أحمد المراياتي
تصدير المادة
المشاهدات : 3975
شـــــارك المادة
أصدقائي الأعزاء، ببطء شديد نرتاح من إرهاقات السفر إلى 'الدولة الإسلامية'. ابني فريدريك فقد عدة كيلوات من وزنه.
بالطبع كنت أعرف أنها مجازفة كبيرة. ليس فقط بسبب تنظيم الدولة. ولكن أيضاً بسبب القصف الأمريكي والسوري. ففي الموصل حلقت فوقنا عدة مرات طائرات حربية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية على ارتفاع منخفض.
"شقتنا" في الرقة السورية دمرت بشكل كبير بقذيفة سورية خلال وجودنا في الموصل في العراق. قضينا آخر ليلة في الرقة في شقة مدمرة مليئة بشظايا الزجاج المكسر. ولكنك لن تحصل على الحقيقة من غير مخاطرة. وأنا بحاجة ماسة لمعلومات أصلية عن "تنظيم الدولة" لكتاب أخطط له.
هذه المعلومات لن أحصل عليها إلا من موقع الحدث. وقد قمت بنفس الطريقة في كتبي السابقة، حيث سافرت إلى المناطق المتأزمة. أيضاً، كانت لدي ضمانات أمنية من "الخلافة". المشكلة أنه لا يمكن لأحد أن يعلم هل هذه الضمانات حقيقية أم لا. جميع أصدقائي وأفراد أسرتي شككوا بمصداقية الضمانات وحاولوا منعي من السفر. اعتدت في مثل هذه الحالات أن أستمع إلى صوتي الداخلي. الضمانات كانت حقيقية و"تنظيم الدولة" حافظ عليها طيلة وجودنا في الموصل والرقة. إلا أن جهاز المخابرات كان يراقبنا في معظم أوقاتنا واضطررنا لتسليم جوالاتنا وأجهزة الكمبيوتر.
في نهاية الرحلة فتشت جميع الصور التي التقطناها. من بين 800 صورة حذفت 9 صور –لحماية ذوي المقاتلين الأجانب. هذا ما يسمى "بالرقابة". حصلت بيني وبين "تنظيم الدولة" عدة نقاشات حادة وبصوت عال حول تنظيم رحلتنا.
ليس من السهل أن تجادل مقاتلي "تنظيم الدولة" المدججين بالسلاح. وكانت الرحلة على وشك أن تنتهي لمرتين اثنتين. نظراً للخطورة على حياة جميع الأطراف كانت المعاملة متوترة في كثير من الأحيان ولكن بشكل عام كانت المعاملة جيدة. أود أن أبدي بالانطباعات السبعة الأقوى في سطور: 1. لا يزال الغرب يقلل من خطورة "تنظيم الدولة" بشكل كبير! مقاتلوا "تنظيم الدولة" أذكى بكثير وأكثر خطورة مما يظنه سياسيونا.
في "الدولة الإسلامية" يسود بشكل شبه مذهل الحماس والثقة بالنصر، بطريقة لم أشاهدها في مناطق الحرب من قبل.
مقاتلو "تنظيم الدولة" على ثقة، أنهم يستطيعون نقل الجبال باعتقاداتهم الشمولية ووحشيتهم البارزة. في الموصل استطاع 400 مقاتل من "تنظيم الدولة" طرد 25.000 جندي عراقي وميليشيات أخرى مدججين بأجود أنواع السلاح.
في غضون أشهر قليلة سيطر "تنظيم الدولة" على مناطق شاسعة، تفوق في حجمها بريطانيا العظمى. وفي المقابل يعتبر تنظيم القاعدة قزماً. خسائر أو تبادلات مرحلية لمناطق السيطرة لا تعني بالنسبة "لتنظيم الدولة" شيئاً وإن كانت بعض الجهات الإعلامية تضخم الموضوع، ولكنها في حرب العصابات أمور طبيعية. 2. تدفُّق المقاتلين الجدد "لتنظيم الدولة" يزداد يوماً بعد يوم. قضيت يومين في مخيمات استقبال تابعة "لتنظيم الدولة" بالقرب من الحدود التركية.
في كلا اليومين وصل أكثر من 50 مقاتلاً من جميع أنحاء العالم. ليس فقط شبان صغار، ممن فشلوا في بلادهم الأصلية. كان من بينهم شبان ناجحون، مليئون بالبهجة. جاؤوا من الولايات المتحدة والسويد وروسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان. أحدهم أنهى لتوه دراسته في القانون وحصل على اعتراف لممارسة مهنة المحاماة أمام القضاء. ولكنه فضل القتال في صفوف "الدولة الإسلامية". 3. خلال عشرة أيام بدا لي أن "الدولة الإسلامية" تعمل كأي دولة شمولية أخرى في المنطقة. وهذا ينطبق بشكل خاص على مجال الأمن الداخلي وقطاع الخدمات الاجتماعية – حتى وإن كان ذلك لا يطابق التصورات الغربية وبالتأكيد لا يطابق تصوراتي الشخصية.
على الأقل أهل السنة في العراق بدؤوا بقبول وجود "الدولة الإسلامية" كأمر واقع ومن غير أي مقاومة. ذلك لأنهم يقدمونها على نظام المالكي في بغداد الذي حكمهم بالتمييز العنصري والاضطهاد. إلا أنه لا يعيش في الموصل إلا أهل السنة بعد هروب المسيحيين والشيعة واليزيدية وبعد إعدامات لا تُعد ولا تُحصى. 4. هدف "الدولة الإسلامية" ليس فقط السيطرة على الشرق الأوسط وباقي العالم، ولكن هدفهم هو أعظم من ذلك "تطهير ديني" في تاريخ البشرية. باستثناء الأديان السماوية –أي إسلام "الدولة الإسلامية"، اليهودية والنصرانية- يريد "تنظيم الدولة" قتل جميع اللادينيين والمرتدين من الرجال واستعباد نسائهم وأطفالهم. يجب على الشيعة واليزيدية والهندوس والملحدين والمشركين أن يموتوا. يحب القضاء على مئات الملايين من البشر في سياق هذا "التطهير" الديني. كذلك يجب قتل المسلمين المعتدلين الذين يقبلون الديمقراطية. ذلك لأنهم –من وجهة نظر "تنظيم الدولة"- قدموا القوانين الوضعية على حكم الله. وهذه العقوبة سينالها –بعد الغزو الناجح- المسلمون الديمقراطيون في العالم الغربي.. الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ "الكفرة" من الموت هو التوبة الخالصة والدخول في "الإسلام الحقيقي" الذي لا يمثله إلا "تنظيم الدولة" حسب زعمهم. وفقط في حال لم تكن بلادهم محتلة. يجب قبول اليهود والمسيحيين كأتباع لديانات سماوية، ولكن عليهم دفع الجزية لحمايتهم تقدر ببضع مئات من الدولارات سنوياً. في المقابل على المسلمين دفع الزكاة التي تتفاوت بين الغني والفقير، فالنسبة التي تجب على الغني أعلى من نسبة الفقير. ولست بحاجة إلى التأكيد على أنني لم أوافق "تنظيم الدولة" في أيّ من النقاط السابقة. وقد وضحت لهم ذلك لمرات عديدة. 5. تقديري أن "تنظيم الدولة" حركة لا تجاوز الواحد بالمئة ولكن بتأثير تسونامي نووي. الخطاب الإسلامي الذي يتبناه "تنظيم الدولة" يرفضه 99 بالمئة من ال 1.6 مليار مسلم في عالمنا.
بالنسبة لي أنا كمسيحي قرأت القرآن عدة مرات، لا أستطيع أن أربط بين علاقة تعاليم "تنظيم الدولة" والإسلام! تعرفت من خلال قراءتي للقرآن بشكل خاص على الإسلام الرحيم. 113 من 114 سورة تبدأ بهذه الكلمات: بسم الله الرحمن الرحيم. لم أشاهد شيئاً من هذه الرحمة عند "تنظيم الدولة"! 6. لا يمكن أن يهزم "تنظيم الدولة" بالقنابل والصواريخ. على سبيل المثال فإن مدينة الموصل، التي يقطنها ثلاثة ملايين إنسان، محكومة من قبل خمسة آلاف مقاتل من "تنظيم الدولة". من يريد القضاء عليهم بالقنابل عليه أن يمحو مدينة الموصل بأكملها وأن يقتل الآلاف من المدنيين. بل إن القنابل كانت ولا زالت مادة هامة للتربية الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط. وأكبر مثال لذلك "تنظيم الدولة"! فهو نتاج لحرب العراق المخالفة للقانون الدولي التي قام بها جورج بوش. فقط العرب السنة المعتدلون يستطيعون إيقاف "تنظيم الدولة"، وليس الغرب. كما فعلوا عام 2007 عندما طردوا "دولة العراق الإسلامية" المنظمة السابقة "لتنظيم الدولة". وإن كانت "دولة العراق الإسلامية" أضعف بكثير من "تنظيم الدولة" اليوم. العراقيون السنة المعتدلون لن يقاتلوا "تنظيم الدولة" إلا في حال تم دمجهم بشكل كامل في المجتمع العراقي، بعد أن طردهم الأمريكان والشيعة العراقيون إثر الهجمة الأمريكية على العراق عام 2003. ولا يبدو أن ذلك قريب في الوقت الحالي ولكنه الحل الواقعي الوحيد في الوقت الحالي لإيقاف "تنظيم الدولة". حتى في سوريا توجد حلول. ولكن على الغرب أن يصحح من تقييمه غير الواقعي للوضع هناك. بكل بساطة: لقد فشل الغرب في سوريا بشكل كبير جداً. 7. هناك تكهنات في الغرب حول احتمالية العمليات الإرهابية التي يمكن لمقاتلي "تنظيم الدولة" العائدين أن يقوموا بها. وأنا لا أريد ولا أستطيع أن أستبعد هذه المخاطر أبداً. ولكن في داخل "الدولة الإسلامية" يعتبر العائدون خاسرون لأنهم "لم يستطيعوا العيش ضمن 'الدولة الإسلامية'". وبالتالي فهم ليسوا بذلك التهديد الكبير وإن كان قد حصل في بروكسل اعتداء إرهابي، قام به عائد من سوريا. الخطر الأكبر قد يأتي من المتعاطفين مع "تنظيم الدولة" الذين لم يسافروا بعد. 8. لا ينبغي أن نهون من خطورة الإرهاب في ألمانيا وفي ذات الوقت لا ينبغي أن نبالغ في ذلك. على الأقل لم يتم قتل أي ألماني في ألمانيا حتى الآن على يد إسلامي متطرف. ولكن قُتل العديد من المسلمين الألمان من قبل المتطرفين اليمينيين الألمان. جماعات مثل "بيغيدا" (وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب) يقلبون الحقائق في ألمانيا. هم من يحرك أعمال "تنظيم الدولة" الذي له مصالح من التصعيد بين المسلمين وغير المسلمين في ألمانيا "تنظيم الدولة" أكد لي ذلك عدة مرات. من وجهة نظري، فإن "تنظيم الدولة" هو أكبر تهديد للسلام العالمي منذ الحرب الباردة في الوقت الحالي. نحن الآن ندفع ثمن الحماقة التي لا تتجاوز ثمن هجوم جورج بوش على العراق. والغرب يقف حتى الآن أمام هذا التهديد من غير أي خطة.
محبكم يورغن تودنهوفر
مجلة العصر
المرصد الاستراتيجي
محمود أوفر
التقرير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة