يحيى أحمد محمود
تصدير المادة
المشاهدات : 3503
شـــــارك المادة
نشرت مجلة «بلومبرج» الأمريكية تحليلًا للوضع السوري مع نهاية عام 2016، لنوح فيلدمان، أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد، استعرض فيه تداعيات سقوط حلب، وأثرها في مستقبل الصراع السوري.
يرى فيلدمان أنَّ سقوط حلب، مع نهاية عام 2016، مؤشر على المستقبل الكئيب الذي ينتظر الحرب السورية، والمنطقة، والعدد الضخم من اللاجئين في سوريا وخارجها، إذ تعني نهاية تلك المعركة، بحسب فيلدمان، انتصار الديكتاتور السوري، في حربه للبقاء بمساعدة روسيا.
ومع ذلك، فليس ثمة طريقة واضحة يستطيع من خلالها نظام الأسد محو المعارضة. لذا، فإنَّ فيلدمان يعتقد أنَّ القتال سوف يستمر، وسوف تبقى الدويلات السنية في جواره. وبما أنَّ المهجرين السنة سوف يظلون قلقين بعمق من العودة إلى ديارهم في الأماكن التي يتحكم فيها، حاليًا، نظام الأسد المعادي لهم، فربما تصبح مشكلة لاجئي الحرب، مشكلةً دائمة. وهذا ليس بالأمر الهين. سوف تتضاءل حجم أزمة اللاجئين الفلسطينيين لعامي 1948 و1976 مقارنة بحجم هذه الأزمة.
ويرى فيلدمان أنَّ الإخفاق في مجال المحافظة على حقوق الإنسان في حلب، متسق مع الإخفاق ذاته في سربرنيتشا ورواندا. فلم يكن للمجتمع الدولي أي نفوذ على الرئيس السوري بشار الأسد، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما كانا يقصفان المدينة بلا رحمة، فيقتلان آلاف المدنيين. والأسوأ من ذلك أنَّ هذا التكتيك قد نجح، وهو ما يرسل رسالة إلى المنتهكين المستقبليين لحقوق الإنسان أنَّ عليهم أن يستخدموا كل الوسائل الضرورية لتحقيق الانتصار.
تهجير المعارضة خارج المدن:
ومع ذلك، وكما هو الحال في مثل هذا النوع من المآسي، فقد كان لسقوط حلب معنى خاص بالنسبة للصراع. ذلك أنَّ نصر الأسد يظهر أنَّ الدعم الجوي من قوة عظمى، مصحوبًا بعدم الندم على وقوع ضحايا، قادران على تمكين نظام مسلح من تهجير المعارضين من المساحة الحضرية، حتى لو كان للمعارضة دعم مدني ضخم.
وأضاف فيلدمان إنه كان يمكن للولايات المتحدة دفع مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش) خارج المدن السورية، باستخدام سياسة الأرض المحروقة ذاتها، لو كانت ميالة لتجاهل القانون الدولي، ولو لم تبال بولاء المدنيين المقصوفين بعد نهاية الصراع.
ليس الفرق بين الحالتين متمثلًا في عدم اكتراث الأسد وبوتين من ملاحقتهما من قبل محكمة العدل الدولية فحسب، وإنما أنَّ الأسد لم يبال أيضًا بكسب ولاء السنة، لا الآن، ولا في أي وقت.
لكنَّ الذي حدث أن الأسد قرر أنه سوف يكون في غاية السعادة لو غادر الحلبيون، مثلهم في ذلك مثل باقي السوريين السنة، ولم يعودوا إلى منازلهم أبدًا عند نهاية الصراع، أو تناقص حدته.
تلك هي أكثر الثمرات منطقية لحملة قصف حلب برمتها: أنَّ نجاحها مبني فقط على الفرضية القائلة بأنَّ اللاجئين السوريين السنة لن يعودوا إلى منازلهم أبدًا. لن يسامح أي شخص عانى من القصف، ولن ينسى ما حدث، هذا لو كان لنا أن نتعظ بأي حال من تاريخ الشرق الأوسط.
يوجه الأسد رسالة بقتل المدنيين مفادها أنه لا يبالي. وأن بإمكانه أن يحكم بلدًا بعدد سكان أقل بكثير. حاليًا يعيش حوالي خمسة ملايين لاجئ سوري خارج سوريا، لكنَّ هذا يترك حوالي 18 مليون سوري داخل البلاد، منهم ستة ملايين مهجرين داخليًّا. (تقدر أعداد القتلى والجرحى بحوالي نصف مليون). لو لم يعد السنة المهاجرون إلى داخل البلاد أبدًا، فلن يفتقدهم الأسد.
ويعتقد فيلدمان أنَّ الأسد ربما يقول في نهاية المطاف إنه يرحب بعودة كل السوريين، وذلك من أجل أن يحظى برضا المجتمع الدولي. بل ربما يعرض عفوًا محدودًا لبعض من تمرد عليه. لكن من سوف يثق بمثل هذا الوعد؟ وأي سني سوف يختار العودة إلى سوريا الأسد بعد كل الفظاعات التي جرت؟
أما بالنسبة لأولئك المهجرين داخليًّا، أي أولئك الموجودين في المناطق التي يتحكم فيها السنة مثل محافظة إدلب، ومناطق سيطرة داعش حول الرقة، فبإمكانهم أن يبقوا في أماكنهم، فالأسد لا يبالي.
وأضاف فيلدمان، أنَّ الأسد ربما يرغب على المدى البعيد، في استعادة السيطرة على كامل البلاد، لكن حاليًا، هناك ميزة سياسية ضخمة يحصل عليها من وجود الجهاديين الراديكاليين في أرض المعركة، إذ يجعل وجود أولئك الجهاديين الأسد يبدو بمظهر البطل الدولي الذي يحارب داعش والقاعدة، ويبرر هذا التواجد أيضًا استمرار الدعم الروسي، ويحافظ على ابتعاد الجهاديين بعيدًا عن مناطق سيطرة النظام.
وهذا هو السبب الذي يمكن أن يتسامح الأسد من أجله مع وجود دويلات سنية، مثل تلك الموجودة في إدلب، لبعض الوقت.
السبب الآخر أنَّ الأسد ليس باستطاعته أن يتغلب، نهائيًّا، على تنظيم فتح الشام التابع للقاعدة (الذي كان معروفًا سابقًا باسم جبهة النصرة)، والذي يسيطر على معظم إدلب، كما لا يستطيع هزيمة داعش، أو حتى معارضي الجيش السوري الحر الأكثر اعتدالًا. بإمكان القصف المستمر في المراكز الحضرية الكبرى أن يجعل الحياة لا تطاق، وبإمكان القوات أن تحتل تلك المساحة عند خروج المعارضين. لكن في البلدات الصغيرة، والأماكن الريفية، فإنَّ القصف يكون محدود الجدوى، ويتطلب المحافظة على المساحة المأخوذة وجود قوة عددية لا تتوافر لدى الأسد بكل بساطة.
وهذا هو السبب الأكبر لسقوط مدينة تدمر مرة أخرى في يد تنظيم الدولة الإسلامية، بعد أن حافظ عليها النظام لشهور. فليس لدى الأسد العدد الكافي من المقاتلين للحفاظ على البلدة، في الوقت الذي يتابع فيه مبادراته الأخرى. أما القوة الجوية الروسية فلم تكن فعالة ضد قوات المتمردين الخفيفة، مثل قوات الدولة الإسلامية.
وأضاف فيلدمان أن القطاع الكردي في سوريا، قصة أخرى. فتركيا ترغب في القضاء عليه، لكنها حتى الآن ما زالت معارضة للأسد. بمرور الوقت، سوف يعتمد مصير هذه المساحات على عودة تركيا لموقفها التقليدي بالتواطؤ مع جيرانها، بما فيهم أعدائها، لمنع الأكراد من الاستقلال.
وخلص فيلدمان في نهاية تحليله، إلى أنَّ النتيجة المؤسفة، التي لا يمكن تجاهلها، أنَّ هناك احتمالية كبيرة أن تصبح أزمة اللاجئين السوريين أزمة دائمة، حتى لو انتهت الأزمة السورية بانتصار الأسد، بحكم الواقع. إنَّ مما يحزن الفؤاد أن نفكر في أنَّ حوالي خمسة ملايين إنسان غير قادرين على العودة إلى ديارهم. لكن مع نهاية عام 2016 تبدو احتمالية تغيير ذلك الوضع ضئيلة.
ساسة بوست
ديمتري أريشكن
عربي 21
اريك مارغوليس
رامي القليوبي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة