حسان القطب
تصدير المادة
المشاهدات : 3172
شـــــارك المادة
اعتبرت الإدارة الأميركية أن العلاقة مع النظام السوري الذي يقوده آل الأسد، كان أمراً لا بدّ منه، وطالما أن بإمكان الأسد الأب ومن بعده الابن أن يكون ضابطاً للحدود مع إسرائيل، فلا تشهد خطوط جبهة الجولان تجاوزات أو خروقات وعمليات تسلل، فإن هذا يعتبر أمراًً بالغ الأهمية؛ لأن أمن إسرائيل أولوية على ما عداه من قضايا بالنسبة للإدارة الأميركية وكذلك الاتحاد الأوروبي، وكل الخلافات الأخرى تعتبر تفاصيل وأمور ثانوية من الممكن التفاوض عليها أو مناقشتها والتوصل إلى حلول ترضي الجانبين.
لذلك لم يطرح يوماً أمام هذه الدوائر تغيير هذا النظام أو السعي لإسقاطه، حتى في أحلك الظروف السياسية وأكثرها تعقيداً، وعبر العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على نظام سوريا عقب اغتيال الرئيس الحريري والانسحاب السوري من لبنان، فإن التعاطي مع الشأن السوري لم يتعد فرض العقوبات ومطالبة الأسد بتغيير سلوكه فقط، وهذا ما دفع الإعلام السوري والحليف من حزب الله وحركة أمل في لبنان، إلى الترويج أن النظام السوري ضمانة الاستقرار في المنطقة العربية، ولهذا فإن المصالح الغربية تتقاطع مع الرغبة الإيرانية في رعاية النظام السوري وتدعيم اقتصاده وجيشه واستقراره. وروسيا التي طالما اعتبرت أن النظام السوري حليفها الطبيعي في المنطقة لارتباط الذهنية السياسية الروسية بمرحلة تاريخية مضت في القرن التاسع عشر إبان حكم الدولة العثمانية حين كان التدخل الغربي في المنطقة يتم تحت راية حماية الأقليات من حكم السلطنة العثمانية، وهذا ما أفصح عنه وزير خارجية روسيا (لافروف) حين تحدث عن خوف روسيا من حكم الأكثرية السنية في المنطقة، في إعادة إنتاج لمنطق تاريخي تجاوزه الزمن، ولكن إيران وحلفاء إيران تلقفوا هذا الكلام للتأكيد على مشروعية المخاوف الروسية والاستناد إلى تصريحات صادرة عن البطريرك الماروني وبعض الإكليروس الأرثوذكسي حول هذا الموضوع، ولكن يبقى بيت القصيد وهو أن أمن إسرائيل يعتبر أولوية، وأن الثورة السورية الشعبية كانت غير متوقعة بحسب مصادر غربية واسعة الاطلاع، وكذلك بناءً على قراءة إيران وأتباعها في المنطقة وبحسب الخبرة الروسية في الشأن السوري. إن أمن إسرائيل واستقرارها هو ما يحرك السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة العربية، وكذلك بورصة المواقف الرسمية التي تتحرك صعوداً وهبوطاً، تأييداً ورفضاً.. والهم الإسرائيلي هو عينه سبب القلق الروسي، بالإضافة إلى مخاوف روسيا من إفلات زمام الأمور في سوريا من يدها، خاصةً وأن لها مصالح اقتصادية وعسكرية إلى جانب السياسية في سوريا أضف إلى ذلك أن أنظمة الأقليات هي بحاجة دائمة لرعاية وعناية وحماية من قوى عظمى تضمن لها الاستقرار، وتعطيها الغطاء الدولي لارتكاب ما تريد بحجة الحفاظ على النظام العام.. وإيران التي لا ترى في سوريا بديلاً للتواصل مع أجنحتها العسكرية شبه الرسمية في لبنان -حزب الله والجهاد الإسلامي وغيرها-.. كان لا بدّ لها من إعطاء كل الدعم لنظام سوريا المترنح والمترهل والذي يكافح بكل جبروت وغطرسة للحفاظ على وجوده.. لذا فإن التناغم السياسي الروسي الأميركي، والدعم الإيراني المتزايد أعطى نظام الأسد مزيداً من الوقت للاستمرار في السلطة ولو شكلاً ريثما يتم التوصل إلى حلٍ ما، وسمح له بارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر لعل نار الثورة تخمد، وشعلة الانتفاضة تتلاشى، ويتنازل الشعب السوري عن ثورته ومطالبه بالتغيير والحرية وتحقيق العدالة.. فما هي أهداف هذا التناغم وترابط المصالح بين قوى يفترض أنها متنافسة ومتصارعة في الكثير من الملفات الشائكة: - الولايات المتحدة، تدرك أن التغيير السريع سوف يبقي القدرة العسكرية السورية في جهوزية كاملة، وهي تعتبر ترسانة قوية نرى كيف يستعملها النظام ضد شعبه وليس لتحرير الجولان المحتل أو فلسطين، وأي نظام جديد في سوريا سوف يسعى لتقديم صورة مختلفة عن سياسات نظام الأسد واستغلاله لقضية فلسطين. لذا فإن أميركا تعرف أن سقف مطالب النظام السوري الذي يقوده الأسد لا يتجاوز الرغبة في البقاء في السلطة، باسم الأقلية الدينية التي يقودها ويدافع عن تمسكها بالسلطة، وقد استغل الأسد اسم تنظيم القاعدة ودوره بما يسمح له بأن يلعب دور المروض والقادر على ضبط الأداء ولجم التجاوزات ساعة يشاء وحين يريد وبناءً على أثمان سياسية واقتصادية تدفع حين الطلب والضرورة. والولايات المتحدة اليوم التي فوجئت كما العالم أجمع بحجم الرغبة الشعبية السورية في التغيير رغم عظيم التضحيات وفداحة الجرائم والخسائر البشرية التي يقدمها المواطن السوري؛ أدركت أن لا بدّ من حصول عملية التغيير، ولكن المزيد من القتل والتدمير المنهجي الذي يمارسه النظام ضد المعارضة التي بدأت تتحول شيئاً فشيئاً من سلمية إلى مسلحة سوف يزيد من عمق المشكلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين مكونات المجتمع السوري، وسوف يترك أثاراً سلبية على علاقات هذه المكونات في المستقبل نتيجة هذه الجرائم المتمادية، وبالتالي يصبح بناء الدولة الجديدة تحت راية النظام الجديد تتطلب وقتاً أطول إضافةً إلى إعادة بناء الاقتصاد والأمن والجيش وتثبيت الاستقرار ووضع أسس العلاقات السياسية مع الدول المحيطة وهذا ما يتطلب سنوات، وحينها تكون إسرائيل أكثر تطوراً وقوةً وأمنا واستقراراً، وهذا تريده الولايات المتحدة بعد غياب ضمانة نظام الأسد لأمن إسرائيل.. لذلك لا تزال الولايات المتحدة ترفض أي تدخل عسكري أو تسليح المعارضة السورية بشكل يسمح لا بمواجهة آلة القتل الرسمية التابعة للنظام...!! - روسيا الاتحادية، تشعر أنها تخرج نهائياً من منطقة الشرق الأوسط، وأن نفوذها يتقلص بعد أن كانت اللاعب الأساسي، وخسارة ليبيا واليمن وضياع العراق، يجعل روسيا دولة غير ذات تأثير مباشر على أحداث المنطقة، إضافةً إلى خسارة أسواق تصدير الأسلحة التي تعتمد عليها موسكو بشكل كبير، لذا فالموقف الروسي الذي يحمي نظام الأسد من العقوبات الدولية، إنما يهدف لإعادة الدور الروسي في المنطقة، وتثبيت حضورها في سوريا لتكون موطئ قدم مستقبلية تستطيع من خلالها التأثير في مجريات الصراع العربي الإسرائيلي وعودتها أي روسيا إلى الساحة الدولية كقوى عظمى قادرة على تغيير أو تعديل مجريات الأحداث، ولكن هذا يجري على حساب الشعب السوري والدم السوري، والنظام السوري لم يتناغم مع الرغبة الروسية ولم يستفد من الدعم السياسي والعسكري الروسي للتفاعل مع الرغبة والتوجهات السياسية الروسية بل على العكس، فقد اندفع يمارس سياسة البطش على أمل تثبيت حضوره ونظامه بقوة السلاح.. ولا يمكن تجاهل أن حماية أمن وسلامة إسرائيل جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية الروسية، والجالية الروسية في إسرائيل تعتبر من أكبر الجاليات.. - إيران، ورغم أن مصالحها في استقرار واستمرار النظام السوري الحالي مختلفة عن الطموحات الروسية والتمنيات الأميركية، إلا أنها تعتبر أن سقوط النظام السوري الحالي يفقدها الكثير من حرية الحركة في المنطقة والقدرة على التأثير في قرارات العالم العربي، خاصةً وأن النظام السوري كان يعتبر جزءاً من منظومة محور طهران الذي يتسبب بالكثير من الأزمات في دول المنطقة ومنه وعبره ومن خلاله يتم الكثير من عمليات التخريب والإرهاب، وعلى أراضيه تتم رعاية المجموعات المتعاونة والمرتبطة بهذا المحور.. كما أن إيران قد قامت بتعزيز السياحة الدينية وبتوظيف الكثير من الأموال في الاستثمارات الصناعية وغيرها في سوريا لدعم النظام وتعزيز قوته الاقتصادية ولتربطه بالنظام الاقتصادي الإيراني بشكل مباشر، وللتجاوز من خلاله العقوبات الدولية وليبقى الممر الآمن لسلاح حزب الله القادم من إيران عبر سوريا ومن خلالها.
إذاً؛ فالتوافق الروسي الأميركي غير المعلن يخدم النظام السوري ويعطيه القدرة على استعمال أقصى أساليب القتل والتدمير والظلم والقهر لإخضاع الشعب السوري وترويضه.. موقف الولايات المتحدة برفضها دعم المعارضة وتسليحها وبالامتناع عن توجيه ضربة عسكرية للآلة العسكرية السورية بغطاء عربي وأوروبي، وموقف الدولة الروسية وبهدف حماية مصالحها ودورها تستعمل حق النقض الفيتو بما يمنع إدانة نظام الأسد وفضح جرائمه كما وتوازن في مواقفها بين المعارضة السلمية والنظام الديكتاتوري الذي يمارس سياسة البطش، وتبرز إيران التي تستغل هذا الوضع لدعم نظام الأسد ومده بالمال والسلاح والرجال من مشارب مختلفة ليستمر في غيه وإجرامه، ولكن مع الأسف الشعب السوري يدفع الثمن من دماء شبابه وشيوخه وأطفاله، ومن امتهان كرامة نسائه واغتصاب فتياته، والعالم العربي الرسمي والشعبي يتفرج بصمت على ملهاة مفجعة ومفزعة ومجرمة. ولكن رغم كل هذا الواقع السيئ والمؤلم، فالشعب السوري سوف ينتصر في نهاية الأمر بالرغم من هذه المعادلة غير الإنسانية وغير الأخلاقية، التي تساوي بين الجلاد والضحية لتحقيق مصالح دولية على حساب المواطن السوري وحقوقه المشروعة.
المصدر: بيروت اوبزرفر
زمان الوصل
حسان الحموي
الطاهر إبراهيم
ﻋﻤﺮ ﻛﻮﺵ
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة