مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 5817
شـــــارك المادة
تردد قومٌ هنا وهنالك وتأخروا في تحديد مواقفهم من جيش سوريا الوطني الحر، فحزم جمهورُ الثورة أمرَه وحسم موقفه وهتف بأعلى صوته: الجيش الحر يمثلني، الجيش الحر يحميني، الجيش السوري خائن، والجيش الحر هو جيش سوريا الوطني. لم يبقَ بعد قول جمهور الثورة مجال لقائل، وانتقلنا بذلك من عالم الأقوال إلى عالم الأفعال؛ فماذا ينبغي على الجيش الحر أن يقدم للثورة، وماذا ينبغي على الثورة أن تقدم له؟ إنها ثلاثة أمور وثلاثة، أبدؤها بما له علينا ثم أنتقل إلى ما لنا عليه: (1) من حق الجيش الحر علينا أن ندعمه دعماً إنسانياً، وهذا النوع من أنواع الدعم لا يستطيعه إلا أهل الثورة داخل سوريا للأسف، مع أنهم هم أنفسهم يحتاجون إلى من يقف معهم ويساعدهم، ولكن الحاجة درجات والناس يتفاوتون في القدرات، فمن استطاع المساعدة منكم يا أيها الأحرار فلا يقبض عن المساعدة اليد، بارك فيكم الله. توفير الانسحاب الآمن لعناصر الجيش المنشقين يكاد يكون من أَولى الأولويات، فإذا انشقّ بعض الشرفاء عن الجيش الأسدي في مناطق سكنية أو بالقرب منها فقد دخلوا في جِوار أهل المنطقة -بالمعنى العربي الأصيل للجِوار-، واستحقوا الحماية والمأوى. لكن بقاءهم مختلطين بالمدنيين خطرٌ على الطرفين، وقد رأينا دائماً شراسة عصابات الأمن وهي تتعقب جنوداً منشقّين قريباً من مواقع انشقاقهم، لذلك ينبغي على المدنيين أن يسرعوا بتأمين الطريق الآمن للمنشقين، فإما أن يُخرجوهم من المنطقة وصولاً إلى مناطق آمنة بعيدة، أو أن يصلوا بينهم وبين عناصر من الجيش الحر، على أن يحذروا من المكائد والمصائد التي يدبّرها النظام أحياناً من خلال انشقاقات موهومة للوصول إلى الجنود الأحرار. وللمساعدة الإنسانية أشكال أخرى غير تأمين سلامة المنشقين، منها توفير اللباس المدني لهم -حتى لا يُقبَض عليهم بسبب لباسهم العسكري-، وتوفير اللباس الثقيل الذي يساعدهم على تحمل برد الشتاء، والفراش والغطاء، والطعام والشراب، حتى الشاي الساخن الذي يحبه العساكر، فإنه هدية ثمينة لهم لو أمكن توصيله إليهم، ومنها توفير الرعاية الطبية لو كان أي منهم مصاباً -وهذا مما يحصل كثيراً أثناء التمرد والهروب-. (2) ومن حق الجيش الحر علينا أن ندعمه دعماً مادياً بالمال، وهذا النوع من أنواع الدعم يشترك فيه الجميع في الداخل والخارج، ولكن أهل الخارج أَولى به؛ لأن أهل الداخل يحتاجون أصلاً إلى الدعم والمساعدة. تحدثت في هذا الموضوع مراراً ولا أريد أن أبدو مملاً بكثرة التكرار، لذلك لن أتوسع فيه وسأقتصر على فقرة أنقلها عن إحدى صفحات الثورة، كتبَتْها تعليقاً على مجزرة كتيبة خالد التي وقعت في الرستن يوم الأربعاء الماضي، وخسرت فيها الكتيبةُ خمسةً وعشرين من مجاهديها، عليهم رحمة الله. قالت الصفحة بالحرف: "إنّ شحّ المال أدى إلى هذه الكارثة بحق الكتيبة، حيث إن افتقارها إلى المال والدعم المادي لم يسمح لها بأن تغير أماكنها ولم يسمح لها بنشر عناصرها في مناطق مختلفة ومتباعدة"! ليست هذه المرة الأولى التي يموت فيها أبطالٌ من جنودنا الأحرار بسبب قلة المال، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، فمن يتحمل مسؤولية هذه الوَفَيات يا أيها الناس؟ (3) أخيراً من حق الجيش الحر علينا أن ندعمه معنوياً، وهذا الباب لم يقصّر فيه جمهور الثورة في الداخل فرفعوا الشعارات وهتفوا بالهتافات، بل إنهم وهبوا للجيش الحر عدة جُمَع من جُمَع الثورة، أما أهل الخارج فما زال التقصير غالباً عليهم في هذه الناحية، ويشمل التقصيرُ كتّابَ الثورة ومفكريها، كما يشمل المعارضة السياسية التي لم تقدم للجيش حتى الآن الدعم الكامل المأمول، بل لقد سمعنا أصواتاً من داخل المجلس الوطني تقترح أن ينضوي الجيش الحر تحت المجلس ويكون خاضعاً له. لا أريد أن أتوسع في هذه النقطة كثيراً لكنْ أذكّر بأن المجلسَين العسكري والسياسي يستويان في الدرجة في هذه المرحلة الصعبة والانتقالية من عمر الأمة؛ لأن الثورة منحت ثقتها لكل منهما على حدة، ولأن أياً منهما لم يَلِد الآخر، وهذه الحالة تختلف عن حالة الاستقرار التي تعقب الاستقلال والتي تكون القيادةُ السياسية فيها مسؤولة عن المؤسسة العسكرية، ومن ثَم فلا مناص من الاستمرار في هذه الازدواجية حتى التحرير وإسقاط النظام، على أن يتواصل المجلسان وأن يكون بينهما قَدْر كافٍ من التعاون والتنسيق. ذلك ما للجيش الحر علينا، فما لنا عليه؟ ثلاثة أمور، اثنان معجَّلان وثالثٌ مؤجَّل: (1)حماية الثورة وجمهور الثورة، ويشمل ذلك حماية المظاهرات والمهرجانات والاعتصامات وغيرها من الفعاليات الثورية، وحماية المشافي والمدارس والأحياء السكنية. على أن لا نحمّل الجيش ما لا يطيق لأننا نعلم أن قدرته ما تزال محدودة من حيث الرجال والسلاح، ولا نطلب الحماية إلا حينما يكون توفيرها أقل ضرراً من انعدامها. من التجارب الماضية وجدنا أن حماية الجيش الحر -ولو بأعداد قليلة- مفيدة في مواجهة عصابات الشبيحة والأمن، لكنها تصبح ضارّة عندما تدخل إلى المعركة قوّاتٌ عسكرية كبيرة، وفي هذه الحالة يقرر أهلُ المنطقة الأصلحَ لهم بالتشاور مع كتائب الجنود الأحرار، وغالباً يكون الانسحاب هو الحل الأقل كلفة -كما حصل في الرستن وفي بابا عمرو-. (2) ضرب قوات النظام القمعية التي تسبب الأذى الأكبر للمدنيين العزّل -عناصر الأمن والمخابرات والشبيحة-، ومهاجمة مقرّات ومراكز الأمن والشبيحة ومراكز تجمعهم ونومهم ووسائل تنقلهم، وضرب الحواجز الأمنية الثابتة والطيّارة، واستهداف مراكز الاعتقال، بدءاً بالأسهل -المراكز المؤقتة؛ كالمدارس والملاعب-، وانتهاء بالأصعب -المعتقلات والسجون وفروع المخابرات-، والعمل على تحرير المعتقلين. الذي أرجوه هو أن يتجنب جيشنا الحر ضرب الوحدات العسكرية النظامية إلا في حالة الضرورة والدفاع عن النفس وفي حالة عدوانها على المدنيين؛ لأن أكثر عناصر الجيش النظامي مجبورون على المشاركة في القتال والقمع وهم مرشَّحون للانشقاق والانضمام إلى القوات الحرة في أي لحظة، ربما باستثناء الضباط الكبار الذين يقودون العمليات ويصدرون الأوامر. لقد تكررت مؤخراً الدعواتُ إلى قَصْر نشاط الجيش الحر على الدفاع دون الهجوم. ما هذا الكلام؟ الاقتصارُ على الدفاع حق للمدنيين، قلت وكررت مراراً: إنه لا ينتقص من سلمية الثورة، أما العسكريون فمهمتهم هي القتال، والقتال كما يكون دفاعاً يكون هجوماً. فيا أيها العسكريون الأحرار: لا تكترثوا بدعوة تدعوكم إلى الكفّ عن أهداف النظام. كل هدف يساعد ضربُه الثورةَ ويرفع عن الثوار الضغطَ أو يُضعف النظام ويسرّع بسقوطه هو هدف مشروع لكم، فاضربوا ولا حرج، وهاجموا ولا حرج؛ ارموا، سدّد الله رميكم يا أيها الأبطال الشرفاء. (3) ما سبق هما الأمران المعجَّلان، الأمر الثالث المؤجَّل لما بعد سقوط النظام وانتصار الثورة -بإذن الله-: نريد أن تَعدونا -يا أيها الضباط الأحرار- وأن تعاهدوا الله أنكم لن تتدخلوا في سياسة البلد وحكمها من بعد. نعم، سوف نحتاج إلى الجيش الحر الشهم الذي ساعدنا على إسقاط النظام ليساعدنا على حفظ الأمن في البلاد ريثما نبني جهازاً جديداً نظيفاً للأمن الداخلي، فإنكم تعلمون أن أجهزة الأمن الحالية كلها متَّهَمة وأنها ستُعرَض -جملةً وأفراداً- على القضاء المدني المستقل ليحكم بشأنها، فمَن ثبت أنه نظيف بريء من جرائم النظام فسوف يبقى في جهازه، ومن ثبت عليه الجرم فسوف يُطبَّق عليه الحكم العادل الذي يقرره القضاء العادل. سنحتاج إلى خدمات الجيش الحر لبعض الوقت لحفظ الأمن في البلاد، ولكن عليه أن يضع نفسه -منذ اليوم الأول من أيام الاستقلال الجديد- تحت سلطة الحكومة المؤقتة ثم الحكومة المنتخَبة بعد ذلك، وأن يعود إلى ثكناته حالما تنتهي الحاجة إلى وجوده في المدن. نريد منكم وعداً وعهداً أمام الله وأمام الأمة والتاريخ أن تحافظوا على المؤسسة العسكرية بعيداً عن الحكم وعن السياسة إلى الأبد، فقد ذاق هذا الشعب المرارةَ نصف قرن بسبب تدخل العسكريين في السياسة، وقد آن له أخيراً أن يستريح من تسلط العسكر وأن يبني دولة الحرية والكرامة والقانون والمؤسسات. بقيت مسألة سابعة وأخيرة هي حق مشترَك للطرفين، للجيش الحر وللثوار: أن يفتح الجيشُ البابَ للمتطوعين في اللحظة التي يمتلك فيها القدرةَ والإمكانيات على استيعابهم وتدريبهم وتسليحهم، فإن الآلاف يتشوقون للمشاركة بالقتال ويكبتون أنفسهم لأنهم أقسموا أن تبقى الثورةُ الشعبية ثورةً سلمية لا يحمل جمهورُها السلاح.وأن يلتحق الأحرار بالجيش الوطني الحر إذا دعاهم إلى التطوع ولا يتركوا جنوده الأحرار وحدهم في ساحات القتال.
حسان الحموي
مهدي الحموي
أبو عبد الله عثمان
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة