..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

إرادة توجيه الصراع

إبراهيم الكاسح

٢ يونيو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2657

إرادة توجيه الصراع
098.jpg

شـــــارك المادة

يطرح صامويل هنتنجتون فكرة صراع الحضارات بوصفِها حتميةً ستوجِّه العلاقات بين الأمم والشعوب، وأن الصراع بينها حقيقة، وحقيقة قادمة، وقد قاده إلى هذا الطَّرح قراءتان متكاملتان: قراءةٌ لتاريخ الصِّراع البشري؛ حيث دار هذا الصراع تحت ضغط عواملَ موضوعية فكرية واقتصادية، خاصة ما اتصل بحقب التاريخ المتأخرة، وقراءةٌ أخرى استشرافية، استشعرت أن الصراع الماديَّ قد استنفدَ أسبابه وإمكانياته، ولم يعد هو المحرِّكَ الوحيد بل المهمَّ للعلاقات الدولية والأممية.
ومهما كانت التعليقاتُ المناهضة لهذا الطرح، والتي تَصدُر في معظمها عن روح أنجيلكانية تتمسَّح بالمشاعر، وتُداعب العواطف أكثر منها إقرارًا وتصريحًا بحتميات التاريخ الموجَّهة لحركيته، والتي تَعي تمامًا أن الصراع العقدي أحدها.
وأطراف هذا الصراع الحضاري القادم لم تَعد المفكِّرين والسياسيِّين، والنخبَ ذات المرجعية الفكرية الوضعية، وذاتَ التصور الموضوعي؛ إنما أطرافُه من ذَوي المرجعية العقَدية، والتصور الديني؛ فهُم رجال دين، وحراس عقيدة، ومنهم تتشكَّل التيارات المتطرفة في كل العقائد؛ فيتحول الصراع إلى مواجهة حادة مباشرة بين متطرِّفي البديل العقدي.
ولم تكن أحداث 11 سبتمبر، وحرق المساجد، والعبَث بالمقابر الإسلامية، والاعتداء على المحجَّبات، إلا مؤشِّراتِ هذا الصراع ومقدِّماتِه، وقد أدركَت مؤسسات الإستراتيجية الغربية صوابيَّة هذا الطرح، وأنه بالفعل عنوان المواجهة القادمة بين الشرق الإسلامي والغرب اليهودي المسيحي، وتَعي هذه المؤسسة أيضًا خطورته، وتداعياتِه الضارةَ جدًّا على مَصالحها الحيوية، وربما أنه قد يشكِّل تهديدًا على وجودها؛ وذلك لاعتبارات تتصل بهَشاشة مجتمعاتها المعنوية والأخلاقية، ولاختراق كياناتها من قِبَل المجموعات البشرية المسلمة، ولقَلَقِها من أي تهديد يمسُّ نظام الحياة في المجتمعات الغربية، وقيمَه المادية التي أنتجها التصور الغربي الوضعي.
لهذه الاعتبارات مجتمعة، ولإقرار مَن يملكون إمكانية رسم خارطة المستقبل العالمي بحتميَّة الصراع العقدي المقبل، وأمام هذا المشهد، وبحسٍّ استباقي - اتجهَت الإستراتيجية الغربية إلى البحث عن كيفية لتعطيل فُرَص هذا الصراع، أو على الأقل تأخير سيرورته، ولهذه الغاية بادرَت إلى توجيهه وجهةً داخلية؛ ليكون بين طوائف العقيدة الإسلامية الواحدة، ولا أفضل مِن إثارة وتحريك الجرح النازف بين الشيعة والسُّنة؛ الأمر الذي سيُقيم مواجهةً عنيفة حادة بين مكوِّنين ضخمين؛ يمكن للصِّراع بينهما أن يَدوم فترة طويلة، ويُفضيَ إلى خسائرَ مهمة في الجانبين.
وهكذا استحالت سوريا والعراق واليمن ساحاتٍ لهذا الصراع، وعلى دول إسلامية أخرى تقع مهمة تغذيته بالمقاتلين؛ مثل تونس ومصر، أو بالمال كما يُنتظَر من ليبيا.

 

 

الألوكة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع