..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ملحمة الشام بين السعودية وإيران

عصام العويد

٨ مارس ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7113

ملحمة الشام بين السعودية وإيران
00066958.jpeg

شـــــارك المادة

هذا هو قدر بلاد الشام "الأرض المباركة" أن تكون هي "أرض الملحمة" ولله في ذلك الحكمة البالغة، وهو شرف خصهم الله به ففيما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((عَلَيْكَ بِجند الشَّامِ فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِى إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ))، وفي صحيح مسلم مرفوعاً: ((لا يزال أهل المغرب ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم، حتى تقوم الساعة)).

 

 

قال الإمام أحمد: "أهل المغرب هم أهل الشام، ولا غرو فهي الأرض التي بارك الله فيها للعالمين؛ {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71]".

شاء الله أن تتأخر ثورة الشام ليستعد لها أعداؤها ويستفيدوا من تجارب أشباههم من طواغيت تونس ومصر وليبيا واليمن ليستحكم البلاء على أرض الأنبياء، حتى قال رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين وهو يقارن بين ليبيا وسوريا: "بعد أن تعلمنا درساً مريراً، فإننا نعارض استصدار مثل هذه القرارات في مجلس الأمن الدولي"، والدرس المرير الذي يعنيه هو فوات حصتهم من كعكة النفط الليبي الخفيف!.
وتأخر الثورة السورية زمناً وبطئ تصاعدها التدريجي أعطى النظام النصيري نفَساً وفرصة لتحديد إستراتيجية واحدة ومحددة في التعامل مع الثورة وهي (إستراتيجية التصفية) والتي يصطلح إعلام النظام الرسمي على تسميتها بـ(إستراتيجية التنظيف)، وهو يسير وفقاً لهذه الرؤية ولم يتنازل عنها بل ولم يتراخ فيها أدنى تراخٍ، وهذه كله يدل على وضوح الرؤية وقوة القرار في أروقة هذا النظام المجرم، وليس ببعيد أن يكون مرجع ذلك إلى أجهزة أخرى خارجية خصوصاً إيرانية وروسية هي له بمنزلة العين من الرأس.
وفي المقابل لهذا جاء الثبات المذهل الذي أبداه أبطال سوريا في الداخل وعجز جبابرة الشام وأكابر مجرميها عن إخماد صوت الحق الذي جلجل في كل أركان سوريا ليجبر العالم على التحرك؛ إماً تألماً صادقاً، أو مجاملة ونفاقاً، أو مصالح سياسية أو اقتصادية.
ومن تأمل في أطرافها وجد ثلاثة كيانات كبار تحيط بهذه القضية:
إيران وحلفاؤها، الغرب وحلفاؤه، أهل السنة وحلفاؤهم.
أما إيران فقد كانت بين خيارين كلاهما مر بل علقم بل حميم غسّاق؛ فإما النظام أو الشعب، وقد كانت ترسم لتكون سوريا لبنان الأخرى أو على الأقل العراق الثاني، فلما قامت الثورة في بداياتها صرح السفير الإيراني أحمد موسوي بدعم دولته للنظام الحاكم في سوريا ثم لما قويت شوكت الثورة سحبت إيران سفيرها المعمم بآخر سياسي "محمد رضا شيباني" وغيرت تصريحاتها، ثم عاد أحمدي نجاد لتأييد النظام السوري، وتوالت الإمدادات العسكرية الإيرانية جواً وبراً وبحراً وأعلنوا بلسان حالهم دخول الحرب المقدسة حتى لا تنطفئ نار المجوس في بلاد الشام.
وبهذا الخيار مع النظام ضد الشعب خسرت إيران ومدها الرافضي الصفوي كل التعاطف الشعبي الذي صنعوه بالهالة الإعلامية والحروب الكرتونية، وهذه من أكبر مكاسب هذه الثورة المباركة، فوالذي أطفأ نار المجوس بماء الوحي في زمن الفاروق عمر - رضي الله عنه -، لو أمضينا معاشر "السلفيين" مائة سنة ما بين قناة لامعة وموقع متابع وكتاب محكم وخطبة عصماء لنشكك أهل الشام بحزب اللات وإيران من ورائه؛ ما فعلنا معشار ما آلت إليه سمعة إيران وحسن نصير الشيطان بعد أشهر يسيرة من اندلاع ثورة الشام، بينا كان ذكرهم بسوء خيانة تتبعها إهانة؛ إذ صار الدفاع عنهم جريمة تتبعها...أمة!!، وأعرض نموذجاً واحداً من ملايين النماذج التي تمتلئ بها مواقع الانترنت مع التهذيب والتشذيب لحال المسمى حسن نصر الله في تعليق على مقطع له في اليوتيوب يقول المعلق:
"كنا نحترمك في مصر يا نصر الشياطين، الآن نكرهك كره العمى يا كلب يا نجس يا شيطان، إياك أن تذكر مصر تاني يا فاجر اتفوووووووووووووووووووووووووووووووو يا? نجس انتا وبشار الخول بتاعك يا ولاد..." اهـ مختصراً.
ولا تكاد تجد مقطعاً مرئياً لهذا الذي كان (سيداً أسداً) فأضحى لدى نفس الشارع والإنسان العربي (حقيراً كلباً) إلا وتقرأ في التعليقات أنواع السب والشتم والسخرية والاستهزاء مما تقره أو ما تأنف منه.
فإيران خسرت الشعب بل الشعوب العربية فما بقي لها إلا أن تستميت لتبقى الأنظمة التابعة لها، ولذا أكد علي أكبر ولايتي المستشار الدبلوماسي للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية أمس أن نظام الرئيس بشار الأسد" لن يسقط".
ومن الواضح أن الثورة والدولة الإيرانية تمر بأضعف مراحلها فقد أفقرت الوضع الداخلي الإيراني حتى بلغت نسبة التضخم 35 % والبطالة 22 %، ونثرت مئات المليارات على تصدير الثورة وتلميع صورتها ثم هاهي بفضل الله ثم أجناد الشام تتبخر كأمس الذاهب، وزاد الطين بلة فضيحة شحنة الأسلحة الإيرانية إلى نيجيريا والسنغال والتي خسرت بسببها سمعتها في أغلب القرن الإفريقي.
وزاد الأمر سوءاً على الصعيد الاقتصادي بعد أن أحكم الغرب الخناق على صادراتها النفطية وعلى بنكها المركزي.
أما الكيان الثاني وهو الغرب والذي ما زال تائهاً محتاراً في التعامل مع كارثة الثورات العربية وبالأخص في "مصر"، والتي -أي الثورات- أعادت دوائر التخطيط ومراكز الدراسات في الغرب لتبدأ من الصفر، فقد كان خياره الوحيد إطالة أمد الأزمة السورية بإبقاء طرفي الصراع قويين إلى أن يجد البديل المناسب للأسد فيضرب ضربته ويركب الموجة كعادته، ولذا من تتبع تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية والحلول الأمريكية المطروحة يجد هذا النفس واضحاً بعدم الرغبة في تعجيل حل الأزمة السورية.
وأما الكيان الثالث وهم أهل السنة وحلفائهم، وأعني بأهل السنة هنا من هم في مقابلة الرافضة الصفوية، كعدد من الحكومات العربية وغالب الشعوب في دول الخليج واليمن ومصر والأردن وتركيا والمغرب العربي وغيرهم.
وليأذن لي القارئ الكريم بأن أخص الحديث الآن عن دول الخليج بل عن "السعودية" بالذات، مع أن الدور القطري والكويتي والمصري بل والليبي مهم جداً في هذه المرحلة، وقد تبرعت ليبيا بمئة مليون دولار للثورة السورية، ولعله أن تأتي مناسبة أخرى للحديث عن دور هذه الحكومات والشعوب الحية.
أما بشأن "السعودية" فمن الواضح جداً من بداية الثورة السورية بتاريخ 15-3-2011م خصوصاً بعد بيان الملك عبد الله الأول بشأن الأحداث هناك بتاريخ 8-8-2011م أن "السعودية" اختارت "الشعب" كما اختارت إيران "النظام"، وبغض النظر عن الأسباب الرئيسة لكلا الطرفين، لكنها خيارات تصاعدت حتى أصبح الموقف شديد الوضوح.
وليس مستغرباً لجاجة وفجاجة السياسة الخارجية الإيرانية، ولكن المستغرب جداً هو موقف الخارجية السعودية المعلن والصريح الذي بلغ حتى الحث على "التسليح"، واعتباره هو المخرج الوحيد من الأزمة، ومع طول المدة التي مكثها سعود الفيصل 37 عاماً ومرور العالمين العربي والإسلامي بأحداث جسام ومن آخرها أحداث حرب غزة الأخيرة 2008م، وكذلك ثورة ليبيا الأخيرة عام 2011م، لم تتدخل فيها الخارجية السعودية إلا بكلمات لا تقدم ولا تؤخر، مع أن القذافي أعلنت السعودية رسمياً ضلوعه في محاولة اغتيال خادم الحرمين عام 2003م.
وهذا يدعو للتأمل في سبب هذه الحدة والاندفاع المحمود غير المعهود من الخارجية السعودية في القضية السورية، وفيما يبدوا هناك سببان رئيسان:
الأول: أن السياسة الخارجية السورية خصوصاً بعد عجز الحل الأمني أي بعد مرور ستة أشهر على قيام الثورة كان واضحاً فيها جداً الاندفاع بل الارتماء في الحضن الإيراني، وفي المقابل كان الصبر العظيم للشعب السوري البطل يعطي بارقة بل بوارق أمل في تغيير النظام النصيري المعادي للسعودية في كل محفل.
فالسعودية أضحت بين خيارين سياسيين بينهما بون شاسع في نتائج كل منهما عليها، فإما أن تنأى بنفسها عن إشكالات الحدث ومواجهة النظام، وفي هذه الحالة ستضعف المعارضة ويصمد بشار وزمرته، وإذا وقع ذلك –لا قدر الله- فستصبح سوريا مجرد محافظة من محافظات إيران بل حي من أحياء طهران، وهذا ستستغله حكومة طهران لمزيد من الضغط والإرهاق لدول الخليج التي لديها من المشكلات ما يكفيها.
وإما أن تختار المواجهة وتبادر إلى استثمار هذه الفرصة التاريخية خصوصاً وقد أبدى الثوار قوة وصموداً هائلين بدون أي دعم خارجي، فكيف لو دعمتهم دولة بثقل السعودية بقرارها ومالها وسلاحها، وهي تملك كثيرا من المفاتيح لإنهاء الأزمة بأسرع طريق.
والسعودية في خيارها الثاني حتى لو لم تربح المعركة لن تخسر كثيراً، فالنظام الدموي الأسدي قد أحرق كل أوراقه مع دول الخليج، فلم يبق داع لمنافقة السياسيين، نعم سيستحكم العداء أكثر وأكثر لكن هذا لن يغير في المواقف شيئاً يستحق تفويت فرصة نادرة قد لا تتكرر في قرن كامل من تاريخنا المعاصر.
الثاني: الموقف الإنساني، ففي كل الدول العربية وجدت الشعوب من يحميها إلا شعب سوريا، ففي مصر وتونس كانت مواقف الجيش حامية لدماء الناس، وفي ليبيا قوات النيتو، وفي اليمن القبائل حمت نفسها بنفسها، بخلاف السوريين الذين تخلت عنهم كل شعوب العالم الشرقي والغربي، بل ساهمت روسيا مساهمة مباشرة في الإبادة والقتل، واستأسد الجيش الدرزي على شعبه، ودخلت إيران والعراق وحزب الشيطان على خط القتل والاغتصاب والتعذيب لأحرار سوريا رجالاً ونساء وأطفالاً.
وأيضاً بين الملك عبد الله وبين السوريين مصاهرة معروفة وله زوجتان كلاهما من آل جربا من سوريا.
فلم يبق للشعب السوري من يحميه بعد الله إلا دول الخليج وقطبها السعودية، فكان لا بدّ أن تقف هذا الموقف لله ثم للتاريخ وللدم وللجيرة.
وهنا يأتي السؤال ما الواجب علينا حكومة وشعباً؟
أما الحكومات الخليجية فيجب أن تحول الأقوال إلى أفعال، وأن تعمل جاهدة وبأسرع فرصة على كسر رقبة الزرافة الملعونة، إما بعمل نوعي من داخل النظام وهذا بلا شك أولى وأحقن للدماء، والغرب أقدر الناس على هذا لو أراد.
أو أن تبدأ دول الخليج بتسليح المعارضة تسليحاً نوعياً فاتكاً سواء كان من جهة التخطيط أو نوعية الأسلحة وغير ذلك، حتى لا يطول أمد الحرب، فإن هذا الحل سيؤدي قطعاً إلى مقاومة عنيفة من النظام السوري، ويعني ذلك مزيدا من الدماء والدمار.
فيجب أن ترسم إستراتيجية المعركة بشكل دقيق عن معرفة تامة بواقع الأرض، وأن يتم التركيز على المفاصل خصوصاً دمشق وريف دمشق.
وقد أكد تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، عن انخراط السعودية «بشكل كبير» في تطبيق «الفكرة الممتازة» التي تحدث عنها وزير خارجيتها سعود الفيصل في بداية اجتماعه الثنائي مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في العاصمة التونسية.
ووفقاً لما جاء في التقرير فإن السعودية بدأت بتسليح المعارضة السورية ومدها بأسلحة تصل عن طريق حلفاء من القبائل السنية في العراق ولبنان.
وأشارت المجلة إلى إن تقارير عديدة أفادت أن «التسليح جار على قدم وساق لاسيما بعد التطورات الأخيرة التي حدثت في تونس»، مضيفة أنه بعد انسحاب الفيصل من مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس قال: إن المساعدات الإنسانية لسوريا «لا تكفي».
وعلى صعيد الشعوب:
فالواجب أكبر لأنها الآن أقدر!، ولا سبيل لهذه النصرة إلا بخلع رداء الخوف، ويجب أن يفرض على الداخلية السعودية واقع جديد في كيفية التعاطي مع الحاجة الملحة لدعم رجال الأعمال وعموم الناس لإخوانهم المسلمين في كل مكان، أما منع ذلك خوفاً من تسرب الأموال إلى الإرهابيين؛ فهو كمنع الهواء خوفاً من الإصابة بالزكام!!، والشعوب اختلف وضعها فهي تستطيع الآن أن تضغط على الحكومات لتفعل ما يجب عليها أن تفعله، وقنوات الضغط كثيرة ومؤثرة ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً "تويتر" قادرة على إحداث تحول في الرأي العام يضغط باتجاه تحول في القرار السياسي.
ثم إن المعركة لا تحتاج إلى شيء كحاجتها للدعاء وللمال، والأول مستطاع لكل مسلم، والثاني تستطيع أن تشتري به كل شيء بيد عبدة الدينار والدرهم من جيش النظام وزبانيته، ولذا تقدم الجهاد بالمال على النفس في آي كثيرة من القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 72]، {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ..} [التوبة: 20]، وغيرها كثير.
ووسائل إيصال الدعم المالي كثيرة؛ إما عن طريق المعارف أو المؤسسات الموثوقة ومن أهمها في مجال إغاثة سوريا "مؤسسة عيد آل ثاني الخيرية"، ومؤسسة "الشيخ ثاني بن عبد الله آل ثاني للخدمات الإنسانية راف" كلاهما في قطر، وغيرهما.
في هذا الحدث الكبير الكثير والكثير ولعلنا نعرض لها -بإذن الله- في مقالات ولقاءات قادمة.
والله خير مسؤول أن يعجل بفرجه ونصر أولياءه وذل أعداءه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم،،

المصدر: شبكة الشام الإخبارية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع