صالح القلاب
تصدير المادة
المشاهدات : 3182
شـــــارك المادة
ليست هذه الحالة مقتصرة على الثورة السورية وحدها، بل إن كل ثورات الربيع العربي قد فاجأت شعوبها وفاجأت الحكام الذين استهدفتهم والأنظمة التي أطاحتها وهي تتشابه في أنها تفجرت من دون قيادات مخططة ومن دون قوى منظمة ومن دون تصورات مسبقة، وأيضاً في أن الذين اتخذوا موقفاً انتظارياً في البدايات ليتأكدوا من إمكانيات الفوز ما لبثوا أن قفزوا إلى واجهة الأحداث ليقطفوا ثمار كل هذا الذي جرى وليفوزوا بصناديق الاقتراع وحقيقة أن هذا مرت به ثورات كثيرة عبر التاريخ القريب والبعيد. وهنا فإن الإنصاف يقضي بضرورة الإشارة إلى أن "الإخوان المسلمين" السوريين يختلفون عن إخوانهم المصريين وعن إخوانهم التونسيين، هذا إذا اعتبرت حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي جزءاً من هذه العائلة "الإخوانية"، في أنهم كانوا جزءاً من الثورة السورية منذ انطلاق شرارتها الأولى في الخامس عشر من مارس –آذار- العام الماضي، إذ إن لهم بالأساس تجربة تختلف عن تجارب الآخرين، وإذ إن بعض الذين من المفترض أنهم إخوانهم قد تخلوا عنهم في محنتهم التي استمرت لأعوام طويلة وانحازوا إلى هذا النظام الأسدي وإلى إيران، بحجة أن هناك حلف "ممانعة ومقاومة"، وأن حركة حماس -والتي هناك تقديرات ومعلومات بأنها ستتحول إلى حزب سياسي فلسطيني بعدما فكت علاقاتها التنظيمية بتنظيم بلاد الشام الإسلامي، وأصبحت فرعاً من فروع التنظيم العالمي لهذه الجماعة الإسلامية- كانت جزءاً من هذا الحلف مثلها مثل حزب الله اللبناني بقيادة حسن نصر الله. ولعل ما يشير إلى أن "إخوان" سوريا ربما يتمتعون باستقلالية سياسية وتنظيمية عن "إخوان" مصر و"إخوان" الأردن، وأيضاً عن "إخوان" بلاد الشام والتنظيم العالمي لـ"الإخوان المسلمين"؛ أن لهم علاقات مميزة بحزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، وأنه لم يسجل عليهم أي موقف رافض للتصريحات التي كان أدلى بها رئيس الوزراء التركي في آخر زيارة له إلى القاهرة، والتي روج فيها لضرورة "علمانية" الدولة، وهي التصريحات التي ووجهت ليس بالرفض فقط وإنما بالشتائم والاتهامات من قبل "الإخوان المسلمين" المصريين، وأيضاً من قبل بعض قيادات "الإخوان المسلمين" الأردنيين. والواضح حتى الآن أن "إخوان" سوريا الذين لم يبدر عنهم أي ادعاء بأنهم هم الذين يقودون الثورة السورية، أو أنهم هم الذين يشكلون عمودها الفقري، ستكون لهم تجربة مختلفة عن تجربة "إخوان" مصر وتجربة حركة النهضة التونسية في حال انتصار الثورة السورية التي ستنتصر بالتأكيد، وأنهم سيقفون مع الآخرين من قوميين ويساريين ووطنيين مستقلين على أرضية الشراكة في كل شيء، والسعي منذ اللحظة الأولى إلى الانخراط في تجربة مميزة عنوانها إقامة نظام ديمقراطي على أساس الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وأن تكون الدولة البديلة الجديدة دولة حريات عامة، ودولة مواطنة حقيقية، ودولة عمليات بناء يشارك فيها السوريون جميعهم بكل توجهاتهم والتزاماتهم التنظيمية والسياسية، وبكل طوائفهم وانتماءاتهم المذهبية والإثنية. إن سوريا بتجربتها الطويلة منذ أول انقلاب عسكري في نهايات عقد أربعينات القرن الماضي وإلى أن انتهى الحكم إلى عائلة "الأسد" التي استبدت بهذا البلد العريق وبشعبه المتميز لأكثر من أربعين عاماً لا يمكن أن تقبل باستبدال نظام ديكتاتوري يرفع شعار الوحدة والحرية والاشتراكية بنظام حزب أوحد آخر ولكن بشعارات دينية ترفض التغيير ولا تقبل النقاش والمؤكد، وهذه مسألة بالإمكان اعتبارها محسومة. إن الشعب السوري بعد كل هذه المعاناة وبعد كل هذه المآسي وبعد كل هذه التضحيات وكل هذه الأعداد من الشهداء والجرحى والمفقودين لن يقبل بأقل من تجربة ديمقراطية حقيقية، ولا بأقل من دولة علمانية – مدنية- فعلية، ولا بألا تكون دولته التي حلم بها لنحو قرن بأكمله لكل مواطنيها بغض النظر عن ميولهم والتزاماتهم السياسية وعن انتماءاتهم العرقية والإثنية والطائفية والمذهبية والدينية. ويبقى -ونحن بصدد الحديث عن واقع الثورة السورية ومستقبل سوريا بعد انتصار هذه الثورة التي ستنتصر حتماً بإذن الله ومشيئته- أنه لا بدّ من التوقف عند الأسباب التي جعلت نظام بشار الأسد يصمد كل هذه الفترة التي باتت تقترب من العام الكامل في حين أن نظام زين العابدين بن علي قد انهار خلال أسابيع قليلة، وأن نظام حسني مبارك لم يصمد في وجه ميدان التحرير في حقيقة الأمر إلا لأيام معدودات، وأن نظام القذافي -ملك ملوك أفريقيا- الذي كانت بعض التوقعات تشير إلى أنه سيصمد لفترة أطول بحكم عوامل قبلية وجهوية وجغرافية كثيرة، قد انهار بطريقة كارثية، وأن "الأخ قائد الثورة" قد انتهى بطريقة مأساوية خلافاً للطريقة التي انتهى بها رئيس جارته الشرقية ورئيس جارته الغربية. هنا لا بدّ من إيراد ملاحظة والتوقف عندها وهي أن القوات المسلحة -إن في تونس وإن في مصر- قد بادرت إلى حسم موقفها بسرعة بالانحياز إلى الثورة هنا وهناك، وذلك إلى حد أنه يحلو للبعض القول: إن ما جرى في مصر ضد حسني مبارك كان انقلاباً عسكرياً استغل منفذوه ما تعرض له شبان ميدان التحرير من بطش أجهزة النظام السابق و"بلطجيته" وقواته الأمنية، وأنه لو لم تتحرك القوات البرية التونسية وتحسم الأمور وتضع ابن علي وزوجته في طائرة وترسله إلى اللجوء السياسي لما انتهى الأمر بهذه السرعة، ولربما استجدت عوامل داخلية وخارجية جعلت الثورة التونسية تستغرق وقتاً كالوقت الذي لا تزال تستغرقه الثورة السورية وهذا ينطبق أيضاً على الثورة المصرية. وإن هذا يؤكد وجهة النظر التي تقول: إن بنية الجيش المصري -وأيضا الجيش التونسي- تختلف عن بنية الجيش السوري، فهذا الأخير بني على مدى أكثر من أربعين عاماً في عهد الأسد الأب وعهد الأسد الابن على أسس طائفية جعلت ولاءه -وبالقوة وعلى أساس الأمر الواقع- ليس للوطن ولا للشعب للأسف، وإنما لهذا النظام وأهل هذا النظام، وجعلت الوطنيين المخلصين من ضباطه وجنوده يلجؤون إلى الانشقاق والفرار وإنشاء "الجيش السوري الحر"، وهذا حرم الثورة السورية من الدعم العسكري السريع الذي توفر للثورة المصرية وللثورة التونسية.. وأيضاً -وإن بحدود معينة- إلى الثورة اليمنية والثورة الليبية. ثم وإن هناك عوامل أخرى غير هذا العامل جعلت الثورة السورية غير قادرة على الحسم السريع، وجعلت معاناة الشعب السوري تستمر على مدى كل هذه الفترة منذ مارس العام الماضي وحتى الآن، وربما لفترة قد تطول لسنة كاملة أخرى، من بينها؛ أن الوضع العربي تجاه ما جرى في سوريا ظهرت فيه اختراقات كثيرة، وأن إيران ومعها حزب الله وبعض الأطراف العراقية الحاكمة قد دخلت هذه المواجهة منذ اللحظة الأولى، وكل هذا؛ وهناك الموقف الروسي والموقف الصيني اللذان حالا دون إصدار أي قرار فاعل من قبل مجلس الأمن الدولي، وهناك أيضاً؛ أن هذا النظام قد استكمل الإفراط بالقوة العسكرية والعنف الأمني بألاعيب ومناورات سياسية وضعت المزيد من المبررات في أيدي "المؤلفة قلوبهم" من العرب لقطع الطريق على أن تتخذ الجامعة العربية موقفاً حاسماً كذلك الموقف الذي اتخذته تجاه ليبيا وتم على أساسه الاستنجاد بحلف الأطلسي لمنع مذبحة في بنغازي؛ كالمذبحة التي تعرضت وتتعرض لها مدينة حمص ومدن سورية أخرى. إن هذا هو الواقع بالنسبة للثورة السورية -ثم إن هناك من يرى أن تأخر الحسم في سوريا كل هذه الفترة- يعود أيضاً إلى أن تحول هذا البلد إلى ساحة صراع إقليمي ودولي قد جعل الاتفاق على بديل لهذا النظام وعلى بديل لرئيسه بشار الأسد مسألة في غاية الصعوبة، فإيران تعتبر أن هذه المعركة معركتها وأنه سيتوقف على نتائجها مستقبل دورها الإقليمي في المنطقة كلها، وتركيا لديها تخوفات تجاه مستقبل هذه الدولة المجاورة في ضوء واقع المعارضة وفي ضوء التركيبة الطائفية والإثنية القائمة، وأيضاً فإن هناك إسرائيل، وإن هناك الولايات المتحدة التي يبدو أنها لا تملك وضوح رؤية فعلية وحقيقية تجاه هذا الوضع، وهذا ينطبق أيضاً على أوروبا، وينطبق إذا أردنا قول الحقيقة على بعض الدول العربية.
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
هنري ممارباشي
أحمد أبازيد
محمد بسام يوسف
بشير البكر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة