زياد الشامي
تصدير المادة
المشاهدات : 4843
شـــــارك المادة
إذا كانت اتفاقية سايكس بيكو السرية عام 1916م بين بريطانيا وفرنسا وموافقة روسيا هي المرحلة الأولى من تمزيق الأمة الإسلامية الواحدة التي كانت تحت ظل الخلافة العثمانية إلى دويلات تحت نفوذ كل من فرنسا وبريطانيا... فإن ما يجري حاليا في كل من سورية والعراق وليبيا ودول ما يسمى "بالربيع العربي" عموما يعتبر المرحلة الثانية من تمزيق وتفتيت الممزق والمفتت من الدول العربية والإسلامية، على أسس مذهبية وطائفية هذه المرة، وبمشاركة رافضية صفوية ظاهرة وفاعلة.
وإذا كانت الكثير من التقارير ودراسات المعاهد الغربية تشير بوضوح إلى السير بشأن مقترحات حل الأزمة في سورية إلى تفتيتها وتقسيمها إلى كانتونات ومناطق نفوذ طائفية، فإن القاسم المشترك بين كل هذه المقترحات والدراسات الغربية منها والصهونية، هو التمسك بوجوب نشوء دويلة نصيرية تحفظ للغرب والرافضة مصالحهم وأطماعهم في بلاد الشام.
ويبدو أن خلاصة هذه الدراسات تشير إلى مخطط منح النظام النصيري كلا من دمشق وحمص وحماة والساحل السوري – اللاذقية وطرطوس -، وهو ما اصطلح الرافضة على تسميته "سورية المفيدة"، ويعملون على تكريسه على أرض الواقع من خلال تركيز معاركهم مع المعارضة السورية ضمن هذه الحدود.
الخطير في الموضوع هو سياسة النظام وأسياده الصفويين في التعامل مع أهل السنة ضمن هذه الدويلة المقترحة، والتي يبدو أنها قد وضعتهم أمام خيارات أحلاها مر وعلقم؛
حيث بات مصير السوري من أهل السنة ضمن حدود هذه الدويلة النصيرية ما يلي:
1- الموت بالبراميل المتفجرة والصواريخ الموجهة والأسلحة المحرمة دوليا بما فيها الغازات السامة، والتي تزايدت حدتها في كل من الزبداني وغوطة دمشق الشرقية والغربية مؤخرا، وصولا إلى الرستن في ريف حمص التي استهدفها النظام النصيري أمس بالغازات السامة من جديد.
إن تكثيف النظام النصيري من غاراته على دوما بريف دمشق على وجه الخصوص -والغوطة الشرقية عموما- بالإضافة إلى شراسة الحملة على الزبداني وقصفها بكافة الأسلحة، بعد أن دمر النظام والرافضة معظم أحياء حمص... يشير بوضوح أن النظام والرافضة لا يريدون إبقاء أهل السنة المقاومين والمعارضين له داخل حدود دويلته المقترحة، ويحاولون قتل من ينتسب إلى أهل السنة في تلك الأماكن المحاصرة.
لم يكن النظام والرافضة وحدهم من جعل الموت هو مصير السوري المعارض للنظام من أهل السنة في مناطق الدويلة النصيرية المحتملة، بل ينضم إليهم الروس الذي زودوا النظام بطائرات حربية مؤخرا حسب صحيفة "يديعوت" الصهيونية بذريعة محاربة "داعش"، ناهيك عن أمريكا والدول الغربية التي منحت النظام وحلفاءه الضوء الأخضر لتصفية أهل السنة ضمن مناطق دويلته المزعومة.
2- أما الخيار الثاني لأهل السنة ضمن مناطق الدويلة النصيرية المقترحة: فهو التهجير، والتي أكدت المنظمات الدولية أنها الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، ولعل ما يراه القارئ على وسائل الإعلام من تدفق اللاجئيين إلى أوروبا برا وبحرا وجوا، حتى إن آخر الأنباء تتحدث عن تدفقهم من القطب الشمالي... خير شاهد على ما نقول.
والحقيقة أن هذا الخيار لم يكن خيار أهل السنة، وإنما أجبروا عليه بعد سلسلة إجراءات نصيرية صفوية غربية، تبدأ بإخلاء النظام النصيري داخل دمشق بيوت أهل السنة من سكانها الأصليين باسم "التنظيم" كما فعل في منطقة "المزة بساتين" بقلب دمشق، ومنطقة "بابا عمرو" في محافظة حمص، وصولا إلى محاولة الرافضة إخلاء الزبداني من أهل السنة من خلال ما يسمى المفاوضات، وليس انتهاء بالتضييق الأمني الشديد على بيع وإيجار العقارات داخل دمشق، حيث فرضت الأجهزة الأمنية داخل النظام النصيري -منذ أكثر من عامين– الحصول على موافقة أمنية قبل إيجار أو بيع أي منزل أو عقار داخل مناطق نفوذ النظام، الأمر الذي أدى إلى هيمنة قوات الأمن على كثير من بيوت أهل السنة من المغتربين أو الهاربين أو المطلوبين أو... بل واستوطنها أفراد من الائفة النصيرية أو الرافضة، ولم يسمحوا حتى لذوي مالك العقار من السكن فيها، أو حتى الاقتراب منها وتفقدها خوفا من الاعتقال بذريعة أو بدون ذريعة.
وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات النصيرية الصفوية التي أرغمت أهل السنة شبابا ورجالا ونساء على الهجرة هربا من الموت الحتمي ببراميل وقذائف وأسلحة النظام المجرم، إلى الموت المحتمل في قوارب اللجوء وشاحنات المهربين ودروب الوصول إلى أوروبا، التي فزع العالم لشدة تكرارها مؤخرا...
فإن النظام المجرم الذي أجبرهم على الهجرة لم يخجل من الزعم بالاهتمام بهذه الظاهرة، حيث بحثت حكومته الشكلية مسألة الهجرة خارج سورية، وناقشت أسبابها، بل وتطرقت إلى واقع التعامل المخزي لبعض الدول الغربية مع المهاجرين، ناهيك عن بحث ضرورة معالجة ملف الهجرة... لينطبق على النظام المجرم المثل القائل: "يقتل القتيل ويمشي بجنازته".
3- أما الخيار الثالث والأخير لأهل السنة ضمن مناطق الدويلة النصيرية المقترحة: فهو متابعة الحياة كمواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة –بعد النصيري والرافضي و...- مع شرط تأييد النظام بكل ما يصنع بحق أهل السنة طوعا أو كرها، وعدم إظهار أو إبداء أي اعتراض أو حتى انتقاد لتصرفات شبيحته الإجرامية.
والحقيقة أن إبقاء بعض أهل السنة ضمن مناطق الدويلة النصيرية المقترحة أمر لا بد منه للنظام لعدة أسباب:
أولها: أن عدد أهل السنة كبير جدا ولا يمكن تهجيرهم كلهم، كما أن تهجير الموالين منهم للنظام منذ بداية الثورة أو الصامتين خوفا على أنفسهم وأهليهم لا يصب في مصلحة النظام؛
وثانيها: أن الكثير منهم يعملون في الأعمال التي من شأنها تسيير أمور الدولة، ولا يمكن الاستغناء عنهم حاليا إلا بعد توطين بديل عنهم من الرافضة مثلا، ناهيك عن أن سياسة النظام النصيري كانت –وما زالت- استعمال بعض أهل السنة في بعض الوزارات والواظائف الحكومية، ثم تصفيتهم بعد إلصاق تهم الفساد بهم في النهاية كما فعلت مع محمود الزعبي عام 2000م، بعد أن كان رئيسا للوزراء منذ عام 1987م.
هذا باختصار مصير أهل السنة في مناطق دويلة النظام النصيري حسب مخطط الرافضة والغرب والصهاينة، وهو لا يعني بالضرورة حتمية حدوثه أو عدم احتمال إفشاله، إلا أن ذلك يستوجب مسارعة الدول السنية إلى إنقاذ سنة سورية من هذا المصير المحتمل المنتظر، الذي بدأت علاماته الواضحة تظهر في كثرة أعداد المهاجرين –ومعظمهم من أهل السنة– إلى أوروبا.
المسلم
مروان قبلان
ياسر الزعاترة
عماد مفرح مصطفى
حسان حيدر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة