كليم دندوش
تصدير المادة
المشاهدات : 4769
شـــــارك المادة
قد يكون من الخطأ القول بأن الثورة السورية ذات بعد داخلي فحسب، وإنما لها تأثيرات وتداعيات خارجية إقليمية ودولية ..وهي حسابات معقدة ومتداخلة، ومتباينة في ذات الوقت ربما تفسر أسباب إطالة أمدها حتى الآن .. ويلعب البعد الإقليمي غير العربي دورا هاما في هذا الشأن، سواء ما يتعلق بدعم الثورة كالنموذج التركي أو خذلانها مثل النموذج الإيراني ..وهو الأمر الذي يدفعنا إلى تسليط الضوء على كلا الموقفين.
أولا: إيران والثورة السورية لم تعترف إيران بادئ الأمر بالثورة السورية أصلاً على الرغم من أنها لم تكن بدعا من الثورات العربية التي سبقتها، فقد اعتبرت طهران ما يجري في سوريا مؤامرة خارجية رخيصة مدفوعة الثمن مفضوحة الهدف، تسعى فقط لكسر محور المقاومة و ضرب أعتى قلاع المقاومة و الممانعة في المنطقة وهمزة الوصل بين إيران و عراق المالكي – الذي بات مقاوما هو الآخر – و بين حزب الله اللبناني . و يبرز الإيرانيون توافقهم مع النظام السوري حين يسمون الثورة السورية بالمؤامرة الرخيصة و نرى هذا جليا في التصريح التالي : (( ما نراه في سوريا حاليا لا يشبه الانتفاضة الشعبية بشيء إنه بالأحرى انتقام سياسي دولي من دمشق بسبب وقوفها إلى جانب المقاومة و دعمها للقضايا المحقة )) 1 ويستمر الموقف الإيراني بنفس النزعة الطائفية المقيتة في دعم و تأييد نظام القتلة الطائفيين في دمشق، وبعد مرور ما يزيد على العام على انطلاق الثورة السورية المباركة، و رغم جماجم الأطفال التي تناثرت هنا وهناك و رغم الذبح و الاغتصاب و الاضطهاد الذي كان وسيلة بشار الأسد الوحيدة في تعامله مع شعبه. يستمر الموقف الإيراني بالدعم بل و يت ا زيد، حيث يصرح المرشد الإيراني علي خامنئي : ((ستدافع إيران عن سوريا لأنها تؤيد سياستها القائمة على مقاومة النظام الصهيوني (إسرائيل)، وتعارض بشدة أي تدخل لقوى أجنبية في الشؤون الداخلية لسوريا )) أما المستشار الدبلوماسي للمرشد خامنئي، علي أكبر ولايتي : فيصرح بأن أميركا تستهدف محور المقاومة، و أن بشار لن يسقط و يذكر العالم بأن بشار ليس بمفرده، إنما تقف خلفه إيران و عراق المالكي – المستشيط في المقاومة – ولبنان .
دعوات الحوار و المبادرة الإيرانية:
أطلقت إيران عددا من التصريحات دعت فيها للحوار الداخلي في سوريا ولنبذ العنف و ربما أحيانا طالبت بشار الأسد نفسه الإسراع في إجراء إصلاحات سياسية في البلاد . معظم تلك الدعوات وردت على لسان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لكن على الرغم من كون تلك الدعوات براقة، أقر فيها نجاد و غيره بوجود مشاكل في سوريا كما أقروا بوجود حاجة ملحة و مستعجلة للإصلاح، إلا أن النفاق الفارسي أبا إلا الظهور بين ثنايا السطور، حيث يقول نجاد في مقابلته مع صحيفة نيويورك تايمز على هامش حضوره اجتماعات الجمعية العامة و التي تنشرها صحيفة الشرق الأوسط. (( سوريا شأنها شأن أي دولة أخرى، لقد قلنا إن عليها الجلوس إلى طاولة الحوار القائم على الاحترام والتفاهم المتبادل لحل مشاكلها. العدل والحرية والاحترام من حق كل البشر، ولم تحل المواجهات والمصادمات المشاكل، بل ستؤدي إلى تفاقمها. وعلى الأطراف الخارجية عدم التدخل، فهي لن تزيد الأمور إلا سوءا ولن تحل بهذه الطريقة. )). و يطالب وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي سوريا بالإصلاحات السياسية و تحقيق مطالب الشعب المشروعة .. و يدعو إلى حل المشكلات ضمن العائلة الواحدة التي عبر عنها بأنها تتكون من سوريا و تركيا و إيران وربما كانت إدانة أحمدي نجاد للمجازر في سوريا هي أفضل موقف ولو لفظي خرج من مسؤول إيراني حيث قال ((نحن ندين عمليات القتل والمجازر في سوريا، سواء كان القتلى من قوات الأمن أو من الشعب والمعارضة)) ووجهة نظر نجاد للحل في سوريا تتضمن دعوته لمؤتمر إسلامي جامع في بلاده يضم دولا قادرة على التأثير في الشأن السوري، بعيدا عن أي تدخل خارجي، متناسياً أساطيل بلاده و طائراتها و قواتها التي تعمل في الأرض السورية و متناسيا الدعم الروسي منقطع النظير الذي يحظى به بشار الأسد، و كذا الدعم الصيني الكبير . كما حاولت طهران تجريب المساومات مع أحد فصائل المعارضة السورية و أكثرها تضرراً على الإطلاق من النظام السوري – وهي جماعة الإخوان المسلمين المحظورة المحكوم المنتمي إليها بالإعدام منذ أحداث الثمانينات و إلى اليوم حيث عرضوا عليهم 4 حقائب وزارية قابلة للزيادة مقابل شرط وحيد هو التمسك ببشار الأسد و عدم إسقاطه، إلا أن الإخوان على لسان فاروق طيفور عضو الإخوان في المجلس الوطني السوري أعلنوا الرفض القاطع لهذا الأمر.
الحرس الثوري الإيراني يقاتل على الأرض السورية : تستمر إيران في دعمها لنظام الأسد، ضاربة عرض الحائط بكل الشعارات البراقة التي كانت ولاتزال تتستر بها و تتشدق و تزايد بها على الآخرين وضاربة عرض الحائط بكل أساسيات السياسة الدولية و قوانين المجتمع الدولي،، فمنذ الأيام الأولى للثورة في درعا في نواحي الجامع العمري و في ريف درعا يقول الثوار أنهم شاهدوا عناصر عسكرية ملتحية – مع العلم بأن اللحية من المحرمات على الإطلاق في الجيش العربي السوري – كما أكد آخرون أنهم كانوا يتحدثون لغة غير العربية و جاهر آخرون ليقولوا إنهم بالفعل يتحدثون الفارسية و هم من عناصر الحرس الثوري الإيراني .وقد أعلن العقيد مالك الكردي أن الجيش السوري الحر – كتيبة الفاروق في حمص تمكنت من أسر سبعة إيرانيين، خمسة منهم هم خبراء عسكريون ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني ، و اثنان مدنيان ، وقد اعترف الخبراء الخمسة بأنهم من الحرس الثوري و أن قدومهم إلى سوريا كان لأجل المشاركة في قمع الثورة السورية السلمية، و تظهر كتائب الفاروق في شريط فيديو أحد الأسرى وهو يتحدث بالفارسية و يعترف بأنه قدم إلى سوريا للمشاركة في قمع الثورة. وتتفق التقديرات الاستخباراتية الأميركية مع ما قاله الثوار السوريون مؤخرا حول تصاعد التورط الإيراني في الإجراءات القمعية، ويستشهد زعماء المعارضة بحالات الانشقاق في القيادة العليا للجيش السوري للتدليل على أن إيران أرسلت إلى سوريا مئات المستشارين والمسؤولين الأمنيين ورجال الاستخبارات، إضافة إلى أسلحة وأموال وأجهزة مراقبة إلكترونية. و يتهم المجلس الوطني إيران مجددا و في مناسبات كثيرة بتقديم كافة أنواع الدعم لنظام بشار الأسد الطائفي، حيث أعلن المجلس الوطني أن إيران شريك في الجرائم التي تجري على الأرض السورية إذ أن تدخلها في الشؤون السورية يشمل تدريب ميليشيات النظام على عمليات التصدي للمتظاهرين، وتقديم التقنيات والأجهزة اللازمة لذلك، بما فيها أجهزة التنصت والمراقبة، ونقل شحنات كبيرة من الأسلحة كما تقوم إيران أيضا بحسب المجلس الوطني بملاحقات أمنية تستهدف معارضي النظام و أبرز الناشطين.
الدعم الديني الطائفية و المذهبية : استخدمت إيران الملالي، الطائفية والمذهبية في محاولتها قتل و وأد الثورة السورية المباركة، مستغلة التركيبة الفكرية و الفقهية للدين الشيعي، و ما ترسخ في العقل الباطن لدى المتدين الشيعي من كون كلام إمامه قد لا يقل شأنا عن قول الأنبياء و الرسل، حيث أن معمميهم في حالة اتصال دائم مع الأئمة الإثني عشر و بالتالي فللمعممين في الدين الشيعي سلطان عظيم على تابعيهم من العوام الهائمين على وجوههم. وفي القضية السورية و هي ما يعنينا في هذا الكتاب حصراً .. أسرد لكم موقفين يبينان التحشيد الطائفي البغيض الذي هو في الحقيقة – حسبما أرى أنا على الأقل – هو عين الموقف الإيراني سياسيا و عسكريا و اقتصاديا و فكريا و هو الدافع الأول و الأخير للموقف الإيراني ، الذي ربما بدا غير قابل للتفسير من قبل البعض. يطلق آية الله أحمد جنتي دعوة أشبه بتلك الدعوات التي كان يطلقها البابا المسيحي في أوروبا الكاثوليكية معلنا فيها بداية الحرب المقدسة أو انطلاق حملة صليبية مقدسة لاحتلال الشام و فلسطين و القضاء على دين العرب ...! حيث يقول جنتي من على منبر جامعة طهران : ((على الشيعة العرب أن يبادروا لدخول سوريا للجهاد بجوار النظام السوري، حتى لا تقع سوريا بيد أعداء أهل البيت)) فنحن في نظرهم مجرد أعداء لآل البيت الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين .. لذا حق ووجب قتالنا و قتل أطفالنا و نسائنا و كل ما يمت لنا بصلة . كما أن مقتدى الصدر أعلن من قبل استعداده لإرسال المقاتلين للدفاع عن عتبات آل البيت المقدسة في الشام . أما آية الله أحمد خاتمي فيهدد أيضا من على منبر جامعة طهران الدول العربية و شعوبها و متوعدا بأن إيران ستحرق هذه الدول فيما إن فكرت في مد يد العون للشعب السوري المقهور .
الدعم الإعلامي : كثيرة هي الأبواق الرخيصة التي وظفتها إيران للصياح ليل نهار منافحة عن النظام السوري الظالم رجاء تحسين صورته و إيصال صوته الأفاك للعالم، فالقنوات الإيرانية و تلك الشيعية المؤتمرة بأمر ولي الفقيه لاتفتر عن تقديم وجهات النظر الرسمية و لا تقصر في تبني أي خبر توصي به القيادة السورية، حتى أننا رأينا أن القنوات السورية الدنيا و الفضائية و قناة المنار و قناة العالم هي أبرز القنوات التي سمح لها النظام بالتجول و بإجراء مقابلات قصيرة مع الجمهور و كانت كلها مقابلات رخيصة مصطنعة، في حين حرمت القنوات العربية من أي تغطية إعلامية بل و حرمت حتى من أن تجتاز عتبات الحدود السورية . النصائح الإعلامية التي كان أدلى بها مدير قناة العالم الإيرانية في دمشق حسن مرتضى للرئيس السوري شخصيا و التي مُررت له عبر وسيط يدعى ( هديل )، مفاد النصيحة بأن اتهام القاعدة بعد خمس دقائق من التفجير ليس من مصلحتنا بل من الأفضل اتهام الولايات المتحدة و المعارضة السورية و الدول التي أدخلت السلاح إلى سوريا بالتفجيرات . وهكذا يتضح مدى الزخم الكبير الذي تمنحه طهران لدمشق في مختلف النواحي وانطلاقا من منطلقات مذهبية من ناحية، وسياسية من ناحية ثانية، واستراتيجية من ناحية ثالثة ..وهو ما يعطي النظام مزيدا من القوة في مواجهة شعبه ..لكن ماذا عن الموقف التركي؟
ثانيا :الموقف التركي اتسم الموقف التركي عموما بانحيازه إلى الحق وإلى مطالب الشعب السوري العادلة و قامت تركيا بعدد من الخطوات و المواقف الجريئة التي تحسب لها و التي شكرها عليها الشعب السوري و بالتأكيد فإنه لن ينسى لها تلك المواقف بإذن الله تعالى.
النصائح التركية و سلسلة الوفود : منذ بداية الثورة السورية، واظبت تركيا على استمرارية الاتصالات الدبلوماسية مع دمشق قاصدة تعديل نهجها وإصلاح ذات البين، راجية تماسك البيت السوري وعدم انفراط العقد في سوريا لأن ذاك يعني خسارة استراتيجية كبيرة جدا لتركيا على مختلف الأصعدة الاستراتيجية والاقتصادية والتجارية، فحجم التعامل الكبير الاقتصادي بينهما سيتحول إلى خسارة كبيرة إن انفرط العقد السوري بالكامل . النصائح التركية كانت ترد إلى دمشق على أعلى المستويات مطالبة إياها بالإصلاح و التعجل في ذلك،إلا أن الأتراك كانوا سرعان ما يلمسون بأيديهم ما لمسه السوريون و فقدوا الأمل منه منذ عقود . تمحورت النصائح التركية في البداية حول فكرة مفادها بقاء الأسد كرئيس لكن مع تقليص في الصلاحيات، حيث يمثل هذا الرأي حلا و سطا بين النظام و الشعب الثائر، حتى أن وفودهم الدبلوماسية الكبيرة كانت تصطحب معها نسخاً مترجمة إلى العربية عن القوانين التركية الناظمة للأحزاب و لمكافحة الإرهاب .
تضمنت النصائح التركية رزمة كبيرة من المقترحات مثل : إلغاء محاكم أمن الدولة، السماح بالتعليم الديني، التجربة التركية في التعددية الحزبية و تفيهم دمشق أن تعدد الأحزاب لن يفضي إلى انهيار سوريا قط، كما كان الحال مع تركيا – و التي حسب الأتراك – تشابه سوريا من حيث احتوائها على فسيفساء طائفية و عرقية، الإشارة إلى إخراج قانون تعددية حزبية منفتح، لكن يَحظُر في الوقت نفسه تشكيل أحزاب على أساس ديني أو طائفي أو عرقي، كما هو الحال في تركيا المشابهة أيضاً، شرط تحقيق عشرة في المئة للأحزاب كي تحصل على التمثيل البرلماني . لكن وبعد أن قامت تركيا بعمل ما بوسعها من مبادرات و دعوات و نصائح، وأعطت فرصة زمنية لإصلاح الأمور، إلا أن دمشق لم تعبأ أصلا بتلك النصائح و لم تُعِر الوقت أي أهمية و لم يكن ردها إلا المماطلة . ومع تقدم عمر الثورة السورية و هي تزداد اشتعالاً على نظام العصابة الطائفية الحاكمة، تجد تركيا نفسها أمام مماطلات و وعود لا طائل منها، ربما يدفعها ذلك للإعلان عن مهلة لها سقف زمني منحصر بأسابيع إن لم تكن أيام . فوفقاً لصحيفة زمان التركية التي نقلت عن مصدر تركي مسؤول ما مفاده أن الحكومة التركية قد حذرت نظام الأسد من أن تركيا سوف تشرع في تطبيق عقوبات مشددة، منضمةً بذلك إلى عدد من الدول التي نحت ذاك المنحى، و أن تعامل تركيا مع سوريا سيتوقف على مدى مصداقية النظام في عمل إصلاحات شاملة من شأنها تهدئة الشعب وتحقيق طموحاته، مضيفاً أن على النظام السوري عمل إصلاحات تحول النظام إلى نظام تعددي يعكس التنوع و التعددية في المجتمع السوري، و أن الموقف التركي سيتحدد في غض ون أيام أو أسابيع. ثم تأتي الرسالة التركية هذه المرة على لسان وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو الذي تحدث مع حسن تركماني مبعوث الأسد الخاص إلى تركيا قائلاً (( أكدنا على أن الدعم التركي لسوريا متوقف على رغبة الحكومة السورية في تبني إصلاحات شاملة . وقد فصلنا اقتراحاتنا من قبل، حتى إننا نقلنا مقترحا مكتوبا إلى دمشق حول كيفية العمل على استقرار الأوضاع في البلاد )) في بداية شهر أغسطس 2011 و الذي تزامن مع رمضان شهر المسلمين المقدس، بدا أن النظام السوري قد ضرب بعض الحائط كل ما قُدم له من نصائح و بالأخص النصائح التركية، مما رفع حالة اليأس و خيبة أمل الأتراك إلى أعلى مستوياتها فقد فقدت تركيا كل أمل بإصلاح هذا النظام و أعلنت أنقره أن مرحلة جديدة من العلاقة قد انبثقت عن هذا الاحتقان.
العقوبات التركية : كأوروبا و أميركا و بعض الدول العربية، قامت تركيا بفرض بعض الحزم العقابية على النظام السوري على الرغم من التعاون الاقتصادي الكبير جداً الذي كان قائما بين الطرفين حيث يصل التبادل التجاري بينهما إلى 2.5 مليار دولار و كان البلدان ينويان رفع حجم التبادل إلى خمسة مليارات دولار في عام 2012 كانت البداية بوضع خطة للعقوبات الاقتصادية قال عنها الأتراك أنها عقوبات ذكية تستهدف النظام و تحاول قدر الإمكان عدم إلحاق الأذى بالمواطن السوري .
حيث قالت مصادر دبلوماسية لصحيفة« حرييت التركية، » أن العقوبات التركية وضعت في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسيتم تطبيقها ريثما يوافق عليها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. ووصفت العقوبات بأنها« عقوبات ذكية » وتستهدف الإدارة السورية من دون أن تؤثر على حياة السوريين العاديين، بحسب مسؤولين. في يوم 30 نوفمبر 2011 ، أعلنت تركيا رسميا عن تطبيقها حزمة العقوبات على النظام السوري، على لسان وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، حيث شملت تجميد التبادل التجاري بين البلدين و وقف التعامل المصرفي بين البنك المركزي السوري و البنك المركزي التركي، إضافة إلى حظر كافة أنواع الأسلحة و المعدات العسكرية و تعليق عمل مجلس التعاون الاستراتيجي عالي المستوى و أيضاً وقف القروض التركية لسوريا، وأضاف أوغل وبأن عقوبات مماثلة ستتخذ ضد رجال أعمال معروفين بمساندتهم لنظام الأسد . ومع قيام النظام بارتكاب مجزرة الحولة و هي إحدى أبشع المجازر في التاريخ حيث قتل فيها ما يزيد على 108 أشخاص، بينهم على الأقل 49 طفلا ، قامت تركيا بطرد البعثة الدبلوماسية السورية،وهو الموقف الذي جاء مواكباً للموقف الدولي حيث تم طرد السفراء السوريين من عدة دول غربية و من اليابان أيضاً .
احتضان المعارضة و الثورة السورية : ربما كان أهم و أفضل ما قامت به تركيا تجاه ثورتنا المجيدة هو احتضانها لها على مستويات عدة، اللاجئين ممن فقدوا الأمان في بلادهم و وجدوه في مخيمات تركيا الجارة التي فتحت ذارعيها لآلاف اللاجئين السوريين، أو العسكريين المنشقين الذين وفرت لهم تركيا مخيمات لجوء و حماية ممتازة .. فمنذ بداية الثورة قصدت الأحزاب السورية و النخب السياسية و الاجتماعية المعارضة تركيا لتعقد فيها المؤتمرات والاجتماعات للتنسيق فيما بينها كقوى، و لتوحيد الصفوف و دراسة سبل رفد الثورة بما تحتاجه من تمثيل سياسي و اجتماعي و دعم اقتصادي، بالإضافة إلى كون تركيا مكان ولادة الكثير من الهيئات و المجالس و المنظمات الثورية السورية . إضافة لاستضافة تركيا لمؤتمرات دولية تعنى بالشأن السوري و مناصرة الثورة السورية بغض النظر عما تمخضت عنه تلك الاجتماعات من نتائج على أرض الواقع وعن عدم ملأ قناعة الثائر السوري بما تم فعله إلى حد هذه اللحظة . و لعل أهم المؤتمرات التي استضافتها تركيا ما يلي : - المؤتمر السوري للتغيير ( مؤتمر أنطاليا ) - مؤتمر الإنقاذ الوطني السوري - مجلس القبائل العربية السورية - المجلس الوطني السوري - مؤتمر علماء المسلمين لنصرة الشعب السوري - مؤتمر الأمة الإسلامية لنصرة الشعب السوري.
مخيمات اللجوء : فتحت تركيا ذارعيها للنازحين السوريين الذين اضطروا لمغادرة بيوتهم الأصلية نتيجة الحملات العسكرية المسعورة التي قام بها نظام الأسد النصيري، حيث صرح رئيس الوزارء التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده لن تقفل أبوابها في وجه اللاجئين السوريين، و كانت أولى موجات النزوح الجماعي إبان أحداث جسر الشغور و بعد حدوث معارك ضارية بين المقدم البطل حسين الهرموش و حركته ( حركة الضباط الأحرار ) و بين القوى الأمنية و الشبيحة والتي راح ضحيتها أكثر من 120 عنصر أمن و من بينهم رئيس مفرزة الأمن العسكري . حينها حشد النظام النصيري الآلاف من الجنود و المدرعات و قصد جسر الشغور ليقصفها مما دعا حركة الضباط الأحرار لإعاقة وصول القوات الأسدية ريثما يتسنى للأهالي النزوح لتركيا خوفا من بطش النظام العنصري . مواطن و كنتيجة أولية بلغ عدد النازحين السوريين إلى تركيا حتى يوم 9 يونيو/حزيران 2011 ((2400)) سوري كما صرح بذلك وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو . و إلى يومنا هذا فإن موجات متلاحقة من النزوح الجماعي للسوريين قد تلاحقت ليصل عدد اللاجئين السوريين في تركيا وحدها إلى أكثر من ((20900)) لاجئ حسبما أفاد مصدر رسمي لوكالة فرانس برس بتاريخ ( 5 إبريل/نيسان 2012 ) و على الرغم من ثقل التكلفة المادية و المعنوية التي تلاقيها الحكومة التركية مقابل استقبال اللاجئين السوريين إلا أن تركيا تؤكد أنها لن تقفل أبوابها في وجه السوريين و أن لا حد أقصى للنازحين يمكنها القبول به حسبما أفاد دبلوماسي تركي مقيم بإقليم هاتاي قائلاً ((تركيا مستعدة لاستقبال جميع السوريين، مستعدة لاستقبال كل هؤلاء المعرضين لمخاطر، لا يوجد حد أقصى للأعداد التي يمكن أن نقبلها )) و حظيت المخيمات السورية في تركيا بمتابعة من قبل المسؤولين الأتراك حيث قام بزيارتها عدد منهم، على رأسهم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي زار مخيمات اللاجئين في مقاطعة كِلِس بتاريخ ( 6 مايو/أيار 2012 ) و كان أردوغان قد أكد في اجتماع لحزبه في محافظة غازي عنتاب التركية (( بإذن الله، سيبدأ عصر جديد في سوريا، إن عاجلا أم آجلا )). وأضاف في خطاب تلفزيوني (( ما دامت إ رادة الشعب غير محترمة في سوريا، سنواصل الدفاع عن حقوق إخواننا الآتين من هذا البلد واستقبالهم )) و هذا موقف غاية في النبل من الإخوة الأتراك، لن ينساه لهم الشعب السوري أبداً إن شاء الله .
تركيا و الجيش الحر : منذ بدايات النزوح الشعبي إلى تركيا خوفاً من البطش الطائفي البغيض في سوريا، بدأ النزوح العسكري السوري الشريف، حيث آثر شرفاء الجيش العربي السوري الانشقاق عن النظام و الهروب إلى تركيا على بقائهم في صفوف القتلة فيصنعون صنيعهم و يقتلون أبناء وطنهم . و لعل من أوائل أولئك العسكريين النازحين المقدم البطل حسين الهرموش و رفاقه الكرام . إلا أن حادثة اختطاف الهرموش و ما مثلته من عمل جريء جداً، و تعدٍ صارخ على السيادة التركية – على الأقل كما يبدو للمشاهد العادي مع افتراض حسن النية التركية الرسمية – جعل الأتراك يفكرون جدياً بإفراد مخيم خاص بالمنشقين عن الجيش السوري، خاصة أولي الرتب منهم، عرف هذا المخيم فيما بعد بمخيم الجيش الحر في تركيا، لفصل الضباط المنشقين و الذين هم عرضة للخطر بشكل دائم من قبل المخابرات السورية و عملائها على الأراضي التركية عن من قد يدعي النزوح من السوريين و هو في الحقيقة ليس سوى عميل مكلف بعملية معينة . تحيط قوات الأمن التركية بالمخيم و تمنع أي شخص من الوصول إليه، فالدخول إلى المخيم يعني الدخول إلى منطقة أمنية تركية، حيث تقع على الحكومة التركية مسؤولية كبيرة لتأمين المنشقين و لعدم تكرار حادثة الهرموش . وعلى الرغم من كل تلك الإجراءات الأمنية، فقد حاولت المخابرات السورية وعملاؤها اختراق المخيم و ربما حتى اغتيال القيادات العسكرية المعارضة، إلا أنه و الفضل لله تعالى و حده، كانت قوات الأمن التركية متيقظة و أعلنت عن اكتشافها لعدة حالات مريبة . لكن هل اقتصرت مساعدة تركيا للجيش الحر فقط على الإيواء ؟ و ماذا عن التسليح ؟ توقع الشعب السوري أن يقوم الأتراك بتسليح الجيش الحر ..لكن الواقع على الأرض و كما يقول غير قائد من قادة الجيش الحر، بل و كما يقول الأتراك أنفسهم و كما يشهد عليهم الواقع بأن أنقره لم تقدم للجيش الحر أية مساعدات عسكرية، بل لم تغض طرفها على الأقل عن دخول معدات عسكرية مهما كانت بسيطة، حتى لو كانت أجهزة اتصال عمل على إدخالها مهربون !! في حديثه لصحيفة حدث الجمهورية أكد العقيد رياض الأسعد قائد الجيش السوري الحر أن الجيش الحر لم يتلق أي دعم على الإطلاق سواء أكان من جهة رسمية أم غير رسمية، إقليمية أو دولية، على الرغم من كل الدعوات التي أصدرتها العديد من الجهات الدولية . و يؤكد رئيس المجلس العسكري في الجيش السوري الحر، العميد مصطفى الشيخ أن الجيش الحر يقاتل بأسلحته البسيطة و التي حصل عليها من الغنائم أو أثناء الانشقاقات أو عن طريق شراء الأسلحة من أزلام النظام أنفسهم، مؤكدا عدم حصول الجيش الحر على أي دعم خارجي على الإطلاق، داعياً دول العالم إلى تسليح الجيش الحر لتمكينه من الدفاع عن المدنيين، و للإسراع في إسقاط النظام، الذي بحسب الشيخ يحتاج إلى شهر و نصف أو شهرين على أكثر تقدير إن تواجد الدعم العسكري بإذن الله .
لكن السؤال هو لماذا ترفض أنقرة تسليح الجيش الحر؟ تكمن الإجابة حسب رأيي و حسبما يرى كثيرون، في أن الجيش الحر لا يزال منظمة عسكرية غير رسمية، فهو و إن كان يتشكل من منشقين عن الجيش النظامي، إلا أنه لا يمثل وفق القانون الدولي جيش سوريا الدولة، بل ربما نظرت له بعض الجهات على أنه ميليشيا مسلحة، لاسيما و أنه لم يحظ باعتراف عالمي يفرضه على العالم كجيش وطني، لذا فإن تعاطي تركيا مع هذا الجيش قد يسبب لها المساءلة الدولية إن لم يكن اليوم فربما في قادم الأيام فضلاً عن عدم وجود ترخيص أميركي لتركيا بالتسليح، وهو الأمر الذي رصده العالم كله بعد الدعوات الخليجية لتسليح الجيش الحر، وكيف كان الرد الأميركي والفرنسي والغربي، رافضاً تحت حجة أن التسليح قد يزيد من فرص اشتعال الحرب الأهلية وربما اشتعال الفتيل الطائفي في المنطقة ككل .
تحليل الموقف التركي : بنظرة خاطفة إلى الخريطة التركية نرى أن تركيا و هي الدولة المفرطة في العلمانية، ذات الأغلبية الإسلامية السنية و ذات الإرث الإسلامي العظيم، محاصرة من كل الاتجاهات ولا نجد لها عمقاً آمناً سوى في سوريا . فمن الشمال يحدها البحر الأسود وهو منطقة نفوذ روسية مع التذكير بأن روسيا القيصرية ثم الشيوعية(الاتحاد السوفييتي) ثم الاتحادية لم تكن يوماً من الأيام إلا ألد الأعداء للدولة العثمانية أو التركية على التوالي، فروسيا ليست إلا عدواً تاريخياً تقليدياً من الطراز الأول بالنسبة للدولة العثمانية و كم هي طويلة و كبيرة الحروب التي خاضتها الدولة العثمانية ضد روسيا القيصرية، أما في العهد السوفييتي فإن تركيا مثلت الجدار الحديدي لحلف شمال الأطلسي الذي وقف في وجه الزحف الأحمر باتجاه المتوسط والخليج، بالتالي كانت حداً أوقف مشروع السوفييت في التوسع اللامحدود . أرمينيا هي من ألد الأعداء لتركيا، حيث تطوع الكثير منهم في الجيش الروسي القيصري، و يُتهم الأتراك بتنفيذ تهجير قسري و مذابح بحق الأرمن كعقاب لهم لتواطئهم مع الروس، لذا فإن أرمينيا الممثل الأكبر للأرمن لا تمثل إلا عدواً لدوداً لتركيا و لا تفتأ اللوبيات الأرمنية في أوروبا وأميركا تحرض و تنبش في الماضي لتهييج القضية الأرمنية . جورجيا دولة ضعيفة، عرضة للتدخل الروسي السافر دائما، لها علاقتها القوية مع إسرائيل و بالتالي لا تجمعها مع تركيا عوامل مشتركة كافية لجعلهما حليفين استراتيجيين . إيران، دولة كبرى في المنطقة لها مشروعها الخاص، على النقيض من تركيا لعدة أوجه، أهمها الإرث الديني و التاريخي، حيث مثلت إيران الصفوية على الدوام خنجراً مسموماً يطعن في ظهر الدولة العثمانية السنية وكانت تخوض الحروب لإضعاف الدولة العثمانية و بالتالي لها باع كبير في إسقاط الخلافة العثمانية بما شكلته من عامل استنزاف دائم، عطل مسيرة التوسع العثماني الإسلامي في أوروبا و في روسيا وهذا هو الدور نفسه الذي يتقنه الشيعة مع اختلاف الأزمنة والأمكنة . لذا فإيران أيضاً عدو تقليدي كبير لتركيا يعاكسها في المذهب و المشروع و العرق . إلى الغرب نجد اليونان أيضاً عدو تقليدي لتركيا، تتنازعان منذ عشرات السنين على جزيرة قبرص المقسمة إلى قسمين تركي و يوناني . أما عن دويلات البلقان، من الناحية الشمالية الغربية، فهي في عمومها تنظر لتركيا على أنها وريث شرعي للعثمانيين، الذين سبق أن احتلوا تلك الأراضي و رفعوا فيها عالياً رايات الإسلام . تبقى فقط الجهة الجنوبية التي تنقسم ما بين سوريا و العراق، أما العراق فهو يعد حاليا من وجهة نظري محافظة إيرانية، ليس إلا، فحكومة المالكي الطائفية لا تعدو كونها ميليشيا طائفية تنفذ أوامر ولي الفقيه بحذافيرها و هي ( العراق ) فضلاً عن ذلك بلد منهار ضعيف .
إذاً تبقى فقط سوريا، سوريا ذات الأغلبية السنية وذات الحدود المشتركة الطويلة مع الجار التركي و التي تربطها بسوريا علاقات اجتماعية بل و حتى عائلية، والتي كانت أهم مقاطعات الدولة العثمانية على الإطلاق و مركز تجنيد و تطويع في الجيش العثماني لطالما خاض رجالها الحروب تحت إمرة السلطان، طالما كان الهدف رفع رايات الإسلام هنا و هناك . فضلاً عن كونها شريك اقتصادي هام جداً و نافذة أطلت تركيا منها على العرب قاطبةً بعد أن كانت بعيدة كل البعد عن العالم العربي و الإسلامي . هذا في الأوضاع العادية، فضلاً عن كون إيران أثناء الثورة و قبل الثورة كانت تعمل على تشييع الشعب السوري و بالتالي ضم سوريا إلى العباءة الإيرانية كما هو الحال في العراق و أكثر، لذا أعتقد أن تركيا وعت الأمر وأدركت أنها إن تخلت عن سوريا فإن عراقاً آخر سينشأ على حدودها الجنوبية. لذا انحازت تركيا للشعب السوري و قدمت له الأرض والمخيمات و الدعم السياسي و استضافت المؤتمرات – كما بينا سابقاً. وفي الختام نقول إذا كانت إيران قد خذلت الشعب السوري بوقوفها مع النظام متجاوزة فيذلك أقل مبادئ الإنسانية، فإن الموقف التركي لا يمكن إغفاله في ظل الظروف المعقدة التي تحيط بأنقرة إقليميا ودوليا بل وداخليا أيضا ..فنحن كسوريين لا نستطيع إغفال الموقف التركي، الذي مهما حصل يبقى هو أفضل المواقف تجاه ثورتنا و لكننا لا نزال ننتظر من إخواننا الأتراك الأحرار المزيد.
المصدر: مركز أمية للبحوث والدارسات الاستراتيجية
ميرفت عوف
لم تذكروا قطع تركيا لمياه نهر الفرات والتسبب في جفاف ألحق أضرارا بالغة بمئات الآلاف من المزارعين السوريين، ولم تذكروا لواء اسكندرون المحتل. ورغم امتناني لدعم تركيا لثورتنا المجيدة، فإنها لا تمثل صديقا مخلصا في نظر الكثير من السوريين.
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة