..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

سوريا.. موسم الفرار من الجحيم " العربي"

محمد هنيد

٢٧ أغسطس ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6108

 سوريا.. موسم الفرار من الجحيم
هنيد000.jpg

شـــــارك المادة

تختنقُ بالدمع وأنت تشاهد آلاف الصور لآلاف الأطفال والعائلات السورية الهاربة من أتون الدم السوري. تتوشحُ بالعار وأنت تقف شاهدا على ما وصل إليه العجز العربي من حدود تشهد فيها الأمة بتر أطرافها ولا تحرك أصبعا يدفع الخنجر الطائفي. تتوّجُ بالذل وأنت تقرأ تصريحات النخب العربية المتعفنة وكتائبها الإلكترونية وهي تمجد جيش الغزاة الجدد حملة الوهم الإمبراطوري الفارسي المقنع برداء المقاومة والممانعة. 

في سوريا خيارات الموت لا تنتهي إما قصفا بالبراميل الطائفية، وهي تنصبّ حقدا على من طالب بالحرية والعدالة أو الموت ذبحا على أيدي فرق الموت الاستخباراتية العابرة للقارات أو الموت جوعا وعطشا تحت الأنقاض أو الموت قهرا بعد خيانة القريب وصمت البعيد. أكَل السوريون القطط والكلاب واقتاتوا من الأعشاب ومن بقايا الأوراق وماتوا جوعا وعطشا ذنبهم الوحيد أنهم وقعوا في كماشة لعبة إقليمية قذرة ضحّى فيها النظام بشعبه من أجل أطماع الحلم الإمبراطوري الفارسي على أرض العرب. نظام أوهام الممانعة والمقاومة الذي تاجر عقودا بالعروبة وبالقضية الفلسطينية قام ـ من أجل عائلة وطائفة ـ بذبح وطن بحجم سوريا إرضاء لعيون ولاية الفقيه.

صور الموت والدمار والخراب والبراميل والأشلاء البشرية لم تعد تحرك ساكنا عربيا رسميا بل إن جامعة الدول العربية تدرس بالأمس خيارات التدخل في ليبيا وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لنصرة الانقلابيين على ثورة فبراير ولا تحرك ساكنا أمام عصابات الموت الإيرانية الجوالة في سوريا ولا تهتم لمصير الملايين من العائلات المحاصرة تحت القصف وبين الأنقاض.

الثابت هو أن اللاجئ السوري يعلم جيدا أنه وحيدا يواجه الموت على أرضه ويواجه ضباع المآسي البشرية من تجار البشر وأغنياء الحروب عبر مسالك التهريب الدولية حيث الموت يتربص في كل منعرج وحين. الإنسان السوري أدرك سريعا بعد جرائم النظام المرعبة وحجم الموت والخراب الذي خلفه "شبيحته" أنه لا خيار له غير الفرار فالموت لن يرحم أحدا. السوريون هم أكثر المجموعات اللاجئة في العالم اليوم حسب الإحصائيات الرسمية حيث يفوق عددهم سبعة ملايين لاجئ ونازح بعد أن دمر النظام مدنا بكاملها وسواها بالأرض، وفتح الحدود أمام مجموعات الموت لتمنحه شرعية التقتيل والتصفية بمباركة دولية وإقليمية. بالأمس عجت مواقع التواصل الاجتماعية وقنوات الإعلام الافتراضي بمشاهد الإهانة التي يتعرض لها السوريون في لبنان، وفي الدول العربية المجاورة بعد أن رفض العرب تدويل قضية اللاجئ السوري، والذهاب بها أمام مجلس الأمن. بالأمس أيضا صرحت المستشارة الألمانية تصريحات مخجلة للعالم العربي عندما أشارت إلى أن " الشعب الألماني يستقبل النازحين السوريين عبر آلاف الكيلومترات في حين تبعد ديار الإسلام عنه بعض الأمتار".

الجميع يولي وجهه شطر الحائط في مواجهة المحنة السورية التي لم يشهد لها التاريخ القديم، ولا الحديث مثالا فلا أحد من مجرمي الحروب تاريخيا قام بقتل شعبه على مرأى ومسمع من العالم، لكن محنة الشعب السوري ستطال كامل المحيط الإقليمي لأن سوريا ليست إلا جزءا من هندسة الفوضى الجديدة في المنطقة العربية عامة، وفي منطقة المشرق العربي خاصة. فليس سقوط العراق بالأمس في يد الاستعمار الأمريكي اقتصاديا وفي يد الاستعمار الفارسي حضاريا إلا مؤشرا على تقدم منوالات الفوضى في الأرض العربية. كل الأخبار القادمة من مصر تؤشر على تقدم الجماعات الجهادية؛ سواء في سيناء أو في غيرها من المدن المصرية، مما يؤكد أن هندسة الفوضى الجديدة الناجمة عن وأد الربيع العربي وقمع المطالب السلمية بالحرية والعدالة الاجتماعية ستطال أغلب الدول العربية النوعية، بدأ بالعراق مرورا بسوريا ومصر وصولا إلى الجزائر والسعودية التي بدأت الحرب على حدودها بأوامر إيرانية وتنفيذ حوثي.

لم يعد خافيا اليوم حجم الانتقام الذي مارسه النظام الاستبدادي العربي من مطالب الشعوب بالحرية والكرامة، ولم يعد خافيا كذلك مبدأ الأرض المحروقة الذي كرسته القوى الإقليمية من أجل المحافظة على موازين القوى في المنطقة لصالحها. فالوعي الجديد الذي أفرزه الربيع العربي وعدد الأقنعة التي أسقطها كافية كلها بتجديد الموجات الثورية، وبتفعيل مركز ثقل جديد لحركات التغيير القادمة لا محالة لأن المنطقة اليوم تقع بين خيارين لا ثالث لهما: فإما الفوضى والتحلل أو التغيير وإعادة البناء.

لا يمكن تصور الوضع المصري وضعا قابلا للحياة أو الوضع العراقي أو الوضع السوري كذلك وهي أوضاع ستفرز حتما بدائل حقيقية قابلة للحياة، وقابل لتجاوز واقع الجحيم العربي القائم بفعل الاستبداد على ثنائية القمع أو الفوضى والخراب. منوالات الربيع العربي تجارب قياسية هامة جدا للوعي العربي الجديد من أجل إدراك حجم السقوط ومعرفة زيف الخطاب الدولي وأكذوبة حقوق الإنسان التي لا تشمل الإنسان السوري، وهو الوعي الذي على أسسه ستبنى سوريا الجديدة المستقلة نهائيا عن الأطماع الفارسية والمحررة من قبضة الطائفية والأوهام القومية.

 

 

عربي 21

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع