عبد الله الشامي
تصدير المادة
المشاهدات : 3950
شـــــارك المادة
الحمد لله رب العالمين، قاهر الطغاة وناصر المستضعفين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل فيما صح عنه: ((إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم: لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة))(1)، وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن اتبع هديه إلى يوم الدين.
ما عاد خافياً على المسلمين في شرق الأرض وغربها ما يعانيه إخوانهم في سورية من قتل، وسجن، وتنكيل، وتشريد، وانتهاك للأعراض والحرمات، ونهب للممتلكات، وتدمير للبيوت، وكأن لسان حالهم يقول:
كتبنا بالدم الغالي بيانا *** نخبر من نحب بما دهانا وننقل صورة عنا إليكم *** ترون بها الحرائق والدخانا ترون مدامع الأطفال دما *** يجمدها الجليد على لحانا ترون نساءنا متلفعات *** بحسرتهن ينشدن الحنانا ترون شيوخنا عجزت خطاهم *** فما هربوا ولا وجدوا الأمانا ترون بيوتنا صارت قبورا *** وتحت ركامها دفنوا رؤانا أحبتنا أعادينا قساة *** فلا تتعجبوا مما ترانا هم اختطفوا هدوء الليل منا *** ومن أجوائنا سرقوا شذانا نلوذ بمن أرانا الحق حقا *** ومن بظلال رحمته احتوانا
وامتثالاً لقوله - تعالى -: {وحرض المؤمنين}، أوجه هذه الرسالة إلى كل مسلم لتوضيح واجبه الشرعي تجاه إخوانه، وأضمنها دعوة للإنفاق ومساندة إخوانه بالمال، فذلك أهم ما يحتاجونه في هذه المرحلة. أولاً: واجب المسلم تجاه إخوته في سورية: نسوق هنا بعض النصوص الشرعية التي تبين واجب نصرة المسلم لأخيه المسلم وحرمة خذلانه: - قال - تعالى -: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]، جاء في تفسير السعدي: "هذا عقد، عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون، ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له، ما يكرهون لأنفسهم". - عن أبي موسى - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه)) [البخاري: 2446]، جاء في فتح الباري لابن حجر بعد قوله: "باب نصر المظلوم هو فرض كفاية": "وهو عام في المظلومين وكذلك في الناصرين بناء على أن فرض الكفاية مخاطب به الجميع، وهو الراجح، ويتعين أحياناً على من له القدرة عليه وحده إذا لم يترتب على إنكاره مفسدة أشد من مفسدة المنكر، فلو علم أو غلب على ظنه أنه لا يفيد سقط الوجوب وبقي أصل الاستحباب بالشرط المذكور". - ورد في صحيح مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ)) [مسلم: 2564]. ورد الحديث السابق في صحيح مسلم تحت (بَابُ تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ، وَخَذْلِهِ، وَاحْتِقَارِهِ وَدَمِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَالِهِ). والشاهد من الحديث هنا قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ))، وأما معنى الخذلان فهو ترك الإعانة والنصرة، فقد جاء في شرح النووي على مسلم: "وأما لا يخذله فقال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي". - كما جاء في صحيح البخاري: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ)) [البخاري: 2442]. قال ابن حجر في فتح الباري: "وقوله: (ولا يسلمه) أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم، وقد يكون ذلك واجباً، وقد يكون مندوباً بحسب اختلاف الأحوال، وزاد الطبراني من طريق أخرى عن سالم: (ولا يسلمه في مصيبة نزلت به)". - كما جاء في حديث صححه الألباني: ((ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله - تعالى - في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته))(2)، وقد بينا معنى الخذلان بأنه ترك الإعانة النصرة، وإننا نرى ما يحل بدول المسلمين من القتل والتشريد دولة بعد دولة، فهذه سنة الله نراها بأعيننا تدور علينا، فاعتبروا يا أولي الأبصار. ما نستطيع القيام به تجاه إخوتنا هو دعمهم بالمال: وجوه النصرة بالطبع كثيرة، وكل يجب أن ينصر إخوانه بما يستطيع وبحسب مكانه، سواء بالكلمة والبيان، أو الدعم المادي، أو الدعم السياسي ونصرة قضيتهم في المحافل الدولية، أو حتى الدعم المادي والميداني. ولكننا نركز هنا على ناحية الإنفاق المادي كونه أهم ما يحتاجه إخواننا في المرحلة الراهنة، كما أنه في متناول أفراد المسلمين، وخصوصاً بعد قيام الكثير من الجمعيات والهيئات بالتصدي لجمع التبرعات وإيصالها للداخل السوري. وفي هذا الصدد نورد بعض النصوص الشرعية الداعية إلى الإنفاق في سبيل الله. - من أراد أن يحبه الله - تعالى - فليكن من الكرماء، فقد ورد في الحديث الشريف: ((إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجودة، يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها))(3). - إن الله - سبحانه وتعالى - يُخلف على المنفقين، فقد قال - تعالى -: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ :39]. جاء في تفسير ابن كثير: "أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب". وساق - رحمه الله - جملة من الأحاديث النبوية المبينة لذلك. - كما أن الملائكة تدعو للمنفق بأن يُخلف الله عليه، وبالمقابل تدعو على الممسك بالتلف، فقد جاء في الحديث: ((ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان. فيقول أحدهما: اللهم! أعط منفقاً خلفاً. ويقول الآخر: اللهم! أعط ممسكاً تلفاً)) [مسلم: 1010]. - وأخيراً: لننظر في هذا الحديث الذي يُقسم فيه الصادق المصدوق، - صلى الله عليه وسلم -، بأن المال لا ينقص بالصدقة في ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه. قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر -أو كلمة نحوها-. وأحدثكم حديثاً فاحفظوه. فقال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي ربه فيه ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهو بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فوزرهما سواء)) [سنن الترمذي: 2325، حسن صحيح]. وأخيراً: أخي المسلم أحذر نفسي وإياك من عذاب النار وأهوالها، فكل عذابات الدنيا لا تساوي شيئاً مقابل غمسة في النار أجارنا الله منها، فقد ورد في الحديث الشريف: ((إن في النار حيات كأمثال أعناق البخت، تلسع إحداهن اللسعة فيجد حرها سبعين خريفاً، وإن في النار عقارب كأمثال البغال الموكفة تلسع إحداهن اللسعة فيجد حموتها أربعين سنة)) [حسنه الألباني في صحيح الترغيب: 3676]. ـــــــــــــــــــــــــــــ 1- الراوي: قرة بن إياس المزني –رضي الله عنه-. المحدث: الترمذي . المصدر: سنن الترمذي الصفحة أو الرقم: 2192 خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح. 2 - الراوي: جابر بن عبد الله وأبو طلحة بن سهل وأبو أيوب الأنصاري –رضي الله عنهم-. المحدث: الألباني –رحمه الله-. المصدر: صحيح الجامع. الصفحة أو الرقم (: (5690 خلاصة حكم المحدث : حسن. ورد أيضاً في الجامع الصغير: الراوي: جابر بن عبد الله وأبو طلحة بن سهل. المحدث : السيوطي –رحمه الله-. المصدر : الجامع الصغير. الصفحة أو الرقم ( (8002. خلاصة حكم المحدث : صحيح. 3- الراوي : سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه-. المحدث: الألباني –رحمه الله-، المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1800 خلاصة حكم المحدث: صحيح. كما ورد في مجمع الزوائد بصيغة قريبة ورجاله ثقات. ملاحظة: تم الاعتماد في تخريج الأحاديث النبوية على موقع مكتبة الدرر السنية: http: //www.dorar.net/enc/hadith
أبو محمد الصادق
محمد حسن السوري
عباس شريفة
شريف محمد جابر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة