ياسر سعد الدين
تصدير المادة
المشاهدات : 2924
شـــــارك المادة
لم تكن ثورة الشعب السوري بدعاً لا مكاناً ولا زماناً ولا تاريخاً، فالمنطقة شهدت هبوب عواصف التغيير ورياح الديمقراطية والتي أطاحت بطغاة عرب وهددت آخرين. الشعب السوري انتفض محطماً جدار الخوف ومتحدياً رصاص القمع هاتفاً الموت ولا المذلة، ساعياً لحقوقه الأساسية والإنسانية والتي حرمه الطغاة منها ردحاً من الزمن بعد أن خطفوا الحكم تحت لافتات ثورية وأهداف اشتراكية وشعارات قومية ترفع الأصوات في محاربة الصهيونية والإمبريالية.
نصف قرن وسوريا الحضارة والتاريخ رهينة عبث سياسي وصل إلى درجة المجون من عصابة حكمت البلاد والعباد بالحديد والنار بحجة تحرير فلسطين فأضاعت مع كرامة المواطن وحريته الجولان، وتغنت بالاشتراكية ومحاربة الإقطاع فاقتطعت الوطن مزرعة وصنعت من عرق المواطن المقهور ومعاناته ثروات فلكية وحسابات أسطورية. هب الشعب السوري طالباً الإصلاح وساعياً له، فكانت ردة فعل النظام الأولى وبلا مقدمات اتهامات لطلاب الحرية بإثارة الفتنة الطائفية، واحتلت كلمة الفتنة والطائفية جزءاً كبيراً من خطاب النظام ورموزه وإعلامه. وفيما كان المتظاهرون يشددون على وحدة الشعب السوري وعلى سلمية مساعيهم، كان النظام يعيد ويردد بلا كلل ولا ملل مسألة الفتنة وكأنها ملاذه الأساسي والأخير في مواجهة استحقاقات فشله في الحكم، وفساد أخلاقياته وسياساته. اللعب بالورقة الطائفية سياسة أدمنها النظام ساعياً من خلالها إلى رهن الطوائف عموماً والطائفة العلوية تحديداً، والوحدة الوطنية لطموحاته غير المشروعة ولا الأخلاقية في الهيمنة وممارسة البوهيمية السياسية. سورية ما قبل حكم عائلة الأسد لم تكن تعرف الطائفية ولم تعرّفها في قاموسها السياسي ولا الاجتماعي إلا بحالات استثنائية نادرة تؤكد على قاعدة التعايش والمواطنة والانتماء. سورية ما قبل حقبة الأسد التفتيتية والتدميرية، شهدت تبوء فارس الخوري في الحكم كأول رئيس وزراء مسيحي في العالم العربي، وبل أكثر من ذلك عمل في وزارته واحد من أهم رموز الإخوان المسلمين التاريخيين الأستاذ محمد المبارك وزيراً للأشغال. لا يمكن أن ننكر أن النظام نجح إلى حد ما في استخدام الورقة الطائفية وتوظيفها من أجل استمراره في اختطاف سورية ورهنها لعبثه ومغامراته. غير أن الأمل كبير في الثورة السلمية ومفاهيمها الراقية في الانتقال بسورية من دولة بوليسية تتحكم فيها العائلة والعشيرة بالتعاون مع طبقات من المنتفعين والمرتزقة، إلى دولة قانون ومواطنة يعلو فيها القانون على الجميع ويتفاضل فيها المواطنون بقدر عطائهم للوطن ومساهمتهم في بنائه. النظام يسوق الوهم في صفوف بعض الطوائف وعلى الأخص الطائفة العلوية بأن تغير الأوضاع ليس في صالحها، وأن مستقبل أسود ينتظرها إذا زال حكمه الفاسد، وهو يسعى لتوظيف الخوف والرعب من المجهول لتحويل الطوائف ومستقبلها إلى دروع يتقي فيها سنن التغيير وعوامل الإصلاح. نعم هناك عناصر علوية استغلت الأوضاع لمصلحتها ومارست أنواعاً من السلوكيات الخاطئة، وهو أمر وقع حتى من قطاع من السنة ممن ارتضوا بأن يكونوا أدوات للنظام يستخدمها في تثبيت حكمه ودعم مظالمه، غير أن كثير من العلويين أصابهم ما أصاب مواطنيهم من تعسف النظام وظلمه وجبروته. النظام يريد وضع الطوائف أمام خيارين: إما أن يكونوا داعمين له، أو يكونوا الخاسر الأكبر من رحيله. وفي هذا الموقف منطق أعوج وظلم مركب من خلال دفع قطاع من المواطنين للعيش في إطار موهوم وغير صحي وغير طبيعي، لأن بقاء أي نظام فاسد ودكتاتوري ضرب من المستحيل، وبالتالي فإن رهن مستقبل أجيال به أمر فيه غبن كبير. الرد على أطروحات النظام تكون من خلال إقرار مفهوم المواطنة والمشاركة والعيش المشترك في وطن ديمقراطي يتساوى فيه المواطنون بالحقوق والواجبات. إن فرصة التغيير السلمي الديمقراطي في سوريا ستكون في مصلحة الجميع، باستثناء قلة قليلة من اللصوص والقتلة والأفاقين، سوريا التي نسعى إليها هي نفسها التي عاش فيها أجدادنا وقارعوا فيها الاستعمار دون أن تفرق أهدافهم الكبيرة والمشتركة الانتماءات العرقية أو المذهبية. نريد أن يكون التنوع في سورية مصدر إثراء وإغناء لا مكمن تنافس وتنازع، ونموذج للتعاون والتعايش يحتذى به في منطقة تجمع أعراق ومذاهب متنوعة. إن الحراك السوري الرائع والذي كان أحد صوره جمعة أزادي والتي رد من خلالها الأكراد على تلك التحية بأحسن منها هاتفين لوطن واحد وشعب واحد، تبرهن على أن التمتع بالحرية والكرامة الإنسانية هو السبل الأمثل للتعايش المشترك وحل إي إشكال مفتعل بروح المواطنة والتسامح وقيم العيش المشترك. لكل مواطن في سوريا ما بعد الأسد دوره ومكانته والتي يحددها حبه للوطن وعطاؤه وإخلاصه ونزاهته. لو أن الشيخ البوطي تنافس وعارف دليلة في انتخابات رئاسية لوجدت أن كثيراً من السوريين، لا بل والإسلاميين سيصوت لدليلة المدافع عن هموم الوطن والمواطن ضد الشيخ البوطي المنافح عن الدكتاتورية ومظالمها ومثالبها. إن احترام جميع المواطنين والعيش بكرامة في وطن يتسع لجميع أبنائه هو السبيل لسورية الكبيرة دوراً ومكانة وقيماً وحضارة، أما التعامل مع المواطنين بناء على خلفياتهم وانتماءاتهم فهو أمر سيجعل بلادنا في حالة دائمة من الاضطراب والاحتراب، وسيفتح الباب على مصراعيه للقوى الدولية للتدخل في شؤوننا وفي صياغة مستقبلنا.
المصدر: سوريون نت
مروان قبلان
فيصل القاسم
حسان الحموي
حسان حيدر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة