داود البصري
تصدير المادة
المشاهدات : 7917
شـــــارك المادة
من المعروف عن النظام السوري, ومنذ أن استولى بعثيو اللجنة العسكرية على السلطة قبل خمسين عاما من الزمان, وحشيته المطلقة في مجال الأمن وعالم المخابرات خصوصا, وتحولت الدولة السورية قلعة استخبارية خالصة بعد أن انتشرت ثقافة الفروع الأمنية, والعناصر المخابراتية بملابسهم الرثة وأخلاقهم المتدنية, وممارساتهم البدائية والبشعة.
فالنظام السوري, ورغم حروب التصفيات المستمرة داخله, والتي ادت إلى إعدام واستئصال رموز مهمة من قياداته خصوصا بعد عام 1966 عام الانشقاق على القيادة القومية, كان يعتمد على المخابرات اعتمادا كبيرا في تسيير أمور الدولة التي خضعت بالكامل للمنطق الأمني, وللأسلوب القمعي والوحشي, حتى أن بيوت ومقرات المخابرات, وسجون التعذيب الخاصة كانت موجودة ومتداخلة داخل الأحياء السكنية في دمشق, والمدن السورية الأخرى, وللنظام المجرم خبرة كبيرة في استعمال السراديب والأقبية, وحتى المقابر وتحويلها سجوناً رهيبة كما هي الحال مع مقبرة الشيخ حسن في دمشق, مثلا, والتي يقبع تحتها سجن استخباري رهيب لا يعرف الناس عنه الشيء الكثير. ولكاتب المقالة خبرة ميدانية متواضعة في دهاليز وسجون المخابرات السورية! لكوني قد مررت بتجربة اعتقال في تلك السجون في صيف عام 1984 بتهمة مفبركة وملفقة من تهم تلكم الأيام! أتيحت لي خلالها الاطلاع الميداني والمباشر على ماكان يدور, هذا غير ما سمعته, وعرفته من زملاء, وأصدقاء سوريين وعراقيين وفلسطينيين عاشوا مآسي ومرارات سجون النظام السوري البشعة. بمناسبة حديث وادعاءات النظام عن إقدام الجراح البريطاني عباس خان على الانتحار بقميص بيجامته شنقا في زنزانته في مخابرات "كفر سوسة" لا يسعني إلا الاستلقاء على الظهر نتيجة الضحك من هذا التبرير الأعوج! فزنازين المخابرات السورية لا تسمح لأحد بأن ينام بصورة عادية نتيجة لضيقها الشديد وظلامها الرهيب, ولسقفها العالي والخالي من أي شيء يمكن أن يعلق به شيء, فكيف يمكن لمعتقل أن يشنق نفسه؟ عملية الانتحار داخل الزنزانة مستحيلة بالمطلق, وهي أكذوبة لا يمكن تصديقها, أو حتى النطق بها, لقد كنت معتقلا في مخابرات حلب أولا في زنزانة انفرادية لا أستطيع الجلوس فيها إلا في وضعية القرفصاء! كما أنها مليئة وعامرة بالحشرات, نقلت بعدها للسجن في مخابرات الفرع الخارجي المرقمة "279" في حي أبورمانة وبإدارة العميد وقتذاك أبومضر واسمه عدنان الدباغ, وأودعت في زنزانة انفرادية خالية من أي شيء سوى غطاء مهلهل, وممزق, وعامر بالقمل وبحشرات مجهولة لم أتبين طبيعتها بسبب حالة الظلام الدامس داخل الزنزانة العالية السقوف والضيقة الجوانب! حتى المخدة لم يكن مسموحا بها فكنت, أتوسد حذائي لأنام عليه, وكانت أصوات التعذيب تصدح في تلك الليالي الصيفية المرعبة. شخصيا لم أتعرض لتعذيب جسدي, ولكنني تعرضت لتعذيب نفسي رهيب وخصوصاً حين تنطلق في الليل حفلات التعذيب لبعض المعتقلين, ويتم الاستماع لأنين وصراخ المعتقلين مرفوقا ومصحوبا بسماع أغنية أم كلثوم "من أجل عينيك عشقت الهوى" يطلقها الجلادون ليلاً بعد انتهاء حفلات التعذيب! الذهاب إلى المراحيض كان رحلة حقيقية للجحيم, وحيث يقاد المعتقل لقضاء الحاجة تحت لسع ضرب العصي مع تحديد وقت زمني قدره دقيقتان فقط لاغير لقضاء الحاجة, وبعكسه ينهال الضرب على الرأس! حتى حرية استعمال المراحيض كانت ممنوعة, أما عن قوائم الطعام والضيافة فكانت رائعة فعلا, إنها البطاطا السوداء المتسخة مع العدس ذي الطبيعة المجهولة, والخبز اليابس... ولا شيء أكثر من ذلك. أما الجلادون فقد كانوا فتية أغرار شبه أميين جيء بهم من الأرياف السورية, وكلفوهم مهمة إذلال الناس والتعدي عليهم, وما شاهدته من فظائع محدودة لايعدو أن يكون قطرة في بحر الظلم والظلمات الذي يسبح فيه عتاة النظام السوري المجرم, وأؤكد هنا ومن المستحيل على أي معتقل التمكن من الانتحار, أوفعل أي شيء, لعدم إمكانية ذلك بالمطلق, ولكن الشيء المؤكد في قضية الطبيب الجراح عباس خان أنه قد تعرض لتعذيب بشع أدى إلى وفاته, وهو أمر يحصل كثيرا, وهوما حصل مثلا مع ابن عم الرئيس العراقي جلال طالباني, الدكتور فؤاد الطالباني, الذي اختطف من مطار دمشق لمخابرات القوة الجوية, وكان يرأسها وقتذاك المجرم اللواء علي مملوك مدير المخابرات العامة الحالي وضرب رأسه بحديد الزنزانة مما أدى إلى إصابته بشلل رباعي ولموته بعد سنوات من الاعتقال التعسفي. لا بديل عن تقديم النظام السوري, وعصابات مخابراته للمحاكم الجنائية الدولية, رغم أنني أفضل خيار خضوع أولئك القتلة لمحكمة وطنية سورية وتاريخية, ستنبثق لا محالة بعد سقوط النظام, ليعرف السوريون والعرب صفحات سوداء ومريعة من تاريخ نظام الجريمة السوري. السياسة
وسيم شامدين
وكالة رويترز
وكالة الأناضول
فرنس برس
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة