أندرو أكسوم
تصدير المادة
المشاهدات : 6775
شـــــارك المادة
منذ بضعة أسابيع، قابلت صديقاً لي من دمشق لتناول القهوة. كان قد وصل لتوه من سورية قبل أسابيع قليلة، وكنت متحمساً لمعرفة كيف يتكيف مع الحياة في الولايات المتحدة.
تحدثنا عن أمور عامة لمدة نصف ساعة تقريباً قبل أن يعود حديثنا ليركز على ما تركه صديقي وراءه في سورية. وبينما كان جيراني يسيرون بمحاذاة ذلك المقهى المحلي في طريق العودة من عملهم في ذلك اليوم الربيعي الجميل في واشنطن، كان صديقي يخبرني بالتفصيل عمّا عاشه خلال الصيف الماضي، حين اعتُقل واحتُجز وتعرض للتعذيب طوال ثلاثة أيام على يد قوى الأمن التابعة للرئيس السوري بشار الأسد. كثيرة هي الأمور التي نجهلها عن نظام الأسد، ولا بدّ من التركيز على هذه النقطة المتعلقة بالحقائق الغامضة التي يجب أن يأخذها صانعو السياسة الأميركية بالاعتبار قبل التفكير في الخيارات المتاحة أمامهم في الشرق الأوسط. في المقام الأول، يمكن التأكيد أن النظام في دمشق هو من أكثر الأنظمة وحشية في العالم. فقد أثبتت أحداث السنة الماضية حجم الازدراء الذي يكنه النظام السوري تجاه شعبه، ما يفسر السبب الذي دفع هذا العدد الكبير من الدول للدعوة إلى تنحي الأسد والتفكير في استعمال الخيارات العسكرية لإجباره على الرحيل. نظراً لتصاعد الضغوط التي يواجهها صانعو السياسة الأميركية للتأثير في الأحداث الحاصلة في سورية، فمن الضروري أن يستوعبوا الاعتبارات الأولية والمصاعب في محاولتهم لتحديد طبيعة الصراع هناك، واستنتاج ما يمكن أن يحدث في سورية في المرحلة المقبلة، استناداً إلى الأفكار المعروفة عن تداعيات الحروب الأهلية والثورات. أخبرني بعض المسؤولين المقربين من إدارة أوباما بأن الرئيس يولي اهتماماً خاصاً بالصراع القائم في سورية. يسهل أن نعرف سبب ذلك. عدا المخاوف المشروعة على مصير الشعب السوري، لا شك أن مصداقية إدارة أوباما أصبحت على المحك: أصرت الإدارة الأميركية مراراً وتكراراً على ضرورة أن يتنحى الأسد من السلطة في دمشق ولكنه رفض الاستجابة لذلك. على صعيد آخر، يشعر صانعو السياسة الأميركية بالقلق بسبب موضوع لا يركز عليه الكثيرون: وجود مخازن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في سورية. تقع سورية بين إسرائيل وتركيا والعراق والأردن ولبنان، وهي تحتل بذلك أحد أبرز المواقع الحساسة سياسياً في العالم. لا أحد في العراق أو إسرائيل أو تركيا يريد أن تصل أسلحة الدمار الشامل إلى يد خصومهم الذين ينشرون العنف، لكن يوفر لبنان والعراق ممرات محتملة لنقل تلك الأسلحة من سورية. من المعروف أن تلك الأسلحة موزعة في أماكن عدة، ما يصعب أن تحصل عليها أي قوة خارجية. لكن كلما طال الصراع في سورية، يزداد خطر وقوع تلك الأسلحة في يد جماعة تنوي استعمالها، سواء في سورية أو في أي مكان آخر. وبخصوص جماعات المعارضة السورية المسلحة، لا نعرف الكثير عن طريقة تنظيمها وحجم إمكاناتها. تماماً مثل النظام، تميل جماعات الثوار إلى تصوير قوة جيشها وتماسكه بطريقة غير واقعية أمام العالم الخارجي. بذل المحللون (من أمثال جوزيف هوليداي وإليزابيث أوباغي من معهد دراسات الحرب، وجيفري وايت من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) قصارى جهدهم لتحديد مدى فاعلية الجيش السوري الحر عبر تحليل المراجع المتاحة، لكن يشكك بعض المراسلين من أمثال نير روسن، الذي أمضى فترة معينة في سورية، في قدرات الجيش السوري الحر وإمكانية اعتباره منظمة متماسكة. كذلك، لا أحد يعرف الكثير عن قوى النظام السوري. على سبيل المثال، نعلم أن الجيش السوري يتفوق بنسبة هائلة في حجم القوات المسلحة والمعدات، لكننا لا نعلم ما إذا كان ذلك التفوق تراجع بسبب الانشقاقات عن النظام، أو بسبب استنزاف قدرات المجندين خلال السنة الماضية. كذلك، لا نعرف حجم الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية التي مارسها الأميركيون وحلفاؤهم على النظام. قد يكون النظام في دمشق أقرب إلى الانهيار مما يظن المحللون. يبلغ متوسط عمر حركات التمرد المعاصرة 10 سنوات، لكن حتى لو تراجعت جماعات المعارضة السورية، لا شك أنها تستفيد من طول مدة الصراع، ما يسمح لها بالالتفاف على ممارسات النظام. تحدث الدبلوماسيون الأميركيون عن رغبتهم في عقد تسوية سياسية لإنهاء الصراع، لكن من المستبعد أن يحصل ذلك. تاريخياً، تدوم الحروب الأهلية سنوات طويلة قبل أن تبدي الأطراف المعنية اهتمامها بعقد تسوية لإنهاء الصراع. في الوقت الراهن، لا شك أن النظام يشعر بأنه لا يزال يستطيع تحقيق النصر رغم ارتفاع كلفة الصراع. فضلاً عن ذلك، من المتوقع أن تُفسد الأقلية العلوية الحاكمة في سورية أي تسوية محتملة، على اعتبار أنّ أي خيار بديل عن نظام الأسد يعني فقدان نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي. باختصار، من المتوقع أن يستمر الصراع في سورية. ولا شك في أن التدخل العسكري الحاسم لدعم النظام أو الثوار سيصب في مصلحة الولايات المتحدة، لكن لا يزال هذا التدخل خياراً مستبعداً. ومن المرجح أن يستمر الدعم الذي يحصل عليه فريقا الصراع من الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، أو من إيران و"حزب الله" من جهة أخرى، لكن من دون أن يسهم ذلك الدعم في تحقيق نصر عسكري سريع. في هذا السياق، يجب أن تراقب الولايات المتحدة عن قرب مخازن الأسلحة السورية، وأن تتعاون مع الدول المجاورة لسورية كي تضمن عدم نقل الأسلحة إلى خارج البلد مطلقاً. كذلك، يجب أن تتابع الولايات المتحدة الاستعداد للتدخل العسكري، وعليها أن تفهم إدارة أوباما أن جميع الخيارات المتاحة أمامها ليست ممتازة. في غضون ذلك، ينبغي أن يعتاد الجميع على فكرة بقاء بشار الأسد في السلطة فترة أطول مما نتوقع. لقد كانت جميع توقعاتي السابقة خاطئة، لأن المعلومات المتوافرة كانت محدودة في هذا المجال. لكن استناداً إلى الأمور التي نعرفها عن مسار هذا النوع من الحروب، ما من حل سريع ودائم للصراع في سورية على ما يبدو.
المصدر: مجلة العصر
أنور مالك
صالح عبد الله السليمان
عبد الباسط سيدا
سعد كيوان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة