صلاح الدين سلطان
تصدير المادة
المشاهدات : 6858
شـــــارك المادة
هناك فارق ضخم بين النصرة والخذلان في سوريا، فأصحاب النصرة لنظام جزار الأسد أرسلوا مقاتلين وأصحاب الخذلان أرسلوا مراقبين، أصحاب النصرة للظالمين سيَّروا السفن الحربية والمعدات القتالية والقذائف النارية، وأصحاب الخذلان لأهلنا العُزل في سوريا أرسلوا لهم خطباً نارية ودعوات مسجدية.
وآهات على الفظائع اللا إنسانية، أصحاب النصرة لنظام سوريا تحدوا العالم كله، وأوقفوا قرارات اتهام للنظام الفاشي أمام الهيئات الدولية بل أعلنوا عن مزيد من الصفقات الحربية والإمدادات الفنية والخبرات العسكرية، وأصحاب الخذلان لأهلنا في سوريا تركوهم عاماً كاملاً يلاقون وحدهم أقسى وأشنع وأنكى القوى الحربية وزدناهم عياراً من الأبيات الشعرية التي تستعيد للذاكرة صراخ النساء والأطفال على شلال الدم الذي يهراق يومياً، وأعداد الأطفال الذين شوهت أجسادهم من التعذيب الرهيب، وكأن شعراء الخذلان قد باتوا يسترجعون الأحزان على ما يجري بأرض سوريا، أهل النصرة للنظام السوري ألحقوا الخناجر بالحناجر، والسنان باللسان، والإعلام بالبهتان، والتزييف بالتدليس، وقلبوا الحقائق فصار الأمر كأن الإنسان هو الذي عض الكلب، أما أرباب الخذلان فقد نقلوا نصف الحقيقة عن أعداد القتلى، وتركوا الثكلى ترفع يديها للسماء: "يا الله ما لنا غيرك يا الله"، فقد بات يقيناً أن دول الجوار سوف ترسل بعضاً من الغذاء والكساء والدواء ذراً للرماد في العيون، وكأن المنطق عندما تنجون من القتل وتهدم بيوتكم لن نبخل عليكم ببقايا طعامنا وفضل كسائنا، وما انتهت صلاحيته من دوائنا، ولن نكون سدا منيعا نوقف قتلكم وسحلكم وذبح رجالكم. لقد صرتُ مذهولاً من حجم الكارثة دون نصرة حقيقة لشعبنا المسكين في سوريا الذي يصدق فيه من قال: "إنهم كالأيتام على مأدبة اللئام"، فقد راح السادة الأمراء يبحثون كيف يحصنون عروشهم من الثوار بمزيد من القهر والاستبداد والملاحقة لكل من تسول له نفسه أن يرفع رأسه ومنهم من ضاعف الرشاوى للشعوب بمزيد من الرواتب على منهجية "أطعم الفم تستحي العين"، ومنهم من قام بسحب الجنسية من خيرة أبناء بلده دون محاكمة ولا تحقيق، وجمدوا أموالهم وسحبوا رخصة السفر وبطاقة العلاج الطبي، وحرموا أولادهم من المدارس والمستشفيات فضلاً عن المنح الدراسية والحقوق المدنية، وراح قطاع من العلماء يبالغ في فقه دورة المياه وأنواع النجاسات الحسية وكيفية التطهر من الحدث الأصغر والأكبر، ولا حدث يدنس البشرية كلها مثلما يجري في سوريا بين نصرة الظالمين بعضهم لبعض، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (الأنفال: 73)، وتخاذل المسلمين والمجتمع الدولي عن نصرة هؤلاء عملياً، وقد بات واضحاً أنه لا حل للأزمة سوى دخول الجيوش التي تسمي "العربية" وتفعيل ليس لجنة المراقبين، بل اتفاقية الدفاع المشترك في الجامعة العربية فإن لم يحدث لم يبق أمام علماء أهل السنة إلا إعلان الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة وتخرج المرأة بغير إذن زوجها والولد بغير إذن أبيه، وأن يواجهوا الجيوش الفارسية أو المتفرسة التي استعادت وزادت عن الحوادث التاريخية التي كان الموت فيها صبراً بتجريد الأجساد وذبح الرؤوس وسلخ الجلود وتقطيع الأجساد. وهنا أحب أن أهمس في أذن كل أم وأب عُذب وذٌبح ولدهما وفلذة كبدهما أن المشركين لما هددوا خُبيباً بأن يمثِّلوا بجسده بعد موته فاجأهم بهذا الصبر والجلد القوي عندما قال لهم:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً *** على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أشلاء شلوٍ ممزع
لكن العجيب في القصة أن سعيد بن عامر شهد القصة وهو كافر ولما أسلم وصار والي حمص الشام كان يُغشى ويُغمى عليه طويلاً، ولما شكوه لعمر أمير المؤمنين –رضي الله عنه- فسأله فقال: "يا أمير المؤمنين، كلما ذكرت يوم أن رأيت خبيبًا يقتل أمامي فلم أنصره في هذا اليوم يغشى علي خشية سؤال الله لي يوم القيامة لم خذلته"؟!. لقد رأيت في الرمثة بالأردن على الحدود مع درعا المنكوبة في سوريا منذ يومين وسمعت عدداً من المهجرين، كل عنده قصص من الآلام الحادة، ومنهم ذلك الأب الذي قتلوا ولده بالمسجد ومثلوا بجثته، ومنذ أيام أخذوا الولد الثاني من المسجد أيضاً بعد أن كتب الفارسيون المفترسون على جدران المسجد: "إنا عائدون"، وقال الأب: لقد ذبحوا ولدي بعد تعذيبه وأخذوا جثته، ولا نعرف أين هي حتى الآن؟، ولقد رأيتُ مع وفد العلماء من رابطة علماء أهل السنة مما لو أصغى الإنسان لبعض هذه القصص بمشاعره لأغشي علينا مرات، ولمُتنا كمداً لولا التجلد لدفع الأمة نحو النصرة الحقيقة لا الوهمية بتسليح الثوار في الداخل، والضغط على الأنظمة العربية أن تعتبر أن ما يحدث في سوريا لا يقل أبداً بل تعدى مظالم شعب الكويت على يد صدام حسين، فهل نجري القياس صحيحاً مرة واحدة؟!، لا بدّ من حراك حقيقي فيه النصرة السياسية مع العسكرية، والحناجر مع الخناجر، والأموال مع الرجال، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة: من الآية 71)، وإلا فلننتظر سؤالاً عسيراً يوم لقاء الله: لماذا خذلتم شعب سوريا؟!، على حين نصر عدوكم قوماً ظالمين. ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج على مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)) رواه البخاري.
المصدر: رابطة العلماء السوريين
عماد الدين خيتي
حسان الحموي
أسامة الخراط
عابدة فضيل المؤيد العظم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة