ناصر القفاري
تصدير المادة
المشاهدات : 2986
شـــــارك المادة
تعتقد الإثنى عشرية أن الولاية العامة على المسلمين منوطة بأشخاص معينين بأسمائهم وعددهم، قد اختارهم الله كما يختار أنبياءه[1]، وهؤلاء الأئمة أمرهم كأمر الله، وعصمتهم كعصمة رسل الله، وفضلهم فوق فضل أنبياء الله. ولكن آخر هؤلاء الأئمة - بحسب اعتقادهم - غائب منذ سنة (260هـ)، ولذا فإن الإثنى عشرية تُحَرِّم أن يلي أحد منصبه في الخلافة حتى يخرج من مخبئه، فيقولون: «كل راية ترفع قبل راية القائم فصاحبها طاغوت»[2]. قال شارح الكافي: «وإن كان رافعها يدعو إلى الحق»[3]. وعلى هذا مضى شيعة القرون الماضية، وقد استطاعوا أن يأخذوا «مرسومًا إماميًا» وتوقيعًا من الغائب - على حد زعمهم - يسمح لشيوخهم أن يتولوا بعض الصلاحيات الخاصة به، لا كل الصلاحيات وهذا التوقيع يقول: «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا...»[4]. وواضح من خلال هذا النص أنه يأمره بالرجوع في معرفة أحكام الحوادث الواقعة والجديدة إلى شيوخهم. ولذا استقر الرأي عند الشيعة على أن ولاية فقهائهم خاصة بمسائل الإفتاء وأمثالها، كما ينص عليه «توقيع المنتظر». أما الولاية العامة التي تشمل السياسة وإقامة الدولة، فهي من خصائص الغائب وهي موقوفة حتى يرجع من غيبته، ولذلك عاش أتباع هذا المذهب وهم ينظرون إلى خلفاء المسلمين على أنهم غاصبون مستبدون، ويتحسرون لأنهم قد استولوا على سلطان إمامهم، ويدعون الله في كل لحظة أن يعجل بفرجه حتى يقيم دولتهم، ويتعاملون مع الحكومات القائمة بمقتضى عقيدة التقية عندهم، ويوجهون أتباعهم إلى إحداث الفوضى ونشر الفتن في بلدانهم؛ لأنها عندهم من شروط خروج المهدي وعودته من غيبته، كما يتعاونون مع الأعداء للسبب نفسه، يقول مرجعهم وشيخهم عبدالهادي الفضلي: «إن دولة المنتظر هي دولة الإسلام»[5]. ولا يوجد دولة للإسلام غيرها، لذلك يقول: «إن علينا أن نعيش في فترة الغيبة مترقبين لليوم الموعود الذي يبدؤه الإمام المنتظر عليه السلام بالقضاء على الكفر»[6]. ولكن لا يعني انتظارهم لعودة مهديهم موادعة الحكومات الإسلامية. فهو يقول: «إن الذي يفاد من الروايات في هذا المجال هو أن المراد من الانتظار هو: وجوب التمهيد والتوطئة بظهور الإمام المنتظر»[7]، ثم يشرح معنى التوطئة بقوله: «إن التوطئة لظهور الإمام المنتظر تكون بالعمل السياسي عن طريق إثارة الوعي السياسي، والقيام بالثورة المسلحة»[8]. فأنت ترى من خلال هذه الأقوال رفضهم لأي حكومة إسلامية إلا حكومة شيعية، والأمر بتهيئة الناس لقبول ثوراتهم عن طريق نشر معتقداتهم بمختلف الوسائل وهو ما يسميه الفضلي بـ«الوعي السياسي». لكن غيبة الحجة طالت، وتوالت قرون قاربت الاثني عشر دون أن يظهر، والشيعة محرومون من دولة شرعية بحسب اعتقادهم، فبدأت فكرة القول بنقل وظائف المهدي للفقيه تداعب أفكار المتأخرين منهم. وقد أشار الخميني إلى أن شيخهم النراقي[9] (ت 1245هـ)، والنائيني[10] (ت1355 هـ) قد ذهبا إلى أن للفقيه جميع ما للإمام من الوظائف والأعمال في مجال الحكم والإدارة والسياسة[11]. ولم يذكر الخميني أحدًا من شيوخهم نادى بهذه الفكرة قبل هؤلاء ولو وجد لذكره، لأنه يبحث عما يبرر مذهبه. إذًا، عقيدة عموم ولاية الفقيه لم توجد عند الإثنى عشرية قبل القرن الثالث عشر. وقد التقط الخميني هذا الخيط الذي وضعه من قبله، وراح ينادي بهذه الفكرة، وضرورة إقامة دولة برئاسة نائب الإمام لتطبيق المذهب الشيعي، فهو يقول: «واليوم - في عهد الغيبة - لا يوجد نص على شخص معين يدير شؤون الدولة، فما هو الرأي؟ هل تترك أحكام الإسلام معطلة؟ أم نرغب بأنفسنا عن الإسلام؟ أم نقول إن الإسلام جاء لحكم الناس قرنين من الزمان فحسب ليهملهم بعد ذلك؟ أو نقول: إن الإسلام قد أهمل أمور تنظيم الدولة؟ ونحن نعلم أن عدم وجود الحكومة يعني ضياع ثغور الإسلام وانتهاكها، ويعني تخاذلنا عن أرضنا، هل يسمح بذلك في ديننا؟ أليست الحكومة تعني ضرورة من ضرورات الحياة؟»[12]. ويقول في موضع آخر: «قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر في طول هذه المدة المديدة، هل تبقى أحكام الإسلام معطلة؟ يعمل الناس من خلالها ما يشاؤون؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج، القوانين التي صدع بها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وجهد في نشرها، وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عامًا، هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلًا؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ»[13]. ثم يقول: «إذن فإن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فهو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام، ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها، وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلامي الحنيف»[14]. فخميني يرى لهذه المبررات التي ذكرها ضرورة خروج الفقيه الشيعي وأتباعه للاستيلاء على الحكم في بلاد الإسلام نيابة عن المهدي، وهو يخرج بهذا عن مقررات دينهم ويخالف نصوص أئمته الكثيرة في ضرورة انتظار الغائب وعدم التعجيل بالخروج[15]. بل إن أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر يقول: «وقد توافرت عنهم (عليهم السلام) حرمة الخروج على أعدائهم سلاطين عصرهم»[16]، ذلك أن منصب الإمامة لا يصلح عندهم إلا للمنصوص عليه من عند الله ولا يعني رضاهم بهذه الحكومات. وهذه المبررات التي ساقها الخميني لبيان ضرورة إقامة الدولة الشيعية، ونيابة الفقيه عن المهدي في رئاستها كان ينبغي أن توجه وجهة أخرى لو كان لشيوخ الشيعة صدق في القول ونصح لأتباعهم، هذه الوجهة هي نقد المذهب من أصله الذي قام على خرافة الغيبة وانتظار الغائب، والذي انتهى بهم إلى هذه النهاية. وعلى كل فهذه شهادة مهمة وخطيرة من هذا الحجة والآية على فساد مذهب الرافضة من أصله، وأن إجماع طائفته كل القرون الماضية كان على ضلالة، وأن عقيدتهم في النص على إمام معين، والذي نازعوا من أجله أهل السنة طويلاً وكفروهم أمر فاسد أثبت التاريخ والواقع فساده بوضوح تام، وهاهم يضطرون للخروج عليه بقولهم (بعموم ولاية الفقيه) بعد أن تطاول عليهم الدهر، ويئسوا من خروج من يسمونه صاحب الزمان، فاستولوا حينئذ على صلاحياته كلها، وأفرغ الخميني كل مهامه ووظائفه لنفسه، ولبعض الفقهاء من بني جنسه ودينه؛ لأنه يرى ضرورة تولي مهام منصب الغائب في رئاسة الدولة، من أجل إقناع طائفته بهذا المبدأ ألف كتابه «الحكومة الإسلامية» أو «ولاية الفقيه». وهو لا يوافق على ولاية كل أحد أمور الدولة؛ بل يخصص ذلك بفقهاء الشيعة، ويحصر الحكم والسلطان بهم، حيث يقول: «وبالرغم من عدم وجود نص على شخص من ينوب عن الإمام (عليه السلام) حال غيبته، إلا أن خصائص الحاكم الشرعي... موجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر، فإذا أجمعوا أمرهم كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة منقطعة النظير»[17]. وهو يرى أن ولاية الفقيه الشيعي كولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فالله جعل الرسول وليًا للمؤمنين جميعًا... ومن بعده كان الإمام (عليه السلام) وليًا، ومعنى ولايتهما أن أوامرهما الشرعية نافذة في الجميع»[18]، ثم يقول: «نفس هذه الولاية والحاكمية موجودة لدى الفقيه، بفارق واحد هو أن ولاية الفقيه على الفقهاء الآخرين لا تكون بحيث يستطيع عزلهم أو نصبهم؛ لأن الفقهاء في الولاية متساوون من ناحية الأهلية»[19]. فنظرية الخميني – كما ترى – ترتكز على أصلين: الأول: القول بالولاية العامة للفقيه. الثاني: أنه لا يلي رئاسة الدولة إلا الفقيه الشيعي. وهذا خروج عن دعوى تعيين الأئمة، وحصرهم باثني عشر، لأن الفقهاء لا يحصرون بعدد معين، وغير منصوص على أعيانهم فيعني هذا أنهم عادوا لمفهوم الإمامة حسب مذهب أهل السنة إلى حد ما؛ لأنهم خرجوا من حصر الإمامة بالشخص إلى حصرها بالنوع وهو الفقيه الشيعي، وأقروا بضلال أسلافهم وفساد مذهبهم بمقتضى هذا القول. لكنهم يعدون هذا المبدأ (ولاية الفقيه) نيابة عن المهدي حتى يرجع، فهم لم يتخلوا عن أصل مذهبهم، ولهذا أصبح هذا الاتجاه - في نظري - لا يختلف عن مذهب البابية، لأنه يزعم أن الفقيه الشيعي هو الذي يمثل المهدي، كما أن الباب يزعم ذلك، ولعل الفارق أن الخميني يعد كل فقهائهم أبوابًا. وإن شئت قل: إن هذا المبدأ أخرج المهدي المنتظر عند الروافض، لأن صلاحياته ووظائفه أناطها بالفقيه؛ بل إن هذا المبدأ لم يخرج مهديًا واحدًا بل أخرج العشرات، لأن كثيرًا من شيوخهم وآياتهم لهم الأحقية بهذا المنصب يقول خميني: «إن معظم فقهائنا في هذا العصر تتوفر فيهم الخصائص التي تؤهلهم للنيابة عن الإمام المعصوم»[20]. بمقتضى هذه النيابة يكون أمرهم كأمر الرسول حيث يقول: «هم الحجة على الناس كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم حجة الله عليهم، وكل من يتخلف عن طاعتهم، فإن الله يؤاخذه ويحاسبه على ذلك»[21]. ويقول: «وعلى كلٍ فقد فوض إليهم (يعني إلى شيوخ الروافض) الأنبياء جمع ما فُوض إليهم، وائتمنوهم على ما اؤتمنوا عليه»[22]. بل أشار إلى أن دولة الفقيه الشيعي كدولة مهديهم الموعودة. وقال: «كل ما يفقدنا[23] هو عصا موسى، وسيف علي بن أبي طالب[24] (عليه السلام) وعزيمتهما الجبارة، وإذا عزمنا على إقامة حكم إسلامي سنحصل على عصى موسى، وسيف علي بن أبي طالب»[25]. والخميني يقرر أن تشكيل الحكومة الشيعية لم يقع من شيعته الماضين حيث يقول: «في السابق لم نعمل ولم ننهض سوية لتشكيل حكومة تحطم الخائنين المفسدين»[26]. ويقول: «ولم تسنح الفرص لأئمتنا للأخذ بزمام الأمور، وكانوا بانتظارها حتى آخر لحظة من الحياة؛ فعلى الفقهاء العدول أن يتحينوا هم الفرص وينتهزوها من أجل تنظيم وتشكيل حكومة...»[27]. وقد قامت حكومات شيعية، ولكنها ليست محكومة من قبل الآيات ونواب المعصوم، ولذا عدوا حكومتهم الحاضرة أول دولة إسلامية (يعني شيعية). قال بعض الروافض: «إن الخميني أسس الجمهورية الإسلامية العظمى في إيران... لأول مرة في تاريخ الإسلام وحقق حلم الأنبياء والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام»[28]. ويرى آيتهم الطالقاني أن حكومة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه لا تصل إلى مقام دولتهم، وأنها تمهيد لقيامها، حيث يقول: «إننا نعتقد أن الجمهورية الإسلامية هي المؤهلة للحياة في هذا الزمان، ولم تكن مؤهلة للحياة في فجر الإسلام... إن التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها العالم منذ الرسول والخلفاء الراشدين وحتى اليوم هي التي توفر الأساس الموضوعي لقيام الجمهورية الإسلامية»[29]. أما الخطر الأكبر الخفي المجهول وراء القول بعموم ولاية الفقيه عند الروافض فيتجلى في أن ولاية الفقيه تنقل جميع وظائف مهديهم المنتظر (الذي لا وجود له إلا في خيالاتهم) إلى الفقيه الشيعي. ووظائف المهدي وأعماله تتسم بالدموية المفرطة، والعدوان الذي لم يعهد له مثيل في التاريخ، حيث تقرر مصادرهم المعتمدة لديهم طريقة تعامل مهديهم مع المخالفين، والقانون الذي يحكم به الناس، وهو القتل لكل مخالف ولا يقبل منهم جزية، ولا يستمع إلى عذر، فلا همّ له ولا عمل إلا القتل والانتقام، حتى يقولون إنه بعث بـ«الجفر الأحمر» ويعني به بحسب تفسيرهم له «ذبح المخالفين»، وإنه يخص العرب بمجازره... ويزعمون أن مهديهم هذا يغير من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي «البحار» للمجلسي: «لا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم...»[30]، «وأنه يحكم بحكم سليمان، وداود، وآل داود لا يسأل الناس بينه»[31]، «وأنه يحكم بينهم مرة بحكم آدم ومرة بحكم داود ومرة بقضاء إبراهيم وفي كل واحد منها يعارضه بعض أصحابه.. فيضرب أعناقهم ثم يقضي الرابعة بقضاء محمد فلا ينكر أحد عليه»[32]، «وأن القائم إذا خرج قتل ذراري قتلة الحسين بفعال آبائهم»[33]، ويقولون: إن منتظرهم «يسير في العرب بما في الجفر الأحمر - وهو قتلهم»[34]، «وإنه يقتل المولي، ويجهز على الجريح»[35]. ويعترفون بأن ذلك خلاف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي والحسن، ففي «البحار»: «أن عليًّا والحسن يسيران بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث رحمة للعالمين، وأن القائم بعث نقمة على الظالمين»[36]، ومقتضى هذا - عندهم - أنه لا يسير سيرتهم، «وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين»[37]. ويذكرون أن مهديهم يقوم بعملية هدم وتخريب في الحرمين الشريفين، ففي الغيبة «أن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه وأقامه على أساسه - هكذا -...»[38]. كما يقوم بقتل الحجاج والمعتمرين أثناء أدائهم للمناسك، فقد ورد في أحلامهم الدموية قول إمامهم: «كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبدالعزيز يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة»[39]، وهذا ما وقع من أسلافهم القرامطة. وقد رأينا هذه السيرة الدموية المنتظرة قد بدت ملامحها في دولة الآيات فور ظهورها، حيث بدأ الخميني وأعوانه مشروع دولة المهدي بمجازرهم الرهيبة في داخل إيران وخارجها، كما نراهم يؤسسون لهذا الوعد المشؤوم بنشر عقائدهم، وتصدير ثورتهم، وزرع خلاياهم في أصقاع الدنيا، وهذا ما نصوا عليه في دستورهم فقالوا: «إن جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة الإسلامية.. لا يتحملان فقط مسؤولية حفظ وحراسة الحدود، وإنما يتكفلان أيضًا بحمل رسالة عقائدية، أي: الجهاد في سبيل الله والنضال من أجل توسيع حاكمية قانون الله في كافة أرجاء العالم»[40]. وقد كان الروافض قبل قيام دولتهم يقررون ما جاء على لسان الخميني نفسه بأنه لا يجوز بسبب غيبة مهديهم البدء في الجهاد، حيث قال: «في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عدل الله فرجه الشريف يقوم نوابه وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام - عليه السلام - إلا البدء بالجهاد»[41]. فأنت ترى التناقض واضحًا، فهو في «تحرير الوسيلة» يجعل الجهاد من وظائف المهدي؛ وفي «دستور دولتهم» بعد قيامها يجعل الجهاد منوطًا بجيشها، ومن وظائف الفقيه، وذلك بمقتضى مذهبه الجديد في ولاية الفقيه، والتي نقل فيها صلاحيات المهدي كلها للشيخ الشيعي، وقد نص أيضًا على ذلك دستورهم فقال: «في زمن غيبة الإمام المهدي - عجل الله تعالى فرجه - تعتبر ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه...»[42]. ولذلك بعد قيام دولتهم أول ما بدؤوا به مشروع الحرب الطويلة ضد الشعب العراقي بشيعته وسنته، وقيام منظماتهم وخلاياهم وعملائهم بالسعي في زعزعة الأمن، ونشر الفوضى في البلدان التي يتواجدون فيها. ومع ذلك يزعم الخميني أحيانًا أن هذا يدخل في نطاق الدفاع، والتأويل ليس له حدود فيقول: «إننا لا نريد لا نرفع السلاح ونهاجم أحدًا، فالعراق يهاجمنا منذ مدة، بينما نحن لا نهاجمه، وإنما ندافع فقط، فالدفاع أمر واجب»[43]. ولكنه يقرر أنه يريد أن يُصَدِّر ثورته، حيث يقول: «إننا نريد أن نُصَدِّر ثورتنا الإسلامية إلى كافة البلاد الإسلامية»[44]، وهو لا يريد التصدير السلمي فحسب؛ بل يريد فرض مذهبه على المسلمين بالقوة، وقد أشار إلى ذلك قبل قيام دولته، وقرر أن سبيل ذلك هو إقامة دولة شيعية تتولى هذا الأمر فيقول: «ونحن لا نملك الوسيلة إلى توحيد الأمة الإسلامية[45]، وتحرير أراضيها من يد المستعمرين وإسقاط الحكومات العميلة لهم، إلا أن نسعى إلى إقامة حكومتنا الإسلامية، وهذه بدورها سوف تكلل أعمالها بالنجاح يوم تتمكن من تحطيم رؤوس الخيانة وتدمر الأوثان والأصنام البشرية التي تنشر الظلم والفساد في الأرض»[46]. وهؤلاء الروافض لا ينتقدون الحكومات لهذه الأسباب التي يذكرها؛ إذ لو كانت الحكومة أفضل ما على وجه الأرض لما نالت إلا سخطهم ومقتهم، إلا أن تكون على مذهب الرفض، وحسبك في هذا نظرتهم إلى خلافة الخلفاء الثلاثة الراشدين - رضوان الله عليهم -. ولا تزال مهمة المهدي الموعودة في قتل المسلمين تظهر على ألسنة حججهم وآياتهم، فهذا مسلك الروافض مع المسلمين كلما حانت لهم فرصة، وقامت لهم سلطة، كما يشهد به التاريخ والواقع، وإن هادنوا أحيانًا، وتظاهروا بالمسالمة، فتلك تقية إلى حين. ولا يزالون يسعون في بسط نفوذهم في العالم الإسلامي بكل الوسائل لتحقيق وظائف مهديهم، كما يسعون إلى الوصول إلى مكة والمدينة لتنفيذ مشروعهم التخريبي في الحرمين وفق طقوسهم وخطط مهديهم الموهوم، والذي تتولى الخمينية القيام به، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْـمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
مجلة البيان
محمد عبد الله الدويش
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
أحمد ولد الحسن ولد إديقبي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة