..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الثورة السورية.. المرحلة المركزية

مهنا الحبيل

٥ ديسمبر ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3254

الثورة السورية.. المرحلة المركزية
111.jpg

شـــــارك المادة

في إطار التحليل السياسي المطلق لا يمكن أن نتجاوز حقيقة مهمة؛ هي أن كل مراحل صعود الثورة السورية كان فيها بطلٌ وحيدٌ أمام كامل المسرح العربي والإقليمي والدولي، وهو تضحيات الشعب التي لا نستطيع أن نسميها أقل من أسطورية، وتفاني المدن السورية في حملات مواجهة بصدورها العارية وبكل فئاتها العمرية، حيث رفعت قضيتها الوطنية ودحرجتها عبر الفدائية الضخمة إلى مرحلتها الجديدة التي كسرت إرادة النظام وثبتت إرادة الشعب.
وإعادة رسم خريطة التفاعل تعطينا مؤشراً واضحاً يبيّن كيف أن هذه الثورة الشعبية صعدت بمراحلها بدءًا من إعلان موعد الثورة والالتفاف الشعبي الأولي العفوي البسيط، ثم الانتقال إلى قرار المواجهة مع النظام بعد مذبحة درعا وقرار الانتقال إلى إعلان سقوط النظام بعد ظهور الحقيقة الكبرى بأن هذا النظام ليس لديه إلا خيارين؛ يَقتُل أو يَقتُل، أي أنه يَقتُل في كلا الحالتين. لكن قتله هنا يواجهه مشروعاً ثوريا لحرية سوريا، وهناك دماءٌ بلا ثمن.
وحققت الهيئات الثورية والتنسيقيات قيادة مدنية وسياسية لم تكن تكتفي بحرب الفداء السلمية ولكنها كانت تنقل ملفها السياسي وتعلن كل جمعة محطة جديدة من تطور حراك الثورة، وهو ما شجع المعارضة في المهجر على الانتظام في سلك المجلس الوطني السوري بوصفه غطاءً رسمياً لسوريا الجديدة.
كما اضطر المحور العربي والتركي للتعامل معه، أي أننا شهدنا إدارة مميزة لهذه الثورة رغم أن سلاحها لم يكن إلا الفداء والإصرار على الحرية، وهذه المرحلة حَسمت خيار التوجه إلى المرحلة المركزية من خلال الحصار الدولي السياسي وحماية المدنيين وحرب نوعية جديدة للثورة السورية ستأخذ مفصلاً مختلفا عن باقي التجارب.

المجلس المسار الدقيق:
وقد تحققت الآن بالفعل إقامة الشرعية الدستورية والتمثيل السياسي للحكم الانتقالي السوري وغطاء المرحلة في المحفل الدولي عبر المجلس الوطني السوري، وكان إنجاز هذا الملف مهمًّا للغاية رغم تأخره.
ولا يُمكن التقليل منه رغم كل الأخطاء أو ضعف الصياغة التي تصدر من أطراف المجلس لاعتبارات الخبرة وقوة التواطؤ الدولي والإقليمي الذي بدأ يتفكك رغم إصرار تل أبيب وطهران على أن سقوط النظام خطر عليهما، وهو ما تؤكده وسائل الإعلام في العاصمتين وتصريحات مسؤوليهم، إلاّ أنّ إيمان الغرب بحتمية السقوط بدأ يصعد، وبالتالي فكك هذه العقيدة إلى تقدير مصالح ومخاطر جعل الغرب يخشى استمرار التمسك بالرؤية الإسرائيلية.
وعليه فإن هناك فرصاً عديدة للحراك الدبلوماسي التقطها وسيلتقطها المجلس الوطني حتى مع مكابرة موسكو التي تنتظر قيمة صفقة أكبر، ولم ولن يعنيها حجم الدماء المتدفق من الشعب لكن سيبقى تأثيرها محدوداً مع التطورات الأخرى العربية والإقليمية، ومن المهم أن يتجاوز المجلس قضية الدفع بهيئة التنسيق الوطني إلى المشهد العام، وبغض النظر عن النوايا فإن استثمار تشكيك الهيئة في المجلس وثوار الداخل يخدم النظام وأطرافا أخرى.
وهناك مخاوف مشروعة حول التدخل العسكري الدولي لدى بعض أطرافها لكن الإشكال في تضخيم الهيئة لهذا التدخل العسكري الذي لم يحدث، فالآن الحديث عن حماية دولية رقابية للمدنيين بقرارات سياسية وبرنامج أرضي تنفيذي بدعم إقليمي بين العرب والأتراك وهو الخيار الوحيد الذي يعزل التوغل في التدخل العسكري، في حين أن ما يجري على الأرض هو عمليات ذبح يومية تسبب جدلاً حول الهيئة وتعطيل الرؤية الإعلامية والسياسية لها من قبل العالم واستخدامها مبرراً للمناورة.

محاور سياسية إستراتيجية:
أهم أمر هنا هو ضرورة أن لا يدخل المجلس في صراعات جدلية مع الهيئة ولا يهاجمها ويتفرغ لبرنامجه العملي، ولا يُستدرج لبعض الخطط التي تسعى لصرف النظر عن الثورة بدورات جدل عبثية مع الهيئة، الجانب الثاني أن يتعامل مع الإنجازات مع بطئها بواقعية سياسية تضمن استمرارها وتدفقها.
فقرار جامعة الدول العربية ركيزة مهمة لما بعده وإن لم يكن على مستوى الحدث أو متطلبه الزمني، ثم قرار الأمم المتحدة وإدانة لجنة حقوق الإنسان، ثم التصعيد النوعي لتركيا على النظام وتقدم بعض دول الخليج العربي إلى خطوة أكثر وضوحا للمفاصلة مع النظام.
فهنا حراك سياسي يحمل حجم الألم والأنين وصرخات الضحايا لربط البرنامج العام لتصاعد الثورة مع مفاصل الجسور السياسية لدعم قضيتها.
وهي لغة عميقة جداً لدى ثوار الداخل رغم المآسي، لكن على المجلس أن يُصعّد من هذا الاستثمار السياسي الذي يربط قرار الجامعة العربية بالتأسيس لإدانة دولية قوية تعطي غطاءً لمشروعية منطقة العزل في تركيا، وتستثمر قلق النظام الرسمي في الخليج العربي لدعم هذا الغطاء والتنسيق التركي الخليجي لتنفيذ المشروع، وهو ما بدا يُسرب في الصحافة التركية أنه خيار يمكن أن تتبناه أنقرة في أي وقت.
مشروع الغطاء التركي:
هذه المرحلة هي المرحلة المركزية التي بدا من خلالها تشكل مشروع بالإمكان تنفيذه وصدرت معطيات جديدة لتوجه تركي وعربي وهو المطلوب التعجيل به ودفع الأطراف المتعددة إلى تبنيه، ولا يوجد عبر الرصد المستمر والدقيق أي نوايا لتدخل مباشر لحلف الأطلسي، وإنما هذا الضجيج يتبادله النظام وجهات دولية لتصعيد أوراق الضغط بينهما، ولتبرير النظام، وإعلام المحور الإيراني مذابح الشعب.
السيناريو الذي بدأ يتفاعل يتوجه إلى إعلان المنطقة العازلة على طول الحدود التركية، وهو ما يعني عشرات الآلاف من الكيلومترات يؤمّن بها ملايين من المدنيين وفي ذات الوقت تم توثيق معلومات عبر اتصالات ذكرتها قيادة الجيش الحر وتقارير متعددة وشهادات لضباط متقاعدين في المنفى كلها تواترت على أن قيادات ومجموعات عسكرية عديدة وكثيفة ستتقدم إلى المنطقة العازلة للانضمام للجيش الحر أو للجوء السياسي.
ولذلك كان النظام فزعاً جداً من هذه الأنباء التي دعته إلى التسريب الإعلامي المكثف بأنه نشر الجيش في مواجهة المنطقة المقترحة في وقت قصير رغم أن الشهود كذبوا هذا الأمر، ومع التأكيد بأنه سحب بالفعل بعض قطاعاته من الجولان لكنه لا يستطيع سحب قطاعات كبيرة من المدن السورية؛ لأن مهمة الجيش الآن هي القمع المباشر للشعب بعد عجز الأجهزة الأمنية.
وهو ما يفسر شيوع أنباء استعانته بمليشيات من العراق ولبنان لتغطية هذا الفراغ، لكن هذه المليشيات لا يمكن أن تصمد؛ لأنها الآن لا تواجه ولا تقتل إلا أبناء الشعب وهم من يواجه النظام.
المهم هو مركزية إعلان المنطقة العازلة وتأثيرها الإستراتيجي العميق على النظام، وما تسرب من مصادر عدة هو أن سلاح الجو التركي بدعم عربي –وقيل: بمشاركة لسلاح الطيران السعودي- سيقوم بمواجهة قصف محتمل لطيران النظام لمخيمات اللاجئين في المنطقة العازلة.
الجيش الحر.. كلمة السر:
في حين سيكفل القرار الأممي غطاء دولياً لتركيا ذا صلاحية واسعة لهذه المنطقة لتأمين المدنيين، لكن المهم على صعيد المرحلة المركزية هو استثمار الجيش السوري الحر لهذه المساحة في الدعم اللوجستي، وتأمين مدنييه وشعبه، وهو دور متعاظم للجيش الحر وله أهمية قصوى وتكامل مع الثورة السلمية -وإن كان مستقلاً عنها-، حيث سيلعب دورًا مركزياً في إسقاط النظام بعد أن تراجع خيار ثورة الداخل بالزحف المدني على المواقع الحيوية تقديراً لحجم الضحايا التي سيقدمها الشعب.
ولذلك على جميع الأطراف تقدير هذه المهمة الحيوية للجيش الحر الذي سيمهد بصورة كبيرة للعميلة التنفيذية لإسقاط النظام؛ فيكون التكامل قائماً بحيث يقود ثوار الداخل الشارع المدني للتمرد على النظام، والمجلس الوطني التغطية السياسية الدولية وتهيئة المشروع الانتقالي الديمقراطي السلمي، والجيش الحر يواجه أيضاً آلة القمع الوحشية للنظام، ويؤمّن القوة العسكرية اللازمة للاستقلال الوطني القادم.
ولا ينبغي أن يتأثر أي طرف بتضخيم المخاوف من الجيش الحر وإدارة الشبهة الطائفية التي يغرق فيها النظام مع حلفائه، والتي أُبطلت بالمشهد التنفيذي الواقعي وخاصة بعد أن أحدث الجيش الحر عملية توازن رعب مهمة جداً، وذلك من خلال استهدافه للمجموعات العسكرية والشبيحة المتورطة في استباحة المدن واغتصاب النساء وقتل الأطفال.
في المقابل لم يستهدف أي منزل أو حي أو فرد على أساس طائفي، ولكن طبيعة تورط النظام وإيران في التوغل الطائفي تجعلهم يثيرون هذه القضية لتكون اتجاها معاكسا لتحقيق بلبلة لصالحهم.
ويجب هنا على المجلس الوطني أن يؤكد أنه يحترم خيار الجيش الحر الذي يحمي المدنيين، وتضحياته وشهداءه، وأنه لا يمكن أن يُطلب منه التبرؤ من حماية الجيش الحر للمدنيين في حين أن النظام يقتل شعبه، وأن الجميع يعلم أن المجلس لم يكن مسؤولاً عن الجيش الحر ولكنه أخذ التزامات واضحة أعلنها الجيش الحر له ولكل الأطراف بأنه يسعى لحماية المدنيين، وأنه يدعم بقوة الانتقال السلمي للسلطة، فمن يعطل هذا المسار الجيش الحر أم النظام الذي يحاور الشعب بقتل أطفاله؟
تكامل الأضلاع:
من هنا تكتمل صورة أضلاع المرحلة المركزية التي توشك الثورة أن تدخل فيها، ومسؤولية العرب أن يدعموا هذا الصمود والحراك الوطني المستقل بأكبر قدر من الإمكانيات، وخاصة التركيز على تعجيل أنقرة بالتقدم إلى هذه الخطوة بالغطاء والشراكة العربية الفاعلة، وهي المساعد -بإذن الله- على تحييد أي سيناريو آخر مع ضرورة أن يعي الجميع المشهد القائم حالياً على الطبيعة وعلى الهواء المباشر؛ وهو أن الشعب السوري يذبح لأنه قرر حريته.. ولو تخلى الأقربون فإن الله لن يتخلى عن الشام وقرابين الفداء المقدسة.
 

المصدر:الجزيرة نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع