عارف حاج يوسف
تصدير المادة
المشاهدات : 4435
شـــــارك المادة
أسوةً بغيرها من المدن، مرّت حلب بمراحل الثورة التي شهدتها سوريا، كالتظاهرات الصغيرة وحملات المناشير، والكتابة على الجدران، والمظاهرات الطيارة، وصولاً إلى المظاهرات الحاشدة التي كانت تجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين ظهيرة كلّ يوم جمعة في أحياء صلاح الدين وبستان القصر والسكري والشعّار والأشرفية وغيرها.
بدأ تواجد السلاح بشكل سرّي بسبب المداهمات الليلية والاعتقالات التي قامت بها قوات الأمن، التي طالت أعداداّ كبيرة من المدنيين الذين نشطوا في أعمال معارضة للنظام السوري، كتنظيم الحالة المعارضة الشعبية في نشاطات منظّمة كالمظاهرات وغيرها.
قمعت قوّات النظام المظاهرات بالرصاص، ما أدّى إلى مقتل أعداد كبيرة من المتظاهرين، وارتقى عدد كبير من هذه الأعمال القمعية الشرسة إلى مستوى المجازر الجماعية.عدا القمع المباشر للمظاهرات والاعتصامات، سُجّل عدد كبير من الاعتقالات، كما وُثّق عدد كبير من حالات القتل تحت التعذيب، كما مارست ميليشيات الشبيحة والأجهزة الأمنية سياسية اختطاف ممنهجة لابتزاز الناس.
شكّلت هذه الممارسات سبباً كافياً للبعض لحمل السلاح «للدفاع عن المتظاهرين العُزّل» كما أعلنت الكثير من الكتائب إبّان تشكيلها.
أسست هذه الكتائب مقرّاتها السرية الأولى في ريف حلب، حيث عقدت اجتماعاتها وخبأت أسلحتها نظراً للضغط الأمني في المدينة آنذاك. لكنّ هذه السرية لم تدم طويلاً، إذ أنّ تواجد بعض قطع السلاح بين أيدي متظاهري الريف شكّل ذريعة رآها النظام مناسبة للتصعيد ضد معارضيه، فبدأت قوات الجيش النظامي بإرسال أرتال عسكرية مرفقة بالدبابات وناقلات الجند إلى مناطق الريف الشمالي، التي نشطت فيها الكتائب المعارضة، وقامت بعدّة عمليات داخل مدينة حلب.
إقحام الجيش في قمع الانتفاضة الشعبية شكّل نقطة تصعيد مهمّة، حيث اقتصرت مهمة القمع تلك في المراحل الأولى من الثورة على الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية «الشبيحة».
بدأت مدينة أعزاز، على الحدود السورية التركية، معركة تحريرها على أيدي أبنائها المدنيين ممّن حملوا السلاح، مدعومين بأبناء مناطق أخرى في الريف وبعض المنشقين عن جيش النظام. تُعد أعزاز أول مدينة محررة من النظام في محافظة حلب، وثاني مدينة (بعد عندان) تحمل السلاح للتصدي للنظام. في التاسع عشر من تموز عام 2012، وبعد مرور 19 يوماً على بدء معركة التحرير، وقعت أعزاز بأيدي الثوار، حيث شارك في تحريرها عدد من الكتائب التي ينتمي غالبية أفرادها للريف الحلبي (لواء ثوار الشمال، أحرار عندان، كتيبة الخال). بعدها، بدأت معارك تحرير الريف، فنشبت معارك في حريتان وعندان والأتارب وتل رفعت ودارة عزة والباب، شارك فيها أبناء هذه المناطق بمؤازرة عسكرية من باقي كتائب الأرياف المتوزعة في المناطق المحررة. لم تكُن هذه المعارك كمعارك مدينة حلب التي تلتها، إذ أن تحرير العديد من القرى لم يكن يتطلب أكثر من السيطرة على مخفر الشرطة أو المفرزة الأمنية لكل قرية.
لم تستطع قوات النظام الصمود أمام المدّ الشعبي الريفي الذي اتخذ المقاومة المسلحة كمنهج تحريري، فرغم أن الكتائب المسلحة في الريف كانت قليلة ومتوارية، ولم تكن تملك من السلاح والذخيرة ما تملكه الآن أيّ كتيبة صغيرة (رشاش الكلاشينكوف الروسي، وسلاح «البمب أكشن» الأميركي، وبعض قواذف «آر بي جي») إلا أنّ الحاضنة الشعبية لهذه الكتائب، التي شكلت نسبة كبيرة من أهالي الريف الحلبي، ساهمت بشكل كبير في إحكام السيطرة على مساحات شاسعة من الريف الحلبي.
اختلفت المُعطيات في مدينة حلب، إذ استمر الحراك السلمي فترة طويلة، وتصدّرت جامعة حلب مشهد التظاهر السلمي، وتنوّع المشاركون في هذه المظاهرات من طلاب جامعة حلب، التي احتوت دوماً على طلّاب من مختلف مناطق سوريا بتنوّع أديانها وطوائفها وأعراقها. ورغم الضغط الأمني الهائل الذي مُورس على الحراك الحلبي، من اعتقالات وانتشار للشبيحة واللجان الشعبية في أماكن التظاهر، إلا أن عدد المتظاهرين في حلب وصل إلى عشرات الآلاف مع عام 2012.
بدأ الحراك المسلّح في حلب بكتائب صغيرة شُكّلت بشكل سري، لا مقرات لها وغير معروفة العناصر، وأقيم ما يعرف بـ «الخلايا النائمة»، حيث شُنّت عمليات اغتيال لشخصيات أمنية وقادة اللجان الشعبية «الشبيحة». من أهم هذه الخلايا ما عُرف لاحقاً بكتيبتي «أبو عمارة» و«الأبابيل» و«لواء حلب المدينة».
استمرّ طابع «الجيش الحر»، بوصفه امتداداً مسلّحاً للمجتمع المحلي، غالباً على التشكيلات المقاتلة في البداية، مستنداً إلى التديّن الشعبي كسند روحي، دون أن يتطوّر إلى إيديولوجيا ومشروع سياسي ناجز إلا لاحقاً.
أفرج النظام عن معتقلي صيدنايا، الذين شكّلوا عدداً من المجموعات ذات الإيديولوجيا الإسلامية الواضحة. تطورت بعض المجموعات هذه إلى أن أضحت بشكل وحجم حركة أحرار الشام وألوية صقور الشام وجيش الإسلام. في ذات الوقت، كثّف النظام من اقترافه للمجازر ذات البُعد الطائفي، وتضاعف الاعتماد على إيران كسند إقليمي، كما دخل تنظيم القاعدة وحزب الله والحرس الثوري الإيراني على خط الصراع. حينها أيضاً، شارك الإخوان المسلمون السوريون في دعم مجموعات مقاتلة في سوريا. ساهمت كل هذه العوامل في إفراز ظواهر عسكرية-إيديولوجيّة دينية، تطورت إلى أشكال مختلفة من الفصائل، وبعض هذه الفصائل انتهى وجوده كأسماء، في حين ترسّخ وجود بعضها الآخر في سوريا. تلا ذلك بدء إرسال الدعم الحكومي الغربي والأميركي لمجموعات سورية بقيت ضمن هيكلية الجيش السوري الحُر، عبر هيئة أركان الجيش الحُر والمجالس العسكرية للمحافظات.
اليوم، وبعد سنتين ونصف تقريباً من بدء تواجد السلاح في الانتفاضة الحلبية، نستطيع أن نحصي العديد من الكتائب والألوية والتجمعات العسكرية بأشكالها الحالية، الناجمة عن تحالفات وصراعات داخلية، وصراعات بين الفصائل. كيف تشكّلت هذه المجموعات، وكيف وصلت إلى ما هي عليه الآن من إيديولوجيا وخطاب وأشكال وأسماء مختلفة؟ أين يتوزّع مقاتلوها، ومن أين تنحدر أصولهم، وضدّ مَن يُقاتلون، وكم أعدادهم؟ من هم القادة؟ في أيّ ظروفٍ تشكّلت هذه الفصائل؟ ومن أين استَقت مصادر تمويلها؟ وما هي مشاريعها الفكرية والسياسية؟
أعلن عن تشكيل الجبهة الاسلامية في الثاني والعشرين من تشرين الثاني 2013، وضمّت فصائل إسلامية تعمل في كل المناطق التابعة لسيطرة المعارضة في سوريا (لواء التوحيد، حركة أحرار الشام الإسلامية، ألوية صقور الشام، جيش الإسلام، لواء الحق، أنصار الشام، الجبهة الإسلامية الكردية). تواجدت الجبهة الإسلامية في حلب عبر فصائل التوحيد وحركة أحرار الشام، ومن ثمّ لواء أحرار سوريا، الذي انضم للجبهة منتصف عام 2014.
يتمركز لواء التوحيد في حلب وريفها، وتم الإعلان عن تشكليه في الثامن عشر من تموز 2012 في ريف حلب الشمالي بهدف توحيد الكتائب المقاتلة في الريف تحضيراً لمعركة حلب، وضمّ في تلك الفترة عدداً كبيراً من كتائب الريف، التي كان لها الدور الرئيس في سيطرة المعارضة على الريف الحلبي. ضمّ اللواء كلاً من كتائب الباب ومنبج وعندان وحريتان وجرابلس ورتيان وبيانون وحيان ودارة عزة وقبتان الجبل وعنجارة ومعارة الأرتيق ودابق ودير حافر وأعزاز ودير جمال وكتائب الشهباء في حلب ولواء أحرار الشمال (الذي كانت له اليد الطولى في معركة أعزاز)، ويُعتبر النواة الأولى للواء التوحيد. وقد قال بيان التشكيل، الذي تلاه عبد العزيز سلامة، القائد العام للواء، أن لواء التوحيد «يهدف إلى العمل العسكري الجماعي والمنظّم سعياً لإسقاط النظام، وحماية المدنيين والأملاك العامة والخاصة، ومحاسبة كل من يعتدي على المدنيين، ومساعدة كل من يريد الانشقاق عن جيش النظام». عُين عبد القادر الصالح، ابن مدينة مارع، قائداً للعمليات العسكرية التي تتم باسم لواء التوحيد.
الصالح، ولقبه «حجّي مارع»، قاد العديد من المعارك ضد قوّات النظام، أهمها معارك تحرير أعزاز الحدودية ومدن الراعي وجرابلس وحريتان. كان لواء التوحيد من أوائل المجموعات التي دخلت إلى الطرف الغربي لحلب بعد أن بدأت الاشتباكات بين ثوار حي صلاح الدين وقوات النظام.
تمكن لواء التوحيد من إدخال 275 مقاتلاً في اليوم الأول للمعارك بتاريخ 20-7-2012 بقيادة أحمد يوسف الجانودي – الذي قتل في وقت لاحق على أيدي قوات النظام – فيما دخل الصالح مع نحو 500 مقاتل في اليوم التالي إلى الأحياء الشرقية، حيث كان لواء التوحيد عنصراً أساسياً من عناصر تحرير الطرف الشرقي من المدينة خلال ساعاتٍ قليلة، حيث شارك الصالح في السيطرة على المراكز الأمنية في النيرب والشعار وطريق الباب وهنانو والصالحين ومقر الجيش الشعبي. شارك لواء التوحيد بقوّة، أيضاً، في معارك السيطرة على ثكنة هنانو واللواء 80 ومدرسة المشاة.
في الفترة ما بين تشكيل لواء التوحيد وأواخر 2013، حين قُتل «حجي مارع»، القائد العسكري للواء، كان لواء التوحيد يضم في صفوفه أكثر من عشرة آلاف مقاتل، ذوي تسليح خفيف ومتوسط لا بأس به، من رشاشات ثقيلة وقاذفات صاروخية مضادة للدروع، والقليل من السلاح الثقيل المصادر من مخازن ومراكز الجيش السوري النظامي، كناقلات الجند و الدبابات. كان «التوحيد» يُعتبر الفصيل الأقوى في مدينة حلب، حيث سيطر على 70 % من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في المدينة، بالإضافة لقتاله على أكثر جبهات حلب عنفاً، مثل المدينة القديمة وصلاح الدين وسيف الدولة والعامرية ومدرسة المشاة والسجن المركزي ومطار النيرب العسكري، كما شارك اللواء بقيادة الصالح في معارك كبرى خارج حلب، مثل معركة القصير في ريف حمص ضد الجيش وعناصر حزب الله اللبناني، ومعركة «قادمون يا حماه» في ريف حماه. كما ضمّ في صفوفه، تنظيمياً، عدداً لا بأس به من الكتائب التي كانت تقاتل في مناطق مختلفة من سوريا.
أصيب الصالح خلال قصف جوّي بجروح بليغة، نُقل على إثرها إلى مدينة غازي عنتاب التركية. أعلن عبد العزيز سلامة، القائد العام للواء التوحيد، عن وفاة عبد القادر الصالح في 18 تشرين الثاني 2013، وأثّر الخبرعلى قوّة لواء التوحيد بشكل كبير، حيث تراجع زخم اللواء بشكل ملحوظ حتى بعد تعيين الشيخ «أبو توفيق» قائداً عسكرياً بديلاً للصالح، وهو ابن مدينة تل رفعت في الريف الشمالي. تراجع حضور لواء التوحيد في مدينة حلب أكثر بعد أن دخل في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في حلب وريفها، ما اضطره لسحب عدد كبير من قواته المتواجدة في حلب وإرسالها إلى قرى الريف الشمالي والشرقي لصدّ هجمات التنظيم المتطرف عليها.
يُشار إلى أن لواء التوحيد لم يشارك في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية عند بداية المعارك ضده في حلب، متلاقياً في هذا الموقف مع باقي فصائل الجبهة الاسلامية، التي أعلنت في البداية وقوفها على الحياد، لكن اعتداءات داعش على جميع مقاتلي الفصائل الأخرى، وبينهم مقاتلي لواء التوحيد، أدّى لتغيير هذا الموقف وصدور قرار قياديي التوحيد بخوض هذه المعركة. كان هذا عاملاً مهماً من عوامل استنزاف قوة لواء التوحيد إلى الحدّ الذي نراه عليه اليوم.
يقتصر تواجد لواء التوحيد الآن على جبهات المدينة القديمة وسيف الدولة (وهي جبهات هادئة نسبياً)، وفي بعض المقرات العسكرية في مارع وعندان، المعقلَان الأساسيّان للواء التوحيد، كما يسيطر مقاتلو التوحيد، وإن تحت اسم الجبهة الإسلامية، على معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا قرب أعزاز بعد انصهار ما تبقّى من لواء عاصفة الشمال ضمن تشكيلات الجبهة الاسلامية. تأسس لواء عاصفة الشمال في أعزاز، وخاض معركة تحريرها، ثم تمركز في عدّة أحياء حلبية مثل بستان الباشا والهلّك قبل أن يشنّ تنظيم داعش حملةً عسكرية على مقرّات اللواء في أعزاز، ما أضعف لواء عاصفة الشمال، واضطره للانصهار ضمن تشكيلات عسكرية أخرى.
يمتلك لواء التوحيد مؤسسة أمنية شُكّلَتْ أواخر عام 2013، مكوّنة من شرطة عسكرية تهتم بشؤون الأمن العام ومراقبة التجاوزات التي ترتكبها فصائل المعارضة المسلحة، كما تعمل على فض النزاعات بين المدنيين؛ وفرع أمن الطرق، الذي يتولّى تأمين طرق المواصلات وحمايتها من قطّاع الطرق عن طريق تواجد 15 حاجز أمني في الريف الشمالي لمدينة حلب؛ وفرع أمن الصناعة، الذي عمل على حماية الممتلكات في المنطقة الصناعية في الشيخ نجّار قبل أن تتحوّل هذه المنطقة إلى جبهة قتال، ويسيطر النظام عليها لاحقاً.
قبل الإعلان عن تشكيل لواء التوحيد، كان تمويل الكتائب المقاتلة الصغيرة يعتمد على مصادر ذاتية، ورجال أعمال مستقلين من سوريين مقيمين في المغترب، أو خليجيين داعمين للثورة السورية، لكن تأثير المال الخليجي- الإخواني كان جلياً بعد تشكيل اللواء، حيث بدأ التمويل يصل من قطر عبر شخصيات محسوبة على الإخوان المسلمين في المجلس الوطني السوري، مثل أحمد رمضان. بدأت الرايات الإسلامية بالظهور في جبهات اللواء وفي مقرّاته العسكرية وسياراته، ثم غُيّر شعار اللواء، فسُحب منه اللون الأخضر والنجوم الحمراء الثلاث، وأضيفت عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» إليه.
كان النفس الإسلامي يبدو جلياً في إيديولوجيا لواء التوحيد منذ تأسيسه، نظراً لطبيعة تكوين عناصره ذوي الغالبية الريفية المحافظة. وأُعلنت الأهداف الأساسية له، حسب ما ذكر عبد العزيز سلامة في بيان التشكيل «إسقاط النظام و حماية المدنيين»، ولم تكن هناك أهداف سياسية مطروحة بوضوح في خطاب اللواء في مراحله الأولى.
تغيّر هذا الأمر حين أعلن عبد القادر الصالح، عبر لقاء تلفزيوني مع تيسير علوني في قناة الجزيرة رداً على سؤال الصحفي الشهير عن رؤية لواء التوحيد لشكل الدولة في المستقبل «نحن نسعى لأن تكون سوريا دولة إسلامية ومعتدلة. أين المشكلة في أن نسعى لسوريا إسلامية وطنية تراعي حقوق الأقليات، ونعيش فيها نحن وهؤلاء ضمن نسيج واحد؟ نريد أن يكون التشريع الإسلامي هو المصدر الوحيد للدستور، لكننا لن نفرض ذلك بالقوة».
تبنّى لواء التوحيد «مشروع أمة»، وهو ميثاق «الجبهة الإسلامية» بعد انخراطه فيها. يؤكد ميثاق «الجبهة الإسلامية» على إسلاميّة سوريا بعد سقوط النظام، ذلك عبر بناء دولة إسلامية تكون السيادة فيها لـ «لشرع الله» وحده، مرجعاً وحاكماً وموجهاً وناظماً لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة، كما رفض مصطلحات «العلمانية والديموقراطية والدولة المدنية» رفضاً قاطعاً لما فيها من «تناقض مع الدين الاسلامي» كما جاء في نص الميثاق .
تمخّض اتحاد أربعة فصائل إسلامية سورية كانت تقاتل بشكل مستقل، وهي «كتائب أحرار الشام» و«حركة الفجر الإسلامية» و «الطليعة الإسلامية» و«كتائب الإيمان» عن تشكيل «حركة أحرار الشام الإسلامية» في الشهر الأول من عام 2013. تقاتل الحركة في معظم المناطق السورية، ويُقدَّر عدد مقاتليها على كامل امتداد الأراضي السورية بحوالي 25 ألف مقاتل.
نشأت حركة أحرار الشام في مدن وقرى محافظة ادلب، ثم توسّعت إلى ريف حلب، ومنه إلى جبهات المدينة.
شاركت حركة أحرار الشام في القتال على جبهات مدينة حلب عندما كانت تقاتل تحت اسم «كتائب أحرار الشام» قبل الاندماج وتشكيل الحركة. نشطت أحرار الشام في حلب بعد تحرير جزء كبير من المدينة على أيدي مقاتلي لواء التوحيد، مدعومين بثوار المناطق الريفية التي تم تحريرها في ذلك الوقت (تموز 2012). تواجد مقاتلو الحركة، المنحدرين بشكل رئيسي من أصول ريفية حموية وإدلبية، على جبهات سيف الدولة وصلاح الدين ومطار النيرب العسكري.
أنكرت حركة أحرار الشام دوماً وجود مقاتلين أجانب في صفوفها، لكن التقارير الميدانية أثبتت وجود عدد محدود منهم في صفوف الحركة. يشار إلى أن عدد مقاتلي حركة أحرار الشام في حلب بقي ضئيلاً، حيث لم يتجاوز 500 مقاتل. لم يشارك مقاتلو الحركة في معارك تحرير الريف الحلبي، حيث دخلوا إلى المدينة بعد السيطرة على أحيائها الشرقية، وكان لهم تواجد ضئيل في قُرى عندان وأعزاز خلال معارك تحرير مدن الريف الشمالي، حيث شاركوا مع الكتائب المحلية في المعارك التي حصلت في بداية 2012.
حاولت الحركة استقطاب ألوية من الريفَين الشمالي والشرقي لحلب، ونجحت في ضم لواء أبو بكر الصديق، وهو أكبر الألوية المقاتلة آنذاك في مدينة الباب شرقي حلب، والمقاتل على جبهات سيف الدولة ومنطقة السبع بحرات في حلب القديمة.
عند اندلاع المعركة ضد تنظيم داعش في حلب وريفها وقفت قيادات أحرار الشام على الحياد من النزاع الدائر، واصفة إياه بـ«الفتنة بين المسلمين»، لكن ذلك لم يمنع مقاتلي الحركة من أبناء مدينة الباب في الريف الشرقي من الدفاع عن مدينتهم ضد ضربات التنظيم المتشدّد، والذي نجح في السيطرة على المدينة بعد معارك طاحنة.
استُنزف مقاتلو الحركة كثيراً في حربهم ضد داعش. لم يمنع وقوفهم الأولي على الحياد هجمات داعش عليهم وقتلهم أينما وجدوهم. وقد أعدمت داعش عدداً كبيراً من مقاتلي حركة أحرار الشام في ساحات المدن التي سيطرت عليها، كما صفّت داعش ما يُقارب 200 عنصر من أحرار الشام قُرب مسكنة في ريف حلب الشرقي عندما كانوا متّجهين إلى قُراهم إثر قرارهم اعتزال القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية، لكنّ ذلك لم يمنع التنظيم من قتلهم باعتبارهم، حسب منطق داعش، من «الصحوات».
يتواجد مقاتلو أحرار الشام في حيّ السكّري في حلب، حيث توجد مقراتهم العسكرية وحواجزهم، متمثّلين بـ«حركة مجاهدون أشدّاء»، التي تشكّل القوّة الرئيسية لحركة أحرار الشام في حلب. يتواجد مقاتلو الحركة على الجبهات في مناطق عزيزة والبريج والملّاح وحندرات والراموسة وسيف الدولة وجبهات الريف الجنوبي لحلب، وهي جبهات محتدمة دوماً.
مؤسس حركة أحرار الشام هو حسان عبود، الملقب ب«أبي عبد الله الحموي». قُتل حسان عبود في التاسع من أيلول 2014 إثر انفجار استهدف اجتماعاً لقادة الحركة في ريف إدلب أسفر عن مقتله وشقيقه وعدد كبير من قياديي الحركة. يقول حسان عبود، في مقابلة مع تيسير علوني بثّتها قناة الجزيرة، أنّ «كتائب أحرار الشام»، وهو الاسم الذي اتخذته الحركة عند انطلاقتها، سبقت «الجيش الحر» في نشأتها، حيث تمّ تشكيلها في أيار2011، لكنها استمرّت بإعداد خلاياها سرّاً حتى لحظة الإعلان عن تشكيل الكتائب في نهاية العام نفسه.
عُيّن هاشم الشيخ «أبو جابر» قائداً عاماً لحركة أحرار الشام بعد اغتيال أكثر من 45 من قياديي الحركة إثر عملية اختراق مدروسة بإحكام أسفرت أيضاً عن مقتل حسان عبود، مؤسس الحركة وقائدها العام. هاشم الشيخ، وهو من مواليد 1968 في مدينة مسكنة شرقي حلب، كان قد قاتل ضد القوات الأمريكية في العراق، ثُمّ سُجنَ عام 2005 عند عودته إلى سوريا، وأصدرت المحكمة حكماً بسجنه ثمانِ سنوات، لكنّه خرج في أيلول 2011، بعد 6 أشهر من اندلاع الانتفاضة السورية السلمية. عقب الإفراج عنه، أسس الشيخ كتيبة مصعب بن عمير في مدينته مسكنة، والتي انضمت فيما بعد لحركة أحرار الشام وساهمت في السيطرة على مدن وأحياء الرقة والطبقة ومطار الجراح العسكري وخناصر ومسكنة وغيرها، كما عُيّن «أبو جابر» عضواً في مجلس شورى حركة أحرار الشام وأميراً للقطاع الشرقي، ثمّ أميراً لحلب بعد مقتل «أبو خالد السوري»، الذي وصفته لوائح الإرهاب الأميركية كأحد أخطر قيادات تنظيم القاعدة.
اعتمدت حركة أحرار الشام -كما اعتمد تنظيم القاعدة في العراق- على شبكة خارجية كبيرة من الإسلاميين أصحاب رؤوس الأموال والمقيمين في الخليج وأوروبا. ساهم في ذلك انضمام شخصيات جهادية مهمة إلى الحركة، ولها خبرات كبيرة في هذا المجال، مثل «أبو خالد السوري»، الذي سهّل الكثير من عمليات الحصول على الدعم وإيصاله إلى الحركة، فقد استطاعت شخصيات من الحركة أن تحظى بدعم نفس المصادر التي دعمت في السابق تنظيم القاعدة في العراق، ودعمت جبهة النصرة في سوريا فيما بعد. عدا الشبكة الدولية لدعم الحركات الجهادية، ساهم العديد أبناء الأرياف الشمالية السورية من أصحاب رؤوس الأموال في دعم حركة أحرار الشام، منجذبين إلى توجّهها الريفي المحافظ وانخراط عدد كبير من أبناء أرياف ادلب وحماه، ولاحقاً حلب، فيها. إضافة إلى ذلك، شملت الاستراتيجية العسكرية للحركة مهاجمة القطع العسكرية الغنية واغتنام أسلحتها، واستفادت من خبرة العديد من أعضائها في إنتاج متفجرات محلية الصنع وبكلف منخفضة، وكثفت استخدام هذا النوع من المتفجرات. هذه الاستراتيجية تفسّر سعي الحركة لضم لواء أبو بكر الصديق في الباب، لما كان يمتلكه اللواء من خبرات في هذا المجال.
وقد كان لقطر و تركيا دورٌ كبيرٌ في تقديم الدعم العسكري النوعي للحركة، إضافة لتكريس الجبهة الاسلامية السورية من قبل هذه الدول كقناة مرور للحملات الإغاثية الضخمة ودعم العمل المدني، فقد حظيت بدعم «صندوق الإغاثة و المساعدات الإنسانية»، وهي منظمة مجتمع مدني مرتبطة بالحكومة التركية، و«جمعية قطر الخيرية»، وهي منظمة مرتبطة بالحكومة القطرية، كما أنّ الحركة حظيت بتمويل «الهيئة الشعبية الكويتية» التي يتزعمها الشيخ الكويتي حجّاج العجمي.
تعتمد حركة أحرار الشام، كغيرها من التشكيلات السلفية، على سردية المظلومية السُنّية، التي تستخدمها مجموعة كبيرة من التنظيمات التي اتخذت من «الدفاع عن أهل السُنّة والجماعة» شعاراً رئيسياً لحمل السلاح. لا تلتزم الحركة بعلم الاستقلال وتستبدله براية بيضاء عليها رمز صقر واسم الحركة.
تعمل قيادة أحرار الشام، بمساعدة شرعيي الحركة، على إقامة مشاريع تأهيل ديني تقصد تحويل عناصرها إلى مجموعة من المقاتلين الملتزمين والمؤمنين بأهداف ومبادئ التنظيمات الإسلامية، والمنحازين للسرديات «السُنّية» المذكورة أعلاه. تعمل على ترسيخ أسس الحكم الاسلامي وفق رؤية التيار السلفي الجهادي، إلّا أنّ حركة أحرار الشام تعتمد أيضاً على السياسة الشرعية وموازنة المصالح والمفاسد في تعاملها مع القضايا الشائكة، وهو جانب تختلف فيه استراتيجيتها عن استراتيجية تنظيم القاعدة وتفرّعاته في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، حيث يهتم قادة الحركة ببناء استراتيجيتها العامة عن طريق حساب العواقب المنتظرة من أي خطوة عسكرية أو سياسية، وحساب الفوائد والمضار من دخول أي معركة أو الخروج من معركة أخرى، وهو ما يجعل حركة أحرار الشام أقرب فكرياً إلى حركة المقاومة الإسلامية «حماس» الفلسطينية أكثر من قربها من جبهة النصرة.
تعمل حركة أحرار الشام على إرساء «نظام حكم إسلامي عادل وراشد بوسائل مشروعة وبرؤية استراتيجية»، كما تتبنّى أيضاً «مشروع أمّة» الذي سبق ذكره.
تكوّنت النواة الأولى لتشكيل لواء أحرار سوريا في مدينة عندان في الريف الشمالي لمدينة حلب، وضمّت ثلاث كتائب رئيسية: «كتيبة شهداء عندان»، و«كتيبة أحرار عندان» بقيادة أحمد عفش، و«كتيبة شهداء الجبل» بقيادة محمد غادة. وقد ظهرت هذه الكتائب لأول مرة في صد محاولات الجيش اقتحام عندان في 25-3-2012، كما شاركت مع كتائب الريف الأخرى في معارك تحرير قرى الريف الشمالي كحريتان وحيان وبيانون. انضمّت الكتائب المذكورة إلى تشكيل لواء التوحيد مع الإعلان عن تشكيله في تموز 2012، وشاركت مع اللواء في تحرير قسم كبير من أحياء حلب القديمة كقاضي عسكر وباب الحديد وأقيول وقسطل المشط والأصيلة والبيّاضة وجبّ القبّة. لم يدم انخراط الكتائب الثلاث في لواء التوحيد أكثر من شهر، حيث أُعلنَ عن تشكيل لواء أحرار سوريا في آب 2012 بقيادة علي بلّو كقائد عام للواء وأحمد عفش كقائد عسكري، بتعداد قوامه 300 عنصر يعود أصل أغلبهم إلى مدينة عندان. استقطب اللواء بعد فترة قصير مقاتلين من حريتان وحيّان وكفر حمرة، إضافة لانضمام عدد من الحلبيين من مناطق حلب القديمة، ما رفع عدد مقاتلي اللواء في تلك الفترة إلى قرابة 1000 مقاتل. حصل هذا الاستقطاب الكبير بسبب تزايد قوة اللواء العسكرية وامتلاكه للسلاح الثقيل والدبابات بعد عمليّتي السيطرة على حواجز عندان وبيانون واغتنام دبابات ومدرّعات وأسلحة ثقيلة من قوّات النظام من هذين الحاجزين المدججين بترسانة عسكرية كبيرة.
شارك لواء أحرار سوريا في عدد كبير من المعارك التي خيضت ضد قوات النظام في حلب وريفها، كمعارك السيطرة على حواجز الريف الشمالي، إضافة إلى العمليات العسكرية التي انتهت بإحكام السيطرة على دوّار البلليرمون وصالات البلليرمون وضهرة عبد ربه، واقتحام حي جمعية الزهراء غربي مدينة حلب، وعدد كبير من المعارك حول فرع المخابرات الجوية في جمعية الزهراء أيضاً. كما لعب لواء أحرار سوريا دوراً رئيسياً في السيطرة على حي الشيخ مقصود والقصر العدلي القديم في حلب القديمة، وهي عمليات التي نفّذها لواء أحرار سوريا منفرداً، أو تمت تحت قيادته العسكرية وبذخيرته وسلاحه الثقيل. أما بقية العمليات فقد شارك بها لواء أحرار سوريا بجانب فصائل أخرى معارضة في حلب، وأهمّها معركة مدرسة المُشاة ومعارك ثكنة هنانو، إضافة لقتاله على جبهة جبل معارة الأرتيق ومطار منّغ العسكري في الريف الشمالي قرب أعزاز، وشارك أيضاً في معارك حول مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي (شاركت في هذه المعارك كتائب من مدن جرابلس ومنبج في ريف حلب الشرقي انضمّت للواء أحرار سوريا بعد انشقاقها عن لواء التوحيد وقاتلت باسم «أحرار سوريا» في ريف حلب الشرقي بقيادة النقيب مأمون كلزي، وكان تعدادها يفوق الألفَي مُقاتل عملوا تحت اسم اللواء لمدة 6 أشهر).
في حلب شارك اللواء إلى جانب فصائل أخرى في عدّة عمليات في حلب القديمة، كمعارك مشفى ميسلون والتدريب المهني، حيث سيطروا على هذه المناطق قبل أن يستعيدها الجيش لاحقاً.
شارك اللواء في الحرب التي شُنّتْ على تنظيم داعش في حلب وريفها مع بداية 2014 إثر خطف قائد اللواء علي بلّو في صيف 2013 بظروف غامضة (عُرف فيما بعد أنه مخطوف عند داعش، ولا أخبار عن مصيره حتى اليوم). شارك اللواء في المعارك التي اندلعت ضدّ داعش في مناطق معمل آسيا وحريتان وكفر حمرة وباشكوي في الريف الشمالي، كما ساهم في محاصرة مشفى الأطفال (المقر الرئيسي لداعش في حلب آنذاك) قبل أن ينسحب التنظيم من حلب بشكل كامل .
يتوزّع مقاتلو لواء أحرار سوريا في حلب على جبهات ثكنة هنانو وأقيول والسيد علي والحميدية والأصيلة وقلعة حلب والصاخور وسليمان الحلبي والشيخ مقصود في المدينة، إضافة إلى جبهات عزيزة والملّاح والبريج وجبل شويحنة ومعارة الأرتيق وضهرة عبد ربه في ريف حلب .
على صعيد التمويل، استطاع لواء أحرار سوريا تأمين أشكال متنوعة من الدعم، فعند تشكيل كتائب النواة الأولى للواء، اعتمدت كتائبه على مصادر تمويل ذاتية بدأت بتبرعات أثرياء عندان، وهي، مع مارع، معقل لواء التوحيد، مناطق ريفية حلبية يحضر فيها الزخم الثوري بقوّة. اعتمدت الكتائب أيضاً على الغنائم بعد المعارك ضد جيش النظام، كما اعتمدت على خطف شخصيات من النظام السوري كضباط جيش وقيادات ميليشيات الشبيحة لمطالبة النظام بفديات مالية لإطلاق سراحهم.
بعد تشكيله وإعلانه، انضم لواء أحرار سوريا إلى هيكلية الجيش السوري الحر التي أسّسها العقيد المنشق رياض الأسعد في تموز 2011، فاعتمد اللواء على الدعم الذي كان يُقدّم عن طريق الأسعد، والوارد من مصادر حكومية مختلفة، كما اعتمد اللواء أيضاً على الدعم المقدم مباشرة من أمراء سعوديين، وعلى الدعم الذي كان يتلقّاه قائد اللواء علي بلّو من تيار المستقبل اللبناني.
خُطفَ علي بلّو في الخامس من آب 2013، أي في الفترة التي شهدت أفول أهمية رياض الأسعد ودوره، ما أدى لانقطاع الدعم القادم عن طريقه. انضم لواء أحرار سوريا بعدها إلى المجلس العسكري الثوري لمحافظة حلب بقيادة عبد الجبار العكيدي، العقيد السابق في الجيش السوري، والمنشق أوائل عام 2012. ترك العكيدي منصبه فيما بعد ليتسلّمه العقيد المنشق «أبو أحمد عمليات» قبل أن يتم تعيين العميد زاهر الساكت، القائد الحالي للمجلس العسكري الثوري. حظي اللواء بالدعم المقدّم من الحكومات الغربية عن طريق المجلس العسكري الثوري، إضافة لاستمرار اعتماده على مصادره الخاصة التي أمّنت له رواتب مقاتليه ودعماً غذائياً لعوائلهم أو رعاية طبية للمصابين منهم، كما أمّنت استمرار معمل الذخائر والقذائف والقنابل اليدوية، الذي يعمل بطاقة إنتاجية عالية ويؤمن ذخيرة مستدامة لعناصره.
بعد خطف علي بلّو، قائد لواء أحرار سوريا، وحين أُخذ العلم بأن تنظيم داعش هو الخاطف، توجهت 12 شخصية قيادية من اللواء إلى الرقة لمفاوضة داعش على إطلاق سراح بلّو، لكنهم خُطفوا بدورهم، وطولب لواء أحرار سوريا بإصدار بيان يُعلن فيه عدم اعترافه بالائتلاف الوطني وقوى المعارضة السياسية والجيش الحر والمجلس العسكري الثوري مقابل إطلاق سراح القياديين المخطوفين. صدر بيان عدم الاعتراف فعلاً، لكن داعش رفضت تنفيذ ما وعدت به وصفّت القياديين جميعاً.
مرّ لواء أحرار سوريا في الفترة ما بين شباط 2014 ومنتصف العام نفسه بركود مالي قاسي، فتناقصت أعداد مقاتلي اللواء بشكل كبير. حصل هذا حين رفض لواء أحرار سوريا الدخول في غرفة عمليات «الموم» 1 ، وبالتالي تلقي الدعم الدولي، بسبب الاشتراط المسبق على الدخول في مواجهات ضد التنظيمات الإسلامية، وهو شرط رُفض من قبل أحمد عفش، القائد العام والعسكري للواء. خلال هذه الأزمة، باع اللواء كمية من أسلحته الثقيلة لفصائل أخرى لتأمين الذخيرة والطعام لمقاتليه المتوزّعين على جبهات حلب وريفها، كما اعتمد بشكل بسيط على مصادره الخاصة، التي انكفأت بدورها نتيجة التخبطات التي مرّ بها اللواء، وبسبب وقوف اللواء وحيداً دون أمان التواجد حلف عسكري كبير، عكس ما فعلت معظم الألوية في حلب.
انضمّ لواء أحرار سوريا إلى الجبهة الاسلامية منتصف عام 2014، ما يوضّح أن قيادة اللواء قد اقتنعت بأن استمرارية وجود لواء أحرار سوريا مشروطة بالانخراط في تحالف كبير. اعتمد لواء أحرار سوريا في تلك الفترة على الدعم المقدّم من الجبهة الاسلامية، الواصل إليها عبر مصادرها الإسلامية المعروفة والمتمثلة في التمويل القطري والتسهيلات التركية مع الاعتماد على بعض المصادر الخاصة، وإن بزخم أقل من ذي قبل.
يبلغ عدد مقاتلي لواء أحرار سوريا الآن حوالي 1000 مقاتل، وقد وصل في ذروته إلى ما يزيد عن خمسة آلاف مقاتل، أي في الفترة التي انضمت إليهم فيها كتائب من ريف حلب الشرقي، في حين كان عدد مقاتلي اللواء قرابة 1500 مقاتل عند إعلان تشكيله.
إيديولوجياً، لم يظهر أن لواء أحرار سوريا قد غيّر من توجّهاته المعتدلة، فهو من الفصائل القليلة في حلب التي تحمل اسماً يتضمّن كلمة «سوريا»، وهو الاسم الذي اختاره مؤسس اللواء علي بلّو، ويعتمد علم الثورة حتى بعد انضمامه للجبهة الاسلامية، وإن أضاف عبارة «لا إله إلا الله» على شعار اللواء. تبدو أهداف اللواء متمركزة حول القتال ضد النظام السوري، كما لم يتردد في قتال تنظيم الدولة الاسلامية، وخسر أكثر من 50 قتيلاً في تلك المواجهة مع داعش بين مقاتلين وقياديين وأمنيين.
تشكّلت ألوية صقور الشام عام 2011، وتتواجد بشكل خاص في ريف إدلب، حيث ترجع أصول غالبية مقاتليها إلى مدينة إدلب وريفها. اقتصر تواجد ألوية صقور الشام في حلب على بعض الكتائب التي كانت تتواجد على جبهات الريف الجنوبي بقيادة «أبو نوران» في كل من بلدتي الحاضر وبردا، إلى أن قامت قوات من جبهة النصرة وجبهة أنصار الدين باقتحام مراكز هذه الكتائب والاشتباك معها، ثمّ طردها خارج المنطقة لاتهامهم «الصقور» بالتلاعب بقوت المدنيين والسلب والنهب.
يتزعّم ألوية صقور الشام القائد الميداني أحمد الشيخ الملقّب بـ«أبو عيسى»، وينتشر مقاتلو صقور الشام الآن، بشكل رئيسي، على جبهة جبل الأربعين قُرب مدينة أريحا في ريف إدلب. كان «الصقور» عنصراً رئيساً في السيطرة على جبل الزاوية وخان السبل، كما انضوت ألوية صقور الشام تحت راية الجبهة الاسلامية منذ تأسيسها وحتى الآن. تتبع صقور الشام توجّهاً إسلامياً معتدلاً، وهي مُقرّبة من جماعة الاخوان المسلمين وتحظى بدعم قطري جيد .
تم الإعلان عن تشكيل جبهة النصرة في أوائل عام 2012 بقيادة «أبو محمد الجولاني» الملقب بـ «الفاتح»، وأعلنت عن نفسها لاحقاً كذراع لتنظيم القاعدة في سوريا. أُدرجتها الإدارة الأميركية على لائحة الإرهاب في كانون الأول 2012، وفي 30 أيار 2013 قرر مجلس الأمن الدولي إدراج «جبهة النصرة لأهل الشام» في قائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعين لتنظيم القاعدة .
كان الظهور الأول لمقاتلي النصرة في حلب في حي الميسّر في تموز 2012، وكان هذا الحي على خط الجبهة في تلك الفترة. سُرعان ما أصبح مقاتلو النصرة من أشرس مقاتلي حلب، حيث لعبوا دوراً رئيساً على جبهات القتال في أحياء سيف الدولة والإذاعة وكرم الطراب وكرم الجبل، وكانوا من أوائل المقاتلين الذين اقتحموا ثكنة هنانو العسكرية في السابع من أيلول 2012، حيث اغتنموا عدداً كبيراً من الأسلحة والذخائر والسيارات العسكرية قبل أن يستعيد النظام الثكنة مدعوماً بالطيران الحربي . تمتد ثكنة هنانو على سفح تلّ يطلّ على الكثير من أحياء حلب القديمة والشعبية كباب الحديد وأغيور والعرقوب وسليمان الحلبي وقارلق وكرم الجبل وميسلون.
منذ اليوم الأول، ضمّت النصرة في صفوفها عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب المدرّبين، الذين خاضوا تجاربهم الجهادية في العديد من البلدان قبل القدوم إلى سوريا.
تصاعُد الخط البياني لعمليات جبهة النصرة، وشراسة الحرب التي شنّتها ضد قوات النظام، دفع الكثير من الشباب الحلبيين إلى ترك ألويتهم في الجيش الحر أو الكتائب الاسلامية الأخرى والانضمام إلى جبهة النصرة، حيثُ كانت النصرة توفّر لهم تعويضاً مادياً جيداً بالمقارنة مع ما كانت تقدمه غيرها من الفصائل (وبعض الفصائل لم يكن لديها وارد مادي تقدّمه لمقاتليها، الذين كانوا يحتاجون إلى ما يعيلهم ويعيل أسرهم). سببٌ آخر دفع شباباً حلبيين كثر للانضمام إلى جبهة النصرة هو عدم انقطاع الدعم العسكري عنها، فلدى النصرة مخزون كبير من الأسلحة والذخيرة، يكفي لقتال النظام شهوراً عدة دون انتظار الدعم والتمويل.. وكم من فصائل انتهى وجودها بسبب انقطاع الدعم عنها! لكن الانضمام لجبهة النصرة لم يكن سهلاً ولا مباشراً، بل كانت له شروط، فعلى الراغب بالانضمام أن يجتاز «الدورات الشرعية» التي يقيمها شرعيو النصرة وشيوخها، وهي عبارة عن دروس دينية في السلفية الجهادية، الإيديولوجيا التي تبنّتها جبهة النصرة منذ اليوم الأول.
أثارت عمليات جبهة النصرة في حلب ضجةً كبيرة، وكان أولها عملية تفجير مشفى الحياة، الذي كان قد تحوّل إلى حصن لقوات النظام بالقرب من «الفيض»، أي منطقة الملعب البلدي، في العاشر من أيلول 2012. تلاها استهداف ساحة سعد الله الجابري في مركز المدينة، حيث يتمركز الضغط الأمني للنظام بكثافة، في الثالث من تشرين الأول 2012 بثلاث تفجيرات استهدفت مبنى الضباط والفندق السياحي والقصر البلدي، ثم السيطرة على مركز البحوث العلمية في حي حلب الجديدة بعملية «انغماسية». أثارت هذه العمليات إعجاب الكثير من الشباب السوريين الذين اعتبروا قتال النظام قضيّته الأولى.
تشاركت جبهة النصرة مع عدة فصائل إسلامية في حلب في تشكيل «الهيئة الشرعية»، التي اهتمّت بالأمور القضائية وفض النزاعات بين المدنيين أو بين العسكريين، وعملت على تحكيم الشرع الإسلامي كقانون جامع، واتخذت من مشفى العيون في حي قاضي عسكر مقرّاً لها .
عند الإعلان عن تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية 2 ، انضم عدد كبير من مقاتلي النصرة إليه، خاصة الأجانب منهم، ولم يتبقَّ للنُصرة في حلب غيرَ عدد قليل من المقاتلين، الذين شاركوا في المعارك الأخيرة التي دارت في المنطقة الصناعية وحندرات، حيث يحاول النظام إحكام الحصار على الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب، لكنّهم سُرعان تركوا جبهات حلب متّجهين إلى إدلب للمشاركة في عمليات السيطرة على المناطق الحدودية وجبل الزاوية بعد معارك دارت ضد جبهة ثوار سوريا بقيادة جمال معروف.
يتوزّع مقاتلو النصرة في حلب على جبهات نبّل والزهراء في الريف الشمالي، إضافة إلى تواجدهم على جبهات القتال في أحياء سليمان الحلبي وجمعية الزهراء (فرع المخابرات الجوية) وكرم الطرّاب وبستان القصر (جبهة كراج الحجز)، إضافة إلى تواجد مقاتلين من النصرة على جبهة مناطق الملّاح وحندرات الهامّة في محيط حلب، والتي تقدّم إليها جيش النظام ضمن محاولاته المستمرة لحصار القسم الخاضع لسيطرة المعارضة من مدينة حلب عن طريق شلّ الطرق الرئيسية الواصلة بين حلب وريفها، وقد نجح في قطع العديد من الطرق، إلى أن بقي للمعارضة طريقٌ وحيد هو طريق «الكاستيلو» الزراعي الواصل بين منطقة الجندول فالأشرفية إلى ريف حلب الشمالي.
قاتلت النصرة ضد حركة «حزم» التابعة لهيئة أركان الجيش السوري الحر في ريف حلب الغربي بعدما اندلعت المعارك في ريف إدلب بسبب مشروع النصرة التوسّعي وانسحاب مقاتلي حزم من ريف إدلب إلى ريف حلب الغربي.
تمتلك جبهة النصرة عدّة مقرّات وحواجز تفتيش عسكرية في عدّة مناطق من حلب وريفها كأحياء باب النيرب (مقر «أبو عبيدة رايات»، وهو مركز للتحقيق والاحتجاز) وبضع نقاط في حلب القديمة، وحواجز تفتيش ومقرّات في أحياء الصاخور والحيدرية شرقي حلب. في الريف، يتمركز مقاتلو النصرة بشكل أساسي في مناطق تل رفعت متمثّلة بحاجز تفتيش ضخم، وفي حريتان، حيث توجد دار للقضاء تُشرف عليها النصرة. يُقدّر عدد مقاتلي النصرة في حلب وريفها حوالي 600 مقاتل بعد انتقال عدد كبير من عناصرها للعمل في ريف إدلب تزامناً مع الحملة التي شُنّت من قبل جبهة النصرة على جبهة ثوار سوريا، ثم على حركة حزم .
يعتمد تمويل النصرة على عدة مصادر، أهمها ما كان يُرسل من قبل تنظيم القاعدة في أفغانستان والعراق في الفترة الأولى، لكنّها عملت أيضاً على إيجاد سبل للتمويل الذاتي، فسيطرت على عدد كبير من المراكز الحيوية مثل صوامع القمح بالقرب من الباب، والتي كانت تحتوي على مخزون حيوي ضخم من القمح يكفي لإطعام حلب لسنتين، وصوامع الحبوب ومحالج القطن ومعمل الجرارات في منطقة دويرينة في الريف الجنوبي، حيث كانت النصرة متواجدة وحيدةً على تلك الجبهة بالقرب من معامل الدفاع في السفيرة. سيطرت جبهة النصرة أيضاً على آبار النفط في دير الزور قبل أن تخسرها لصالح داعش. لكنّ جزءاً كبيرأ من تمويل الجبهة كان يأتي من العمليات الخطرة التي كانت تقوم بها و تسيطر بعدها على مخزونات استراتيجية تابعة للنظام كأسلحة وذخائر وأموال، تغتنمها بعد الهجوم على المقرات العسكرية والسيطرة عليها. في الوقت ذاته، تحظى النصرة بدعم مادي كبير من أثرياء سلفيين خليجيين، يقيمون في الخليج أو خارجه، ويدعمون التيار السلفي الجهادي .
بعد الإعلان عن إلغاء اسمَي «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق» ودمجهما تحت مسمى واحد «الدولة الاسلامية في العراق والشام» إثر كلمة صوتية ألقاها «أبو بكر البغدادي»، انتقل عدد كبير من مقاتلي النصرة لمبايعة البغدادي والانضواء تحت راية «الدولة الاسلامية». أدّى هذا التحوّل اللحظي إلى ظهور داعش في حلب بين ليلة وضحاها.
شاركت داعش في عدد من المعارك ضد قوات النظام السوري، أهمها في مطار منّغ العسكري في الريف الشمالي. بقي مطار منّغ محاصراً حوالي السنة دون أن يتمكّن الثوار من اقتحامه، لكن مقاتلي داعش استطاعوا إحكام السيطرة عليه بعد عملية انتحارية نفذها شاب سعودي. كما كانت داعش عنصرَ حسمٍ أساسي في معركة خان العسل في الريف الغربي، حيث أُسر 300 جندي من جنود الجيش. خاضت داعش، أيضاً، قتالاً شرساً في محيط سجن حلب المركزي، لكن الدفاع المستميت لقوات النظام حال دون السيطرة عليه.
بعد ظهورها بفترة قصيرة، بدأت داعش بالتدخّل في الأمور المدنية، إذ أقامت محكمة شرعية غير تلك التي كانت أغلب فصائل حلب قد اتفقت على إنشائها، وأرسلت عناصرها لتسيير شؤون معبر كراج الحجز للمشاة، وهو المعبر الفاصل -آنذاك- بين مناطق حلب الواقعة تحت سيطرة النظام، وتلك المناطق الخارجة عن سيطرته. حاولت داعش تسيير الأمور الخدمية للمدنيين بإنشاء ما أسمته «الإدارة الاسلامية للخدمات» وفتحت المدارس لتعليم الأطفال وفق مبادئ الشريعة الاسلامية، فألغت مادتي القومية والتاريخ، واستبدلت منهاج التربية الإسلامية القديم بعدّة كتب دينية كانت قد طبعتها.
في بدايات تلك الفترة، انضم «مجلس شورى المجاهدين» إلى داعش بقيادة أميره عمرو العبسي، ولقبه «أبو الأثير»، وهو سوري من ريف ادلب، ليُعيّن العبسي والياً على حلب من قبل داعش.
بعد ذلك، أطلقت داعش حملتها ضد «المُفسدين» في الجيش الحر، فشنّت حملة عسكرية ضخمة على «جبهة غرباء الشام»، التي كانت تحت قيادة «حسن جزرة» وتتمركز في مناطق الصاخور وهنانو والحيدرية والهلك، وتمكنت من السيطرة على تلك المناطق وأعدمت «حسن جزرة»، كما شنّت حملة عسكرية أخرى على «كتائب شهداء بدر» التي يقودها «خالد الحياني» في مناطق الأشرفية والخالدية والبلليرمون، لكنها فشلت بسبب تمترس الحياني في منطقته المغلقة جغرافياً.
اعتقلت داعش عدد كبير من الثوار، منهم من أعلنت عن قتله، ومنهم من لا أخبار عنه حتى الآن، كما خطفت وقتلت العديد من الإعلاميين والصحفيين المحليين والأجانب في إطار حربها على الإعلام.
بدأت المعركة ضد داعش في حلب وريفها بقيادة «جيش المجاهدين»، وبمشاركة عدد من الفصائل، واستطاعوا طرد تنظيم الدولة الإسلامية من أحياء مدينة حلب بعد معركة استمرت بضعة أيام، ارتكبت خلالها داعش مجزرة بحق 50 من المعتقلين الذين كانت تحتفظ بهم في سجنها التابع لمقر التنظيم في حلب، والذي كان يشغل مشفى الأطفال في حي قاضي عسكر.
العديد من ضحايا تلك المجزرة كانوا من الإعلاميين المختطفين، والباقي موزّعون بين مقاتلين في الجيش الحر ومدنيين. استمرت المعارك ضد داعش في الريف الشمالي بعد تمترسها في مناطق أعزاز وحريتان وعنجارة، لكنّها انسحبت من تلك المناطق بعد تأمين مدن الريف الشرقي وحسم المعارك التي دارت فيها لمصلحتها ضد مقاتلين محلّيين من أبناء هذه المناطق، كلواء أبو بكر الصديق في الباب ولواء جند الحرمين ولواء ثوار منبج في منبج، فسيطرت بالكامل على مدن الباب ومنبج وجرابلس والراعي ودير حافر ومسكنة، ثمّ تمدّد التنظيم باتجاه أعزاز مرة أخرى وتمكّن من السيطرة على قرى أخترين ودابق واحتيملات وتركمان بارح، لكنه توقف عند هذا الحد بعد بداية الحملة العسكرية التي شنّها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ما اضطرّه إلى إبطاء وتيرة المعارك.
خاضت داعش بعدها معركة ضد المقاتلين الأكراد في كوباني شمال شرق حلب، وتمكّن التنظيم من السيطرة على الغالبية العُظمى من مساحة المدينة قبل أن ينسحب مقاتلوه من مركز المدينة باتجاه الريف المحيط.
لا يُعرف عدد مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في حلب. يتمركزون في ريف حلب الشرقي، لكنّ قدرة التنظيم على السيطرة على مساحات واسعة متصلة جغرافياً جعل من الصعب تقدير أعداد المقاتلين، الذين يتنقلون بشكل دائم داخل مناطق سيطرة التنظيم من العراق إلى سوريا، لكن بعض التقديرات تُشير إلى أن عددهم في ريف حلب الشرقي ومحيط كوباني يصل إلى حوالي ألف مقاتل.
يوجد تشابه واضح بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في طرق التمويل. تسيطر داعش أيضاً على مراكز حيوية تستطيع أن تؤمن من خلالها تمويلاً ذاتياً دائماً، إذ سيطرت على عشرات الآبار النفطية في العراق وسوريا، وتشير التقارير إلى أنّ داعش تبيع النفط لقوات النظام، فقد كان بإمكانها أن تقطع أنابيب النفط أو توقف الضخ باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري، كما تحاول داعش الآن السيطرة على حقول الغاز شرق حمص. اغتنمت داعش أيضاً مخزونات استراتيجية عسكرية هائلة من قوات الجيشين العراقي والسوري بعد السيطرة على قطع عسكرية.
يشار إلى أن عدداً كبيراً من الأثرياء الداعمين للنصرة قد حولوا دعمهم باتجاه داعش، كونها أصبحت الآن ممثلة طموحهم في بناء «الدولة الإسلامية».
تم الإعلان عن تأسيس جبهة أنصار الدين بتاريخ 25 تموز 2014 في حلب وريفها، وقد ضمّت ثلاثة فصائل رئيسية:
جيش المهاجرين والأنصار: كانت «كتيبة المهاجرين» النواة الأولى لجيش المهاجرين والأنصار، حيث شُكّلت في شباط 2013 بقيادة «أبو عمر الشيشاني»، وضمت عدداً من المقاتلين الأجانب القادمين من القوقاز، وغالبيتهم من الشيشان. توزّعت الكتيبة على عدد من الجبهات في ريف حلب، أهمّها جبهة الجندول، حيث استطاعت كتيبة المهاجرين أن تلعب دوراً رئيساً في السيطرة على منطقة دوّار الجندول وما حوله في نيسان 2013، وكان لهم النصيب الأكبر من الغنائم التي تركها جيش النظام خلفه بعد انسحابه من المنطقة. شكّلت هذه المعركة انعطافة قويّة للكتيبة، واستقطبت بعدها عدداً كبيراً من المقاتلين.
تشكّل «جيش المهاجرين والأنصار» بعد اتحاد كتيبة المهاجرين مع «جيش محمد» بقيادة «أبو عبيد المصري»، وكتيبة «أسود السنة» التي شكّلها «أبو الأثير العبسي»، والي حمص الحالي في تنظيم الدولة الإسلامية. أُعلنَ عن تشكيل جيش المُجاهدين والأنصار في أواخر 2013 وغالبية مقاتليه من القوقاز (الشيشان وداغستان وإنغوشيا وأوسيتيا الشمالية) إضافة إلى مقاتلين من أوزبكستان، وانضم إليهم سوريّون فيما بعد، لكن الغالبية بقيت شيشانيّة، واللغة الروسية هي اللغة المستخدمة بين مقاتلي الفصيل.
يُعتبر هذا التنظيم السلفي الجهادي الأكثر غموضاً في سوريا، كما أنه غير نشط إعلامياً. تقول صفحتهم الرسمية على تويتر أن جيش المهاجرين والأنصار «مكوّن من اتحاد مجموعة من الكتائب الإسلامية المجاهدة في سوريا تحت قيادة موحّدة للمشاركة في نصرة الشعب السوري وإقامة دولة الخلافة».
قاتل جيش المهاجرين والأنصار على عدة جبهات في ريف حلب وريف اللاذقية، وتمركز مقاتلوه في مناطق حريتان وكفر حمرة ومعارة الأرتيق ومعمل آسيا في ريف حلب الشمالي، وقاتلوا على جبهات نبّل والزهراء ومطار منّغ العسكري وخان طومان وحندرات والشقيّف في الريف، وجبهة جمعية الزهراء وفرع المخابرات الجوية غربي مدينة حلب.
بعد ظهور تنظيم الدولة الاسلامية، والخلافات التي عصفت بقوى المعارضة العسكرية خلال العام الماضي، سعت قيادة جيش المهاجرين والأنصار للحفاظ عليه بعيداً عن الاصطفاف مع طرف من الأطراف المتحاربة بداية 2014، ولم يدخل التنظيم في أيّ معركة مع أي فصيل في تلك الفترة، لكنّ إعلان «أبو عمر الشيشاني» القائد العسكري السابق لجيش المهاجرين والأنصار مبايعة تنظيم داعش مع 800 عنصر يشكّلون نصف عدد مقاتلي الجيش كسر هذا الموقف. في ذلك الوقت، أعلنت قيادة جيش المجاهدين والأنصار الجديدة، وعلى رأسها القائد العسكري «صلاح الدين الشيشاني» في بيان مصوّر مطلع 2014، التزامها الحياد واعتبار الاقتتال الحاصل بين داعش والفصائل الأخرى «فتنة ينبغي اعتزالها».
انضمّ جيش المهاجرين والأنصار إلى «جبهة أنصار الدين» عند تشكيل الجبهة، وأدرج اسمه في لوائح الإرهاب الأميركيّة في أيلول 2014.
برز جيش المهاجرين والأنصار بعد معارك خان طومان في ريف حلب الجنوبي في آذار 2013، قبل أن يلعب دوراً حاسماً في السيطرة على مطار منّغ العسكري شمال حلب. ورغم الاعتقاد السائد بأنّ جيش المهاجرين والأنصار هو أقرب إلى جبهة النصرة إلا أنّ عدم قتاله إلى جانب النصرة في معاركها ضد داعش يؤكد أن الجيش يتّبع عقيدة سياسية مختلفة، تقوم بالأصل على عدم التدخل في اختيار حاكم البلاد التي يقاتل فيها القوقازيون الذي يغادرون أرضهم، وهم يدينون بالبيعة لـ «علي أبو محمد الداغستاني» أمير «إمارة القوقاز الاسلامية». استقبل الجيش عدداً من المقاتلين المحليين بين صفوفه من مناطق حريتان وقبر الانكليزي ومعمل آسيا وكفر حمرة في ريف حلب الشمالي، وبدأ بالمساهمة في الأنشطة الدعوية والمحاكم ضمن نشاطات جبهة أنصار الدين على هذا الصعيد بعد أشهر طويلة من الانكفاء وعدم الاحتكاك بالسكان المحليين.
يبلغ عدد مقاتلي جيش المهاجرين والأنصار الآن قرابة 500 مقاتل، يشكلون الغالبية العظمى لمقاتلي «جبهة أنصار الدين» في حلب، ويعتمد في تمويله غالباً على التمويل الذاتي والغنائم التي تتركها القوات النظامية السورية خلفها، كما يبرع جيش المجاهدين والأنصار في اختيار المناطق التي يتمركز على جبهاتها، حيث أنّها مناطق تحتوي على ثكنات ورحبات عسكرية تضم أسلحة وذخائر، كما يحظى بدعم مادي عن طريق «إمارة القوقاز الاسلامية».
أسّسها المعتقل المغربي السابق في سجن غوانتانامو ابراهيم بنشقرون «أبو أحمد المهاجر» في 2013 قبل أن يلقى حتفه في نيسان 2014 خلال إحدى المعارك في الساحل السوري. تُعتبر حركة «شام الإسلام» تنظيماً مغربياً، فهي أكبر التشكيلات المُستقطبة للمقاتلين ذوي الأصول المغاربيّة. تشير التقارير إلى أنّ هذا التنظيم يضم 800 مقاتل مغربي، انضمّ إليهم فيما بعد عدد من المقاتلين المحليين في كل من حلب واللاذقية، حيث ينتشر التنظيم على جبهات ريف اللاذقية بشكل أساسي، وقد كان عنصراً أساسياً في حسم معركة كسب، والتي سُمّيت بمعركة «الأنفال».
القائد الحالي للتنظيم هو محمد مزوز، المعروف بـ«أبو العز المهاجر». بويِعَ مزوز أميراً للتنظيم بعد أيام من مقتل بنشقرون. محمد مزوز أحد معتقلي غوانتانامو السابقين، وهو أحد مؤسسي «حركة شام الإسلام». اعتُقله الجيش الأمريكي في الحدود الأفغانية الباكستانية بعد الاجتياح الأميركي لأفغانستان، ومكث في سجن غوانتانامو قبل أن يتم تسليمه للسلطات المغربية.
يتوزّع معظم مقاتلي الحركة الآن على جبهات ريف اللاذقية، حيث يقاتلون إلى جانب جبهة النصرة، الطرف الأقرب إلى فكرهم ومشروعهم.
أٌضيف التنظيم إلى لوائح الإرهاب الأميركية مع جيش المهاجرين والأنصار في أيلول 2014.
تتبنّى «شام الإسلام» الفكر السلفي الجهادي، وتسعى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية. يبلغ عدد مقاتلي حركة شام الإسلام الآن حوالي 150 مقاتل، حيث قُتل الكثير منهم في معركة كسب مع الأمير القديم للحركة. يتواجد مقاتلوها في منطقة جبل الأكراد في ريف اللاذقية.
تم الإعلان عن تأسيس «حركة فجر الشام الإسلامية» في حزيران 2012 في بلدة دارة عزّة في ريف حلب الغربي تحت مُسمّى «حركة فجر الإسلام» بقيادة الطبيب محمد الحسن، ولقبه «أبو عبدالله الشامي»، الحسن سجين سابق في صيدنايا، وأحد أبناء حي جبل بدرو شرقي حلب. سُمّي الحسن أميراً للحركة، كما عُيّن شقيقه «أبو الوليد» أميراً عسكرياً.
نشطت الحركة في ريف حلب الغربي، ومنه انتقلت إلى القسم الخاضع لسيطرة المعارضة من مدينة حلب وأسست مقراً رئيسياً في حي السكّري، جنوب غربي حلب، لا يزال موجوداً حتى الآن. انضمّت الحركة، التي أصبح اسمها في ذلك الوقت «حركة الفجر الاسلامية» إلى تجمع «حركة أحرار الشام الاسلامية» بداية عام 2013، وضم التجمّع كتائب «أحرار الشام» و«جماعة الطليعة الإسلامية» و«كتائب الإيمان المقاتلة». انسحبت «الفجر» من التجمع في منتصف 2013 بعد معركة الجندول إثر خلاف نشب بين الفجر وأحرار الشام حول غنائم تلك المعركة، وعملت بعدها بشكل منفرد تحت اسم «حركة فجر الشام الاسلامية» من منتصف 2013 حتى منتصف 2014.
بعد انضمام الحركة إلى «جبهة أنصار الدين»، شاركت «الفجر» في عدد من المعارك الهامّة في ريف حلب ومحيطها ضد قوات النظام السوري، كالمعارك التي أدّت إلى السيطرة على مناطق الجندول ومخيّم حندرات ومشفى الكندي وضهرة عبد ربه، كما شاركت في معظم المعارك التي جرت في الريف الجنوبي، ومعارك نبّل والزهراء في الريف الشمالي. في حلب شاركت في معركة السيطرة على أحياء الراموسة والشيخ سعيد، وكان لمقاتلي الحركة نشاط محدود في مناطق حماه وادلب، وهو نشاط يكاد ينعدم حالياً.
ينتمي مقاتلو الحركة، الذين تُقدّر أعدادهم بـ 500 مقاتل، إلى مناطق ريف حلب الغربي (منطقة دارة عزّة خاصّةً)، ثمّ انضم إليهم مقاتلون من حريتان إثر تمدّد نشاط الحركة باتجاه الريف الشمالي بعد انضمامها إلى «جبهة أنصار الدين»، كما تضم بعض المقاتلين الأجانب، ويقدر عددهم بـ40 مقاتل بعد أن انتقل كثير منهم إلى جبهة النصرة.
ينتشر مقاتلو الحركة في بعض مناطق حلب القديمة في محيط قلعة حلب ومناطق السكّري والمرجة، إضافة إلى انتشار كبير في مناطق حريتان ودارة عزّة في ريف حلب. تشارك «الفجر» في جبهات القتال الحالية ضد قوّات النظام في كل من عزيزة والشيخ سعيد وحندرات والملّاح على أطراف مدينة حلب، كما تتواجد على جبهة جبل عزّان في ريف حلب الجنوبي، وجبهات نبّل والزهراء في الريف الشمالي.
ليس للحركة أية نشاطات مدنيّة.
تعتبر حركة فجر الشام الاسلامية حركة عسكرية ذات توجّه سلفي جهادي واضح، حيث أجاب «أبو عبدالله» على سؤال طرحه عليه أحد الصحفيين خلال مقابلة مع صحيفة «حبر» الحلبية حول مشروع الحركة السياسي قائلاً «مشروعنا واضح الأهداف، ونشترك فيه مع كل مسلم صادق يجاهد لإعلاء كلمة الله وتحكيم شرع الله في أرضه»، وكانت الحركة قد اتّخذت موقفاً حيادياً علنياً من المعركة بين تنظيم الدولة الاسلامية وباقي الفصائل في حلب، حيث صرّح «أبو عبد الله» في لقاء له مع موقع زمان الوصل أنّ موقف الحركة تجاه الاقتتال الحاصل كان واضحاً منذ البداية، وهو الحياد الإيجابي، قائلاً عن الموقف أنه «مكّننا والحمد لله من حقن دماء المسلمين في أكثر من واقعة». الحركة مقربة فكرياً من جبهة النصرة وجيش المهاجرين والأنصار، ويفضّل مقاتلو حركة الفجر دوماً القتال إلى جانب النصرة في المعارك ضد قوّات النظام. تتّخذ الحركة موقفاً واضحاً أيضاً ضد مصطلحات «الديموقراطية» و«الدولة المدنية».
على صعيد التمويل، اعتمدت الحركة على الكثير من المصادر الذاتية والعلاقات مع شخصيات سلفية خليجية، كما اعتمدت بشكل كبير على الغنائم التي حظيت بها بعد السيطرة على مواقع عسكرية أو صناعية، وقد استطاعت غنائم معركة الجندول وحدها أن تضمن تمويل الحركة قرابة السنة.
تم تشكيل جيش المجاهدين مطلع عام 2014 بقيادة توفيق شهاب الدين، قائد حركة نور الدين الزنكي، الذي عُين قائداً عاماً للتشكيل، كما عُيّن المقدّم محمد بكور جمعة «أبو بكر» قائداً عسكرياً. يُعدّ جيش المجاهدين الفصيل الأقوى في حلب، والأكثر عدداً وتوزّعاً على جبهات القتال, وكان الهدف الأساسي من وراء هذا التشكيل هو جمع سبعة فصائل كبيرة تحت مسمّى واحد للدخول في معركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وقد اجتمعت الفصائل (حركة نور الدين الزنكي، لواء الأنصار، تجمّع فاستقِم كما أُمِرت، لواء أمجاد الإسلام، حركة النور الإسلامية، لواء جند الحرمين، لواء الحرية الإسلامي الذي لم يستمر كثيراً فانسحب)، ولاحقاً جبهة الأصالة والتنمية، ولواء أنصار الخلافة الذي لم يبقَ في هذا التشكيل مدّة طويلة، إذ انسحب بسبب خلافات فكرية.
سُرعان ما اندلعت المعركة ضد داعش التي كانت قد بدأت في تلك المرحلة محاولات السيطرة على كامل الأحياء والقُرى الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب وريفها والتمترس فيها، واستطاع جيش المجاهدين حسم العمليات لصالحه في الريف الغربي لحلب وجزء من ريف إدلب، وتمكّن من طرد التنظيم من قرية الدانا، آخر معاقله في ريف إدلب، فانسحبت داعش باتجاه قرى الريف الشمالي والشرقي في حلب. وبعد معركة استمرت خمسة عشرة يوماً لم يستطع التنظيم الإسلامي المتشدد أن يقاوم كثيراً بسبب قلة عدد مقاتليه في المدينة، إضافة إلى قوة تشكيل جيش المجاهدين، الذي كان الإعلان مفاجئاً لداعش، فانسحب مقاتلو داعش بعد أن ارتكبوا مجزرة بحق خمسين معتقلاً كانوا في سجون التنظيم، وتم اعتقال عدد كبير من مقاتلي داعش في أحياء حلب.
كانت الفصائل التي شُكل منها جيش المجاهدين تقاتل على جبهات كثيرة في حلب وريفها ضد قوات النظام، وهي مستمرة في ذلك حتى اليوم، فقد كانت فصائل «تجمّع ألوية فاستقم كما أمرت» بقيادة«أبو قتيبة» (لواء حلب الشهباء، لواء حلب المدينة الإسلامي، كتائب أبو عمارة، لواء السلام)، بالإضافة للواء الأنصار وحركة نور الدين الزنكي، تتوزّع على جبهات أحياء صلاح الدين وسيف الدولة وتل الزرازير والعامرية والمرجة وجب الجلبي وحندرات والبريج وكرم الطراب وحي الراشدين في حلب الجديدة.
عدد لا بأس به من هذه التجمعات كان موجوداً في المعارك التي اندلعت في حلب وريفها ضد قوات النظام في 2012، كلواء حلب الشهباء بقيادة ملهم عكيدي، وهو فصيل يضم بين صفوفه عدداً كبيراً من أبناء مدينة حلب، ولواء حلب المدينة الذي تم تشكيله على يد عبد الرؤوف كريّم في 2012، والذي اختفى في ظروف غامضة، ليتحوّل بعدها إلى فصيل إسلامي لأسباب تتعلق بالتمويل وسيطرة قيادات إسلامية عليه، ولواء الأنصار الذي أُسس كوريث لبندقية الثوار الحلبيّين، ويعتبر لواء الأنصار نواة أساسية لجيش المجاهدين، ويشرف على المكتب السياسي للجيش والتمويل والتفاوض والبيانات الإعلامية.
تقلّصت أعداد جيش المجاهدين بعد الكثير من التخبطات الداخلية، ما أدى لانسحاب حركة نور الدين الزنكي، ليصبح «أبو بكر» في منصب القائد العام للجيش، ثم انسحاب تجمع ألوية فاستقم كما أُمرت بسبب خلافات تتعلق بالمعارك الدائرة في محيط حلب مع قوات النظام، إضافة إلى التطرّف الذي يُظهره بعض قادة التجمّع، ما يؤثر بشكل كبير على الدعم الأمريكي المُقدّم للجيش. سبق هذه الانسحابات انضمام كتائب «الصفوة الإسلامية» المنفصلة عن لواء التوحيد إلى جيش المجاهدين، والتي تتمركز على جبهات القتال في أحياء حلب القديمة، وتحمل توجهاً إسلامياً صوفياً، لكن جيش المجاهدين بقي الفصيل الأكبر في حلب وريفها بقوام مقاتلين يفوق عدده الأربعة آلاف مقاتل، ينضوون تحت خمسة تشكيلات هي ما باتت تكوّن جيش المجاهدين الآن: لواء الأنصار، كتائب الصفوة الإسلامية، لواء أمجاد الإسلام، حركة النور الإسلامية، لواء جند الحرمين.
يعتمد جيش المجاهدين في تمويله على مصادر مختلفة، ويُعد من أبرز الفصائل المعتدلة في سوريا. وقد تم الاعتراف به ودعمه من قبل غرفة عمليات «الموم». وقد تلقّى جيش المجاهدين دعماً من تلك الغرفة من الذخائر والرواتب والأسلحة، وكان هذا الدعم يصل إلى لواء الأنصار ولواء أمجاد الإسلام، وكانوا المسؤولين عن توزيعه على الفصائل المنضوية تحت جيش المجاهدين، ويحظى جيش المجاهدين أيضاً بدعم قطري محدود عن طريق هيئة حماية المدنيين، وتلعب تركيا دور الوسيط في عملية تسليم الدعم.
إيديولوجياً، لا توجد مرجعية فكرية واضحة للجيش، إلّا أنّه يمثّل تياراً شبابياً إسلامياً صاعداً وقريباً من نمط التديّن السائد في حلب وريفها، بالتوازي مع دعم جماعة الإخوان المسلمين له.
تأسّست «سريّة أبو عمارة» بشكل سرّي في منتصف عام 2011، أي بعد بضعة أشهر على اندلاع الانتفاضة السورية. وكان ذلك في بلدة عندان في ريف حلب الشمالي، وهي أول منطقة حمل شبابها السلاح ضد النظام في حلب وريفها. أسّسها ياسر العبد، الذي اعتُقل فيما بعد وقضّى قرابة سنة ونصف في سجون النظام قبل أن يخرج بصفقة تبادل، وشاركه في التأسيس كلٌ من مهنّا جفّالة «أبو بكري» قائد عمليات كتائب أبو عمارة منذ التأسيس وحتى الآن، وهو من أبناء مدينة حلب، وطالب في كلية الاقتصاد في جامعة حلب، إضافةً إلى مُضر نجّار، الذي شارك في التأسيس لكنّه انتقل فيما بعد للعمل مع لواء التوحيد.
نشطَت كتائب أبو عمارة خلال الفترة ما بين تمّوز 2011 و تمّوز 2012 بشكل سرّي ضمن مدينة حلب وريفها، ونفذت عمليات اغتيال وتفجير عبوات ناسفة استهدفت شخصيات أمنية وعسكرية، وقيادات ميليشيا «اللجان الشعبية» التابعة للنظام. من بينها محمد رمضان، أحد المموّلين الكبار للميليشيات التي عملت على قمع المظاهرات داخل مدينة حلب وجامعتها، وهو شقيق أحمد رمضان، عضو المجلس الوطني السوري المعارض وأحد سياسيي الإخوان المسلمين السوريين. وكذلك الملاكم الحلبي غياث طيفور الذي ترأّس إحدى مجموعات الشبيحة داخل المدينة. أيضاً شاركت سرية أبو عمارة في عدد ضئيل من معارك السيطرة على مناطق ريف حلب الشمالي، كمعركة الأمن العسكري في عندان، لكنّ أغلبية نشاطها تركّز داخل المدينة.
مع بدء معركة حلب، كانت سريّة أبو عمارة قد تحوّلت حينها إلى «كتائب أبو عمارة»، وشاركت في السيطرة على الأحياء الشرقية لمدينة حلب على جبهات صلاح الدين وسيف الدولة والإذاعة والعامرية. وتمركزت في هذه المناطق لاحقاً، إضافة إلى أحياء المشهد والأنصاري والشعّار، حيث تتواجد مقرّات الكتائب العسكرية. على الرغم من أنّ كتائب أبو عمارة انتقلت للعمل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بشكل علني، إلّا أنّ نشاطها في مناطق النظام بقي مستمراً عبر ما أسمَوه «سريّة أبو عمارة للمهام الخاصة»، التي واصلت تنفيذ العمليات ضد قيادات في جيش النظام ومخابراته ولجانه الشعبية.
يبلغ متوسط عدد مقاتلي كتائب أبو عمارة 250 مُقاتلاً، ينقص حيناً ويزداد حيناً، بعد أن كان تعداد السريّة النوّاة حوالي 10 أشخاص. وشارك مقاتلوها في عدد من المعارك الهامة في حلب وريفها، حيث كانت فاعلاً رئيسياً في الدفاع عن حي صلاح الدين ضدّ هجمات النظام أواخر عام 2012، كما شاركت في معظم عمليّات الريف الجنوبي لكن على فترات متقطّعة (معارك خناصر،السفيرة، جبل عزّان، معامل الدفاع)، وكذلك في المعارك التي جرت حول مطار النيرب العسكري. وكانت متواجدة على الدوام في الجبهات الأخيرة والأهم (حندرات، البريج، الملّاح) حيث ما زالت تتواجد، إضافة إلى الجبهات الغربية من مدينة حلب (صلاح الدين، سيف الدولة، العامرية).
ينتمي مقاتلو كتائب أبو عمارة إلى عدّة مناطق في حلب وريفها، ومنهم عدد كبير من أبناء مدينة حلب، إضافة إلى مقاتلين من الأرياف. وكانت على الدوام ذات ميول استقلالية واضحة، لكنها خاضت تجربة الانضمام تحت راية تجمّع عسكري عدّة مرّات، كانت أطولها المدّة التي قضتها الكتائب مع «تجمع ألوية فاستقم كما أُمرت» منذ منتصف عام 2013، عندما تم الإعلان عن إعادة هيكلة التجمّع الذي قد شُكّل أواخر عام 2012، وكان قد سبق هذه التجربة تجربتان قصيرتان مع لواء حلب المدينة ولواء حلب الشهباء عند الإعلان عن تشكيل اللواءين. بقيت كتائب أبو عمارة ستة أشهر مع التجمّع قبل أن تنسحب منه مع بداية 2014 معترضةً على دخوله في «جيش المجاهدين»، التشكيل الجديد آنذاك، الذي بدأ المعركة في حلب وريفها ضد تنظيم داعش. يقول «أبو بكري» قائد الكتائب عن رفضهم قتال تنظيم الدولة الاسلامية في لقاءٍ مع جريدة صدى الشام «لم نُشارك لأنّنا لا نستطيع إخلاء جبهات المدينة والتوجّه إلى الريف الشمالي، بالدرجة الأولى ظروفنا غير مواتية، وثانياً تلك المعارك تصب في مصلحة النظام قولاً واحداً».
تُشير المعطيات إلى أنّ كتائب أبو عمارة تتّبع فكراً جهادياً سلفياً لم يكُن واضحاً طوال سنة ونصف، أي منذ تشكيل السريّة وحتى الفترة الأولى من معارك مدينة حلب، وهي المقربة من جبهة النصرة، التي اتّخذت نفس الموقف حيال تنظيم داعش في حلب. حاربت «أبو عمارة» إلى جانب جبهة النصرة في كثير من المعارك، وكانت العلاقة بين التنظيمين جيدة جداً. تقوم كتائب أبو عمارة الآن بفرض أحكام إسلامية في مناطق المشهد والأنصاري والشعّار، حيث تفرض إغلاق المحال التجارية وقت صلاة الجمعة، إضافة إلى حادثة رمي أحد المدنيين من «علو شاهق» بعد أن وجّهوا له تهمة «الشذوذ الجنسي». ترفع «أبو عمارة» الرايات الإسلامية السوداء بعد أن استخدمت علم الثورة لمدّة قصيرة إلى جانب الرايات الإسلامية مع بداية معارك حلب أواخر 2012.
على صعيد التمويل، اعتمدت كتائب أبو عمارة على مصادر خاصة كشخصيات تجارية ذات توجّه إسلامي في سوريا وخارجها، كما اعتمدت على غنائم المعارك التي خاضتها، ولم تتلقَّ أيّ دعم حكومي رسمي إلّا في فترة تواجدها مع تجمّع «فاستقم»، حيث حظيت بدعم قطري محدود.
شُكّلت كتيبة نور الدين زنكي بداية شهر تشرين الثاني 2011 في الريف الغربي لمدينة حلب، وتحديداً في قرية قبتان الجبل بقيادة الشيخ توفيق شهاب الدين، أحد أهم أسماء الحراك المسلح. يقول توفيق شهاب الدين في مقابلة مع تيسير علوني على قناة الجزيرة أن قرار تشكيل «الزنكي» جاء بعدما استجرّهم النظام نحو العمل العسكري بسبب بطشه واعتداءه على المظاهرات السلمية. نفذ مقاتلو الكتيبة، التي تحولت فيما بعد إلى عدة كتائب في مناطق ريف حلب الغربي، عمليات عسكرية مستخدمين السلاح الفردي من أجل إنهاء سيطرة النظام على تلك المناطق، حيث شاركت كتائب نور الدين الزنكي في المعارك التي اندلعت في قُرى قبتان الجبل، تقاد، عنجارة، بسرطون، حوّر، المنصورة، الأبزمو، كفرناها، الشيخ سليمان، عويجل، الأتارب، وسرمدا في إدلب.
انفردت كتائب الزنكي بتحرير المناطق التي ينتمي عناصرها إليها كقبتان الجبل وتقاد وعنجارة وبسرطون وكفرناها، بينما شاركت مع فصائل أخرى في بقية المناطق. وانضمت إلى لواء التوحيد بعيد تشكيله في الثامن عشر من تموز 2012، ثم انسحبت منه مع نهاية عام 2012 وانضمّت إلى «تجمّع ألوية فاستقم كما أُمرت» المقرّب من الإخوان المسلمين، وتمّت إضافة كلمة «الإسلامية» إلى تسمية الكتائب فأصبحت «كتائب نور الدين الزنكي الإسلامية»، ثمّ انسحبت من التجمع في حزيران 2013.
كانت كتائب الزنكي من أوائل الكتائب التي دخلت معركة حلب، وتحديداً في حي صلاح الدين، حيث تمركز مقاتلوها على جبهة شارع 15، الذي شهد أعتى المعارك مع قوات النظام التي كانت تحاول استعادة أول الأحياء التي خضعت لسيطرة المعارضة المسلحة في المدينة. وخاضت عدداً كبيراً من المعارك، كان من أهمها اقتحام كتيبة الهندسة في خان العسل، واقتحام حيّ الراشدين غربي حلب، وهو حي من أحياء المدينة الحديثة عمرانياً في منطقة حلب الجديدة. بالإضافة إلى التصدي للأرتال العسكرية التي أرسلها النظام لاستعادة السيطرة على الريف الغربي في بلدات تقاد وحوّر، وهي الأعمال التي تفرّدت بإنجازها كتائب نور الدين الزنكي. بينما شاركت مع فصائل أخرى في معارك هامة دارت في حلب وريفها، أهمها: معارك تحرير الأتارب والأبزمو وخان العسل والمنصورة وبابيص وكفر داعل والراعي وجبل معارة الأرتيق وجبل شويحنة، والتصدي للرتل الذي حاول اقتحام عندان، والسيطرة على الفوج 111 والفوج 46 ومدرسة الشرطة وجمعية الكهرباء ومعمل سادكوب ومعمل الكابلات وقطع طريق خناصر، ومعارك مطار منّغ العسكري، وكلها معارك دارت في مناطق الريفين الغربي والشمالي، إضافة إلى بعض مناطق إدلب.
في مدينة حلب، شاركت كتائب الزنكي في معارك السيطرة على أحياء صلاح الدين والسكّري والعامرية والأنصاري وجسر الحج والمشهد والزبدية والشيخ سعيد ومعمل الاسمنت الضخم في الشيخ سعيد، كما كانت لها مشاركات محدودة خارج إطار محافظة حلب، أهمها المشاركة في محاصرة مطار دير الزور العسكري، والمشاركة في تحرير اللواء 66 في حماه، والمشاركة في معارك السيطرة على سرمدا وباب الهوى الحدوديّتَين في ريف إدلب. ويُذكَر أنّ كتائب الزنكي قامت بإنشاء أول غرفة عمليات مشتركة في حلب وريفها بالاشتراك مع عدة قوى مسلّحة، وهي «غرفة عمليات خان العسل».
بداية عام 2014، انضمت كتائب الزنكي إلى تشكيل جيش المجاهدين لقتال تنظيم الدولة الاسلامية تحت قيادة مركزية وبغرفة عمليات مشتركة، وعُيّن الشيخ توفيق شهاب الدين قائداً عاماً لجيش المجاهدين. شاركت كتائب الزنكي مع الفصائل الأخرى في جيش المجاهدين في قتال التنظيم في مناطق الريف الغربي، واستطاعت إخراجه من أغلب القرى، ثمّ تحصن مقاتلو التنظيم في قرية عنجارة وانسحبوا منها بعد بضعة أيام باتجاه بلدة حريتان في الريف الشمالي، التي انسحبوا منها لاحقاً.
استمرت كتائب الزنكي بالعمل تحت راية جيش المجاهدين حتى أيار 2014، عندما أعلنت انسحابها منه، وأكد جيش المجاهدين ذلك عبر بيانٍ رسميّ منشور. وسُرعان ما أُعلن عن تغيير اسم الكتائب من «كتائب نور الدين الزنكي الإسلامية» إلى «حركة نور الدين الزنكي»، ما يدل على أنّ تغييراً جذرياً قد طرأ على السياسية العامة «للزنكيين»، تلاه توسعة في أعداد المقاتلين والكتائب التابعة للحركة، كانفصال لواء أبناء الصحابة عن لواء التوحيد وانضمامه للزنكي، حتى وصل عدد مقاتلي الحركة إلى ألفَيْ مُقاتل.
ترجع أسباب انسحاب الزنكي إلى تلقي جيش المجاهدين الدعم عن طريق لواء الأنصار إبان معركة خان العسل، وهذا الدعم قادم من هيئة حماية المدنيين القطرية والمحسوبة على الإخوان المسلمين، وهو ما شكّل شُبهةً بالنسبة للداعم الأميركي الذي اعتادَ أن يثق بالزنكي ويرسل له الدعم عن طريق غرفة عمليات «الموم»، وأيضاً بسبب الرغبة الدائمة لتوفيق شهاب الدين ببناء زعامة مستقلة، وهو ما تحقّقَ فعلياً بوجود الحاضنة الشعبية لحركة الزنكي في الريف الغربي (حيث أن كثيراً من أبناء قرى الريف الغربي انضموا للقتال تحت رايتها)، إضافة إلى الحالة التنظيمية ذات المستوى العالي التي وصلت إليها، ففي القسم العسكري والأمني أوجدت الحركة مكاتباً عديدة مهمتها العمل على هذا الجانب، وهي:
المكتب العسكري: يتبع له 33 كتيبة و خمس سرايا (م د، م ط، مدفعية، دبابات، هندسة عسكرية).
المكتب الأمني والشرطة: يضم 10 مخافر شرطة و15 حاجزاً، وتعمل على ضبط الأمن في المناطق التابعة الحركة، ومكافحة الجريمة واللصوص.
مكتب التسليح: يتولى ضبط السلاح وتسجيله في القيود وتوزيع الذخيرة.
مكتب الإدارة والتنظيم: يقوم بضبط الأعداد وتقييد ذاتية عناصر الكتائب وتوزيعها حسب الاختصاصات.
مكتب الإشارة والاتصالات: يقوم بتأمين الاتصالات والإشارات العسكرية وتنظيمها.
مكتب الشؤون الإدارية: يتألف من مطبخ ورحبة تصليح ومحطة محروقات.
المكتب المالي: يقوم بضبط الأمور المالية وتوثيقها وتوزيع الرواتب وإدارة النفقات.
مكتب الإغاثة العسكرية: يقوم بتأمين المعونات للعناصر وتوزيعها على أسَر العناصر بشكل منتظم، والعناية بأمور المعاقين وأسر الشهداء.
المعسكرات: يقوم بتدريب العناصر وتأهيلهم.
المكتب السياسي والعلاقات العامة: يتولى رسم السياسة العامة للكتائب، وإقامة العلاقات العامة في الداخل والخارج.
اهتمت كتائب الزنكي بالعمل المدني على نحو خاص ومنظّم، فأحدثت عدة مكاتب للاعتناء بأمور المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، توزّعت على النحو التالي:
مكتب الإدارة المحلية: يضم البلديّات والمجالس المحلية، ويعمل على توحيد عملها والتعاون فيما بينها لتأمين المُستلزمات والخدمات العامة للمدنيين من ماء وكهرباء وصرف صحّي وتعبيد الطرقات. يقوم هذا المكتب بالربط والتنسيق مع «المجلس المحلي لمحافظة حلب الحرّة» المُرتبط بالحكومة السورية المؤقتة.
المكتب الطبّي: يتألف من عدة نقاط طبيّة منتشرة في البلدات التابعة لنفوذ الكتائب، وهذه النقاط مرتبطة بمشفى ميداني يؤمن الدواء والإسعافات الأوليّة.
المكتب التعليمي: يشرف على التعليم في مناطق وجود كتائب الحركة، كما يعمل على إعادة تأهيل المدارس وتأمين الاحتياجات اللازمة لاستمرارالعملية التعليميّة.
المكتب الاقتصادي: يقوم بإعادة تأهيل المنشآت الصناعية العامّة، ومساعدة أصحاب الفعاليات الاقتصادية الخاصّة.
المكتب الشرعي والدعوي: يُشرف على المساجد والأوقاف، ويقيم المعاهد الشرعية لتخريج الدُعاة، ويعمل على نشر الفكر الإسلامي المعتدل، الذي تتخذه الحركة منهجاً إيديولوجياً بوضوح.
تغطي حركة نور الدين الزنكي الآن جانباً كبيراً من المعارك الدائرة في حلب، ويتوزّع مقاتلوها على الجبهات في أهم المناطق التي تشهد معارك ضد النظام السوري وتنظيم الدولة الاسلامية (الملّاح، البريج، الصناعة، حندرات، الراموسة، صلاح الدين، العامرية، الصاخور، الشيخ سعيد، سيف الدولة، سليمان الحلبي، وقسم كبير من خط القتال ضد تنظيم داعش في الريف الشمالي).
على صعيد التمويل، حصلت الحركة على دعم العديد من الشخصيات والحكومات، فعند تشكيل الكتائب حظيت بدعم مادي محدود من شخصيات خليجية أو سورية مقيمة في المغترب، كما اعتمدت على السلاح والذخيرة التي كانت تستولي عليها بعد المعارك ضد قوات النظام. تطوّر التمويل طبيعياً كما حصل مع باقي الفصائل، فحصلت الحركة على دعم قطري بسبب انضمامها إلى تجمّع «فاستقم كما أُمرت»، مّا أسس لعلاقات جيدة مع الإخوان المسلمين السوريين، الذين كانوا ينسقون عمليات التمويل بين والحكومتَين القطرية والتركية، والأخيرة كانت على الدوام العنصر المساعد لدخول الأموال القطرية إلى الفصائل الإسلامية في سوريا. كما حصل «الزنكي» على دعم مجلس الأمة الكويتي، إضافة إلى الهيئة الشعبية الكويتية التي يترأّسُها الشيخ السلفي حجّاج العجمي. مع بداية عام 2014، ومع انضمام «الزنكي» إلى جيش المجاهدين، حظيت الحركة بتمويل منوّع عن طريق جيش المجاهدين، وهو خليط من تمويل قطري- إخواني، وتمويل «مجموعة أصدقاء سوريا» عن طريق غرفة عمليات «الموم»، وبعد انسحابها من جيش المجاهدين وتغيير الاسم إلى «حركة نور الدين الزنكي» اعتمدت الحركة فقط على التمويل الدولي الحكومي «الموم»، وهو ما يُفسّر إلى حدٍّ كبير عملية التغيير الجذرية التي حصلت في صفوف الزنكي بعد أيار 2014، مثل تواجدَ علم الثورة بشكل كثيف في البيانات الإعلامية وفي المقرّات العسكرية التابعة للحركة وعلى سياراتها.
تؤمن حركة نور الدين الزنكي بالفكر الإسلامي المعتدل، رغم أنّ التوقعات كانت تذهب لتوجّه توفيق شهاب الدين نحو التطرّف، لكن «الزنكي» بقيَت محافظةً على خطّها الاستراتيجي الإسلامي المعتدل والواضح، رغم تنوّع التمويل بين القطري والأمريكي، ولم تتّبع الخط السلفي الجهادي بل بقيَت محافظةً على هدفها الأساسي في إسقاط النظام، وبناء دولة المؤسسات الإسلامية المعتدلة.
أعلنَ عن تأسيس تجمّع ألوية «فاستقم كما اُمرت» منتصف كانون الأول 2012 إثر اتحاد مجموعة من فصائل الجيش السوري الحر آنذاك، وهي ألوية اعتمدت في تلك الفترة راية الثورة السورية، وضمّ في بداية تشكيله الفصائل التالية: لواء درع الأمّة، لواء درع الوطن، لواء درع الشهباء (وهي ألوية منضوية ضمن «هيئة دروع الثورة»، والهيئة تجمّع عسكري يتبع للإخوان المسلمين، تأسس في اسطنبول بحضور رياض الأسعد، قائد الجيش الحر آنذاك، ومحمد رياض الشقفة، المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا)، إضافة إلى لواء حلب المدينة، لواء حلب الشهباء، كتائب ذي النورين، تجمّع كتائب السلام، لواء أنصار محمد، وكتائب نور الدين الزنكي.
عُيّن الشيخ توفيق شهاب الدين قائد «الزنكي» قائداً عاماً للتجمّع، ومصطفى برّو الملقب بـ«صقر أبو قتيبة»، وهو قائد تجمّع كتائب السلام قائداً عسكرياً، قبل أن تنسحب كتائب الزنكي من التجمّع، ليصبح «أبو قتيبة» قائداً عاماً. مصطفى برّو من قاطني حلب، وذو أصول إدلبية.
انصهرت ألوية «الدروع» فيما بعد في التشكيلات الإخوانية الأُخرى، ولم يعُد لمسمّيات درع الأمّة ودرع الوطن ودرع الشهباء أيّ وجود، كما انصهر ما تبقى من كتائب ذي النورين، التي نشطت في حي صلاح الدين، في باقي تشكيلات التجمّع. كانت أعداد مقاتلي التجمّع في تلك الفترة تُقارب الـ 1300 مُقاتل، قبل أن تتناقص جرّاء انسحاب «الزنكي» من التجمّع، إلّا أن أعداد مقاتلي التجمّع تراوحت طوال فترة نشاطه وحتى الآن بين 900 و1300 مُقاتل.
تمّ الإعلان عن تشكيل لواء حلب الشهباء في السادس من أيلول 2012 بقيادة «أبو الصادق»، وانضوى تحت اسمه آنذاك عدد كبير من الكتائب الصغيرة الناشطة في الجبهات الغربية، ككتائب أبو عبيدة بن الجراح وشهداء صلاح الدين ودرع صلاح الدين وسرايا أمن الثورة وصقور صلاح الدين وعمرو بن العاص، وغالبية مقاتليها من المدنيين المنتمين إلى أحياء مدينة حلب والريف الشمالي والغربي وريف إدلب. واعتمد اللواء علم الثورة في شعاراته وبياناته الإعلامية. ترك «أبو الصادق» منصبه في قيادة اللواء إلى ملهم عكيدي، أحد طلاب جامعة حلب، وما يزال العكيدي قائد اللواء حتى الآن.
أمّا لواء حلب المدينة فقد أُعلن عن تشكيله مطلع أيار 2012 بجهد شخصي من الطبيب عبد الرؤوف كريّم، الذي أصبح فيما بعد عضواً في المجلس العسكري الثوري لمدينة حلب، قبل أن يختفي في ظروف غامضة، ولم يُعرف مصيره حتى اليوم. تشكّل اللواء قبل بدء معركة حلب، وعمل بشكل سرّي إلى جانب سريّة أبو عمارة في أحياء حلب عبر اغتيالات استهدفت عناصر جيش النظام وقياداته الأمنيّة ومموّلي وقياديي «اللجان الشعبية». تغيّر اسم اللواء بعد دخوله التجمّع إلى «لواء حلب المدينة الإسلامي» إثر سيطرة قيادات إسلامية عليه، حيثُ يشغل عمر سلخو منصب قائد اللواء حتى الآن.
أسس مصطفى برو «صقر أبو قتيبة» (القائد الحالي لتجمع فاستقم) تجمّعَ كتائب السلام، الذي تغيّر اسمه فيما بعد إلى لواء السلام، في آب 2012، وضمّ عدّة كتائب كانت تنشط في أحياء حلب الغربية أيضاً. وأهم تشكيلات هذا التجمّع كان كتيبة فجر حلب التي قادها عبد السلام منّغاني، والذي أصبح أحد قياديي لواء السلام قبل أن يُقتل في إحدى المعارك؛ وكتيبة سيوف الله الأحرار بقيادة «أبو علي صليبة» ذو الأصول الساحلية، وأحد قياديي اللواء لفترة طويلة على جبهة حيّ الإذاعة، قبل أن يُختطف من قبل مقاتلي تنظيم داعش، ولا أخبار مؤكدة عنه حتى الآن. ما يزال «أبو قتيبة» يشغل منصب قائد لواء السلام .
نشطت ألوية التجمع على جبهات القتال ضد النظام في الأحياء الغربية من القسم الخاضع لسيطرة المعارضة من حلب (صلاح الدين، تل الزرازير، سيف الدولة، جب الجلبي، الإذاعة، الشيخ سعيد، العامرية، الراموسة، الحمدانية)، كما نشطت في ريف حلب الغربي وجبهات القتال على أطراف أحياء حلب الغربية الخاضعة لسيطرة النظام (حي الراشدين)، وشارك مقاتلو التجمّع في المعارك التي دارت في ريف حلب الجنوبي ضد قوّات النظام (خناصر، السفيرة، جبل عزّان )، إضافة إلى المعارك التي اندلعت ضدّ تنظيم داعش في حلب وريفها باسم جيش المجاهدين بداية 2014، حيث كان التجمّع عضواً بارزاً في التشكيل الجديد آنذاك.
يتواجد مقاتلو التجمّع بشكل دائم على الجبهات الثلاث الأهم حالياً في محيط حلب ( البريج، حندرات، الملّاح)، وينتمي مقاتلو الفصائل المنضوية تحت هذا التشكيل إلى مناطق عديدة من حلب وريفها، وبعض مناطق ريف إدلب. ويُعتبر تجمّع ألوية «فاستقم» أكبر الفصائل الحاوية على مقاتلين حلبيين، حيث شكّل الحلبيّون وقاطنو حلب النواة الأساسية لكتائب ألوية حلب الشهباء وحلب المدينة. كما يسيطر التجمّع منذ تأسيسه على أحياء صلاح الدين والمشهد والأنصاري والزبدية وجب الجلبي والعامرية، حيث تتواجد مقرّاته وحواجزه العسكرية ومساكن مقاتليه.
على صعيد الإنجازات العسكرية كانت الكتائب الصغيرة التي شكّلت فيما بعد ألوية التجمّع عاملاً رئيسياً في بدء معركة حلب، حيث استطاعوا السيطرة على حي صلاح الدين وجزء من حي المشهد قبل أن تصل المؤازرات الريفية التي تمثّلت بلواء التوحيد وكتائب نور الدين زنكي، كما شاركوا في السيطرة على أحياء الشيخ سعيد والعامرية ومعمل سادكوب في الراموسة وحيّ الراشدين وجبل معارة الأرتيق، وكانت ألوية التجمّع فاعلاً أساسياً في السيطرة على مناطق الريف الجنوبي والمعارك الدائرة هناك حتى الآن، كما شاركت في القتال ضد تنظيم داعش وساهمت بطرده من أحياء حلب.
يُعتبر تجمّع «فاستقم» الذراع العسكري الإخواني الأوّل في منطقة حلب، حيث يحظى بالدعم المقدّم من الدول الداعمة لجماعة الاخوان المسلمين السوريين، وفي مقدمتها قطر، وبتسهيلات تركية. وكانت إيديولوجيا التجمّع، حسب مقاطع الفيديو التي ينشرها على «يوتيوب» وبياناته الإعلامية، ذات بُعد اسلامي مُعتدل لم يخلُ من بعض المواقف المُتطرّفة، والتي كان أغلبها يصدر من مقاتلي لواء حلب المدينة بسبب سيطرة القيادات السلفية الجهادية كما سبق الذكر. تلك المواقف كانت سبباً في انفصال التجمّع عن جيش المجاهدين الذي كان يتلقّى دعماً حكومياً غربياً عبر غرفة عمليات «الموم»، ويوصله بدوره إلى ألوية التجمّع. كان التجمع بعد تشكيله بعدة أشهر الخيار الأفضل للإخوان المسلمين السوريين، حيث طلبوا من هيئة دروع الثورة الانصهار تحت اسم التجمّع وألويته بعدما باءت تجربتهم المستقلة بالفشل. حارب التجمّع ضد تنظيم داعش في حلب وريفها، ويُعتبر لواء حلب الشهباء الأكثر اعتدالاً بين ألوية التجمّع، وهو الفصيل الذي ما زال يرفع علم الثورة السورية حتى الآن .
تأسست حركة حزم أواخر كانون الثاني 2014 بجهد شخصي من اللواء سليم إدريس، رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، والذي تمّت أقيل بعد تأسيس حزم بفترة وجيزة على خلفية اقتحام أحرار الشام مخازن السلاح والذخيرة الخاصة بهيئة الأركان في منطقتي باب الهوى وأطمة في ريف إدلب الشمالي قبلها بنحو ثلاثة أشهر، ذلك إضافة إلى الخلاف الكبير الذي نشب بين إدريس وأحمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني آنذاك، ما دفع بالأخير للضغط على السعودية باتجاه إقالة سليم إدريس وتعيين عبد الإله البشير بدلاً منه، وهو ما تمّ بالفعل.
أثبت إدريس أنه قادر على إحداث تغيير في خريطة القوى عبر تشكيل حركة حزم بعد أن قررت الولايات المتحدة دعم المعارضة السورية المعتدلة بأسلحة ثقيلة وذخيرة، إضافة إلى تدريبات عسكرية، لكن الفصيل المناسب لتلقّي هذا الدعم لم يكن موجوداً في تجمّع عسكري منظّم وواضح، ما دفع إدريس للبدء بجمع القوى التابعة لهيئة الأركان ضمن بوتقة حزم. حينها أعلنَ 12 فصيلاً عسكرياً يشكّلون 22 كتيبة من مناطق مختلفة في سوريا عن تشكيلهم لحركة حزم، والتي تُعتبر من القوى العسكرية المعتدلة في المعارضة السورية.
تشكل قوام حركة حزم الأساسي في حلب من مقاتلي الفرقة التاسعة التابعة لهيئة أركان الجيش السوري الحُر، التي شُكّلتْ أواسط حزيران 2013 في ريف حلب بقيادة عبد الناصر أبو جلال، وضمّت مقاتلين من ريف حلب وريف إدلب من عدة كتائب وألوية ضمن تشكيل عسكري بحت (اللواء أوّل مدرّعات، الفوج الأوّل قوّات خاصّة، لواء أحباب الله، لواء درع الشهباء، اللواء 60 مُشاة، لواء المشاة الأوّل مهام خاصّة، كتائب م د، فوج المدفعية والصواريخ). في المدن الأخرى ضمّت حزم تشكيلات مختلفة في أرياف إدلب وحماه وحمص واللاذقية والقلمون ودرعا، أهم هذه التشكيلات كانت كتائب الفاروق، التي تُعتَبر النواة الأولى للجيش السوري الحر، والتي أُعلن عن هيكليتها التنظيمية أواسط شباط 2013 بعد أن شكّلت معارك حي بابا عمرو في حمص الانطلاقة الأولى لها، ومنه انطلقت باتجاه بقية مناطق حمص وريفها قبل أن تتحوّل إلى «فاروق سوريا»، حيث شكّلت كتائب الفاروق في كل المحافظات السورية -باستثناء حلب- القوام الرئيس لحركة حزم، إضافة إلى عدة كتائب صغيرة أُخرى. وجاء في بيان التشكيل أنّه اعتباراً من تاريخ البيان تُلغى أسماء التشكيلات، وتندمج جميعها تحت مُسمّى «حركة حزم» التي يمثّلها الأشخاص التالية أسماءهم وصفاتهم : القائد العسكري لحركة حزم الملازم أوّل عبد الله عودة «أبو زيد»؛ القائد العسكري للقطاع الجنوبي؛ محمد الضحيك «أبو حاتم»، والذي قُتلَ فيما بعد إثر استهداف الطيران الحربي لإحدى مقرّاته في تلبيسه بريف حمص؛ القائد العسكري للقطاع الشمالي الملازم أوّل مُرشد الخالد «أبو المعتصم»؛ رئيس المكتب السياسي لحركة حزم حمزة الشمالي «أبو هاشم»؛ أمين عام الحركة «بلال عطّار»، الذي استقال فيما بعد وترك منصبه لخالد الصالح عضو الائتلاف الوطني السابق، والذي وقّع بتاريخ 28-10-2014 في جنيف على معاهدتين من ضمن الإعلان الخاص بنداء جنيف والمتعلق بحظر الألغام المضادة للأفراد ومنع العنف الجنسي والتمييز بين الجنسين. ووفقاً للمعاهدة، خضع مقاتلون من الحركة لدورات تدريبية توعوية للتعرف على أساليب الالتزام بالمعاهدات التي تم التوقيع عليها، إضافة لدورات تثقيفية متعلقة بالقانون الدولي الإنساني وقوانين النزاعات.
وصل عدد مقاتلي حزم إلى 4000 مُقاتل بُعيدَ تشكيلها، قسم كبير منهم هم من الضُبّاط والعسكريين المُنشقّين عن النظام، وهو ما تمتاز به حركة حزم عن باقي الفصائل السورية المعارضة، حيث أن للحركة هيكلية عسكرية تشبه هيكليّة الجيوش النظاميّة إلى حدٍّ كبير.
تم تدريب عدد كبير من مُقاتلي حزم كعناصر وصف ضبّاط في معسكرات خاصة في قواعد السعودية وقطر والأردن تحت إشراف الإدارة الأمريكية، وهو ما يفسّر الفترة الزمنية الطويلة التي فصلت بين إعلان التشكيل وبداية ظهور المقاطع على «يوتيوب» باسم حركة حزم. وهي تستخدم صواريخاً أمريكية موجّهة مضادّة للدبابات «تاو»، ما أوضحَ أن حركة حزم تتمتّع بفعالية كقوة عسكرية، كما أنّ مقاتليها غالباً ما يقومون بضرب أهدافهم مباشرةً وليس بصورة عشوائية على غرار العديد من الفصائل الثورية الأُخرى. تضاءلت أعداد مقاتلي حزم بشكل كبير بعد حربهم مع جبهة النصرة في ريف إدلب، بعد أن استطاعت الأخيرة حسم المعركة مع جبهة ثوار سوريا في جبل الزاوية لمصلحتها، وإنهاء وجود أحد أهم الفصائل المحسوبة على المعارضة المعتدلة.
توجّهت النصرة بعد ذلك نحو القضاء على حركة حزم، التي تعرض عدد من قادتها لمحاولات اغتيال، وتمّت السيطرة على بعض الحواجز والمقرّات التابعة لحزم في ريف حلب الغربي وريف إدلب، كما قامت النصرة باعتقال عدد من قادة حزم، أبرزهم مشهور الطويل في 5-12-2014، وردّت عليها حزم باعتقال ثلاثة شرعيين تابعين للنصرة حتى الإفراج عن مشهور. لكنّ حركة حازم حاولت التملّص من المعركة رغبةً منها في الاستمرار بقتال النظام، وسحبت قواتها من ريف إدلب باتجاه جبهات حلب. لم تتمكن النصرة آنذاك من القضاء على حركة حزم، لكّنها استطاعت اخراجها من ريف إدلب، حيث تمركز مقاتلوها في ريف حلب الغربي، وهو ما يُعتبر الآن معقلاً أساسياً من معاقل الحركة في حلب. تمّ الاتفاق بعد ذلك على هدنة بين حركة حزم وجبهة النصرة، وتم بموجبها سحب مقاتلي حزم من ريف إدلب باتجاه ريف حلب، وهو ما ساهم بزيادة أعداد مقاتلي الحركة في حلب لكنّ المعركة سرعان ما عاودت الاندلاع بعد ذلك مرّة أخرى في مناطق ريف حلب الغربي، حيث تحاول النصرة التمدّد والقضاء على الحركة.
نشطت المعارك مجدداً في الأيام الأخيرة بين الطرفين بعدما بدأ مقاتلو النصرة امتدادهم من ريف إدلب إلى ريف حلب الغربي، وتحديداً إلى مناطق سيطرة حركة حزم في الأتارب ودارة عزّة إبّان حالات الخطف التي حصلت بين الفصيلَيْن في الفترة الأخيرة. دافع مقاتلو حزم لعدة أيام عن دارة عزّة، لكنّ النصرة استطاعت أخيراً أن تسيطر على دارة عزة والقُرى المحيطة بها. بعد معركة دارة عزة، تمدّدت جبهة النصرة باتجاه الأتارب والفوج 46 العسكري قرب الأتارب.
قُتل خلال المعارك الأخيرة أكثر من 60 من مقاتلي حزم، و 15 من مقاتلي النصرة، بالإضافة إلى الأسرى بين الطرفين، والذين قُتلوا أيضاً. لم يستطع مقاتلو حزم الصمود أمام التمدّد الهائل لمقاتلي النصرة، والموقف الرمادي الذي اتّخذته قيادات الجبهة الشامية حيال هذه المعركة، حيث طالبت الجبهة الشامية في بيان الرسمي كلاً من حركة حزم وجبهة النصرة تطبيق هدنة فورية والاحتكام إلى محكمة قضائيّة شرعية توافقية بين الطرفين تحكم «بشرع الله»، فأعلنت حركة حزم بتاريخ الأول من آذار 2015 عن حلّ نفسها وانضمام مقاتليها إلى الجبهة الشامية، ليسيطر بعدها مقاتلو النصرة على الفوج 46 ومدينة الأتارب.
تقول حركة حزم عبر موقعها الخاص على الانترنت (والذي لم يعد متاحاً عند تحرير هذه المادة) أن أهداف الحركة هي: تصحيح مسار الثورة السورية والحفاظ على ثوابتها، والوقوف في وجه كل من يحاول حرف مسارها، وتحقيق طموحات الشعب في نيل حريّته واستعادة كرامته المتمثّلة في إسقاط النظام؛ التنسيق مع كافة الفصائل الثورية التي تسير على نفس مسار الحركة وأهدافها. وأكّد سليم ادريس في بيان التشكيل على أنّ دعم القوى الثورية هو الضمانة الحقيقية لأي حل سياسي.
في حلب ينتشر مقاتلو حزم بقيادة النقيب المنشق عبد الناصر أبو جلال، ويشكّلون نسبة 22 % من مقاتلي الحركة في سوريا (قبل انتقال مقاتلي إدلب إلى حلب، وهو ما جعل قوتّها الأساسية في حلب، أي حوالي 45 % من مقاتلي الحركة)، ويتواجدون على جبهات القتال ضد قوات النظام في كل من حندرات والبريج والصناعة والعامرية وقرية عزيزة، وغالباً ما يكون لتواجدهم فعالية كبيرة على جبهات القتال بسبب الأسلحة المتطورة التي يمتلكونها، ما يوفر لها مساحة كبيرة للتأثير على النزاع المسلّح ومساره. بينما تتواجد مقرّاتهم ومناطق نفوذهم في المناطق التي ينتمي مقاتلوها إليها، وهي: الأتارب، الأبزمو، السحّارة، دارة عزة، كفر نوران في ريف حلب الغربي، ومناطق بستان القصر, الكلّاسة في القسم الخاضع لسيطرة المعارضة في مدينة حلب.
إيديولوجياً، ووفقاً لوثائقها التأسيسية فهي منظمة سياسية ثورية لها جناح عسكري، تعمل على إسقاط النظام في سوريا وتسعى لاستعادة الحرية والكرامة للشعب السوري. هناك محتوى إسلامي محدود في هذه الوثائق، أو في المنشورات المختلفة للحركة على الانترنت. بشكل عام، يبدو أن حزم أكثر اهتماماً بحربها ضد النظام من اهتمامها بالاقتتال الداخلي الذي عانت منه المعارضة السياسية والعسكرية منذ فترة طويلة. تؤمن حركة حزم بالدولة المدنية وبالأسلوب الديموقراطي وحق الشعب في تقرير مصيره، وتعترف بالمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتُعد حركة حزم أكثر فصيل ثوري معارض يميل إلى الاعتدال والعلمانية، وتتبع الحركة تنظيمياً لهيئة أركان الجيش السوري الحر بقيادة العميد زاهر الساكت، والمرتبط بهيئة أركان الجيش السوري الحر، وتحظى بدعم حكومي من «مجموعة أصدقاء سوريا» عبر غرفة عمليات «الموم» في تركيا وغرفة عمليات «الموك» في الأردن، ولم تتلقَّ أي تمويل آخر خارج هذا النطاق، وهذا ما أعطي الحركة الأفضلية في نَيل القسم الأكبر من التمويل، وهو ما يشتمل على السلاح، الذخيرة، الرواتب، اللوجستيات، والمعسكرات التدريبية.
أعلنت أكثر من عشرة ألوية مقاتلة تعمل في حلب وريفها في التاسع عشر من أيلول لعام 2013 عن تشكيل الفرقة السادسة عشر للجيش السوري الحر، وجاء في بيان تشكيل الفرقة: «نعلن نحن الكتائب والألوية المقاتلة في ريف حلب الشمالي عن تشكيل الفرقة السادسة عشرة التابعة للمجلس العسكري الثوري في محافظة حلب، والمؤلفة من الفصائل التالية: لواء أحرار سوريا، لواء شهداء بدر، لواء الأقصى، تجمع كتائب أحفاد عُمر، لواء الربيع العربي، لواء أسود الثورة، لواء شهداء المصطفى، تجمع كتائب صقور السلام، لواء يوسف العظمة، لواء صلاح الدين الأيوبي».
ألقى هذا البيان العقيد الركن المُنشق سليمان الشلّال، الذي عُيّن قائداً عاماً للفرقة 16، قبل أن يستقيل ويسلّم منصبه للعقيد الطيار حسن رجّوب. كما عُيّن الملازم أوّل المُنشَق «أبو حاتم الحمصي» قائداً عسكرياً للفرقة، ومحمد سراج حياني منسقاً عاماً. شُكّلت الفرقة في الفترة التي سبقت إعلان تنظيم الدولة الاسلامية حربها على ما سمّتهم «المُفسدين» في حلب، والتي بدأت باستهداف كتائب غرباء الشام في مناطق الصاخور والحيدرية وبستان الباشا. حُسمَت المعركة ضد غرباء الشام لصالح داعش، التي سُرعان ما اتّجهت إلى المناطق التي تسيطر عليها الفرقة 16 في الأشرفية والسكن الشبابي والخالدية والكاستيلو والشيخ مقصود شرقي.
لم يستمر لواء أحرار سوريا مع الفرقة كثيراً، فقد انسحب منها خوفاً من هجوم محتمل لتنظيم داعش على عندان في الريف الشمالي، معقل لواء أحرار سوريا، لكنّه حارب داعش عبر جبهات أخرى. كما انسحب لواء الأقصى من الفرقة 16 لنفس السبب. تحالفت كتائب وألوية الفرقة 16 مع وحدات حماية الشعب الكردية (التي كانت متواجدة في منطقة الشيخ مقصود) ضد مقاتلي داعش، واستطاعوا منع تنظيم الدولة الإسلامية من الدخول إلى الأحياء الواقعة تحت سيطرة الفرقة في حلب. اتجه بعدها التنظيم إلى القُرى التي ينتمي إليها مقاتلو الفرقة وتتواجد مقراتهم فيها، واستطاع السيطرة على قُرى حيّان ورتيان وبيانون وحريتان والكاستيلو. كل هذا كان قبل إعلان المعركة الكُبرى في حلب ضد تنظيم داعش، والتي قادها «جيش المجاهدين» مع بداية 2014. في ذلك الوقت، كانت بقية فصائل حلب تقف موقف المُشاهد مما يحصل بين تنظيم داعش والفرقة 16، حيث خسرت الفرقة أحد أهم قادتها في حلب «أبو جميل العنجريني»، الذي قُتل على يد مقاتلي داعش بعدما كشفوا مشاركته في مقاومتهم داخل المدينة، كما قُتل «أبو علي صليبة»، أحد أوائل الثوّار المسلّحين في مدينة حلب، بعدما كشفوا محاولاته لتفخيخ الطرق التي كان يمر بها عناصر داعش باتجاه الريف الشمالي والكاستيلو.
يشكل لواء شهداء بدر النسبة الأكبر من مقاتلي الفرقة 16، التي يبلغ عدد مقاتليها حالياً 900 مقاتل بعد الكثير من الانسحابات والمشاكل الداخلية داخل كل لواء. بعض هذه الانسحابات والمشاكل أدّت إلى انهاء وجود فصائل مثل لواء يوسف العظمة ولواء صلاح الدين الأيوبي، وهي فصائل كردية ينتمي مقاتلوها إلى مناطق عفرين وكوباني، وكانت تتبع للمجلس العسكري الثوري، وترفع علم الثورة السورية إضافة إلى علم كوردستان على جبهاتها ومقرّاتها، وكانت قد تلقّت دعماً من هيئة الأركان إضافة إلى تمويل من المجلس الوطني الكردي المعارض، ومقاتلوها أكراد معارضون لحزب الاتحاد الديموقراطي PYD الجناح السوري لحزب العمّال الكردستاني التركي PKK. وتؤمن هذه الفصائل الكردية بسوريا موحّدة بينما يُعد مقاتلو حزب الاتحاد الديموقراطي YPG (وحدات حماية الشعب) ذوي ميول انفصالية، ويطلقون تسمية Rojava (غرب كوردستان) على المناطق السورية التي تحتوي على غالبية كوردية.
كان لواء شهداء بدر قد خاض معركة استمرت أقل من شهرين ضد المقاتلين الأكراد من وحدات حماية الشعب YPG في حي الشيخ مقصود غربي، يُعتقد أنها بسبب صراع على النفوذ العسكري في المنطقة، لكنّها لم تدُمْ طويلاً، إذ تم الإعلان عن تشكيل الفرقة 16، وتحالفها مع وحدات حماية الشعب YPG ضد تنظيم داعش الذي كان يحاول اقتحام المنطقة، وهذا التحالف هو السبب الأساسي لامتناع فصيلَي يوسف العظمة وصلاح الدين الأيوبي عن الدخول في المعركة ضد داعش، ومن ثمّ خروجهم من الفرقة وتلاشي وجودهم تدريجياً بسبب انقطاع التمويل عنهم وخسارتهم لعدد كبير من مقاتليهم كقتلى ومصابين، وعدم إمكانية لتجنيد مقاتلين جدد. بينما انضمّ تجمّع كتائب أحفاد عمر إلى الجبهة الإسلامية.
ينتمي مقاتلو لواء شهداء بدر ولواء أسود الثورة ولواء المصطفى (الذين يشكّلون الفرقة 16 الآن) إلى قُرى حيّان ورتيان وحريتان وعندان وبيانون وباشكوي والليرمون في ريف حلب الشمالي، ويتوزّعون على جبهات القتال في حلب ضد قوات النظام في كل من مناطق الخالدية والأشرفية وبني زيد (وهي الجبهات التي تعمل عليها الفرقة منفرّدةً)، وبستان الباشا والشيخ مقصود شرقي وصلاح الدين وحندرات والبريج والملّاح (وهي جبهات القتال التي تتواجد فيها الفرقة مع فصائل أخرى).
كان للواء شهداء بدر الذي يقوده خالد سراج، المدني ابن قرية حيّان باع طويل في المعارك التي اندلعت ضد النظام في مناطق الريف الشمالي والجزء الشمالي الشرقي من مدينة حلب، فشارك في السيطرة على منطقة دوار البلليرمون وفي ضرب حواجز النظام في حريتان وبيانون، كما شارك في السيطرة على مدينة أعزاز في منتصف 2012. شارك أيضاً مع الفصائل التي شكلت الفرقة 16 فيما بعد في معارك السيطرة على مناطق بني زيد والسكن الشبابي والشيخ مقصود وأجزاء من أحياء الأشرفية والخالدية، حيث تقع الأجزاء الأخرى من هذين الحيَّيْن تحت سيطرة النظام، كما شارك فيما بعد (تحت اسم الفرقة 16) في استعادة السيطرة على قُرى الريف الشمالي وطرد مقاتلي تنظيم داعش منها: حريتان، حيّان، رتيان، بيانون، باشكوي، الكاستيلو، الملّاح.
شاركت فصائل الفرقة 16 في المعارك التي دارت حول مدينتَي نبّل والزهراء، واللتين تقعان تحت سيطرة النظام ويدافع عنها أبناؤها -المنتمين إلى الطائفة المسلمة الشيعية- بمؤازرة من مقاتلين شيعة من حزب الله وقوّات الدفاع الوطني، كما خاضت معارك محدودة خارج الإطار الجغرافي الحلبي في ريف حماه، وأرسلت مؤازرات عسكرية إلى ريف اللاذقية للمشاركة في المعركة التي اندلعت هناك في 2013 ضد قوّات النظام.
تتبع الفرقة 16 لهيكلية الجيش السوري الحُر، وتُعد من الفصائل المعتدلة في سوريا، حيث لا يُستَشف من بياناتها ومقاطع الفيديو التي تنشرها على «يوتيوب» أي نفس إسلامي سَلَفي، بل توجّه إسلامي مُعتدل يبدو أنّه يؤمن بالأسلوب الديمقراطي في الحُكم. تهدف الفرقة 16 إلى إسقاط النظام السوري والاستمرار في قتال تنظيم داعش كونه «تنظيم متطرّف لا يمثّل الثورة السورية» كما قالت في أحد بياناتها.
على صعيد التمويل، اعتمدت فصائل الفرقة 16 قبل اتحادها على أساليب مختلفة في تأمين الذخيرة والسلاح والرواتب لمقاتليها، فحظيت بدعم محدود من شخصيات سورية مغتربة، إضافة إلى دعم محدود آخر من هيئة أركان الجيش السوري الحر، واعتمدت بشكل أساسي على الدعم الذاتي جرّاء سيطرة لواء شهداء بدر على منطقة المعامل والشركات الكبيرة في الليرمون وبني زيد والخالدية، ثم تلقّت بعد اتّحادها تحت راية الفرقة 16 دعماً من غرفة عمليات «الموم» كونها شكّلت أحد فصائل المجلس العسكري في حلب وريفها. ويبدو أن التمويل قد انخفض كثيراً في الفترة الأخيرة، وهذا ما قد يفسّر تتالي الانسحابات وتناقص أعداد مقاتلي الفرقة، التي وصلت في وقت ذروتها إلى أكثر من 1500 مقاتل، في حين لا يبلغ عدد مقاتليها الآن أكثر من 600 مقاتل، يتوزّع أغلبهم على جبهات قتال هادئة منذ فترة طويلة (الأشرفية، بني زيد، الخالدية، الشيخ مقصود).
ليس هذا هو الاسم التنظيمي، لكنّها تُعرف في حلب باسم ألوية التركمان كونها شُكّلت في القُرى التركمانية في ريفَي حلب الشمالي والشرقي، وعندما تم اقتحام المدينة والسيطرة على أجزاء واسعة منها استقرّت هذه الألوية -التي كانت كتائب صغيرة- في الأحياء ذات الغالبية التركمانية (الهلّك، بعيدين، الحيدرية، الشيخ فارس، الشيخ خضر)، وهي أحياء تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من مدينة حلب.
البداية كانت مع «تجمّع أحرار تركمان سوريا» بوصفه مظلة سياسيّة جامعة لكل الهيئات والأحزاب والأشخاص العاملين على الساحة السياسية السورية من أصول التركمانية، والذي أدى دوراً بارزاً في تشجيع التركمان السوريين على إنشاء مجموعات مسلّحة خاصة بهم. كانت حلب وريفها مسرح الظهور الأوّل لتلك المجموعات، انطلاقاً من القُرى والأحياء التي يسكنها التركمان، كراعل والراعي وتركمان بارح. هناك تأسّست كتائب يتراوح أعداد مقاتليها بين 30 و 50 مسلحاً، أولها كانت «كتيبة السلطان عبد الحميد»، وكان أول إعلان مُباشر عن ظهورها في أيار 2012، حيث تبنّت زرع عبوة ناسفة على طريق مطار حلب الدولي راح ضحيّتها ثلاثة ضباط وجُرحَ 18 آخرون. ومع اتخاذ قرار اقتحام مدينة حلب بدأت هذه المجموعات تتكاثر سريعاً، ومنها كتيبة السلطان محمد الفاتح، وكتيبة السلطان مراد، وكتيبة السلاجقة، وكتيبة أحفاد الفاتحين. ولأنّ زيادة العدد واتّساع رقعة الانتشار كانا شرطَين أساسيّيْن للحصول على دعم تركي مستمر فقد تحولت معظم تلك المجموعات إلى ألوية لاحقاً، كان أبرزها لواء السلطان محمد الفاتح ولواء السلطان مُراد، ساهم في ذلك التهميش الكبير الذي عانى منه التركمان السوريون طوال فترة حكم النظام، فمن المعروف أن أحياء الهلّك وبعيدين والحيدرية والشيخ فارس تُعتَبر من المناطق الفقيرة والمهمّشة في مدينة حلب، ويُعاني قاطنوها البطالة والفقر وانعدام الموارد، كما عاشت تلك الأحياء تحت إهمالٍ خدميٍّ كبير، وعاش عدد كبير من مواطنيها بدون حقوق مدنيّة وبدون هويّة سورية. كان هذا هو العامل الأكبر الذي شجّع الكثير من التركمان السوريين على الانخراط في صفوف الثورة السورية، ومن ثمّ حمل السلاح لقتال النظام السوري.
تم تشكيل كتيبة السلطان مُراد في مُنتصف عام 2012 بالتنسيق مع المجلس العسكري لمدينة حلب في قرى منطقة الراعي في ريف حلب الشرقي، وشاركت في تحرير بلدة الراعي والقُرى المحيطة بها، ثمّ دخلت معركة حلب بعد فترة من سيطرة المعارضة على نصف المدينة تقريباً. واستقرّ عناصر «السلطان مراد» في الأحياء ذات الغالبية التركمانية، وهذا ما أفسح المجال للشباب السوريين التركمان من أبناء هذه المناطق للانضمام إلى الكتيبة والقتال تحت رايتها ضد قوّات النظام، كما انضمّ إليهم عدد من المقاتلين العرب السوريين الذين يقطنون هذه الأحياء أيضاً. هذا التوسّع دفع إلى الإعلان عن تشكيل لواء السلطان مُراد في الشهر الثالث لعام 2013 بقيادة العقيد المُنشق أحمد عثمان، وكان فهيم عيسى قائده العسكري الميداني. وضمّ اللواء الكتائب التالية: كتيبة الشهيد جمال موسى، كتيبة الشهيد ماجد عبد الحي، كتيبة المستقبل، كتيبة أنصار المصطفى، كتيبة جبهة الحق، كتيبة الشهيد أسامة بكور، كتيبة الشهيد محمد الرحمو، كتائب اليرموك، كتائب أحفاد حمزة.
وصل العدد التقريبي لمقاتلي لواء السلطان مراد في ذروته إلى 500 مُقاتل، شاركوا في عدة معارك في حلب وريفها، من بينها، فضلاً عن معارك الراعي، معاركُ السيطرة على مشفى الكندي الذي تحصّنت فيه قوّات من النظام السوري لمدة عام كامل، ومعارك السيطرة على مخيّم حندرات والقرية التي تحمل ذات الاسم. وشاركوا قبل ذلك في معارك انتهت بإحكام قبضة المعارضة على المدينة الصناعية ومنطقة الشيخ نجار. اعتزل لواء السلطان مراد القِتال عندما بدأ تنظيم داعش حربه على «المُفسدين» في حلب، ولم يشارك مع كتائب غرباء الشام والفرقة 16 في قتال التنظيم الاسلامي المتشدّد خوفاً من تمدّد التنظيم باتجاه قُراهم في ريف حلب ولقلّة ذخيرتهم في ذلك الوقت. وينتشر مقاتلو اللواء الآن على جبهات حندرات وبستان الباشا والشيخ نجّار وكرم الطرّاب، وتتواجد مقرّاتهم في أحياء الهلّك والشيخ فارس وبعيدين والميسّر.
يتبع لواء السلطان مراد تنظيمياً للمجلس العسكري الثوري بقيادة العميد زاهر الساكت، أي أنه فصيل من فصائل الجيش السوري الحر، وهو فصيل مُعتدل، إذ لا يُلاحظ في بياناته أي اتّجاه إسلامي سلفي واضح. يرفع لواء السلطان مراد علم الثورة السورية وبعض الرايات الاسلامية، التي يبدو أنّها مُحرّفة قليلاً كيلا يُحسبُوا على الفصائل الإسلامية الأُخرى (راية إسلامية بلون أحمر وخط ذهبي)، ويهدف لواء السلطان مُراد إلى إسقاط النظام وبناء دولة المؤسسات، ولم يُسجّل له أي اتجاه تركماني انفصالي قومي رغم تلقيه أغلب تمويله من الحكومة التركية مباشرةً (سلاح، ذخيرة، رواتب، لوجستيات غير فتّاكة).
لواء السلطان محمد الفاتح: شُكّلت كتيبة السلطان محمد الفاتح في منتصف عام 2012 بقيادة «أبو فيّاض»، قائد الكتيبة ومؤسّسها الذي قُتل في اشتباكات حي سليمان الحلبي. انطلقت الكتيبة من القُرى التركمانية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، وخاصة في قرية الغندورة، وانضمّت إلى لواء التوحيد مع بداية معركة حلب، وشاركت معه في السيطرة على أحياء الشيخ خضر والصاخور والشيخ فارس وباب النيرب، كما شاركت في معارك جرت في أحياء سليمان الحلبي والميدان عندما حاولت كتائب المعارضة في حلب اقتحامها. انسحبت الكتيبة من لواء التوحيد في تشرين الأول 2012، وتمركزت في الأحياء التركمانية الحلبية حتى تم الإعلان عن تشكيل لواء السلطان محمد الفاتح في كانون الثاني 2013 بقيادة «أبو كمال» الذي عُيّن كقائد عام، وكقائد عسكري عُيّن «أبو توفيق» المنشق عن جيش النظام، والذي قُتل في إحدى المعارك.
ضمّ تشكيل لواء السلطان محمد الفاتح عدة كتائب: كتيبة الشهيد أبو عبدالله، كتيبة الباز، كتيبة المهام الخاصة، كتيبة الشهيد يلماظ علي، كتيبة الشهيد حسن دحل، كتيبة الشهيد أحمد كريّم، كتيبة علي بن أبي طالب، كتيبة زين العابدين، كتيبة الملك شاه، كتيبة الشهيد نورس، كتيبة الدفاع الجوي، سرية الهندسة. ووصل عدد مقاتلي لواء السلطان محمد الفاتح إلى قرابة 1000 مقاتل بعد استقطاب عدد كبير من المقاتلين التركمان والعرب نتيجة كمية ونوع السلاح والذخيرة التي كانت لديه، إضافة إلى تلقّي مقاتليه لرواتب شهرية ثابتة وحصص شهرية من المعونات الغذائية، وشارك اللواء في عدد كبير من المعارك والعمليات العسكرية في حلب وريفها، كمعركة مشفى الكندي ومعركة السيطرة على مدرسة المُشاة والمعركة التي انطلقت في حلب القديمة، التي انتهت بالسيطرة على الجامع الأموي.
استقرّ مقاتلو اللواء في الأحياء ذات الغالبية التركمانية، وتقتصر جبهاتهم الآن على منطقة حندرات بعد تناقص كبير في أعداد مقاتلي اللواء بسبب انقطاع التمويل عنهم لفترة طويلة، ما خفّض عدد مقاتلي اللواء من 1000 إلى 200 مسلّح، ولعل أبرز الانسحابات كانت من جانب كتائب الباز، الذين كانوا يشكّلون غالبية مقاتلي لواء السلطان محمد الفاتح. ينتمي لواء السلطان محمد الفاتح تنظيمياً إلى المجلس العسكري الثوري، وإلى هيكلية الجيش السوري الحر. يرفع علم الثورة السورية ويؤمن بالديموقراطية والدولة المدنية ولا يوجد في بياناته ومقاطعه على «يوتيوب» أي خطاب إسلامي متشدّد. حظي اللواء بدعم تركي بحت بعد انشقاقه عن لواء التوحيد، فقد تواجدت لدى مقاتلي اللواء أسلحة جيدة وذخائر بكميات كبيرة، كما حصل على رواتب شهرية لمقاتليه.
ينتمي مقاتلو كتيبة الباز التي تشكّلت في 2012 إلى قرية سد الشهباء، حيث أسسها هناك شخص يُدعى «الأستاذ محمود»، وانضمّت إلى لواء السلطان محمد الفاتح مع تشكيله بداية 2013، وشاركت في تحرير الجامع الأموي في حلب القديمة ومدرسة المُشاة، كما شاركت في أولى المعارك التي جرت في منطقة مشفى الكندي.
انشقت كتائب الباز عن لواء السلطان محمد الفاتح في منتصف عام 2013، وشكّلت ما سمّته «كتائب الباز الإسلامية» التابعة لهيئة أركان الجيش السوري الحر، ووصل عدد المقاتلين إلى 400. قاتلوا إلى جانب داعش في عملية السيطرة على مطار منّغ العسكري في ريف حلب الشمالي قرب أعزاز، كما شاركوا في معظم المعارك التي اندلعت ضد وحدات حماية الشعب الكُردية YPG في قرى ريف مدينة الباب شرقي حلب. انضمت كتائب الباز فيما بعد إلى «قوّات النخبة» التي شكّلها العقيد عبد الجبار عكيدي، الرئيس السابق للمجلس العسكري الثوري لحلب وريفها، والتي شكّلها بعد تركه لمنصبه. يتواجد مقاتلو كتائب الباز على جبهة حي الصاخور في مدينة حلب، إضافة إلى خط جبهة القتال ضد داعش في ريف حلب الشمالي وكوباني، كما تتواجد مقرّاتهم في أحياء الشيخ خضر والصاخور.
حظيت كتائب الباز بدعم تركي طوال فترة تواجدها مع لواء السلطان محمد الفاتح، ثم بدأت بتلقي الدعم من غرفة عمليات «الموم» مع انضمامها لقوّات النخبة بقيادة عبد الجبار عكيدي، أما أيديولوجياً فيبدو أن كتائب الباز تتّخذ توجهاً إسلامياً معتدلاً، فهي تعترف بعلم الثورة السورية، وتؤمن بسوريا ديموقراطية، وتنتمي إلى هيكلية الجيش السوري الحر، كما أنّها كانت من أولى الفصائل التي شاركت في قتال داعش في حلب وريفها.
شُكّلت جبهة الأصالة والتنمية في أنطاكيا أواخر 2012، وكان الهدف المُعلن من هذا التشكيل هو جمع الكتائب والألوية ذات الفكر المعتدل. تتوزّع كتائبها على الخارطة السورية: الجبهة الشمالية (حلب وريفها، إدلب وريفها)؛ الجبهة الغربية (ريف اللاذقية)؛ الجبهة الوسطى (ريف حمص)؛ الجبهة الجنوبية (القلمون، ريف دمشق). وكان لها تواجد كبير في الجبهة الشرقية (دير الزور والرقّة) ممثلاً بـ«جيش أسود الشرقية» قبل خروجهم من المنطقة إثر تمدد تنظيم الدولة الاسلامية وانتقالهم للعمل في منطقة القلمون.
في حلب، يُعتبر تواجد جبهة الأصالة والتنمية ضئيلاً، فهو ممثل فقط بفصيل «كتائب ابن تيمية»، التي تتواجد في ريفَ حلب الغربي، وتعدادها 200 مقاتل ينتمون في معظمهم إلى منطقة دارة عزّة، ويقاتلون على جبهة حندرات والسجن المركزي. شاركت كتائب ابن تيمية سابقاً في عملية السيطرة على كتيبة الهندسة ومدرسة المُشاة ومعسكر الشبيبة، وهي مواقع عسكرية في ريف حلب، كما شاركت في معركة القادسية في منتصف 2013، التي انتهت بسيطرة المعارضة على حيّ الراشدين الاستراتيجي غربي مدينة حلب.
خاضت جبهة الأصالة والتنمية عدداً كبيراً من المعارك في مختلف مناطق الجغرافيا السورية، منها مشاركة مقاتليها في معركة الجسد الواحد (في ريف حماه) ومعركة التوحيد (في القصير)، والمساهمة في السيطرة على مطار الضبعة العسكري في المنطقة الوسطى، كما ساهمت في معركة الفرقان في ريف دمشق الجنوبي وجزء من درعا.
وكانت لفصيل اللواء الأول في اللاذقية، والتابع لجبهة الأصالة والتنمية اليد الرئيسية في معارك النبي يونس وكفريا في ريف اللاذقية. في المنطقة الشرقية، ساهم جيش أسود الشرقية في عدد كبير من المعارك ضد قوات النظام في دير الزور وريفها والرقة وريفها، وعند بدء محاولات تنظيم داعش السيطرة على المنطقة الشرقية كان هذا الجيش من أول الفصائل التي واجهت التنظيم عسكرياً.
يبلغ عدد مقاتلي جبهة الأصالة والتنمية في سوريا حوالي 2000 مقاتل، ويبدو على جبهة الأصالة والتنمية نزعة إسلامية واضحة في بياناتها على «يوتيوب»، لكنها دون النزعة السلفية الجهادية، ويُعزى ذلك إلى ارتباط الجبهة بجماعة الإخوان المسلمين، والذين يقدّمون لها الدعم عن طريق وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، والذي تؤمّنه الجماعة عن طريق داعميها في كل من قطر وتركيا.
بتاريخ 25-12-2014 أعلنت كُبرى الفصائل المعارضة في حلب وريفها الاندماج تحت قيادة واحدة أُطلقَ عليها اسم «الجبهة الشامية»، وضمّت مجموعة من أكبر الفصائل الثورية في حلب وريفها، وهي: الجبهة الإسلامية، جيش المجاهدين، حركة نور الدين زنكي، تجمّع فاستقم كما أُمِرت، جبهة الأصالة والتنمية. وتمّت تسمية عبد العزيز سلامة قائداً عاماً للجبهة الشامية (وهو القائد السابق للجبهة الاسلامية في حلب)، والمقدّم محمد جمعة بكّور «أبو بكر» نائباً له (وهو قائد جيش المجاهدين).
قال الناطق باسم الفصائل المتوحدة في البيان المصوّر «امتثالاً لأمر الله تعالى، ونزولاً لمطالب شعبنا العظيم بوحدة الفصائل الثورية، نعلن عن الاندماج الكامل براية واحدة وقيادة موحّدة، تحت مسمّى «الجبهة الشامية»، سائلين المولى عزّ وجلّ أن يكون هذا التوحد نواة لاندماج كل الفصائل الثورية المجاهدة على أرض الشام، وسبباً لخلاص شعبنا من الظلم الذي لحق به بسبب إجرام النظام الشمولي الطائفي الحاقد، والحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، معاهدين الله ثمّ أهلنا في سورية بأننا سنبذل الأرواح والأموال رخيصة للدفاع عنهم، وتحرير هذا البلد من رجس الميليشيات الطائفية المجرمة».
جاء هذا الإعلان بعد تأسيس «مجلس قيادة الثورة السورية» بتاريخ 29-11-2014 في مدينة غازي عنتاب التركية، حيث انتُخب القاضي قيس الشيخ رئيساً للمجلس، الذي انبثق عن مبادرة «واعتصموا» التي أُعلنت قبل تشكيل المجلس بثلاثة أشهر في الداخل السوري بمشاركة نحو مئة فصيل عسكري معارض، وقد توافقت الفصائل المنضوية على آليات الحفاظ على الهوية الوطنية، وإنهاء ما وصفته بـ «مخلفات النظام الفاسد»، إضافة إلى التصدي للإرهاب والممارسات المضرة بالثورة السورية. وضم ميثاق المجلس، وله صفة إلزامية لجميع الأعضاء، بين بنوده أهدافاً أساسية للمجلس سيعمل على تحقيقها وأهمّها «إسقاط النظام، التشاركية في بناء الدولة، استقلالية القرار السوري، التأكيد على العدالة، وحرية كافة مكوّنات النسيج الاجتماعي السوري».
تتضمّن الجبهة الشامية غرفة عمليات عسكرية مشتركة بين كل الفصائل الموقّعة على بيان الاندماج، إضافة إلى دمج الذخيرة والسلاح ضمن مستودعات موحّدة باسم الجبهة الشامية. تمّ سنّ قانون داخلي وافقت عليه الفصائل الموقعة يقضي بوجوب الالتزام براية الجبهة الشامية فيما يخص الذخائر والأسلحة، ومن يريد الانسحاب لا يستطيع أن يسحب معه أسلحته أو ذخائره التي تم دمجها جميعاً لتكون تحت تصرف القيادة العسكرية للجبهة الشامية. تمّ هذا الاندماج بعد ضغوطات كبيرة على الفصائل المعتدلة في حلب لتشكيل كيان عسكري واحد يتبع لقيادة مركزية، ما يمكّنها من الصمود في وجه الضغوطات العسكرية التي تواجه الثورة في حلب، سواء الضغوطات التي تتسبب بها هجمات قوات النظام الساعية لحصار حلب، أو هجمات داعش، المتواجدة في الريف الشرقي، وتحاول المرور عبر اخترين ودابق في الريف الشمالي باتجاه أعزاز.
كذلك الضغط الذي يمثله سيطرة جبهة النصرة على جبل الزاوية ومعظم مناطق ريف إدلب بعد معركتها مع «جبهة ثوار سوريا»، حيثُ يُتوقّع بروز المزيد من الأهداف التمدّدية لجبهة النصرة في سبيل إقامة الإمارة الإسلامية، تهدف عن طريقها لوقف نزيف مقاتليها، الذين ذهب عدد كبير منهم لمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية.
لم تنشر الجبهة الشامية حتى الآن أيّ ميثاق أو رؤية سياسية أو منهج فكري وأهداف مُعلنة، فيما يُعتقَد أن تشكيل الجبهة الشامية هو وريث اتفاق أمريكي- قطري للمحافظة على حلب بين أيدي المعتدلين، ووجودهم مجتمعين ضمن فصيل يضمن لهم التوحّد العسكري ضدّ محاولات تمدد جبهة النصرة باتجاه حلب، وهو ما قد يفسّر قرار حركة حزم حلّ نفسها وانضمام قوّاتها للجبهة الشامية بعد عودة المعارك بين حزم وجبهة النصرة في ريف حلب الغربي.
يتوزّع مقاتلو الجبهة الشامية على جميع جبهات حلب وريفها ضد قوّات النظام في المدينة والريف الجنوبي وجبهات حندرات والبريج والملّاح قُرب المدينة، كما تتواجد على جبهات القتال ضد تنظيم داعش في مناطق احتيملات وحور العين قُرب مارع وأعزاز في الريف الشمالي، وعلى خطوط التماس -الملتهبة أحياناً والهادئة أحياناً- مع مقاتلي جبهة النصرة في الريف الغربي لحلب ( الأتارب ودارة عزّة).
تحمل الجبهة الشامية توجهاً اسلامياً معتدلاً يهدف إلى استمرار القتال ضد النظام السوري في حلب وريفها، إضافة إلى التأكيد العملي على القتال ضد تنظيم داعش، وهو استمرارية لنهج الكتائب التي تحارب على هذه الجبهات، لكن تحت الراية الجديدة الآن. كما شكّلت الجبهة الشامية «سرايا الدفاع الجوي في حلب وريفها»، وذلك بعد نجاحها في تصنيع صواريخ محلية، وهي: سرية عمر، سرية الشام، سرية القدس، سرية أحرار الشرق. وذلك للتصدي لطائرات النظام التي تشكّل عامل الحسم في الكثير من المعارك، خاصة تلك التي تجري على جبهات قتال مفتوحة في الأرياف وأطراف حلب.
أبرمت الجبهة الشامية مؤخراً اتفاقاً مع وحدات حماية الشعب الكردية YPG ينص على عدة بنود وأمور تنظيمية، كتوحيد القضاء بين الطرفين ليشمل جميع المحاكم، والحكم بشرع الله، وفتح مكاتب شرعية ودعوية ومتابعة أمور المساجد، و«ملاحقة المفسدين والمسيئين أينما كانوا لمحاسبتهم، وإعادة الحقوق لأهلها، وتأمين الأمن والأمان في المناطق المحررة من قبل الموقعين على هذا الاتفاق» كما جاء في نصّ الاتفاق. هذا دليل على القوّة التي باتت تتمتّع بها الجبهة الشامية في مناطق حلب وريفها.
على صعيد التمويل، لم تتلقّ الجبهة الشامية حتى الآن أي دعم باسمها الجديد بسبب عدم اكتمال هيكليتها التنظيمية، حيث تجري في تركيا والداخل السوري اجتماعات مكثّفة ومستمرة بين قادة الفصائل للوصول إلى صيغ مشتركة حيال كافة المواضيع، ومنها موضوع الدعم المادي. وإلى ذلك الحين ستستمرّ الفصائل المنضوية تحت راية الجبهة الشامية باستلام الدعم المعتاد الخاص بها، إما من القطريين، أو من غرفة عمليات «الموم»، إضافة إلى مصادرها الخاصة، فيما يواصل قادة الجبهة الشامية محاولة ترتيب البيت الداخلي تمهيداً لتنظيم الأمور المتعلقة بالتمويل العسكري واللوجستي والمادي.
الجمهورية
المعهد الدولي للدراسات السورية
نبيل العتوم
ميرفت عوف
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة