العصر
تصدير المادة
المشاهدات : 7655
شـــــارك المادة
كتبت مراسلة "صندي تلغراف" البريطانية، روث شيرلوك، تقريرا نشرته الصحيفة، تتحدث فيه عن لقاءاتها في أنطاكية (التركية) مع من أطلقت عليهم وصف أمراء الحرب: فمن إخوة في القتال إلى أمراء حرب، تقول إن بعضهم يجني الملايين من الرشوة والابتزاز.
في بداية التقرير تقول الصحافية إن من تسميه القيادي العسكري في الجيش الحر "مال على باب سيارته (بي أم دبليو- اكس فايف) بشبابيكها المدهونة بالسواد وراقب رجاله وهم يخوضون في مياه النهر وينقلون براميل من النفط المهرب لتركيا". وكان يتحسس بأطراف أصابعه رزماً من الدولارات الأمريكية التي حصل عليها مقابل الصفقة، شعر بالفخر لما وصل إليه الحال. فقد حولته ثلاث سنوات من الحرب تقريبا من فلاح إلى أمير حرب، ومن بائع سجائر في شارع بلدة في الريف السوري إلى حاكم إقيلم يقوم عبر نقاط التفتيش التي أقامتها جماعته المسلحة بالسيطرة على خطوط التهريب والتجارة المربحة التي تدرها’.
ولا نعرف إن كان هذا القيادي يمثل الجيش السوري الحر، لكن الجيش الحر يظل مجموعات من الفصائل المتعددة الولاءات، والتي تغير مواقعها وأيديولوجيتها بشكل مستمر، بسبب الخلافات والبحث عن مصادر التمويل، وترى الكاتبة أن بعض "الجيش الحر": "تحول في الشمال إلى التجارة في الممنوعات (إجرامية)، حيث أصبح القادة مهتمين بالربح من خلال الفساد، والاختطاف، والسرقة أكثر من اهتمامهم بقتال النظام"، هذا ما توصلت إليه الصحافية من مقابلات أجرتها في مناطق الشمال (ولا تخلو ملاحظاتها وتقديراتها وانطباعاتها من مبالغات).
وتنقل عن أحمد القنيطري، قائد كتيبة عمر المختار في جبل الزاوية- جنوب- غرب إدلب، قوله: "هناك عدد من قادة الثورة ممن لا يريدون سقوط النظام لأنهم يحبون استمرار النزاع"، ويضيف: "لقد أصبحوا أمراء حرب، وينفقون ملايين الدولارات، ويعيشون في قلاع ويملكون السيارات الفاخرة". وتضيف الكاتبة أن المقاهي في مدينة انطاكية التركية التي تحولت إلى مركز من مراكز تجمع المقاتلين والثوار، كانت تمتلئ بأحاديث "الثورة"، حيث كان قادة الفصائل يتناقشون وهم ينظرون للخرائط الهدف أو الأهداف القادمة التي يجب ضربها. والآن، وبعد 3 أعوام تقريباً اختفت الخرائط وتوقف الحديث عن المعارك ونسيت الحرب، والحديث يتركز اليوم عن تصاعد قوة الجماعات المرتبطة بالقاعدة مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إضافة للحديث عن التصرفات الإجرامية والفساد لبعض قادة الفصائل في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المعارضة للنظام. وتشير الكاتبة إلى أن مناطق الشمال هذه تحولت إلى إقطاعيات يديرها قادة- أمراء حرب يتنافسون فيما بينهم. فقد تحولت كل قرية، بلدة أو مدينة إلى ساحة نفوذ لقائد من القائد، وهذا بسبب غياب القيادة المركزية، ويتحكم هؤلاء القادة بمداخل ومخارج مناطقهم عبر سلسلة من نقاط التفتيش التي تعلم المناطق، فهناك 34 نقطة تفتيش على الطريق الذي يصل مدينة حلب بالحدود مع تركيا، وتصف الوضع بأنه مثل الكلاب الجائعة التي تتقاتل على الفريسة حيث يتنافس القادة للسيطرة على الحدود، الأموال والأسلحة وطرق التهريب، وهو ما يطلق عليه الأهالي الساخطون بالتنافس على غنائم الحرب. وتنقل عن عامل في مؤسسة إنسانية في مدينة حلب ويقوم بتوزيع الطعام على المدنيين: "كنت أشعر بالأمان للسفر بين حلب ومحافظة إدلب"، و"الآن فإنني أخاف ترك الشارع الذي يقع خلف بيتي، ففي كل مرة تتحرك فيها تكون عرضة للسرقة والاختطاف أو الضرب، وكل هذا يعتمد على مزاج الرجال الذين يحرسون ويديرون نقاط التفتيش في اليوم الذي تمر فيه عليهم". فقد تحولت تجارة تهريب النفط الخام إلى تجارة مربحة، حيث ينقل عبر طرق التهريب ويباع في تركيا. ومن أجل السيطرة على بيع النفط السوري، فقد تخلت كتائب عن القتال بشكل كامل لإدارة عمليات استخراجه وبيعه وحشو جيوبهم بالدولارات، فيما تستخدم جماعات أخرى عائداته لتمويل عمليات عسكرية. ويستفيد الكثيرون من تجارة النفط، فبعض الجماعات تقوم بنقل النفط إلى المصفاة ومنه إلى الحدود التركية.. وهناك جماعات أخرى تقيم نقاط تفتيش وتفرض أتاوات على مهربي النفط. ويقول ناشط في مدينة الرقة التي تسيطر عليها القاعدة: "قبل ثلاثة أعوام كان المقاتلون جادين في حرب النظام"، وبعد "سيطرة الجيش الحر على المعابر الحدودية ومناطق النفط، تغير كل شيء من الثورة إلى لمعركة على النفط، وأعرف جماعات مقاتلة من حلب ودير الزور وحتى حمص تأتي إلى هنا لأخذ حصتها من الغنيمة".
وتشير الصحافية إلى أن تأسيس الجيش الحر، الكتائب المعتدلة، كان الهدف منه السيطرة على الجماعات الأخرى، وبناء تسلسل قيادي يقوم من خلالها "المجلس الأعلى للثورة السورية" بإدارة عمليات نقل السلاح وفرض النظام والقانون بين فصائل المعارضة المختلفة. ولكن ما قضى على هذه الفكرة هو التنافس بين الدول الداعمة للفصائل المقاتلة، وغياب الالتزام العسكري من جانب الغرب، والتنافس المزمن بين المقاتلين. وبسبب كل هذا وغياب الدعم المالي والعسكري والإستراتيجية الواضحة بدأت فصائل المعارضة المسلحة بالتشرذم. وحصلت انشقاقات داخل الفصائل وهجر عناصر منها إلى الجماعات المرتبطة بالقاعدة ذات التمويل والتنظيم الجيد، مما أعطى فرصة لهذه الجماعات الجهادية لتعزيز وجودها وتوسيع نفوذها في شمال سورية. وتنقل عن محمود، وهو مقاتل من جسر الشغور في إدلب، حديثه عن الطريقة التي تراجعت بها وحدته القتالية، هي القصة نفسها التي تسمع عنها عادة في شمال سورية. ويقول أحمد إنه انضم للثورة مع زملائه عندما كانوا لا يملكون إلا بنادق صيد وذلك للدفاع عن قراهم، و"مضينا في الطريق، وكنا سعداء، وكانت تجمعنا قضية كبيرة، وهي مواجهة النظام، كنا نجلب الحرية للناس"، ولكنهم كانوا في ذلك الوقت مجموعة من الإخوة، ليسو ضباطاً بجنود، قادة برجال، "كنا أصدقاء". ولكن المزاج العام تغير، حيث بدأ رجال، لم يكونوا جزءاً من الثورة، ببيع السلاح فقط، وقالوا إنهم من الجيش الحر، ولم يكن لديهم أي اهتمام بقتال الأسد، وسيطروا على المناطق المحررة أصلاً، وأقاموا نقاط تفتيش على الطرق وبدأوا بفرض أموال على دخول الناس. وبسبب إغراء المال أخذ بعض المقاتلين في وحدة أحمد بالعمل معهم. وأشار إلى شخص قال إنه ممثل للمجلس العسكري الأعلى للثورة السورية في جسر الشغور، والذي قاتل النظام بإخلاص، حصل على دعم مالي وعسكري من ممولين أجانب، وقرر الانشقاق عن الوحدة وشكل جماعته الخاصة، ولكن لم يخض ولا معركة واحدة مع النظام منذئذ على الرغم من أنه يملك من المال والسلاح الكثير. والسبب، كما يقول أحمد، أن القيادي هذا أقام تجارته الخاصة على تهريب الديزل وحراسة نقاط التفتيش والحصول على الضرائب، وأضاف أحمد أن هذا الرجل له علاقة بقضايا الاختطاف، و"إذا ألقوا القبض على جندي فإنهم يقومون ببيعه لعائلته". ويضيف أحمد أن جماعته انهارت بسبب غياب التمويل والسلاح، مما اضطر أفرادها الذين رفضوا المشاركة في تجارة الحرب البحث عن وظائف للتكسب منها، وهذا ما أدى إلى تفكك الكتيبة. ويقول أحمد إن قائدها كان من أوائل من انشقوا عن النظام، ولم يعد لديه الجنود ليقاتل أو المهام للقتال: "ولا يزال القائد يدعونا للعودة، فهو بحاجة ماسة للمقاتلين". ويقول أحمد إن بعض الجماعات التي يعرفها تركت القتال وانغمست في تهريب النفط والسيارات، فيما بدأت فصائل أخرى باستغلال الممولين لهم، حيث تصور معاركها وتضعها على "يوتيوب" كي يستخدمها الداعمون لها. وفي داخل كل فصيل وحدة إعلامية ترافق المقاتلين وتوثق عملياتهم، ويتم تحرير الصور ووضع شعار الفصيل عليها قبل وضعها على الإنترنت. ويقول مسؤول الوحدة الإعلامية في "كتيبة الفاروق" إنهم يتلقون دعماً من الممولين على العملية، ولهذا يصورون المعركة ويرسلون الفيديو إلى الممولين كإثبات. ولكن بعض الجماعات تحاول استغلال هذا الخيط من الدعم بأكثر من طريقة، حيث يقومون بإطالة أمد المعركة. وتشير إلى معركة وادي الضيف والتي قادها جمال معروف وحاصر فيها المقاتلون قاعدة عسكرية لمدة ستة أشهر وانتهت ببقائها في يد النظام. ونقلت الصحافية عن مقاتلين قولهم إن القيادات الميدانية لم تكن راغبة بإنهاء المعركة لأنها مصدر ربح "فالدعم المالي يتدفق من دول الخليج والسعودية"، كما أن المقاتلين تلقوا رشاوى من النظام كي يسمح لهم بإدخال المواد الغذائية إلى داخل القاعدة. وظل الداعمون في الخارج يرسلون الدعم شهراً بعد شهر، بحيث أصبحت المعركة على وادي الضيف مثل ‘الدجاجة التي تبيض ذهباً’ بحسب أحد المقاتلين. وفي الوقت الذي يقول فيه القنيطري إنهم أي القادة لا يريدون الحديث عنها حتى لا يفقد الناس الأمل لكن الأمر زاد عن حده فهذه العناصر داخل الثورة تحولت إلى "تجار يتاجرون بدم الشهداء". وكانت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" قد أشارت للظاهرة في تقرير لها الأسبوع الماضي. وأشار إلى تجربة محمود الباشا الذي كان مستعداً لتحمل أعباء الثورة أياً كانت لكن حادثاً أمام مستشفى في حلب جعله يعيد التفكير بموقفه، فقد شاهد مقاتلون من "داعش" وهم يقطعون رأس "كافر"، قالوا إنه من داعمي النظام الشيعي، حيث وضح فيما بعد أن القتيل قتل بالخطأ واعتذر قائد الكتيبة عن هذا الفعل. وقرر الباشا الهرب من سورية بعد الحادث بأيام وسط مخاوف شديدة بين الجماعات المعارضة من صعود الجهاديين وممارساتهم الوحشية، خاصة وأن "داعش" حرفت انتباهها في الأسابيع القليلة الماضية نحو ملاحقة الناشطين والصحافيين، والذين يهربون بسبب عدم حصولهم على دعم من الجماعات المعتدلة، كما في حالة الباشا الذي التقته الصحيفة في غازي عينتاب، وقال إن "كل ثلاثة أيام يتم اختطاف شخص، والفاعلون هم داعش، لكن الجماعات الأخرى لا تفعل شيئاً، فهي خائفة". ويقول الباشا وهو صحافي وناشط إن "داعش" اعتقلت عشرة ناشطين فيما هرب 15 آخرون من حلب، وجاءت حملة القمع بعد قيام الصحافيين بتشكيل اتحاد لحماية أنفسهم"، ويقول جوشوا لانديز، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة اوكلاهوما إن "الثورة السورية تأكل أبناءها وداعش هي التي تأكلهم". وتشير الصحيفة إلى أن النظام استغل هذا الوضع وحقق إنجازات ولو متواضعة، ويقول الباشا "إن المقاتلين يخسرون لأن كل واحد منهم يقاتل لمنفعته الخاصة وليس من أجل بلده، ومعظمهم يجلس في مركز قيادته ولا يخرج لجبهات القتال كي يقاتل الأسد". وأشارت إلى مقتل عبدالقادر الصالح القائد الميداني لكتيبة التوحيد الذي التقته قبل مقتله بشهر وعبر عن انتقاده للذين يهربون من سورية، حيث قال: "سورية بحاجة للمتعلمين والملتزمين لمساعدتها في هذا الوقت، فماذا سيعملون لها وهم في الخارج؟".
وبوجود "داعش"، يقول الباشا، إن هناك ثلاثة خيارات أمام المقاتل أو الناشط إذا أراد القتال من أجل الثورة وهي "الانضمام للقاعدة، أو تتعرض للقتل والسجن، أو الهروب لتركيا".
سامي كوهين
المرصد الاستراتيجي
فيل ساندس
ألكسندر تيتوف
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة