..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

الالتفاف على ثوابت الأمة بحجة مواكبة العصر

أحمد ولد الحسن ولد إديقبي

٢٧ مايو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2960

الالتفاف على ثوابت الأمة بحجة مواكبة العصر
ادبقي 99.jpg

شـــــارك المادة

تتعرض الأمة الإسلامية اليوم لحملة جائرة وشرسة من من يسمون أنفس ب"دعاة التجديد وغربلة التراث" أو"التنويريين" أو"الإسلاميين الليبراليين" تتمثل في قلب المعاني وتزوير الحقائق مصورة الخير شراً، والشر خيرا والمعروف منكراً، والمنكر معروفا ، بإشاعة جملة من المصطلحات التي يراد لها أن تنتشر بين الناس فتألف مثل "التسامح الديني - التعايش الحضاري - تخفيف التوتر - ضبط النفس - الانكفاء الديني - الحرية المطلقة... تجديد وتنقيح التراث ...إلخ"

هذا مع تخويف الناس من الشعائر والأخلاق التي يمليها عليهم دينهم وأوجبها ربهم بالإضافة لحظر مصطلحات شرعية وألفاظ قرآنية، فبمجرد أن تستعمل في خطابك الدعوي كلمات مثل: "الكفار - الجهاد- الولاء والبراء - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" توجَّه إليك السهام بأن في فهمك تخلفاً وأنك من المحرضين على العنف وممن ينشرون الكراهية بين الأمم ومن خلال حرب المصطلحات هذه يسمون جهاد الدفع إرهاباً والصدقات تمويلاً للإرهاب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطرفاً وتشدداً في حين أن المنظمات التنصيرية وماتقوم به في البلاد الإسلامية من أعمال يصفونها بالإنسانية ولايعتبر تمويلا للإرهاب بل لهم الحرية في مايقومون به وفي المقابل نجد التضييق على المنظمات والهيئات الخيرية الإسلامية وإرهابها بتهمة الإرهاب، وتخويف المحسنين من المسلمين حتى يكفوا عن بذل أموالهم لنفع إخوانهم ..

ازدواجية في المعايير لاتجد لها تفسيرا لها ومن صور مطالبة هؤلاء بتغيير ثوابت الأمة التي لا تقبل تغييراً ولا تبديلاً

- المطالبة برفض تطبيق الحدود التي فيها رجم أو قتل أو قطع عضو إلا بعد الإصرار والمعاودة والتكرار، ويأتون بِشُبَهٍ من هنا وهناك.

- إباحة الربا في البنوك بحجة الحفاظ على اقتصاد البلاد، وأن الربا المحرم عندهم هو الربح المركب.

- المطالبة بتحرير المرأة ومحاكاة المرأة الغربية في عاداتها، وإلى الثورة على الحجاب الشرعي

- المطالبة بإلغاء أحكام أهل الذمة بحجة أنها لا تناسب العصر

إن مزاعم تجديد النص وغربلة التراث التي يرفع هؤلاء "التنويريون" لواءها كشفت الحقيقة جلية وهي أن التجديد لديهم يعني تطوير الدين على طريقة عصرنته وتغريب قيمه ومبادئه فالتجديد عندهم يعني:

-هدم العلوم المعيارية: أي علوم التفسير المأثور وأصوله، وعلم أصول الفقه، وعلم مصطلح الحديث

- رفض الأحاديث الصحيحة جزئياً أو كلياً بحجة ضرورة ملاءمتها لعقولهم القاصرة ولمصلحة الأمة، وظروف العصر الحاضر

- رفض السنة غير التشريعية أي: فيما يخص شؤون الحكم والسياسة وأمور الحياة والمجتمع عموماً.

- الانعتاق من إسار الشريعة إلى بحبوحة القوانين الوضعية، التي تحقق الحرية والتقدم، ولذلك هاجموا الفقه والفقهاء بلا هوادة.

-الاجتهاد والتجديد عندهم يعني: تحقيق المصلحة وروح العصر

ومما سبق يتبين خطر هذا الفكر الإنهزامي المصحوب بالجهل بالدين وبالهوى والشهوة والإلتفاف على الثوابت بحجة مسايرة الواقع وأن له آثاره الخطيرة على الدين والدنيا من ذالك:

* فقدان الهوية وذوبان الشخصية الإسلامية، فتجد صاحب هذالفكر يعيش في عنت وشقاء وتعاسة بخلاف المستسلم لشرع الله عز وجل الرافض لما سواه المنجذب إلى الآخرة فلا تجده إلا سعيداً قانعاً مطمئناً باحثا عن ما يرضي ربه فيفعله، ومايسخطه فيتركه غير مبالٍ برضى الناس أو سخطهم.

* أن التنويري المطالب بمواكبة العصر ومسايرة الواقع ولو خالف شرع الله عز وجل يتحول بمضيِّ الوقت واستمراء مواكبة العصر ولوخالفت الشرع إلى أن يألف المخالفة ويرضى بها ويختفي من القلب إنكارها، وما وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. كما أن هؤلاء لا تقف بهم الحال عند حد معين من المواكبة والمسايرة والتنازل والتسليم للواقع، بل إن الواحد منهم ينزل في مسايرته خطوة خطوة؛ وكل مخالفة يساير فيها الغرب تقوده إلى أخرى.. وهكذا حتى يظلم القلب ويصيبه الران -أعاذنا الله من ذلك-؛ ذلك أن من عقوبة المعصية معصية بعدها، ومن ثواب الحسنة حسنة بعدها كماذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى : "وقد ذكر في غير موضع من القرآن ما يبين أن الحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى، وكذلك السيئة الثانية قد تكون من عقوبة الأولى، قال - تعالى -: (ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وإذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * ولَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) وقال - تعالى -: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وقال -تعالى -: (والَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ *سَيَهْدِيهِمْ ويُصْلِحُ بَالَهُمْ * ويُدْخِلُهُمُ الجنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) وقال - تعالى -: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء) وقال - تعالى -: (..كِتَابٌ مُّبينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) وقال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ويَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ويَغْفِرْ لَكُمْ) وقال - تعالى -: (وفِي نُسْخَتِهَا هُدًى ورَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) " (الفتاوى، (14/245)

وما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله في هذا المعنى: "ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق، وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسيراً لا يملك أن يقف عند ما سلَّم به أول مرة؛ لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء" الظلال

* أثره على العمل للدين:

فالعامل للدين حينما يركب هذه الموجة بدعوى ضرورة التجديد ومسايرة الواقع يفقد مصداقيته عند نفسه وعند الناس، وإن لم يتدارك نفسه فقد ييأس ويخسر ويتيه في أودية التفريط ؛ إذ كيف يساير الواقع من هو مطالب بتغيير الواقع وتسييره؟! وكلما كثر المسايرون كثر اليائسون والمتساقطون؛ وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف العمل للدين بل قد تؤدي بالمساير للواقع أحيانا إلى السخرية من الناصحين له يقول ابراهيم السكران واصفا هذه الحالة : "الحقيقة أن اﻹنسان منذ أن يتعثر في أودية التفريط تحاصره لسعات التأنيب االداخلية .. ومن أشد مايؤذيه لحظات اﻹخلاد الهادئة حين يستعرض شريط التناقض بين المطلوب والواقع ..النفس البشرية عادة تندفع باتجاه اﻹنسجام الداخلي والتخلص من التناقضات فإماأن يعدل اﻹنسان سلوكه لينسجم مع قناعته وهذا هو سلم الصلاح وإماان يعدل من قناعته لتنسجم مع سلوكه وهذه منحدرات الضلال "

إن الدعوة لمسايرة الواقع وعادات الغرب وتقاليده ومراعاة رضا الناس وسخطهم بحجة المصلحة فتنة لا يستهان بها وقد سقط فيها كثير من الناس وضعفوا عن مقاومتها، والموفق من ثبته الله - عز وجل - كما قال - تعالى -: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ)

يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - عن هذه الآية: "تحت هذه الآية كنز عظيم، من وفق لمظنته وأحسن استخراجه واقتناءه وأنفق منه فقد غنم، ومن حرمه فقد حرم".

وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قال له ربه - تبارك وتعالى-: (ولَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً)، فسواه من الناس أحوج إلى التثبيت من ربه - تعالى -، وفي هذا تأكيد على أهمية الدعاء وسؤال من بيده التثبيت والتوفيق وهو الله - سبحانه وتعالى فالقابض على دينه اليوم المستعصي على الرضوخ لهذا الفكر في جهاد مرير مع نفسه ومع الناس كالقابض على الجمر، ولعل هذا الزمان هو تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي: ((يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر)).

وإن مما يعين المرء على هذه المشقة الشديدة والصبر العظيم هو عظم الأجر الذي يناله القابض على دينه المستعصي على مسايرة هؤلاء في باطلهم قال صلى الله عليه وسلم ((فإن من ورائكم أيام الصبر. الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله))، وزاد في غيره قال: "يا رسول الله أجر خمسين منهم"؟ قال: ((أجر خمسين منكم)) كمافي الترمذي وابوداوود وبن ماجه

 

 

منتدى المفكرين المسلمين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع