ببيان

أيها الإخوة الكرام:
الله أكبر فوق عباده الله، أكبر قاهر فوق عباده - سبحانه وبحمده -، وقد قال الله - تعالى -في بيان عظيم قدره - جل وعلا -: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}. فالله - سبحانه وتعالى - فوق عباده يصرف شؤونهم، يدبر أمورهم، لا ملجأ منه إلا إليه، فالمفر إليه – سبحانه وبحمده -، فإذا قام العباد بحقه جاءهم الله - تعالى - بكل خير، أمدهم بكل فضل، أعانهم على كل بر، وإذا قصروا في ذلك كان ذلك سبباً لكثير من الضلال والفساد الذي يقع في حياة الناس في شؤونهم الخاصة وفي شؤونهم العامة، وقد قال الله - تعالى -: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
الله أكبر كلمة تورث قلب العبد تعظيم شعائر الله - تعالى -، ومن عظم شعائر الله وما عظمه الله - تعالى - فهو المؤمن، فإن العبد إذا صدق في تعظيمه لربه عظم كل ما يعظمه الله - تعالى -، قال - جل وعلا -: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}. أي: إن من عمر قلبه بتعظيم حرمات الله - تعالى - بتعظيم ما عظم الله - تعالى - من الأشخاص من الأزمان من الأمكنة من الأحوال كان ذلك دليلاً على صلاح قلبه وتقواه، وقد قال الله - تعالى -: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)).
المؤمن المعظم -أيها الإخوة- لشعائر الله - تعالى - هو القائم بأمر الله - تعالى - طاعة له فيما أمر واجتناباً عما نهى عنه وزجر، ومن قام بطاعة الله - تعالى - فتح له أبواب الخير، فتح له أبواب الإنابة، فتح له أبواب القيام بحقه - سبحانه وبحمده-، وفتح له من أبواب السعادة والانشراح والاطمئنان ما لا يدركه غيره.
أيها الإخوة الكرام:
إن من علامات تعظيم العبد لربه - تعالى - أن يعظم شعائره كما سمعنا في قوله - تعالى -: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
ومن تعظيم الله - تعالى – أن يعظم العبد حدود الله - تعالى - في نفسه، فلا ينتهك حدّاً من حدود الله، ولا يقع فيما حرم الله - تعالى -، ولا يقصر في شيء مما أوجبه الله - تعالى –عليه، بل تجده مسابقاً لطاعة الله - تعالى -، عاملاً بما يرضيه - سبحانه وتعالى -، مجتنباً كل ما نهى الله عنه ورسوله –صلى الله عليه وسلم-.
أيها الإخوة الكرام:
إن العبد إذا صدق في تعظيم شعائر الله - تعالى - وجدت عنده غضباً لحدود الله - تعالى -إذا انتهكت محارمه - سبحانه وبحمده-، فتجد قلبه حزيناً منكسراً إذا عصي الله - تعالى - في أرضه ولم يقم بما أمر به الله - تعالى - من حفظ حدوده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، روى البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت في وصف حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه شعائر الله - تعالى -: "ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط بيده - أي: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضرب بيده شيئاً قط- ولا امرأة ولا خادماً؛ إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه - صلى الله عليه وسلم - شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك أحد شيئاً من محارم الله - تعالى - فينتقم لله - عز وجل -)). هكذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينتقم لنفسه في شيء من الأمور إنما ينتقم لله - تعالى -، فإنه يسمح - صلى الله عليه وسلم - ويعفو عمن يقصر في حقه من امرأة أو خادم إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في شيء من أمور الدنيا إلا عفا - صلى الله عليه وسلم - ولم يقابل ذلك بالانتقام إلا في شيء يتعلق بحق الله - تعالى - فإنه إذا انتهكت محارم الله - تعالى - انتقم لله - عز وجل -، وإنما ينتقم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- تربية وتعليماً وبياناً لعظيم حق الله - تعالى -، وأن حقه - سبحانه وتعالى - أن يغضب له - جل وعلا -.
أيها الإخوة الكرام:
الله أكبر حاجز يمنع المؤمن من التورط في ألوان المعاصي والسيئات، الله أكبر حاجز يحول بين المرء وانتهاك الحرمات، فإنه لا يضيع ما فرض الله - تعالى – عليه ولا ينتهك ما حرمه الله عليه إلا من خف في قلبه تعظيم الله - تعالى -، وإنما يقل الخوف في قلب العبد من قلة تعظيم الله - تعالى -، فإذا نما في قلب العبد تعظيم الله - جل وعلا - كان العبد مسابقاً إلى طاعة الله - تعالى - منتهياً عما نهى الله عنه ورسوله –صلى الله عليه وسلم-، وإنني أذكر لكم شيئاً من سير من قص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرهم حتى يتبين للمرء ما الذي يثمره التعظيم، ما الذي يثمره إجلال الله وتقديره.
روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه ذات يوم: ((خرج ثلاثة نفر يمشون، فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه. فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال: فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم - يعني: مكثنا على هذه الحال- حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا، فرجة نرى منها السماء. قال: ففرج عنهم قدر ما دعا. ثم إن الآخر قال في دعائه: اللهم إنك تعلم أني كنت أحب امرأة من بني عمي كأشد ما يحب الرجال النساء، فقلت لها أطلبها عن نفسها فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مئة دينار، فسعيت - أي: اجتهدت- في كسب هذا المبلغ الذي شرطته حتى جمعتها أي المئة الدينار فلما قعدت بين رجليها قالت وقد أحيا الله قلبها: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه - يقول هذا الداعي:- فقمت وتركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة. قال: ففرج عنهم الثلثين. وقال الآخر في دعائه -وهو الأخير-: اللهم إنك تعلم أني استأجرت أجيراً بفرق من ذرة فأعطيته وأبى ذاك -أبى أن يأخذ أجره إما لخصومة أو لزهد أو لاستقلال هذه الأجرة، المهم أنه أبى أن يأخذ ما أعطاه- فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقراً وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبد الله أعطني حقي. فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك. فقال الرجل الأجير: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت: ما أستهزئ بك ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا. فكشف عنهم)).
أيها الإخوة:
هؤلاء ثلاثة قص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرهم ما الجامع بين خبرهم وقصتهم؟ إنه إجلال الله - تعالى – وتعظيمه، إنه مراقبة الله - تعالى -: فانظر إلى ذاك الرجل الذي ترك الصبية يتضاغون تحت قدميه حتى أصبح الصبح ينتظر أبويه أن يستيقظا ليشربا من الحلاب، ما الذي حمله على فعل ذلك؟ إنه بر الوالدين الذي يرجو به العقبى عند الله وإلا فإنه يمكن أن يعطي الأولاد ما يكفيهم ويرفع حق والديه إلى أن يستيقظا، وذاك الذي سعى في طلب المرأة التي أحبها أشد ما يحب الرجال النساء سعى في نيل مبتغاه منها حتى إذا كان على ما وصف بين رجليها قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قام ما الذي أقامه عنها؟ ما الذي حجزه عنها؟ إنه تعظيم الله - تعالى - إنه مراقبة الله - تعالى - وخوفه هو الذي حمله على ترك ذلك الذي سعى له وكد لتحصيله. وذاك الأجير الذي ترك أجره عند صاحبه فثمّر صاحبه المال الأجر للأجير إلى أن عاد ثم قال له طالباً أجره فقال: كل ما ترى لك من البقر وراعيها فاستاق ذلك لم يبق منه شيئاً! ما الذي حمله على ذلك؟ إنه خوف الله - تعالى - الذي هو أعظم ثمرات تعظيم الله - تعالى -.

الله أكبر عالم الإسرار ***والإعلان واللحظات بالأجفانِ

الله أكبر -أيها الإخوة- له - جل وعلا - الحمد وله الثناء الذي لا ينقطع؛ وذلك لعظيم ما له من الصفات - سبحانه وبحمده - إذا قام بقلب العبد تعظيم الله - جل وعلا -، فلا تسأل عن أداء الحقوق ولا تسأل عن المبادرة إلى كل ما يرضي الله - تعالى -، فإن العبد إذا صدق مع الله - تعالى - طلب مراضي ربه - سبحانه وبحمده-، حيث كانت فإنه لا يطلب جاهاً ولا يطلب شرفاً ولا يطلب ثناء ولا يطلب مالاً إنما يطلب مرضاة الله - تعالى -، فحيث ما كانت مرضاة الله - تعالى - أقبل عليها وأخذ بها.
أيها الإخوة الكرام:
إن العبد إذا صدق معنى الله أكبر في قلبه وجدت منه إقبالاً على أداء الأمانات إلى أهلها، كما قال الله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}. فإذا كان العبد مليء القلب بتعظيم الله - تعالى - أدى الحق واجتهد في أدائه، ومن ذلك ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه مالاً فقال: ائتني بشهداء، قال صاحب المال لطالب السلف: ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال ذلك الرجل لمن طلب منه الشهداء قال: كفى بالله شهيداً، ألا يكفيك الله - تعالى – شهيداً، وأنه - سبحانه وتعالى - لا تخفى عليه خافية، وأنه يعلم السر وأخفى، وأنه مطلع على حالنا؟ قال: فأتني بكفيل قبلت الله شهيداً لكن ائتني بكفيل يضمن هذا المال إذا لم تأت به. فقال له ذلك الرجل الذي امتلأ قلبه بتعظيم الله - تعالى -: كفى بالله كفيلاً، ألا يكفيك أن الله رب السماوات والأرض، أن الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض يكفلني؟ قال: صدقت. فدفع إليه ما طلب من المال إلى أجل مسمى فخرج هذا الذي اقترض المال واستلفه إلى جهة من الجهات ركب فيها البحر فقضى حاجته ثم إنه لما جاء الأجل التمس مركباً ليعود إلى صاحبه ليوفيه ما طلب فما وجد مركباً يحمله ولا شيئاً يسير به إلى ذلك الذي واعده وقد قرب الأجل فما كان منه إلا أن أخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها المال المقترض ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زج بها في البحر، فقال يناجي ربه الذي يعامله قال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت من فلان ألف دينار فسألني كفيلاً فقلت: كفى بالله كفيلاً فرضي بك، وسألني شهيداً فقلت: كفى بالله شهيداً فرضي بك، وإني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني أستودعكها. فرماها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف لا يلوي على شيء يطلب مركباً ليذهب به إلى صاحبه، انصرف وهو يلتمس مركباً يخرج إلى بلده وإنما حمله على ذلك أنه أشهد الله وجعله عليه كفيلاً، حمله على زج هذا المال في هذا البحر أنه جعل الله كفيلاً وجعل الله شهيداً فخشي أن يخسر شهادة الله وكفالته، فماذا كان منه وما كان خبره وقصصه؟ إن هذا الرجل طلب مركباً ليذهب به إلى صاحبه!! يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خبر القصة: فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال التي رمى بها المقترض في البحر إذا بها بين يدي هذا المقترض فأخذها ماذا يريد بها ماذا عساه يفعل بها؟ أخذها ينتفع بها في بعض أمره فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم ذلك الذي أسلفه أتاه بالمال فقال له: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ الذي يسأل المقرض قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: لم أجد شيئاً ولم أبعث لك بشيء. قال: ألم أقل لك ألم أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئتك فيه؟ قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف دينار راشداً، فبين له أنما بعث به في هذه الخشبة قد جاء.
الله أكبر الله أكبر ما أطيب ثمار التقوى وما أعظم عواقب التعظيم -أيها الإخوة-، فإن العبد إذا صدق مع الله - تعالى – صدقه، إذا صدق العبد مع ربه - جل وعلا - في معاملته وخوفه ورجائه ومحبته وتعظيمه صدقه الله - سبحانه وتعالى -، فإنه - سبحانه وتعالى - لا يخلف الميعاد، ولذلك ينبغي للمؤمن أن يحرر قصده، وأن يعظم الله - تعالى - في قلبه. ومن أعظم ما يقدح في قلب العبد التعظيم أن ينظر في آيات الله - تعالى -، فإن النظر في الآيات مما يملأ قلب العبد تعظيماً للرب - جل وعلا -؛ إذا تأمل العبد هذه الأفلاك وما فيها من عظيم الصنع تأمل العبد في نفسه فيما أمره الله بالنظر إليه من عظيم المخلوقات كان لذلك من الأثر في قلبه وسلوكه تعظيماً لله - تعالى - وإجلالاً ما ليس لغيره.
أيها الإخوة:
وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ضرب في ذلك مثلاً عظيماً بيناً واضحاً، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استيقظ من نومه في أول نهاره -كما في الصحيح- كان يمسح وجهه - صلى الله عليه وسلم - ثم يقرأ الآيات الأخيرة من سورة آل عمران: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، يقول ابن عباس: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح النوم عن وجهه ثم خرج فنظر إلى السماء فقرأ هذه ثم صلى ما كتب له ثم رجع فنام ثم ماذا كان منه لما استيقظ ثانية؟ مسح النوم عن وجهه ثم خرج فنظر إلى السماء وقرأ قول الله - تعالى -: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأََرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ}.
إن العبد -أيها الإخوة: إذا تعامل مع ربه - جل وعلا - هذه المعاملة من النظر في آلائه ونعمه - سبحانه وبحمده- كان ذلك من أعظم ما يغرس في قلبه تعظيم الله - تعالى - وإجلاله، إن العبد إذا تعامل مع الله - تعالى - معاملة صادقة وفقه إلى معرفته، فإن العبد إذا تعرف على الله انفتحت له أبواب المعارف كلها، وتفجرت ينابيع الحكمة في قلبه، ويسر الله له من الإيمان والصدق ما ليس لغيره؛ ولذلك كان الصحابة - رضي الله عنهم - لما كانوا أعلم الناس بالله - عز وجل - كانوا أعظم الناس إيماناً وأعظم الناس تعظيماً لله - تعالى -، فكان قدر الله في قلوبهم عظيماً حتى مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بشر بعضهم بما بشره من الفضل والأجر والسبق والفوز لم يركنوا إلى هذه البشارات بل كانوا على خوف ووجل. فهذا أبو بكر صديق هذه الأمة وإمامها وخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند موته: "يا ليتني شعرة في صدر عبد مؤمن". وهذا عمر - رضي الله عنه - في مرض موته يقول: "يا ليتني أخرج منها كفافاً لا لي ولا علي". وكان - رضي الله عنه - شديد التحري في طلب المنافقين حتى إنه يسأل حذيفة - رضي الله عنه -: "هل سماني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن سمى من المنافقين"؟ وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخشون النفاق على أنفسهم وعلى قلوبهم لعظيم ما كانوا عليه من تعظيم الله - تعالى - ومعرفة حقه، فإن العبد إذا عرف حق ربه - جل وعلا - استصغر ما يكون من العمل، وأذكر في ذلك ما في الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((واعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)). ففضل الله - تعالى - هو المحيط بالعبد أولاً وآخراً هو الذي يسوغ للعبد دخول الجنة، فلولا فضل الله ورحمته - سبحانه وبحمده - ما كان عمله ولا كان سبباً لدخول الجنة ولا كان نعيم في الجنة إنما هو محض فضل الله ورحمته، وقد قال جماعة من السلف في بيان عظيم فضل الله عليهم وأن عملهم لا يقوم بشيء من حقه - سبحانه وبحمده - قالوا: "إن العبد لو عبد الله - تعالى - منذ خروجه من رحم أمه إلى أن يؤويه لحده ما أوفى الله حقه"، فلو كان العبد ساجداً لله - تعالى - منذ خروجه إلى الدنيا إلى مماته فإنه لم يف لله - تعالى – حقه، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله..)).
أيها الإخوة الكرام:
إننا ندعو إلى تعظيم الله - تعالى - وإجلال الله - جل وعلا - بالقيام بحدوده والقيام بحقه، إن الطريق الذي يوصل إلى ذلك هو ما أشرنا إليه فيما تقدم من المعرفة بالله - تعالى - من التفكر في آلائه ونعمه من النظر في قصص الصالحين، فإن النظر في قصص الصالحين ومنهم النبيون يجد فيها الإنسان شيئاً كثيراً مما يثمر الإيمان في قلبه ويحيي في قلبه الإقبال على طاعة الله والعمل بمراضيه.
نسأل الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعلنا من عباده الذاكرين الشاكرين، وأن ييسر لنا تقواه - سبحانه وبحمده -، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يرزقنا تعظيمه تعظيم من لا عظمة لأحد في قلبه إلا عظمة الله - جل وعلا -. اللهم إنا نسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع