صالح القلاب
تصدير المادة
المشاهدات : 3247
شـــــارك المادة
ستفشل مساعي الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان، وستستنزف المناورات والألاعيب ما بقي من مبادرة الجامعة العربية، وسيستمر النظام في خيار العنف والقوة العسكرية لحل الأزمة السورية المتفاقمة، فعندما يشعر بشار الأسد بأن هناك استبعاداً لأي عمل عسكري، على الأقل على غرار ما جرى في ليبيا، أو التلويح به، فإنه أمر طبيعي أن يتصرف بهذه الطريقة وأن يدير ظهره لكل محاولات ومساعي حل هذه الأزمة بالوسائل والأساليب السلمية.
إن ما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي حضره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من أن الموقف المتخاذل والمتراخي من قبل الدول التي أفشلت قرار مجلس الأمن وصوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ما يتعلق بالشأن السوري قد منح نظام بشار الأسد الرخصة للتمادي في ممارسة كل هذه الوحشية ضد شعبه، صحيح كل الصحة. فهذا النظام لا يعرف إلا منطق القوة ولا يرضخ إلا له، وهو يعتبر «المناشدات» ضعفاً لا بدّ من استغلاله لحسم الأمور بسرعة وقوة. في البدايات عندما كانت مواقف تركيا أكثر هجومية، وكان فرسان القيادة التركية الثلاثة رجب طيب أردوغان وعبد الله غل وأحمد داود أوغلو يتناوبون على إطلاق التصريحات النارية، بقي هذا النظام يحرص كل الحرص على ألا يلجأ إلى الدبابات والصواريخ والمدافع والحرب المدمرة المكشوفة. وقد عزز هذا الحرص أن الموقف الأميركي والأوروبي كان لا يزال غير واضح، حيث كانت هناك مخاوف من ردود أفعال ذات طابع عسكري، لكن بعدما تراجع الموقف التركي وبعدما بات الأميركيون والأوروبيون يرددون أن سوريا تختلف عن ليبيا وأن العمل العسكري بالنسبة إليها سيبقى مستبعداً ما دامت لا تزال هناك قناعة بأن الضغط الدبلوماسي والاقتصادي هو بمثابة الخيار الأمثل لحماية السوريين من نظامهم، تغير كل شيء، وبدأت هذه الهجمة العسكرية المدمرة التي لا تزال متواصلة ومستمرة. صحيح أن السيناتور الأميركي الجمهوري جون ماكين قد دعا إلى شن ضربات انتقائية ضد سوريا تقودها الولايات المتحدة، وصحيح أن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان قال من قبيل الإشارة إلى ضرورة تسليح «الجيش الحر» إن من حق الشعب السوري أن يدافع عن نفسه. وحقيقة لو أن هذا قوبل بمجرد الصمت من قبل باراك أوباما وباقي أركان الإدارة الأميركية لجعل بشار الأسد يعد للألف قبل أن يلجأ إلى كل هذا التصعيد الهستيري، لكن عندما يبادر مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي إلى القول إن أوباما لا يزال ملتزماً ببذل الجهود الدبلوماسية لإنهاء العنف في سوريا، وإن الرئيس الأميركي وحكومته لا يشاطران ماكين رأيه، فإن هذا قد فُهم في دمشق على أنه عجز يعطي فرصة لجيش النظام ليستخدم أقصى أشكال القوة لتدمير المدن «المتمردة» والقضاء قضاء مبرماً على الثورة السورية. إن هذا جانب.. وأما الجانب الآخر الذي جعل النظام السوري يتمادى في التصعيد العسكري واستخدام أقصى درجات العنف الأهوج فهو أن الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية كلها بقيت مكبلة بـ«الفيتو» الصيني والروسي، مع أنها كان ولا يزال بإمكانها أن تستخدم الأسلوب نفسه الذي استخدم في كوسوفو وساحل العاج، ثم إنها كانت ولا تزال قادرة على أن تتعاون مع تركيا لإيجاد أمكنة آمنة في المناطق المتاخمة للحدود التركية يلجأ إليها «الجيش الحر» ويلجأ إليها السوريون الفارون من مدنهم وقراهم خوفاً من بطش الجيش النظامي. لكن هذا لم يحصل، مما شجع بشار الأسد أيضاً على كل هذا التمادي، خاصة أنه رأى أن هناك ثغرات كثيرة في موقف الجامعة العربية. لا توجد أي معلومات بالنسبة لهذا الأمر، لكن ما يمكن استنتاجه هو أن هناك اتصالات مباشرة أو غير مباشرة بين النظام السوري ومسؤولين إسرائيليين، وأنه ربما تكون هناك تفاهمات، استناداً إلى ما كان قاله رامي مخلوف من أن «أمن إسرائيل من أمن سوريا»، مما جعل نظام بشار الأسد مطمئناً إلى أنه لن يكون هناك أي لجوء لأي عمل عسكري لا من قبل الولايات المتحدة ولا من قبل غيرها، وأنه بإمكانه أن يستخدم كل ما لديه من إمكانيات لحسم الأمور بسرعة ويضع العرب والعالم والغرب والشرق أمام الأمر الواقع على غرار ما فعله والده في عام 1982م. إن هذا النظام لا يتراجع إلا أمام التهديد والقوة العسكرية، والمؤكد أنه لو لم يصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1559 الذي يؤكد «مجدداً» على دعمه «القوي» لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً، وعزمه على ضمان انسحاب جميع القوات غير اللبنانية من أراضيه، لكانت دولة «عنجر» لا تزال قائمة حتى الآن، ولكان رستم غزالة لا يزال حاكماً بأمره في هذا البلد، ولكانت سلسلة الاغتيالات مستمرة ومتواصلة لتشمل من تبقى من القيادات والرموز الوطنية. وكذلك فإن الكل يعرف أن هذا النظام في عهد (الوالد) حافظ الأسد بقي يصر على «استضافة» عبد الله أوجلان على الأراضي السورية، وبقي يستخدمه ويستخدم مجموعاته المسلحة كما هو الوضع الآن ضد الجيش التركي والمؤسسات التركية، إلى أن طفح كيل أنقرة في عام 1998م، ونفد صبرها ووجهت إنذاراً نهائياً بأن قواتها ستصل خلال 48 ساعة ليس إلى دمشق وإنما إلى درعا على الحدود الأردنية إذا لم يجر طرد هذا «الإرهابي» من سوريا، وهذا ما حصل، وعندها لم يقتصر الأمر على مجرد الطرد فقط، بل تعداه إلى تسليم زعيم حزب العمال الكردستاني «التركي» إلى الأتراك تسليم اليد، فكانت نهايته السجن في زنزانة في أحد السجون التركية. وأيضاً فإن ما لا يعرفه البعض هو أن الهدوء الذي بقي ينعم به الاحتلال في هضبة الجولان حتى في ذروة تألق المقاومة الفلسطينية مرده أن إسرائيل كانت قد حذرت الرئيس السابق حافظ الأسد عندما كان لا يزال وزيراً للدفاع بأن ردها سيكون في قلب دمشق إن لم تقم السلطات السورية بـ«واجبها» وتحول دون تسلل أي فدائي عبر خطوط وقف إطلاق النار إلى هذه الهضبة المحتلة، وحقيقة أن هذا هو ما بقي قائماً ومستمراً منذ احتلال عام 1967م وحتى الآن مع استثناء أيام حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973م وبعض المناوشات العسكرية التي سبقت تلك الحرب. إن هذا النظام «يخاف ولا يختشي» كما يقال، لذلك فإنه لم يفكر حتى مجرد التفكير في معاودة السعي لأي إنتاج نووي بعد الغارة الإسرائيلية المدمرة على منشآت تلك المحاولة المبكرة في المنطقة الشرقية، ثم إن المعروف أن السلطات السورية قد بادرت إلى إغلاق كل معسكرات التدريب المخصصة لحركة حماس وغيرها من المنظمات الفلسطينية بعد غارة قامت بها الطائرات الإسرائيلية على مركز تدريب فدائي في منطقة عين الصاحب القريبة من دمشق، وكل هذا بالإضافة إلى حادثة اختراق الصوت فوق القصر الرئاسي في «القرداحة» التي طوت صفحة تصريحات استهلاكية عن احتمال اللجوء لـ«الحرب الشعبية الطويلة الأمد» لتحرير هضبة الجولان المحتلة، وكل هذا يعني أنه ما كان على الولايات المتحدة وعلى الأوروبيين الاستمرار في استبعاد اللجوء إلى العمل العسكري، وأنه كان عليهم أن يلتزموا الصمت على الأقل كي يبقى نظام بشار الأسد يلتزم بالحد الأدنى من العنف ولا ينتقل إلى هذه الحرب التدميرية المسعورة.
المصدر: سوريون نت
وائل نجم
أبو عبد الله عثمان
حسان الحموي
حسين عبد العزيز
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة