عبد الرحمن ناصر
تصدير المادة
المشاهدات : 3841
شـــــارك المادة
إن اتفاقًا غير مُنصف خيرٌ من استمرار الحرب“. الرئيس البوسني الأسبق: علي عزت بيغوفيتشمرَّت.
منذُ أيَّام ذكرى «اتفاقيَّة دايتون» التي أنهت الصراع المحموم والحرب الأهليَّة المدمِّرة في البوسنة والهرسك. الاتفاقية التي أنهت الصراع والقتل والاغتصاب والتهجير وبقية المصائب الأخرى جعلت البوسنة منقسمة واقعيًّا إلى دولتين إحداهما تُكبِّل الأخرى، لكلٍّ منهما برلمان، ونظام حكم ثلاثي وفقًا للعرقيات الثلاث (البوشناق/المسلمون، والكروات والصرب) ويتم اختيار ثلاثة رؤساء للدولة من المجموعات الثَّلاث ويحكم كل رئيس فيهم لفترة محددة.
في الآونة الأخيرة تجري المفاوضات الماراثونية في جنيف بخصوص الحلّ في سوريا والذي يتَّجه نحو التفاوض لا شكّ، فهل ستصبح سوريا بوسنة وهرسك جديدة؟ خصوصًا أنّ بعض المحللين والمتابعين أشاروا إلى هذه المحاولات الـ «دايتونية».
في هذا التقرير سنشرع في إجراء مقارنة بين التجربتين.
البوسنة والهرسك: قصَّة المأساة
راح ضحيَّة حرب البوسنة والهرسك خلال ثلاث سنوات فقط – وفقًا للأمم المتَّحدة -: 250 ألف قتيل، وقرابة 17 ألف مفقود، ورحل حوالي 2.2 مليون لاجئ، والتمس 1.2 مليون منهم الحماية من أكثر من 100 دولة حول العالم. بينما تشرَّد مليون آخرين داخل البوسنة والهرسك نفسها. وتمّ تقدير الضَّرر الاقتصادي الواقع بسبب الحرب من قبل خبراء بمبلغ يتراوح بين 50 إلى 70 مليار دولار. ووفقًا لتقدير البنك الدولي وصل الضرر الاقتصادي ما بين 15 إلى 20 مليار دولار فقط. حريق البرلمان البوسني في العاصمة سراييفو بعد قصفه 1992
بدأت القصة كالتالي، في عام 1991 انفصلت كرواتيا ثمّ سلوفينيا عن الاتحاد اليوغوسلافي الذي يسيطر عليه في هذه الفترة الصرب بشكلٍ كبير، البوسنة والهرسك الدَّولة الأضعف والتي لا تمتلكُ جيشًا يُدافعُ عنها أعلنت أيضًا أنَّها تريدُ الانفصال عن الاتحاد اليوغوسلافي.
أعلن الرئيس البوسنيّ المسلم علي عزت بيغوفيتش عن استفتاء عام بخصوص الانفصال عن الاتحاد اليوغسلافي على نهج كرواتيا وسلوفينيا. جاءت النتيجة على الاستفتاء بـ «نعم للإنفصال» فأعلن الرئيس البوسنة والهرسك دولةً مستقلة عن الاتحاد اليوغسلافي.
لكنّ التركيبة المعقَّدة للبوسنة والهرسك حالت دون اكتمال هذه الخُطوة الجريئة، فالبوسنة تتكون من ثلاث عرقيَّات هم البوشناق المسلمون 44%. والأرثوذوكس الصرب 31% والكروات الكاثوليك 17%.
بدأت صربيا وكرواتيا في دعم الصَّرب والكُروات البوسنويِّين بالتَّدريب والسِّلاح وبدأوا حربهم في البوسنة والهرسك مع البوشناق المسلمين الذين لا يمتلكون سلاحًا بالفعل.
سعى الصِّرب لاحتلال المناطق الصِّربيَّة في شرق وغرب البوسنة، وأيَّدهُم في ذلك صرب البوسنة، كما سعى الكروات إلى تأمين بعض المناطق الكرواتية في البوسنة، واتفق سلوبودان ميلوسفيتش (رئيس يوغوسلافيا) وفرانيو تودجمان (رئيس كرواتيا) على تقسيم البوسنة والهرسك بين الصرب والكروات.
جاء رد الفعل العالمي جامدًا وباردًا، فأوروبا لم تتخذ موقفًا مما يحدث، كذلك أمريكا، بينما وقف العالم صامتًا ينتظر أن يقوم أحد بالتحرُّك في مواجهة الصرب والكروات.
كان للصرب النصيب الأكبر بشكلٍ واضح، حاول البوسنويون أن يقاوموا ولكن بلا سلاح، في وقتٍ لاحق استطاع البوشناق أن يحصلوا على السلاح بطرقٍ أخرى ونظَّموا قواتهم وبدأوا بالدفاع عن أنفسهم. الجدير بالذكر أن أمريكا وأوروبا فرضوا حظر بيع الأسلحة في البوسنة والهرسك لجميع الأطراف، لوقف الحرب؟ هذا هو المُعلن لكنّ الأمر كان غريبًا أن تحظر بيع الأسلحة على ثلاث فرق اثنتين منها تملكان بالفعل سلاحًا وواحدة فقط لا تمتلك أي سلاح.
اتفاقيَّة دايتون: بعد الصَّمت العالمي
استمرَّت الحربُ الأهليَّة المحمُومة في البوسنة والهرسك دون أيّ تدخل دولي، ومن المعروف أنّ الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش قد استجدى جميع الدول الكبرى للوقوف بجانب شعبه أو على الأقل السَّماح لهم بالتسلُّح ليستطيع المقاومة لكنّ أحدًا لم يُجبه. حتى جاءت المذبحة المروِّعة التي وصفتها الأمم المتحدة بأنَّها أسوأ جريمة حدثت في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ما الذي حدث؟
في مدينة سربرنيتسا انتشرت قوَّات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي أعلنت في أبريل 1993 أنّ هذه البلدة تحت حماية الأمم المتحدة. قوَّات حفظ السلام الأممية كانت كتيبة هولنديَّة مكونة من 400 مجنَّد. استنادًا على حماية الأمم المتَّحدة سلَّم المتطوعون البوسنيون سلاحهم للقوَّات باعتبار أنَّهم الآن تحت حماية الأمم المتحدة، ولكن في يوليو 1995 دخلت القوات الصربية بقيادة الصربي راتكو ملاديتش (لقب بجزار البلقان بعد هذه المذبحة) إلى المدينة وطوَّقتها وفصلت الرجال من سنّ 14 وحتى 50 عن النساء والأطفال والشُّيوخ وقاموا بقتل جميع الرجال مرةً واحدة ودفنوهم في مقابر جماعية، ولم تتدخل قوات حفظ السلام أبدًا!
كان الأمرُ أكبرَ من أن يُسكت عليه فتحدَّثت أمريكا – أخيرًا – عن مأساة شعب البوسنة، بدأت أوَّل ضربات قوات الناتو للقوات الصربية بعدها بشهر في أغسطس 1995، وتمّ إجبار جميع الأطراف على توقيع اتفاقيَّة سلام في مدينة دايتون الأمريكيَّة فيما عُرِفَ باتفاقيَّة دايتون للسلام، في نوفمبر 1995 وتم التوقيع النهائي وتفعيل الاتفاقية في ديسمبر 1995.
خرجت الاتفاقية بنظام سياسي خاص للبوسنة والهرسك، يصفهُ المحللون بالهزيل. وفقًا للاتفاقيَّة صار نظام الحكم ثلاثيًّا، يتم اختيار ثلاث رؤساء للدولة من المجموعات العرقية الثلاثة، البوشناق والكروات والصرب، وينتخب كل رئيس من قبل عرقيَّته. ويحكم كل رئيس لفترة زمنيَّة محددة (كل ثمانية أشهر رئيس، ومدة فترة الرئاسة أربع سنوات وبهذا يحكم كل رئيس البلاد مرتين كل مرة ثمانية أشهر خلال الدورة). ويتم اختيار رئيس الوزراء وفقًا لاتفاق الرؤساء الثلاث ومصادقة البرلمان.
انقسمت البوسنة والهرسك إلى كونفيدراليَّة تحمل داخلها كيانين لكلّ كيان استقلاله:
الأوَّل: اتحاد البوسنة والهرسك ويسيطر على 51% من الأراضي المتمركز فيها البوشناق والكروات (قُسِّمت الدولة لـ 10 كانتونات إدارية)
والثاني: دولة صربيسكا بنسبة 49% من أراضي الدولة. وهناك 14 حكومة في البوسنة والهرسك، واحدة على مستوى الدولة كلها واثنتان على مستوى الكيانين، وإقليم باركوا و10 حكومات على مستوى الكانتونات ضمن فيدرالية البوسنة. كما يوجد لكلّ كيان برلمان (لا يمكن استصدار قرار من أحد البرلمانين دون موافقة الآخر) ولكل كانتون إداري برلمان أيضًا. ورغم كل ذلك يعتبر حاليًا أحد أفقر بلدان أوروبا. بالخروج إلى الوضع الحالي في سوريا ومحاولة المقارنة بينها وبين الوضع في البوسنة، يقودنا التقرير للسؤال التالي: هل الوضع في سوريا مثل الوضع في البوسنة؟
يمكننا إجمال التشابهات ثمّ الاختلافات بين التجربتين في المظاهر التالية، مع العلم أنّ الاختلافات تحديدًا ليست هي الاختلافات الوحيدة، وأن العالم الزماني والجغرافي يلعب لعبته بالطبع. فمثلًا وجود البوسنة في أوروبا غير وجود سوريا في آسيا، والعالم خلال التسعينيات غير العالم في العقد الثاني من القرن الجديد.
أبرز التشابهات:
حرب أهليَّة وإثنيَّات مُتصارعة
كانت الحرب في البوسنة حربًا أهليَّة بين ثلاثة أعراق: البوشناق المسلمون، والصرب الأرثوذوكس، والكروات الكاثوليك. بينما يمكن الحديث الآن عن الحرب في سوريا بمنحى طائفي (وإن كان ليس السبب الوحيد) فهناك الرئيس العلوي وهناك مجموعات السُنَّة المقاتلة، وهناك إيران بكلّ ثقلها الشيعي وتواجدها الكبير في سوريا وقيادتها لبعض العمليات في مواجهة المجموعات المسلَّحة. الإثنيات في سوريا ليست لغويَّة ولا عرقيَّة (بغض النظر عن أكراد سوريا بالطبع) وإنما إثنيَّة دينيَّة.
سنين الحرب وأعداد القتلى متقاربة:
استمرت الحرب البوسنية ثلاث سنوات ونصف، بينما استمرت الحرب في سوريا خمس سنوات، وهو زمن متقارب نسبيًّا، كما أنّ أعداد الصحايا، حتى الآن، متقارب نسبيًّا، إذ يعتبر القتال في سوريا كذلك أحد أكبر وأعنف الحروب الأهلية التي شهدها العصر الحديث. المجتمع الدولي صامت:
في البوسنة لم يتحرَّك المجتمع الدولي إلا بعد مجزرة سربرنيتسا المروِّعة، وبعد الملاين الذين هجروا وعشرات الآلاف من القتلى والمُغتصبين. إلى حدٍّ ما يشبه هذا الوضع الوضع الحالي في سوريا. وعندما تحرَّك المجتمع الدولي تحرك عبر خطوتين، الخطوة الأولى هي توافق دولي أولًا على ضرورة إنهاء الصراع، والخطوة الثانية إجبار الاطراف المتصارعة على توقيع اتفاقية سلام.
هل هذا ما سيحدث في سوريا؟ لنتابع إذا إلى الاختلافات. أبرز الاختلافات بين التجربتين
تدخل عسكري مباشر لأطراف خارجية:
في البوسنة كان الأمرُ واضحًا، ثلاثة أعراق تتقاتل فيما بينها، الصرب والكروات يدعمون الصرب والكروات في البوسنة والهرسك، إلا أن هذا لا يعتبر تدخلًا خارجيًّا أصيلًا، فالصرب والكروات لديهم نسبة كبيرة منهم في الداخل البوسني، وكانت البوسنة أحد مكونات الاتحاد اليوغوسلافي المنتهي. بالتالي لم يكن التدخل خارجيًا بشكلٍ كامل. حيث ظل القتال يدور بين المحليين. بينما الوضع في سوريا الآن مختلف. فالفرقاء في سوريا أطراف دولية وإقليمية كبرى تتواجد في الداخل السوري بشكلٍ واضح. أبرزهم إيران التي تدير عملياتها عبر فيلق القدس والحرس الثوري وروسيا التي تدير عملياتها من قاعدة اللاذقيَّة. أطراف أخرى لديها دعم كامل لجماعات مسلحة في الداخل السوري كالسعودية وتركيا بشكلٍ واضح. بالتالي الأمر أكثر تعقيدًا من البوسنة والهرسك.
أطراف الحلّ هم أيضًا أطراف الحرب:
يستطيع السياسيون والديبلوماسيون الابتسام أمام الكاميرات، والحديث حول المعاناة التي يعيشها الشعب السوري بسبب الحرب الدائرة، لكن هل يمكن أن نتحدث عن دبلوماسي واحد من الأطراف الدولية لا تلعب دولته كطرف في المعاناة التي يعيشها الشعب السوري؟ أطراف الحلّ في سوريا هم أطراف الحرب وهذه معضلة تظهر التباين بين سوريا والبوسنة. فالحرب في البوسنة لم يكن أطراف الحل فيها هم أطراف الحرب، فالحلول أتت من الخارج بقيادة الولايات المتحدة، بينما حاليًا وفي سوريا تجري المفاوضات من قبل أطراف تلعب بطريق مباشر أو غير مباشر في سوريا.
المعركة في سوريا ليست معركة واحدة فقط:
بينما تحارب قرابة الـ 60 جنسية (أو أكثر حسب بعض التقديرات) على الأراضي السورية، لا يبدو من السهل التوصُّل لحلٍّ فيها، لأن المعركة هناك أكثر من معركة واحدة:
هناك معركة المعارضة المسلحة مع النظام كبداية. هناك معركة الفصائل المقاتلة نفسها والمعارضة للأسد بينها وبين بعضها، بسبب مواقف أيديولوجية/دينية في أغلبها. هناك المعركة الأكبر، تحديدًا المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
يبدو هنا السؤال الأكثر وجاهةً: إذا استطاع الفرقاء الدوليون التوصل لحلّ في سوريا مع الفصائل المسلحة والنظام، كيف ستتوصل إذن لحلّ مع داعش؟!
هل يكون الحلّ في سوريا عبر دايتون جديدة؟
ينصح الرئيس البوسني ووزير خارجيتها السابق حارث سيلايديتش السوريين أن يحاولوا البحث عن اتفاقيَّة على غرار اتفاقيَّة دايتون.
يظهر الآن بشكلٍ متزايد أنّ الفرقاء الدوليين في سوريا يحاولون الخروج باتفاقية دايتون جديدة تنهي الصراع الحالي في سوريا، فهل يمكن أن يحدث هذا؟ الرئيس البوسني السابق حارث سيلايديتش في أحد المنتديات عن الوضع في سوريا قال إن على السوريين أن يحاولوا البحث عن اتفاقية مثل اتفاقية دايتون، رغم أنها كانت تجربة مُرة على البوسنة لأنها مجحفة لكنَّها أفضل من الحرب بلا شكّ. مع اقتناع الرئيس السابق باختلاف السياق التاريخي للبوسنة والهرسك. بعد أن سردنا نقاط التشابه والاختلاف بين التجربتين، نسعى الآن لسرد الأسباب التي قد تمنع ظهور «دايتون جديدة» في سوريا استنادًا إلى تقرير لمركز ستراتفور تحت عنوان: عوائق كبرى في طريق البحث عن حل في سوريا
أولًا: وافقت المجموعة الدوليَّة لدعم سوريا الأسبوع الماضي على جمع ممثلين للنظام السوري وممثلين للمعارضة في 1 يناير القادم. وضعت المجموعة جدولًا زمنيًّا للعملية الانتقالية في سوريا، كالتالي:
1 ديسمبر القادم سوف تجتمع المجموعة لاستعراض التقدم الذي أحرزته. 1 يناير تجمع الأمم المتحدة المعارضة والنظام في مفاوضات رسمية. 14 مايو 2016 يبدأ وقف إطلاق النار بين الطرفين، ويبدأ الإعداد للدستور الجديد. 14 مايو 2017 تجري انتخابات وفقًا للدستور الجديد وتعلن حكومة جديدة للبلاد. ثانيًا: تمثيل المعارضة؛ بدأت المفاوضات في فيينا دون تمثيل لأيٍّ من الفصائل المسلَّحة، فقد أرادت الولايات المتحدة تقليل الاحتكاك خلال المحادثات. يمكن أن تكون هذه خطوة ديبلوماسيَّة بارعة جدًّا، وتعتبر هذه هي الخطوة الأولى وهي جمع الفرقاء السياسيين واللاعبين الرئيسيين في سوريا على كلمة واحدة. لكنّ هذه الكلمة لا يمكن تعميمها على جميع الفصائل المعارضة.
كذلك فإن تنظيمات مثل «جبهة النُّصرة» التي تُدرج على قوائم الإرهاب كيف يمكن تمثيلها في المفاوضات؟ هل ستجلس معهم في المفاوضات إذا طلبوا منها ذلك؟ باختصار هناك «أيديولوجيات دينية وسياسية وعرقية» متحاربة في سوريا من الصعب التأليف بينها وإخضاعها لطاولة مفاوضات واحدة. كذلك فإنّ ارتباط هذه الفصائل المسلَّحة بدول أخرى في الخارج سيجعل هناك مشكلة أخرى متعلقة بمَن مِن هذه الفصائل سيتمّ تمثيله على طاولة المفاوضات؟ بالطبع ستدفع كلّ دولة تجاه الفصيل الذي تدعمه، من المشكلات الأخرى إيقاف الإمدادات التي تقدمها الدول الإقليمية والكبرى في الداخل السوري، فبينما يتعلّل الجميع بأنّ هذه الإمدادات إنما تمدها بهم من أجل محاربة داعش، فإن هذا الصوت لا يكونُ مسموعًا في المعارك على الأرض.
ثالثًا: المسألة الكردية:
وفقًا لتقرير ستراتفور فإن المسألة الكردية لا يبدو أنَّها تمّ تداولها من الأساس في المفاوضات، في حين من المتوقع أن يحاول الأكراد الضغط للدفع نحو الحصول على حكم ذاتي، بينما تتحفظ تركيا من أي تحرك للأكراد خصوصًا الأكراد السوريين الذين دعمهم النظام في بدايات الثورة لإقلاق تركيا، من الممكن إذن أن تضغط دول موالية لبشار الأسد من أجل تمثيل الأكراد، وربما الحديث عن حكم شبه ذاتي لهم.
رابعًا: داعش:
لا يبدو أن المجموعة تضع داعش على سُلم أولوياتها، لا يعلم أحد حتى الآن ما هو الحلّ الذي تقترحه المجموعة مع داعش؟
فبعد أن استطاعت داعش تنفيذ هجمات مسلَّحة في عواصم غربية مثل باريس، أصبحت خطرًا كبيرًا يهدد ليس فقط الدَّاخل السوري وإنما الدَّاخل الأوروبي أيضًا. على جانب آخر تقاتل جميع الفصائل المسلحة تقريبًا ضد داعش، مع إدراج بعض هذه الفصائل على قوائم الإرهاب كجبهة النصرة هل يتوقع أن يكون هناك حلّ لمعضلة داعش؟ التي قد يمكِنُها توسيع تحالفاتها مع منظمات أخرى مدرجة كإرهابية؟
بعد كل هذه الأسباب يبقى السؤال: هل سيوافق الشَّعب السوري أن يقود بشَّار الأسد المرحلة الانتقاليَّة؟ هذا بُعدٌ آخر. وهل يمكن التخلص من الطائفية باعتبار وجود نظام جديد؟
إذا استطاعت مجموعة دعم سوريا الخروج بنظام سياسي يكفل وحدة سوريا ويُنهي الحرب، على غرار «اختراع» نظام سياسي يليق بالبوسنة والهرسك في اتفاقيَّة دايتون، فهل سيستطيع هذا النظام الجديد الخروج بسوريا من دائرة الطائفيَّة التي أصبحت أوسع كثيرًا بعد هذه السنين من الحرب؟ الجواب هذه المرَّة سيأتينا من البوسنة والهرسك ونظام اتفاقية دايتون.
كما أسلفنا خلال التقرير خرجت البوسنة والهرسك من الاتفاقية بنظام جعل لها ثلاثة رؤساء لكل عرق رئيس (كل رئيس لثمانية أشهر) وكيانين لكلٍ منهما برلمان خاص، لا يستطيع أحد البرلمانين أخذ قرار إلا بموافقة الآخر. و10 كانتونات إدارية لكلٍ منها برلمان، هذه التقسيمة لم تكن جيِّدة بالطبع، فالبوسنة والهرسك أحد أفقر بلاد أوروبا، كما أنَّها لم توفَّق حتى الآن في دخول الاتحاد الأوروبي. كما أن الرئيس البوسنيّ حينها علي عزت بيغوفيتش وبعض وزرائه الذي عاشوا كثيرًا بعده كانت كل تصريحاتهم عن الاتفاقية أنهم وقَّعُوا عليها مجبرين، فقط لأنها ستنهي الحرب، وليس لأنَّها منصفة أبدًا.
أثر هذا التقسيم الطائفي للبوسنة والهرسك جعل مدينة كمدينة موستار منقسمة بين البوشناق المسلمين والكروات. في شرق المديرنة الأغلبية الكرواتية وفي الغرب يستوطن الأقلية البوشناق. المستشفيات والجامعات وأغلب مرافق المدينة منقسمة انقسامًأ طائفيًّا!
في أحد تصريحات مفتي المدينة قال التالي:
موستار مدينة واحدة، ولكنها في الواقع، مقسَّمة مع الأسف الشديد، فهي لا تزال تحمل اسمين، موستار الشرقية والتي يقطنها المسلمون، وموستار الغربية التي يهيمن عليها الكروات. حتَّى المؤسسات الرسمية مقسمة، المدارس مقسمة، هناك مدارس رسمية وكليات تحت سيطرة الكروات، ونادرًا ما تجد غير الكروات بهذه المؤسسات التي أعطيت لها صبغة كرواتية من الناحية الإثنية، وصبغة كاثوليكية من الناحية الدينية، ولذلك يلجأ الكثير من المسلمين المقيمين في ممتلكاتهم بالجزء الغربي لإرسال أبنائهم للدراسة عندنا في الجانب الشرقي. وعندما نتحدث عن التقسيم، فإننا نتحدث عن تقسيم شامل وكلي، بما في ذلك الكهرباء، والأنشطة الثقافية كالمسرح.
مُلخَّص:
هل يمكن الحديث الآن عن حل لسوريا مثل حلّ البوسنة والهرسك باتفاقيَّة دايتون؟
فمن ناحية ستكون هناك صعوبة في تحقيق مثل هذه الاتفاقية للأسباب السالف ذكرها والتي تعتمد على اختلاف الوضع في سوريا عنه في البوسنة والهرسك في التسعينيات. ومن ناحية أخرى لا يبدو خيار اتفاقية كاتفاقية دايتون تحاول الحفاظ على وحدة سوريا ولكن عبر تقسيم عرقي كما في البوسنة خيارًا جيِّدًا، خصوصًا في منطقة تموج بالتطرف الديني والمذهبي والعرقي كالشرق الأوسط.
ساسة بوست
محمد السلومي
المرصد الاستراتيجي
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
نبيل العتوم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة