أمير سعيد
تصدير المادة
المشاهدات : 10927
شـــــارك المادة
في اليوم الأول لانشقاق العميد مصطفى أحمد الشيخ عن الجيش الأسدي، كتبت محذراً من الرجل؛ فقد لاحظت في بيان انشقاقه لأول وهلة ثلاثة أمور بالغة الخطورة:
الأمر الأول: تجنبه للحديث عن أنه انضم للجيش السوري الحر، مع أنه ليست هناك حركة مقاومة مسلحة غيره ضد الطغيان الأسدي. الأمر الثاني: حديثه عن "الدولة المدنية"، وهو حديث مشبوه غير مألوف في خطابات الجيش الحر، ويقفز به إلى مرحلة ما بعد بشار دون النظر إلى الحالة الراهنة، وكأن المهمة قد بدأت مبكرة. الأمر الثالث: المبالغة في طمأنة الطوائف السورية بأنها ستكون متساوية ولها حقوقها في سوريا ما بعد بشار، والمثير هو المبالغة وليس مبدأ الطمأنة بالأصل قطعاً. هذا علاوة على أن لغة الخطاب برمته، كانت تختلف جذرياً عن اللغة التي يستخدمها المنشقون عادة في الجيش الأسدي حين انخراطهم في صفوف الجيش الحر، والتي تبدو ثائرة ومتحدية، ويظهر فيها الولاء الواضح للحركة المسلحة، وبدت وكأنها تطابق بيانات الانقلابيين والمجالس العسكرية المنخرطة في السياسة بعد الثورات، وتتسم بهدوء وحديث فضفاض يحمل عبارات ملتبسة، وقد كان لافتاً أيضاً أن يخرج العميد وحده منفرداً في المقطع المرئي، وهو أمر مألوف، ولا يدعو للتخوين، لكنه خلاف ما حصل من انشقاقات جماعية في تلك الفترة بالذات. وحين فعلت، لم تكن في الحقيقة لدي معلومات خاصة ولا مؤكدة، ولكني هرعت حينها إلى صفحة الجيش السوري الحر على الفيس بوك، وهي صفحة بالمناسبة كثيراً ما تتعرض للإزالة لأتلمس مدى "احتفاء" الجيش الحر بالعميد المنشق؛ فوجدتها لم تفعل، وتجاهلت هذا الانشقاق، ما زاد الريبة كثيراً من عملية الانشقاق ذاتها وأهدافها. وما هو إلا يوم أو اثنين، والعميد يعلن عن تشكيل ما يُسمى بالمجلس الأعلى العسكري، كما لو كان قد خرج من الجيش الأسدي لتنفيذ مهمة محددة، لا تمهله حتى أياماً ليدرس حال الجيش السوري الحر، وما إذا كان صالحاً لتلبية طموحاته في "التحرير" أم لا؛ فلم يبرح أن شكل هذا المجلس، الذي لم يستطع أن يجد له تفسيراً مقنعاً لتسويقه، ما أثار شك الجيش الحر والثوار الحقيقيين على حد سواء، خصوصاً أن اسم التشكيل الجديد يعني تلقائياً أنه سيكون أعلى هيئة عسكرية في مرحلة ما بعد بشار، وهو شبيه باسم المجالس العسكرية التي تولت حكم بلاد ما بعد الثورات، ولم تزل في السلطة الحقيقية حتى الآن. ومثلما تم تشكيل هيئة التنسيق للإيحاء بانقسام المعارضة السورية، والتذرع لاحقاً بعدم توحد المعارضة التي يمكن دعمها دولياً في إسقاط النظام؛ فإن الحديث سيتكرر عن هذا التشكيل الجديد رغم عدم تمثيله إلا لعناصر محدودة من العسكريين؛ إذ يجري الآن تضخيم قيمة هذا المجلس ورئيسه، مصطفى الشيخ في الصحافة العالمية على نحو يبعث إلى الريبة الشديدة، ومن يقرأ العبارة التي كتبتها صحيفة "فايننشال تايمز" (9/ فبراير الحالي) والتي تقول: إن "زعماء المعارضة السورية يحاولون احتواء خلاف بين أرفع ضابطين سوريين ينشقان عن الجيش النظامي، في إطار مساعي دعم المعارضة المسلحة لنظام الرئيس بشار الأسد"، يتصور أن الضابطين انشقا معاً مثلاً، أو أن لهما القيمة العسكرية ذاتها على الأرض، أو أن المعارضة الحقيقية ترضى بهذه القفزة التي يريد إحداثها مصطفى ليتصدر المشهد لحسابات لا تخدم الثورة السورية. والحق أن العميد الذي ينتمي إلى أسرة ظلت قريبة من قصر الأسد، وتولى منصباً حساساً يتحكم في منطقة حدودية لا يمكن تسليم زمامها إلا لـ"الأوفياء"، ولم يحدث انشقاقه أي خرق في الجيش الأسدي، ولم يرافق انشقاقه أي محاولة لتفجير الوضع في منطقة إدلب، ولم يخرج من الجيش إلا بجسده برغم قوة الصلاحيات التي كان يمكن بموجبها أن يفيد المنشقين ويحفز آخرين على الانشقاق أو يساهم في تسليح الجيش الحر، هذا العميد، لم يبعث انشقاقه اطمئناناً لدى آخرين لا يمكن اتهامهم في وطنيتهم وحبهم لسوريا كالعقيد رياض الأسعد قائد الجيش الحر، الذي كرر مراراً تأكيده على أنه ليس ثمة جهة أخرى تتحدث باسم المنشقين سوى الجيش السوري الحر، وكرياض الشقفه المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية الذي كان أكثر وضوحاً حين قال: "لا توجد قيادة للعسكريين المنشقين سوى العقيد رياض الأسعد ونحن ننسق معه فقط، أما مصطفى الشيخ فهذا فقاعة". والعميد، كما بدا من مقابلة أجرتها معه فضائية بردى السورية الثورية، لم يتمكن من تبرير عملية شق الجيش الحر التي شرع في تنفيذها، مردداً الحجة ذاتها عن تكوينه لإطار يستوعب أصحاب الرتب العليا المنشقة حديثاً لاستيعابها، أي بمعنى أدق: تنفيذ عملية فصل وفرز بين الجيش الحر وكل منشق جديد يفوق العقيد الأسعد رتبة، وبالتالي تكوين قيادة تتحدث باسم العسكريين المنشقين، وهي لم تشارك في أي جهد مقاوم لاسيما في الأيام الأولى العصيبة لتكوين هذا الجيش البطل. والذي لم يقله العميد صراحة، وألمح إليه فقط بترداده للحديث عن "الدولة المدنية" و"حقوق الطوائف"، أن "المجتمع الدولي" المنزعج من صيحات التكبير الصادرة عن قيادات وكوادر وعناصر الجيش الحر، وانخراط مدنيين مؤمنين بهوية سوريا الحقيقية، سيظل يبحث عن بديل، حين يضطر الغرب إلى التعامل مع العسكريين المنشقين وربما تسليحهم أو فرض حظر جوي لمصلحتهم، وسيجبر حينها قيادة الجيش الحر على القبول بـ"التفاهم" مع هذا التشكيل الجديد، الذي هو في الحقيقة، لحد الآن، لم يطلق رصاصة واحدة ضد جيش السفاح! وما تقدم، ليس من وحي الخيال، بل يمكن تلمس خطورته وجديته في تقرير الصحيفة البريطانية الذي جاء فيه "أن مسؤولين من المجلس الوطني السوري المعارض يعملون على التوصل إلى حل وسط من شأنه أن يبقي العقيد الأسعد قائداً للجيش السوري الحر ويستحدث مجلساً عسكرياً أعلى يضم الضباط المنشقين من الرتب العليا ويكون مفتوحاً أمام الضباط من الرتب نفسها الذين ينشقون في المستقبل"، والأفدح هو ما زادته الصحيفة نقلاً عمن زعمت أنه مصدر مقرب من الأسعد: "لسان العقيد الأسعد يزل في بعض الأحيان، غير أن الجيش السوري الحر ليس جيشاً حقيقياً لذلك نرى أن الشخص المناسب هو الأعلى رتبة، لأن هذه ثورة"! فإذا ما صح ذلك؛ فإننا إزاء محاولة للقفز على قيادة الجيش الحر يساهم في تنفيذها "مسؤولون" في المجلس الوطني، الذي تراجع تمثيل "الإسلاميين" فيه إلى الربع في الفترة الأخيرة. وخلاصة القول، أن لا أحد في الغرب، وربما في المنظومة العربية التابعة، راضٍ عن هوية الجيش السوري الحر، ولا بدّ -في تقديرهم- من العمل على تغيير هذه الهوية إن أريد لهذه الثورة بعنصريها السياسي والمسلح أن تنجح، وستتواصل تلك الضغوط من أجل تركيع الجيش الحر، وهي الآن حاصلة؛ فما ترك مذبحة حمص والزبداني ومضايا إلا دليلاً على ذلك..
المصدر: موقع المسلم
مهنا الحبيل
الطاهر إبراهيم
حسام عيتاني
المسلم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة