بشير زين العابدين
تصدير المادة
المشاهدات : 6673
شـــــارك المادة
ورد في البند الرابع من الدّستور السّوريّ: "الحرّيّة حقّ مقدّس، والدّيمقراطّية الشّعبيّة هي الصّيغة المثاليّة التي تكفل للمواطن ممارسة حرّيّته التي تجعل منه إنسانًا كريمًا قادرًا على العطاء والبناء، قادرًا على الدّفاع عن الوطن الذي يعيش فيه، قادرًا على التّضحية في سبيل الأمّة التي ينتمي إليها، وحرّيّة المواطن لا يصونها إلاّ المواطنون الأحرار، ولا تكتمل حريّة المواطن إلاّ بتحرّره الاقتصاديّ والاجتماعيّ".
وتكرّرت هذه المفاهيم السّامية في موادّ متعدّدة في الدّستور منها: 25/1: "الحرّيّة حقّ مقدّس، وتكفّل الدّولة للمواطنين حرّيّتهم الشّخصيّة، وتحافظ على كرامتهم وأمنهم. 28/3: "لا يجوز تعذيب أحد مادّيٍّا أو معنويًّا أو معاملته معاملة مهينة، ويحدّد القانون عقاب من يفعل ذلك". 31: "المساكن مصونة، ولا يجوز دخولها أو تفتيشها إلاّ في الأحوال المبيّنة في القانون". ونصّ البند الثّامن والثّلاثون منه على أن: "لكلّ مواطن الحقّ في أن يعرب عن رأيه بحريّة وعلنيّة بالقول والكتابة وكافّة وسائل التّعبير الأخرى، وأن يساهم في الرّقابة والنّقد والبناء، وتكفل الدّولة حرّيّة الصّحافة والطّباعة والنّشر وفقًا للقانون". (1) هذا هو مضمون الدّستور الذي جاء به حافظ أسد عام 1973! والذي دشّنه الرّئيس السّوريّ بعد الإعلان عن: "حركة تصحيحيّة" ثانية، أطاحت برفاق دربه: نور الدين الأتاسي، وصلاح جديد، ويوسف زعيّن، الذين كانوا قد أعلنوا عن: "حركة تصحيحيّة" سابقة في الثّامن والعشرين من شهر فبراير 1966، قضت على سلطة رفاقهم: أمين الحافظ وصلاح الدين البيطار! وتزامنت حركة حافظ التّصحيحيّة مع الإعلان عن إجراءات إصلاحيّة شاملة تتضمّن: تخفيف القبضة الأمنيّة عن البلاد، وإلغاء قوانين التّأميم المتشدّدة، وتحقيق مصالحة وطنيّة بين مختلف القوى السّياسيّة، والإعلان عن تشكيل جبهة وطنيّة تقدميّة، ودعوة المواطنين لانتخاب أول مجلس نيابي منذ عام 1961، وانتخب أسد بناء على ذلك رئيسًا للبلاد لمدة سبع سنوات. (2) إلاّ أنّ الانفتاح السّياسيّ كان يسير في خطٍّ موازٍ مع إجراءات أمنيّة مناقضة؛ فقد شنّ النّظام حملة منظّمة ضدّ المعارضة، وتورّطت أجهزة استخباراته في عمليّات خطف واغتيالات معارضيه، وبدا واضحًا للعيان زيف الشّعارات التي رفعها حاكم دمشق الجديد، الذي عطّل الحياة السّياسيّة، وأطلق العنان لمخابراته لتعتدي على المواطنين، وتنتهك حريّاتهم بموجب قانون الطّوارئ الذي ألغى جميع أحكام الدّستور. وعلى إثر ذلك؛ إذ شهدت المدن السّوريّة عمليّات عسكريّة واسعة، ارتكبت فيها فرق الجيش تصفيات دمويّة حصدت أرواح عشرات الآلاف من المواطنين، وتعرّضت مدينة حماة في شهر فبراير 1982 لأكثر عمليّات التّطهير الأمنيّ دمويّة؛ إذ قامت فرق الجيش السّوريّ، مدعّمة بالدّبابات والمدفعيّة الثّقيلة وراجمات الصّواريخ والطّائرات المروحيّة بحملة عمليّة عسكريّة واسعة، تبعتها عمليّة مسح لأحياء المدينة القديمة، قُتل فيها نحو (30) ألف نسمة أغلبهم من المدنيّين. في هذه الأثناء غصّت السّجون السّوريّة بآلاف المواطنين من مختلف المحافظات؛ فقد تحدّثت تقارير منظمّة العفو الدّوليّة عن امتلاء السّجون المدنيّة والعسكريّة والسّجون التّابعة لأمن الدّولة، ولجوء النّظام السّوريّ إلى تخصيص سجون خاصّة للنّساء في قطنا وفي الرستن بحمص، وعندما امتلأت هذه السّجون عن آخرها أودع المعتقلون في: زنازين الشّرطة، ومراكز التّوقيف، والثّكنات العسكريّة ومباني قوّات الأمن، وعندما كانت تحاصر القوّات المسلّحة أحياء بكاملها في حماة وحمص وحلب وغيرها من المدن كانت تستخدم أماكن مؤقّتة لتوقيف المقبوض عليهم في المدارس والمصانع والملاعب الرّياضيّة والمعسكرات التي يقيمها الجيش. وقد حاولت العديد من منظّمات حقوق الإنسان تقدير عدد المساجين السّياسيّين في سوريّة خلال الفترة: 1979-1982 من خلال إحصاء عدد السّجون الأمنيّة وسعتها، وبلغت الحصيلة عشرات الآلاف. (3) ما أشبه الليلة بالبارحة... في أجواء احتفاليّة بالقصر الجمهوريّ؛ تسلّم بشار أسد من اللّجنة المكلّفة إعداد مشروع الدّستور نسخة من هذا المشروع يوم الأحد 12 فبراير 2012، وأعلن عن تنظيم استفتاء شعبيّ للتّصويت عليه في 26 فبراير. ونصّ مشروع الدّستور في إحدى موادّه على أن: "يقوم النّظام السّياسيّ للدّولة على مبدأ التّعدّديّة السّياسيّة، وتتمّ ممارسة السّلطة ديمقراطيًّا عبر الاقتراع، وتساهم الأحزاب السّياسيّة المرخّصة، والتجمّعات السّياسيّة الانتخابيّة في الحياة السّياسيّة الوطنية"، كما خلا مشروع الدّستور من ذكر أي دور قياديّ لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ الذي يحكم البلاد منذ عام 1963، حيث أكّدت المادة الثّامنة منه أنّ: "النّظام السّياسيّ للدّولة يقوم على مبدأ التّعدّديّة السّياسيّة، وتتمّ ممارسة السّلطة ديمقراطيًّا عبر الاقتراع". وتقضي المادّة الثّامنة والثّمانون من مشروع الدّستور بأن: "يُنتخب رئيس الجمهوريّة لمدة سبعة أعوام ميلاديّة، تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرّئيس القائم، ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهوريّة إلاّ لولاية واحدة تالية". وجاء هذا الإجراء بعد قرار بشار إلغاء حالة الطّوارئ في شهر أبريل 2011، وتبنّي قانون يسمح بالتّعدّديّة السّياسيّة في شهر يوليو الماضي. لكنّ بشار يأبى إلاّ أن يسير على خطا والده؛ إذ تزامنت الإصلاحات النّصيّة التي سُلّمت إليه في فقاعته اليوطوبيّة بالقصر الجمهوريّ مع أعنف قصف مدفعيّ تُدكّ به أحياء حمص، وبالتّزامن مع عمليّات اجتياح عسكريّ لمدن: حماة، وحلب، ودير الزور، ودرعا، وإدلب، واللاذقية، وريف دمشق. وعرضت أجهزة الإعلام تباشير إصلاحات بشار الدّستوريّة على وقع نداءات الاستغاثة، ومشاهد الأشلاء الممزّقة، وصور القتلى من النّساء والأطفال الذين ذُبحوا على يد شبيحة النّظام، وآلاف الشّهداء والجرحى واللاجئين، وملايين المهجّرين الذين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم. لقد حظي بشار أسد بعشر سنوات من الحكم لم يبد فيها أيّة مظاهر انفتاحيّة؛ بل إنّه أشرف بنفسه على قمع منتديات الحوار التي ظهرت عام 2000، فيما سُمّي آنذاك بربيع دمشق. وفي شهر فبراير 2002 أحال مجموعة من قادة الأجهزة الأمنيّة إلى التّقاعد، وأجرى حركة تصفيات واسعة في المؤسّسة العسكريّة في شهر يونيو 2004، لكن حركة التّعيينات الجديدة رسّخت سلطة أصهاره وأقاربه وأبناء خالاته وعمومته وأفراد عشيرته. ورسّخ الوريث سلطة والده الشموليّة في انتخابات عام 2007 عن طريق زيادة عدد المقاعد المخصّصة لحزب البعث على حساب الجبهة الوطنيّة والمستقلّين، كما أُعيدت في العام نفسه مسرحيّة الانتخابات الرئاسيّة التي عملت أجهزة الإعلام والاستخبارات على إظهارها وسط ابتهاج شعبيّ كبير بفوز المرشّح الأوحد للرّئاسة وبنسبة لا تختلف كثيرًا عن سابقتها. فما هو الانفراج الكبير الذي سيحقّقه الدّستور الجديد في ظل هيمنة أجهزة الأمن، وتغوّل المؤسّسة العسكريّة، وانتشار فرق حماية النّظام التي تستهلك موارد البلاد ولا تحقّق لها الأمن والاستقرار؟ إنّ دعوات الحوار مع نظام دأب على اتّخاذ إجراءات شكليّة واستحداث تعديلات نصيّة، قد أصبحت ضربًا من العبث الذي يلجأ إليه النّظام لتجنّب أيّ تغيير فعليّ يمكن أن يؤثّر على التّوازنات العشائريّة لوريث غِرّ ضيّع ملك والده. لقد أدرك الشّعب السّوريّ أنّ حسابات بشار أسد الإصلاحيّة تقوم على معادلة قديمة باتت صفريّة المجموع. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يوسف خوري (1979) الدّساتير في العالم العربي، بيروت، ص. ص 313-322، وقد دعي المواطنون للتّصويت على الدّستور في 12/3/1973، وكانت النّسبة المعلنة للموافقين الدّستور: 97. 6 بالمائة. (2) أُعيد انتخاب حافظ أسد رئيسًا للجمهوريّة أربع مرات، حيث انتخب في فبراير 1978 لفترة رئاسيّة ثانية، وانتخب في فبراير 1985 لفترة رئاسيّة ثالثة، وانتخب في فبراير 1992 لفترة رئاسيّة رابعة، وانتخب في فبراير 1999 لفترة رئاسيّة خامسة، وفي جميع هذه الانتخابات كان حافظ أسد هو المرشّح الوحيد، وكان يحصل على نسب تتجاوز 99 بالمائة. (3) اللّجنة السوريّة لحقوق الإنسان (1999) تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في سورية، د. ن، ص. 176.
أحمد أرسلان
موسى الزعبي
أبو أمجد
عبد الغني محمد المصري
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة