غازي دحمان
تصدير المادة
المشاهدات : 3158
شـــــارك المادة
دخلت إيران عصر إنتاج السلاح النووي وباعتراف وقبول دوليين، وهي حالة غريبة وسابقة في تاريخ العلاقات الدولية أن يتم دخول دولة ما إلى النادي النووي الدولي بإشراف واعتراف الدول الكبرى.
فقد جرت العادة في حالات سابقة أن يتم فرض الأمر على العالم ويجري بسرية تامة وتحوطات أمنية شديدة، كما هي حالة كل من الهند وباكستان الأقرب إلى الذاكرة. وهذا الوضع بقدر ما يمنح إيران أفضليات عديدة، يرتب مخاطر أمنية على أطراف مقابلة. بالطبع لن تكون إيران دولة نووية في المدى القريب، أقله ليس بعد أعوام، لكنها ستصبح في النهاية كذلك، فالمفاوضات التي أجرتها والاتفاق الناتج عنها لم يهتم بقضية إخراج إيران من السياق النووي، بل كان يركز على مسألة تأجيل إنتاجها لهذا السلاح إلى تواريخ محددة، وضمن هذه المهل تستطيع طهران استكمال البنى التحتية اللازمة، بما فيها تهيئة الكوادر واستكمال البنية التقنية ضمن ظروف مريحة وبيئة دولية أقل توتراً، والأهم من كل ذلك في إطار بحبوحة اقتصادية سيضمنها الاتفاق الموازي لرفع العقوبات الاقتصادية عن قطاعاتها المالية والنفطية واستعادة أموالها المحتجزة في الغرب.
ماذا عن العرب؟ يقع العرب في النطاق الأكثر حيوية للاستراتيجية الإيرانية وطموحاتها الإمبراطورية التي يجري البوح بها بين الحين والآخر. صحيح أن لإيران منافسين إقليميين من طبيعة نووية، مثل باكستان والهند وإسرائيل، ومنافسين إقليميين يمتلكون قوة عسكرية وازنة مثل تركيا، لكن هذه الأطراف لا تقع ضمن النطاق الاستراتيجي للمصالح الإيرانية، على الأقل في المديين القريب والمتوسط.
وتكشف عملية تفحص طبيعة علاقة إيران بهذه الأطراف وجود شبكة من التفاهمات السياسية والأمنية والاتفاقيات الاقتصادية البينية تشكل ضمانة لاستمرار التنسيق والتفاهم بينها، يضاف إلى ذلك وجود عوامل جغرافية وأمنية تحدّ من أي نشاط إيراني بتلك الاتجاهات. بل على العكس من ذلك، تحاول إيران قدر الإمكان الحفاظ على الترتيبات القائمة مع تلك الدول، فهي تدرك أن الصحارى الآسيوية في تخومها مع باكستان وأفغانستان كفيلة بضياع جهودها واستنزاف قدراتها لعقود من الزمن، في حين أنها تعاني من ضعف استراتيجي هائل تجاه تركيا يتمثل في وقوع كتلتها الديمغرافية الكبرى وقلبها الحيوي على خطوط التماس.
وبالطبع لن تكون إسرائيل ضمن خارطة الأحلام الإمبراطورية، بل من المتوقع أن تكون الاتفاقيات السرية بين أميركا وإيران الرديفة لاتفاق التفاهم النووي قد ركزت على هذه المسألة بالتحديد لما يعنيه الأمن الإسرائيلي بالنسبة لأميركا. ثم إن إيران -البراغماتية في السياسة أكثر من أميركا نفسها- تدرك أن فلسطين انتهت بالنسبة لها كوظيفة، بعدما استثمرتها إلى أبعد حد.
وتالياً فإن الأمر سينتهي إلى التزام تام بقواعد الاشتباك بين أذرع إيران في المنطقة وبين إسرائيل، تماماً كالحالة التي سادت لأربعة عقود متواصلة على جبهة الجولان، حين كان نظام الأسد فاعلا على كل الجبهات باستثناء جبهته مع إسرائيل لدرجة وصلت حد اختيارها المكان الأفضل لاستجمام الإسرائيليين وراحتهم.
على ذلك، فإن تصريف الأحلام الامبراطورية وتفريغ شحنات النهوض القومي الإيراني سيكون مرشحاً بدرجة مؤكدة في المسارح العربية، خاصة أن إيران أسست على مدى أكثر من عقد بنية كاملة من آليات السيطرة وتوطين القوة فيها بما يخدم مشروعها. وقد اتبعت إيران في ذلك أسلوب توسيع مساحات الفراغ وتفكيك الكيانات ووضعها على خط التدمير الكياني الذاتي، كما حصل في سوريا والعراق، بعد صناعة نظام تغذية متكامل من الانقسامات المذهبية. والمشكلة أن هذا الأمر يحصل تحت لافتة النفوذ الثقافي والديني الذي تحاول إيران إقناع العالم بشرعيته، والمشكلة الأخرى أن إيران تعمل بكل جهدها على مد رقعة هذا النفوذ إلى مسارح أخرى في المنطقة العربية.
ما هي خيارات العرب؟ هذا الأمر يتطلب بدرجة أولى تحديد من هم العرب المستهدفون؟ بواقعية جارحة، ليس للعرب معيار واحد في تحديد مصادر الخطر. لقد أثبتت استجابة الأطراف العربية للمخاطر هذا التفاوت الواضح، ذلك أن الأمن القومي لم يعد عاملا موحدا لبلدان العالم العربي، بل على العكس من ذلك، صار عاملَ انقسام بجدارة، فما يراه طرف أمنا قوميا يعتبره طرف آخر صراعا غير مجد، والانخراط فيه قد تنتج عنه تداعيات على الأمن القومي لنظام ما، ناهيك عن افتقار العالم العربي إلى الآليات المناسبة والمؤسسات التي يمكنها إنتاج فعل قوة يتمتع بالديمومة والثبات. وبالعودة إلى الأطراف التي يقع عليها التحدي أو تلك المحتمل انخراطها في مشروع مواجهة مع إيران والتصدي لها، فإن القائمة العربية تسقط أطرافا من خانتها أكثر مما تحتفظ، فبعد خروج العراق وسوريا من قائمة حسابات الأمن القومي العربي، بل وتحولهما إلى عنصر غير مساعد ومحسوب على الكفة الإيرانية أقله في الوقت الحالي، فإن نظام مصر -رغم مشاركته الرمزية في عاصفة الحزم- لا يبدو أن لديه الرغبة في السير بعيدا ضمن مشاريع الأمن القومي، إلا إذا ارتبطت بأجندته الأمنية ورؤيته الخاصة والضيقة التي تحصر مفهوم الأمن القومي في الصراع مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر أو مناطق قريبة منها.
ينسحب الأمر كذلك على الجزائر والمغرب اللتين تمتلكان قوة عسكرية معتبرة، حيث للبلدين تقديراتهما الأمنية الخاصة التي لا يدخل ضمنَها الخطر الإيراني، في حين لا يملك السودان قوة عسكرية مهمة تجعله طرفا فاعلا في أي ترتيبات مستقبلية.
إذًا فالأمر يقتصر على دول الخليج والأردن بدرجة كبيرة، كما يقع على عاتقها مواجهة التحدي الإيراني المفروض، خاصة أنها تقع ضمن قوس المصالح الإستراتيجية الإيرانية الحيوية، وفي عين استهداف المشروع الإيراني. ولا شك أن إيران المتفاهمة مع الغرب وقواه الرئيسية حول ملفات أمنية وسياسية، ستجد نفسها أكثر تحررا بالاندفاع تجاه هذه المنطقة، وبالاستناد إلى خبرتها العملاتية في سوريا والعراق، فإن الأمر قابل للاستنساخ في مرحلة ثانية في مناطق شبيهة بتركيبتها الاجتماعية وتفجير الخلافات والقلاقل كمقدمة لإحداث الفراغ ونقل منظومتها العسكرية.
وبالنسبة للأردن لا يبدو بعيداً عن خط الاستهداف الإيراني لكونه يمثل رابطاً بين الخليج وسوريا ولبنان، كما يشكل بالحسابات العسكرية قوة رافدة للأمن الخليجي. وبما أن إمكانية تحييده غير ممكنة نظراً لارتباطه المتشابك ضمن خريطة الأمن الخليجية والسورية والعراقية، فإنه سيقع حتماً ضمن خارطة عمليات إيران في المنطقة.
تشكل هذه الاحتمالات الأمنية جزءا أساسيا من مشهد المنطقة القادم، حتى إنها تكاد تبدو تطورات مؤكدة لا يمكن لصانع القرار الخليجي والأردني التغاضي عنها، خاصة أن إيران ستعمل في الفترة القادمة على تخفيض منسوب تفاعلات الاتفاق النووي على مجتمعها الداخلي ومحاولة منع تشكل دينامية اجتماعية سياسية تستفيد من الانفتاح الغربي وتؤثر تاليا على تركيبة السلطة وبنيتها بما يقلل من تأثير مراكز القوى الحالية، وبالتالي فإنها ستندفع باتجاه الخارج وإشغال مجتمعها ونخبها وقومياتها عن أي استحقاق داخلي، الأمر الذي من شأنه زيادة الضغوط والمخاطر الأمنية على الدوائر العربية المستهدفة. والواقع يقول إن هامش المناورة والخيارات أمام الدول العربية بات ضيقا جدا جراء الاختراق الإيراني الواسع، كما أنه لا يمتلك مساحة زمنية كبيرة لبناء حقل مواجهة مرن، وتالياً فإن الفعالية المضمونة راهناً تكمن في بناء خطط للدفاع أكثر، على أن يصار لاحقاً إلى استدراك النقص وسد الثغرات، وعليه فإن الخيارات تقع ضمن التالي:
1- استغلال القبول الدولي بمشاريع نووية مؤجلة والذهاب بهذا الاتجاه، والاستفادة من العرض الأميركي بالمظلة النووية على اعتباره اعترافا أميركياً صريحاً بوجود مخاطر نووية. ومن المعروف أن هناك ثلاث دول في الإقليم لديها برامج نووية بدرجة ما: الأردن والإمارات والسعودية.
2- الذهاب باتجاه مأسسة مكون القوات المشتركة وهيكلتها ووضع قواعد لعملها، وإدراجها كواحدة من بنية القوة المفروض صناعتها في المنطقة، بالإضافة إلى تدعيم الجيوش الوطنية.
3- العمل على طرد النفوذ الإيراني من سوريا واليمن وتحجيمه في العراق إلى أبعد الحدود، وهذا يستلزم وجود قيادة تشرف على تنسيق الفعاليات القتالية التي تقودها القوى الوطنية في هذه البلدان وتعمل على توحيدها وإعادة هيكلتها.
لا تملك الدول العربية من خيار سوى المواجهة، فقد أثبتت تجربة اليمن أن الذهاب لمواجهة الخطر أكثر جدوى من انتظاره، ولا شك أن إيران المدفوعة بالأحلام النووية وبالثقة الكبيرة بالنفس سيغريها كثيراً وجود بقع فراغ للقوة في أكثر من مكان، وقد باتت تملك فائضاً من الخبرة في كيفية تحويل أزمات الكيانات الضعيفة إلى فرص لها، وكيف تعبث بأمن تلك الكيانات، فهل نتنظر على الدور؟
الجزيرة نت
ماهر علوش
سلامة كيلة
نجوى شبلي
طارق الحميد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة